ملخص: التعامل مع الشخصية التمثيلية يعني التعامل مع شخصية تعاني حالة نفسية قابلة للتشخيص، تتميز بمشاعر شديدة وغير مستقرة وصورة ذاتية مشوهة. وعلى الرغم من أن التعايش مع هذه الشخصية قد يكون صعباً أو مرهقاً، لكنه قد ينجح عن طريق معرفة المزيد عن الحالة وفهم أن تجاهل سلوكياتها قد لا يكون هو الحل الأفضل. فما الذي عليك معرفته عن هذه الشخصية؟ وكيف تتعامل معها؟
محتويات المقال
الشخصية التمثيلية أو المسرحية هي شخصية تحتاج إلى أن تكون محور الاهتمام على الدوام، ولديها رغبة عارمة في أن يلاحظها الآخرون، وغالباً ما تتصرف على نحو درامي مع المبالغة في التعبير عن عواطفها، كأنها تمثل على خشبة المسرح حرفياً. والآن، من المرجح أنك لاحظت أن محاولاتك السابقة في تجاهل هذه الشخصية لا تفيد أبداً في تقليل سلوكها الاستفزازي؛ بل غالباً ما تزيد الوضع سوءاً، فما الحل؟ كيف يمكن التعامل مع هذه الشخصية؟
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الأشخاص الكثيري الشكوى؟
لماذا تتصرف الشخصية التمثيلية على هذا النحو؟
الشخصية "التمثيلية" أو "المسرحية" أو "الدرامية" هي تسميات عامة تُطلق في المقام الأول على شخص مصاب باضطراب الشخصية الهستيرية، وهو أحد الاضطرابات الشخصية العشرة، ويُصنف ضمن المجموعة (ب) في النسخة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، الذي يشمل أيضاً كلاً من اضطراب الشخصية الحدية والنرجسية والمعادية للمجتمع.
والمقصود باضطراب الشخصية عموماً هو تمتُّع الشخص بطرائق تفكير وشعور وتصرفات متأصلة ومزعجة لا تشبه التوقعات الثقافية القياسية حول كيفية تفكير الناس وشعورهم وتصرفاتهم، ويواجه الأشخاص الذين يتعاملون مع هذه الشخصيات تحديات فريدة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات أو العمل أو الحياة عموماً.
تتميز اضطرابات الشخصية في المجموعة (ب) بصعوبة السيطرة على العواطف، والميل إلى التصرف على نحو غير متوقع ومبالغ فيه. أضف على ذلك، أن الشخصية الهستيرية تظهِر نمطاً مستمراً من الانفعالية المفرطة والسلوكيات التي تسعى إلى جذب الانتباه، والميل أيضاً إلى تقديم النفس على نحو درامي أكثر من اللازم حتى لو لم تكن على دراية بذلك. أما أسباب هذا الاضطراب، فقد يُعزا إلى عوامل وراثية والتعرض لصدمات الطفولة وأنماط الأبوة والأمومة غير الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص لا يقدر قيمتك؟
كيف تعرف أنك تتعامل مع فرد مصاب باضطراب الشخصية الهستيرية؟
في الواقع، قد يعاني بعض الأشخاص قليلاً من السمات المسرحية التي تميز الشخصية الهستيرية من دون أن يكون مصاباً فعلاً بهذه الحالة، لكن ما يميز الاضطراب هو أن هذه السمات تصبح سلوكيات مستمرة تتجلى في المواقف معظمها، وتسبب مشكلات شخصية وضيقاً للشخص نفسه. عموماً، لتشخيص الفرد بهذا الاضطراب، يبحث مختصو الصحة النفسية عن تاريخ طويل من 5 على الأقل من الأعراض التالية:
- سلوكيات البحث عن الاهتمام: مثل ارتداء الملابس على نحو مثير أو استفزازي، أو اختلاق القصص أو المبالغة فيها، أو المبالغة في وصف أعراض المرض أو اختلاقها، أو محاولة التفوق على أي شيء يتحدث عنه الناس أو يختبره.
- التمثيل الدرامي: بالتعبير عن الأفكار والعواطف على نحو مبالغ فيه مثل التصرف بسعادة غامرة عند رؤية شخص التقاه منذ بضع ساعات فقط، أو تهويل الإحساس الجسدي مثل التظاهر بالإغماء لأن الجو حار جداً.
- السلوك المغري والتركيز على المظهر الجسدي: مثل ارتداء الملابس أو الاهتمام المفرط بالمظهر الجسدي للفت الانتباه.
- انفعالات ضحلة سريعة التغير: ومنها التغيرات المستمرة في الحالة المزاجية أو التغيرات في الاهتمامات والعواطف.
- الكلام المبهم والمبهرج: تفضيل الأسلوب على جوهر الكلمات ومعانيها؛ أي استخدام مصطلحات طنانة والتعبير عن آراء قوية لكن مع القليل من التفاصيل أو التوضيحات، وقد يُنظر إلى هذا النوع من المحادثات بأنه سطحي.
- شدة التأثر بالآخرين: والتوافق مع ما يقولونه ويفعلونه، وتبني وجهات نظر الآخرين حتى لو لم يفهمها أو تقليد أنماط حياتهم بسرعة.
- اعتبار الناس أكثر قرباً ومودة مما هم عليه في الواقع.
من المهم معرفة أن الشخصية التمثيلية لا تستمع بالضرورة بهذه السلوكيات، كما أنها لا تلجأ إليها عمداً بهدف التلاعب بالآخرين، وإنما تكون في الحالات معظمها أنماطاً سلوكية غير واعية تبنتها على مدار سنوات لأنها نجحت في الماضي في إشباع احتياجاتها العاطفية، ويمكن أن يكمن وراءها مجموعة واسعة من المشاعر الشديدة التي تسبب ضيقاً كبيراً وألماً عاطفياً.
يجدر بالذكر وفقاً للاستشاري النفسي، عبد الله بن سلطان السبيعي، إن مظاهر الشخصية الهستيرية تكون أكثر وضوحاً في سن الشباب؛ لكنها تقل مع التقدم في العمر، وعلى الرغم من أنها لا تختفي تماماً؛ لكنها تصبح أكثر هدوءاً وتقبلاً بين الناس.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص يقلل من قيمتك؟
14 نصيحة للتعامل مع الشخصية التمثيلية
مثلما ذُكر، تتميز الشخصية الهستيرية بالبحث المفرط عن الاهتمام، فضلاً عن الشعور بعدم الارتياح عندما لا تكون محوره؛ إذ إنها تعتمد على قبول الآخرين واهتمامهم من أجل الشعور بالتقدير الذاتي. بالتالي، يمكن لتجاهل هذه الشخصية أن يثير عندها رد فعل عاطفي قوي قد يتجلى بطرائق مختلفة؛ مثل نوبات الغضب أو القلق أو الإحباط أو الانسحاب أو أذية النفس، كما يمكن لأي نوع من أنواع النقد أو الرفض أن يتسبب في خلل الانفعال لديها.
ومن المفهوم بالطبع أن سلوكيات هذه الشخصية قد تصبح مزعجة ومؤذية وربما تشكل خطراً على صحتك النفسية؛ لذلك قد ترغب في تقليل تفاعلك أو قطع علاقتك معها، وهذا قد ينجح في بعض الحالات، في حين أن تجاهُل الشخص المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية أو النأي بالنفس قد لا يكونان خياران متاحين أو مرغوبيَن من الأساس، خصوصاً في حال كان هذا الإنسان هو شريك الحياة أو أحد أفراد العائلة أو زميل في العمل. لذلك، إليك بعض النصائح الأساسية للتعامل مع شخص مصاب باضطراب الشخصية الهستيرية:
- ثقِّف نفسك: تذكّر أن الشخص المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية لا يحاول في كثير من الأحيان إيذاء الآخرين أو التلاعب بهم عمداً؛ وإنما هو لا يعلم كيف يلبي احتياجاته العاطفية إلا من خلال هذه السلوكيات. لذلك، خُذ الوقت الكافي في التعرف إلى هذا الاضطراب وخصائصه وفهم أسبابه وأعراضه، ما قد يساعدك على التعامل مع مواقفه بتعاطف وصبر.
- حافظ على هدوئك: تنفس بعمق وابقَ هادئاً وتجنب الانجرار إلى الدراما أو الحالات العاطفية المضطربة التي قد تحاول الشخصية جرّك إليها. تذكر أن الشخصية التمثيلية تتغذى على الدراما؛ بالتالي، ومن خلال الحفاظ على هدوئك ورفض الانخراط في الموقف، قد تساعدها على إدراك أنها لن تحصل على الاهتمام الذي تبحث عنه من خلال هذا التصرف. حاوِل أن توضح لها أنك لن تشارك في الوقت الحالي في هذا النقاش وتفضل خوضه لاحقاً.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الإهانة؟ 5 نصائح تساعدك
- تدرّب على الاستماع الفعال: امنح الشخصية انتباهك الكامل عندما تتحدث دون مقاطعته أو تجاهله، فالاستماع الفعال يُظهِر أنك تقدّر مشاعرها وأفكارها، ما قد يساعد على بناء الثقة والألفة.
- ضع حدوداً واضحة: وضْع حدودك وإيضاح توقعاتك أمر بالغ الأهمية لحماية طاقتك والحفاظ على علاقة صحية. لذلك، كُن واضحاً بشأن ما تقبله وما لا تقبله في علاقتك مع هذا الشخص، ووضِّح الموضوعات التي يمكنك مناقشتها وتلك التي لن تناقشها، ومقدار الوقت المتاح أو الفترة من اليوم المتاحة للتحدث معه وغيرها، وذكره بعواقب تجاوز الحدود.
- تعلم كيف تنظِّم عواطفك: من المهم تنظيم عواطفك عند التعامل مع شخصية تمثيلية، وذلك من خلال مراقبة مشاعرك والتعرف إليها دون السماح لها بأن تسيطر عليك. قد يساعدك على ذلك، ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل وغيرها من استراتيجيات الاسترخاء وتقليل التوتر.
- تواصل بحزم: قد لا تعي الشخصية التمثيلية تأثير سلوكها في الآخرين؛ لذلك، لا تفترض أنها تدرك ماهية شعورك، وحاول مساعدتها على فهم وجهة نظرك من خلال التعبير عن أفكارك ومشاعرك بوضوح واحترام وعلى نحو مباشر. استخدم نبرة صوت هادئة ولغة إيجابية وتعابير وجه مريحة مع الحفاظ على التواصل البصري، ومن المهم أن تتجنب انتقادها أو إلقاء اللوم عليها.
- شجّعها على تقييم ما يقوله الآخرون: مثلما ذكُر سابقاً، الشخصية التمثيلية شديدة التأثر بما يقوله الآخرون، لذلك إذا لاحظت أن شخصاً يتفق على نحو أعمى مع ما يقوله الآخرون أو يفعل ما يطلبونه منه، فحاوِل تشجيعه على تقييم ما سمعه أو ما يريد فعله قبل أن يتبناه.
- شجعها على إيجاد الحلول: تميل الشخصية المسرحية إلى التركيز على دراما المشكلة وتجاهل الحلول، لذلك حاوِل أن تشجعها على التوصل إلى حلول والتركيز على تقنيات حل المشكلات بدلاً من التركيز على المشكلة بحد ذاتها.
- اقترح بدائلاً أفضل: نظراً لأن الشخصية التمثيلية قد ترتدي ملابس غير لائقة لجذب الانتباه، فقد يكون من المفيد اقتراح ملابس أكثر ملائمة لكن دون توجيه انتقاد. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول إن هذا الزيّ يبدو جميلاً ومثالياً للخروج مع الأصدقاء؛ لكن ما رأيك في ارتداء شيء مثل هذا للعمل إنه يناسبك أكثر وسيقدّر الجميع مظهره الأنيق.
- ساعدها على التقصي عن الحقائق: قد تطرح الشخصية الهستيرية رأياً قوياً أو مثير للجدل دون أدلة أو إثبات فقط من أجل جذب الاهتمام وخلق الدراما، لذلك شجعها على دعم آرائها بالحقائق والتفاصيل، واقترح عليها البحث أكثر في القضايا من أجل تكوين آراء مستنيرة.
- خُذ فترات راحة عند الحاجة: إذا كنت تشعر بالإرهاق أو الغضب أو الإحباط، فلا تتردد في التراجع وأخذ قسط من الراحة، ما قد يمنع تصعيد الصراعات ويسمح لكلا الطرفين بالتهدئة قبل معالجة المشكلة.
اقرأ أيضاً: مفتاح السعادة هو تحقيق التوازن بين الاهتمام بنفسك وبالآخرين
- صُن صحتك: أعط الأولوية للرعاية الذاتية والصحة النفسية، فاعتنِ بنفسك من خلال وضع الحدود، وطلب الدعم من أحبائك، وممارسة الهوايات والأنشطة التي تقلل التوتر وتجلب لك السعادة والرضا والاسترخاء.
- شجِّعها على طلب المساعدة المتخصصة: اقترح على الفرد المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية أن يطلب مساعدة المختص النفسي؛ إذ يمكن للدعم الاحترافي أن يزوده بالأدوات والاستراتيجيات اللازمة لإدارة عواطفه وسلوكياته على نحو فعال.
- اطلب المساعدة لنفسك: إذا أصبحت العلاقة صعبة جداً بحيث لا يمكنك التعامل معها بمفردك، أو كانت تستنزف صحتك النفسية، أو تؤثّر في حياتك اليومية، وما زلت مصرّاً على عدم قطع العلاقة مع هذا الشخص، ففكِّر في طلب التوجيه من مختص نفسي أو استشاري العلاقات، إذ قد يساعدك الدعم الاحترافي في التغلب على المواقف الصعبة والحفاظ على رفاهيتك النفسية.