ما التوتر الإيجابي؟ وكيف تستثمره لصالحك؟

2 دقيقة
التوتر الإيجابي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عادة ما ننظر إلى التوتر النفسي بوصفه أحد الجوانب السلبية في حياة كلٍ منا؛ لكن ليس كل توتر سلبياً بطبيعته. ففي حين يمكن أن تكون للتوتر المزمن أو المفرط آثار وخيمة في الصحة الجسدية والرفاهية النفسية، فإن المستويات المعتدلة من التوتر يمكن أن تكون مفيدة وضرورية للنمو والتحفيز وتعزيز القدرة على التحمل.

يظهر ذلك فيما يُعرف بـ “التوتر الإيجابي”؛ الذي يحثك على الخروج من منطقة الراحة ويحفزك على العمل، فهو أشبه بمنبه يلفت انتباهك إلى ضرورة الاهتمام بالمهام الصعبة ومعالجتها. ويمثل فهم الفرق بين التوتر المؤذي والتوتر الإيجابي القابل للإدارة، أساس القدرة على تسخير الجوانب الإيجابية للتوتر ومن ثم التغلب على تحديات الحياة.

للتوضيح أكثر: عندما نواجه ضغوط الحياة اليومية، تتحفز أجسادنا وأذهاننا؛ ما يؤهلنا لاتخاذ خطوات للمواجهة، وهي استجابة طبيعية مصممة لمساعدتنا على معالجة التحديات. فعندما نواجه ضغوطاً قابلة للإدارة؛ مثل المواعيد النهائية أو العقبات غير المتوقعة، تفرز أجسامنا هرمونات التوتر؛ ما يزيد تركيز كلٍ منا ويعزز مستويات طاقته. وهذه الاستجابات لا تساعدنا في التغلب على المواقف التي نواجهها بفعالية فحسب؛ بل تسهم في بناء قدراتنا على التحمل بمرور الوقت.

ويعزز التعامل مع التوتر المعتدل بطريقة صحية قدراتنا على التحمل، فمثلما يقوي رفع الأثقال العضلات؛ يعزز التغلب على الضغوط القابلة للإدارة قدراتنا على مواجهة التحديات المستقبلية. ففي كل مرة نتغلب فيها على موقف مثير للتوتر بنجاح، تنمو ثقتنا بأنفسنا ونطور مهارات واستراتيجيات جديدة للتعامل مع المواقف المماثلة في المستقبل، وتعد عملية التكيف والنمو هذه ضرورية لبناء قدرتنا على تحمل الشدائد والتعامل معها بنجاح.

لكن يختلف الوضع حينما يصبح التوتر مزمناً أو يسيطر على حياة كل منا، فالتعرض المستمر إلى مستويات مرتفعة من التوتر يمكن أن يُضعف قدراتنا على تحمل الشدائد؛ ما يؤدي إلى إنهاكنا وإضعافنا، فبدلاً من تجاوز الضغوط بنجاح، سنجد أنفسنا نكافح للتأقلم معها أو نصاب بالاحتراق النفسي أو حتى نصاب بمشكلات صحية مرتبطة بالتوتر. لذا؛ من المهم أن ندرك متى يصبح التوتر مزمناً، وأن نتخذ خطوات استباقية لمعالجته قبل أن يؤثر سلباً في صحتنا، ويظهر هنا دور عقلية المرء والطريقة التي يستجيب بها للضغوط في تحديد تأثيرها فيه.

ووفقاً لبحث أجرته جامعة ستانفورد (Stanford University)؛ فإن العلاقات الاجتماعية تعد مهمة مثل الاستراتيجيات الأخرى المعروفة لإدارة التوتر مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي وممارسة تمارين الاسترخاء واليقظة الذهنية. ويؤكد ذلك الباحث في الدراسة، ستيفن كرين (Steven Crane)، بقوله: “تشكل العلاقات الاجتماعية شبكة دعم، وهي أحد أكبر عوامل الرفاهية العامة لمعظم الناس”، فإذا جعل الفرد الروابط الاجتماعية جانباً رئيساً في حياته ومنحها الأولوية، فإن ذلك سيعود عليه بفوائد صحية كبيرة.

ويسلط البحث السابق الضوء على النتائج الصحية الإيجابية التي يحصل عليها أفراد المجموعات المترابطة اجتماعياً، بغض النظر عن السن أو النوع الاجتماعي أو الحالة الصحية الأولية، ويشير إلى أن تنمية العلاقات القوية والآمنة لا تعزز السعادة فحسب؛ بل تسهم أيضاً في إطالة العمر.

أخيراً، يمكن القول إن سر التغلب على تقلبات الحياة دون السماح للضغوط بإثقال كواهلنا هو فهم مسببات التوتر واكتشاف آليات صحية للتكيف، فالتوتر لا يتعلق بما يحدث لنا فقط؛ بل أيضاً بأسلوب التعامل مع الأحداث ذهنياً وسلوكياً.