ملخص: يمكن أن يعيش الأشخاص الذين يعانون تدني الثقة بالنفس صراعات داخلية، وقد يتجلى ذلك أيضاً ظاهرياً في سلوكيات الفرد وتصرفاته؛ لكن هناك الكثير مما يمكننا فعله لتعديل أفكارنا وتوقعاتنا وزيادة ثقتنا بأنفسنا.
محتويات المقال
لحركات الجسد أهمية كبيرة في التعبير عن الثقة بالنفس وتعزيزها؛ فهي أول ما يلاحظه الآخرون عند التفاعل معك. إذا كانت واثقة وقوية، فلن تؤثر إيجابياً في انطباعهم الأول عنك وحسب؛ بل في شعورك تجاه نفسك كذلك. لذلك؛ فإن التركيز على الحركات الجسدية الواثقة يسهم على نحو كبير في تعزيز الثقة بالنفس واستجابة الآخرين إيجابياً.
ما الثقة بالنفس؟
وفقاً لمدرب تطوير الذات وإدارة العلاقات، ياسر الحزيمي؛ يتمثل مفهوم "الثقة بالنفس" في معرفة الحقوق والحدود الشخصية وكيفية التعامل مع النقد والآخرين. ويوضح إن الثقة بالنفس نوعان؛ الثقة الدائمة التي لا تتأثر بالمواقف، والثقة الموقفية التي تتأثر بالمكان والزمان والموقف. ويشير إلى أهمية توكيد الذات وتقبلها، موضحاً الفرق بينهما، فتوكيد الذات هو التعبير عن الرأي والمشاعر؛ بينما تقبُل الذات يكون بقبول ما يتعلق بها؛ مثل الشكل والصوت والعائلة.
اقرأ أيضاً: لماذا تزيد الثقة بالنفس جمالك في عيون الآخرين؟
9 أسباب تؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس
هناك عوامل عدة يمكن أن تؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس؛ وتشمل:
- الجينات والمزاج: تؤدي جيناتنا دوراً في تحديد مستوياتنا الطبيعية من السيروتونين والأوكسيتوسين؛ وهما ناقلان عصبيان مرتبطان بالشعور بالسعادة والثقة، علاوة على أن حالاتنا المزاجية يمكن أن تؤثر في طرائق تفكيرنا وتصرفاتنا.
- تجارب الحياة: يمكن أن تؤدي تجارب مثل الصدمة أو سوء المعاملة والتربية أو التنمر في مرحلة الطفولة، إلى انخفاض الثقة بالنفس؛ كما يمكن للعوامل الثقافية والاجتماعية أن تؤثر في شعور كل منا بقيمة ذاته. على سبيل المثال؛ إذا تعرض المرء إلى التمييز بناء على الجنس أو العِرق، فقد يشعر بعدم الانتماء ويشكك في قدراته وإمكانياته.
- المعلومات المضللة: يمكن لأفكار مثل وجوب شعورنا بالثقة قبل أن نتصرف على هذا النحو، أو أننا يجب أن نكون مثاليين حتى نستحق الحب والاحترام، أن تعوقنا عن تحقيق أهدافنا.
- العالم من حولنا: توجه منصات الإعلام المختلفة وشركات الدعاية التي تريد بيع منتج ما لنا، رسائلَ عديدة يمكن أن تُشعرنا بالنقص حول "مشكلة" ما في أنفسنا مفادها أننا لست جيدين بما يكفي، وتزداد المقارنة بالآخرين؛ ما يُشعرنا بعدم الأمان أو الكفاءة.
- القلق والاكتئاب: عادة ما يعاني المصابون بالقلق والاكتئاب مشكلات في الثقة بالنفس؛ نتيجة ميلهم إلى النقد الذاتي السلبي المستمر، وما قد يواجهونه من مشكلات في العلاقات والعمل والدراسة مثلاً، ووجود شكوك حيال هوياتهم وإحساس كل منهم بانعدام الأمان أو الانتماء الذي يؤدي إلى تدني ثقتهم بذواتهم.
ويضيف الاستشاري والخبير النفسي، روس هاريس (Russ Harris)، في كتابه "فجوة الثقة" (The Confidence Gap)، عوائق أخرى رئيسة تحول دون ثقتنا بأنفسنا:
- التوقعات المفرطة: تميل أذهاننا إلى تحقيق الكمال في كل ما نفعله؛ ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط عند ارتكاب أي خطأ مهما كان بسيطاً، وزدياد الإحساس بعدم القدرة على تلبية التوقعات.
- الحكم القاسي على الذات: قد يهاجمنا الشعور بعدم الكفاءة والقدرة، والخسارة، ويزداد تركيز عقولنا عادة على السلبيات؛ ما يحول دون ثقتنا بأنفسنا.
- الخوف: يعد الخوف من الفشل أو الإحراج أو الرفض من أكثر العوامل المُعوّقة للثقة بالنفس؛ فعندما تقيدنا مشاعر الخوف، وتداهمنا أسئلة حول وقوع أسوأ الاحتمالات، نميل إلى التراجع عن خطواتنا.
- نقص التجربة والمهارات: تؤدي قلة الخبرة والمهارة إلى الشعور بعدم الثقة بالنفس، خاصة في المواقف الجديدة؛ فلن يشعر أي منا بالثقة عند أداء مهمة لم ينجزها من قبل أو لا يمتلك المهارات اللازمة لإنجازها.
تعرف إلى أهم الحركات التي تدل على تدني الثقة بالنفس
يمكن أن تتجلى معاناة المرء مشاعر عدم القيمة والنقد الذاتي والقلق وضعف الثقة في علامات ظاهرية؛ تشمل:
- سوء الوضعية: يمكن أن يُظهر كل من الانحناء وتقوس الكتفين وانخفاض الرأس، انعدام الثقة بالنفس، ويُوحي بالتردد والضعف، وقد يُشعر الآخرين بأنك مذنب، علاوة على أن تكتيف الذراعين وإبقاء الساقين متقاطعتين قد يشيران إلى التحفظ أو العدائية أو عدم الاهتمام.
- العادات العصبية: مثل التوتر والضحك العصبي والتململ بهز ساقيك أو النقر بقدميك على الأرض وقضم الأظافر وتحريك الخاتم حول الإصبع والنقر على الهاتف أو بالقلم؛ كلها حركات تدل على مشاعر القلق وعدم الراحة في المواقف الاجتماعية.
- اللمس المتكرر للوجه أو الرقبة: أو تمرير الأصابع واللعب بخصلات الشعر؛ قد يعكس ما سبق الشعور بالضغط والافتقار إلى الثقة بالنفس.
- التعليقات الذاتية السلبية: تُشير سلوكيات مثل التقليل من الإنجازات والاعتذار المفرط، إلى انخفاض قيمة الذات.
- تجنب التواصل البصري: يُفضل بعض الأشخاص القليلي الثقة بالنفس تجنب النظر مباشرة إلى الآخرين.
- نقص الحزم: قد تكون صعوبة التعبير عن الرأي أو وضع الحدود الشخصية علامة على انخفاض احترام الذات والثقة بها.
- العناية المفرطة بالمظهر: قضاء وقت مبالغ فيه في العناية بالمظهر أو القلق الدائم من كيفية الظهور، قد يدل على بحث الشخص عن تأكيد خارجي لذاته.
- تجنب المواقف الاجتماعية: الانسحاب من التجمعات أو التردد في التفاعل مع الآخرين، قد يُشير إلى الخوف من التقييم السلبي.
اقرأ أيضاً: 10 خطوات أساسية لزرع الثقة بالنفس عند الأطفال
كيف تعزز ثقتك بنفسك؟
على الرغم من عدم استطاعتنا تغيير تجارب ماضينا التي شكلتنا، فإنه يمكننا تعويد أنفسنا على ممارسة سلوكيات إيجابية ومنتِجة لبناء الثقة الحقيقة في النفس، فالتفكير الإيجابي وحده لا يكفي لتحقيق النجاح؛ مثلما يقول عالم النفس الأميركي، مارتن سيليغمان (Martin Seligman). لذلك؛ إذا كنت تريد زيادة ثقتك بنفسك، ابدأ ممارسة هذه الخطوات:
حافظ على وضعية توحي بالثقة
- الوقوف منتصباً والتبسم يبعثان رسائل إيجابية للدماغ تغير طريقة شعورك؛ ما يحسن ثقتك ويُشعرك بمزيد من القوة.
- الابتسام، خاصة عند مقابلة شخص جديد، يُظهر اهتماماً صادقاً بمقابلة الشخص.
- المحافظة على مستوى رأسك وذقنك ووضعية مستقيمة عند الجلوس.
- الحفاظ على مشية مستقيمة مع صدر مرتفع وذقن مرفوع، والمشي بخفة وثبات وتوازن في خطواتك.
تواصَل بصرياً
تعد العينان أداة مُؤثرة في التواصل غير اللفظي؛ فيمكن أن تُظهر عدم الاهتمام بإجراء محادثة أو الشعور بالإحباط من كلام الشخص الآخر من خلال قطع التواصل البصري. لذلك؛ احرص على التواصل البصري مع الآخر، باستخدام قاعدة 50/70؛ أي حافظ على التواصل البصري مدة 50% من الوقت في أثناء التحدث و70% من الوقت في أثناء الاستماع؛ ما يساعد على إظهار الاهتمام والثقة، مع مراعاة عدم التحديق الذي يعده البعض مهيناً.
لا تبالغ في تعبيرات الوجه
يعد وجهك مركز الاهتمام في المحادثة؛ فقد يشجع الشخص الآخر على التفاعل معك أو يثنيه عن ذلك؛ حيث يمكن أن يقلل التعبير المفرط مصداقيتك. لذلك؛ حافظ على تعبيرات وجهك محايدة وتعكس شعورك بالاسترخاء دون العبوس أو لعق شفتيك مثلاً.
صافح مصافحة قوية
في بعض الثقافات، يعد التلامس الجسدي المقبول عند مقابلة شخص أول مرة في مجال الأعمال هو مصافحة اليد؛ لذلك عليك أن تُمسك بيد الشخص الآخر بثبات عند مصافحته. وعندما تمد يدك اليمنى، يجب أن تواجه راحة يدك ناحية اليسار والإبهام ناحية الأعلى. إذا كان الشخص غير قادر على المصافحة، لأي سبب من الأسباب، فيمكنك توجيه إيماءة مهذبة في أثناء تبادل التحيات اللفظية.
اجعل صوتك ينقل ثقتك فيما تقوله
قد يسبق لك التحدث إلى شخص ما هاتفياً قبل أن تقابله للمرة الأولى، ومن المُرجح أن تستند آراؤه عنك إلى صوتك فقط؛ لذلك تحدث بصوت مناسب غير مرتفع والفظ الكلمات بوضوح وتجنب التأتأة والاعتذار المفرط.
استخدم حركات يديك باعتدال
قد تُشتت حركات اليد المفرطة أو المُوسعة تركيز الآخرين عما تود إيصاله إليهم. يمكنك أن تتخيل صندوقاً يحيط بالمساحة من أعلى صدرك إلى عظم الحوض، ثم حاول إبقاء ذراعيك ويديك داخل هذا الصندوق عندما تتحدث، وتجنب وضع كلتا يديك في جيوبك؛ فقد يُظهر ذلك عدم الاهتمام أو التوتر. وبدلاً من ذلك، حاول فتح يديك مع توجيه الكفين إلى الأعلى؛ ما يمكن أن يوحي بالشفافية والصدق والرغبة في التواصل.
مارس التأمل واليقظة الذهنية
ركز على جسدك وتنفسك ومحيطك واسترخِ؛ لتشعر بازدياد التركيز والوعي.
زد طاقاتك
قد يُبقيك التوتر أحياناً في حالة يقظة وتركيز؛ لذلك حاول التعامل معه بإيجابية واستخدم هذه الطاقة في زيادة إنتاجيتك.
مارس الرياضة بانتظام
تساعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام على إطلاق الاندورفين في جسدك؛ ما يحسن مزاجك ويساعدك على الشعور بمزيد من الثقة بنفسك.
تخيل الثقة
أغلق عينيك و تخيل نفسك تتحدث أمام الكاميرا أو تفعل أي نشاط تريد أن تتقنه أكثر. ركز على الشعور بالثقة والهدوء ودعه ينتشر في جسدك وعقلك. يمكن أن تساعدك هذه الطريقة على بناء الثقة والتغلب على الخوف من المواقف التي تشعرك بالتوتر.
واجه المخاطر
لا تخف التعلم والخطأ أو تقلل من قيمة نفسك إذا ارتكبت الأخطاء؛ فالنجاح يُحقَّق من خلال ذلك.
حدد أهدافك
عندما تحدد أهدافك بوضوح وتعمل على تحقيقها، تزداد ثقتك بنفسك؛ لذلك ضع أهدافاً واقعية وقابلة للتحقيق واحتفِ بكل خطوة نحو الأمام، فبناء الثقة بالنفس رحلة تطوير ذاتي مستمرة وليست مجرد محطة وصول.
تحدث إلى نفسك بإيجابية
لا تعتمد على آراء الآخرين فقط كي تشعر بالرضا عن نفسك؛ تحدث إلى نفسك بلطف وتشجيع، وتقبَّلها كما هي، وحاول أن تصبح أفضل صديق لنفسك.
اطلب المساعدة وقدّم مساعدتك للآخرين
طلب العون من الآخرين يساعد على بناء الروابط والعلاقات الاجتماعية التي تسهم في بناء الثقة بالنفس، علاوة على أن العطاء للآخرين يُساعد على الشعور بالسعادة والهدف في الحياة.
وفي السياق ذاته، ينصح الحزيمي بتعزيز ثقة المرء بنفسه عن طريق الاعتماد على حسن الظن بالله وإنزال الناس منازلهم إلى جانب الاستثمار في قدرات المرء وتنميتها وعدم اعتبار المرء نفسه مشكلة تحتاج إلى حل؛ بل جوهرة تحتاج إلى محل!
اقرأ أيضاً: 10 كتب رائعة عليك قراءتها لتُعزز ثقتك بنفسك
وفي النهاية، مثلما يمكن أن تتقلب مشاعرنا، من الطبيعي أن نشعر أحياناً بانخفاض الثقة بالنفس أو احترام الذات؛ بسبب التعرض إلى ضغوط الحياة اليومية أو الفشل في تحقيق هدف معين أو حتى مجرد الشعور العام بالخمول مثلاً.
لكن إذا استمرت مشاعر انخفاض الثقة أو تدني احترام الذات فترة طويلة، فقد يكون ذلك علامة على وجود مشكلة أعمق تتطلب مساعدة مختص في الرعاية الصحية؛ مثل الطبيب النفسي أو المعالِج؛ لتحديد السبب ووضع خطة مناسبة.