فن التحدث: كيف تستثمر كلماتك لتعزيز علاقاتك وحل مشكلاتك؟

3 دقيقة
فن التحدث
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: فن التحدث كان دائماً ميزة أساسية تعزّز قدرات البعض على التواصل والاندماج الاجتماعي. لا تكمن أهمية هذا الفنّ في القدرة على التعبير فقط بل في انعكاساته الإيجابية على العلاقات والتعامل مع مشكلات الحياة اليومية، من خلال الميل إلى الحوار بدلاً من المواجهة والعنف. يبرز المقال التالي أهمية التمكّن من فنّ التحدث والكلام، ويقدّم بعض الأمثلة الدالة على ذلك.

كان التحدث إلى الآخرين عصب العلاقات الإنسانية منذ القدم. إنه سلوك يحرّر الإنسان ويحقق له الرضا ويحسم قراراته، ومن ثمّ فقد شكّل أداة أساسية في علاقاته، لكن شرطَ إجادته. فكيف يمكن أن نسند إلى التحدّث أو الكلام وظيفته المساعدة على التغيير والتحوّل؟ يتفق المعالج النفسي توماس دانسيمبورغ (Thomas d’Ansembourg) والمعلم الروحي أرنو ريو (Arnaud Riou) على أن لكلّ إنسان قوتان: قوة القول وقوة الفعل. وعندما تجتمع هاتان القوتان يحدث التوافق بين أقوال الإنسان وأفعاله. ومن ثمّ يصبح تجسيد هذا التوافق والصدق غاية عمر بأكمله. إنها الرسالة الأساسية التي يريد الخبيران إيصالها إلى الناس من خلال تحرير قوة التحدّث والكلام، ومساعدتهم على استعادة قدراتهم الشخصية في هذا المجال.

التعبير بأسلوب صحيّ

إذا كان فنّ التحدّث فضيلة فإن إتقانه ضرورة لتجنّب سلبياته وانحرافاته. قبل أن نتكلّم يجب أن نعرف مثلاً كيف نتحرّر من خوفنا من انتقاد الآخر، إذ عادة ما يدفعنا هذا الخوف إلى انتهاك حدودنا الشخصية بسبب نظرة الآخرين. لذا؛ فإنّ تعلّم التحدّث عن نفسك ومخاوفك ورغباتك ضروري لك ولمخاطَبك. يفضّل البعض استخدام الكلام المباشر والصريح، بينما يميل آخرون إلى الصمت للتواصل. لكن الكلام الصحّي والبنّاء والإبداعي ليس بليغاً بالضرورة. ما نحتاج إليه هو التحرّر من التشويش الذي يعوّق حواراتنا والتسلّح ببعض المبادئ للتمكن من فنّ التحدث وفقاً لما يشير إليه الخبيران. يتساءل الخبيران على سبيل المثال: لماذا يعجز الكثير من الأشخاص عن التفاهم على الرغم من أنهم يتبادلون الحبّ والتقدير؟ لذا؛ عندما تدخل عناصر التشويش في عملية التواصل يصبح الاعتماد على الطرف الآخر حلاً لتوضيح التفاعل الذي نخوضه معه.

تحسين مستوى العلاقات

يقول أرنو ريو: "التحدث عملية منتجة، كلّما كانت كلماتنا دقيقة أصبحت علاقاتنا بنّاءة ومُرضية". ويضيف أنّ ما يحجب وضوح التواصل هو العاطفة: "عندما نتواصل مع الآخرين نتخوف من جرح مشاعرهم أو التعرّض إلى انتقاداتهم أو رفضهم". لحماية أنفسنا يجب أولاً وقبل أيّ شيء أن نأخذ بعين الاعتبار عواطف الآخر حتّى لا نقمعها، ونتمكّن من السماح له هو أيضاً بالتعبير بأسلوب صحي. يجسّد توماس دانسيمبورغ هذه الحالة من خلال مثال كان شاهداً عليه. فقد روى المعالج النفسي خلال مشاركته في ندوة بعنوان "أساسيات التواصل غير العنيف" أنه فوجئ ذات يوم بعد عودته من العمل بالفوضى التي تعمّ بيته حيث ترك أطفاله ألعابهم متناثرة في كلّ مكان. وبدلاً من أن ينفعل بتلقائية قرّر أن يطرح على نفسه بعض الأسئلة:"بماذا أشعر؟ كيف حالي؟ أنا منزعج لأنني أريد أن يكون بيتي منظّماً، لكنني مندهش في الوقت نفسه من هذا الخيال الواسع الذي يتمتّع به أطفالي: كيف تمكّنوا من إخراج هذه الألعاب كلّها من خزاناتهم واستخدامها؟ يا له من استمتاع بالحياة!".وضْع الأمور في نصابها والإصغاء إلى عواطفه ومشاعره أظهر له كم هو محظوظ بأبنائه. فزالت العواطف السلبية مثل الشعور بالإحباط أو الغضب وفسحت المجال أمام مشاعر الامتنان والإعجاب. كما سمح له تقبّل هذه الفوضى بالإصغاء إلى ذاته وإعطاء الأولوية للعلاقة التي تربطه بأبنائه بدلاً من أنانيته. يعترف ريو بذلك قائلاً: "إنه أمر رائع، أنا بحاجة إلى الشعور بالحياة، بينما يمكنني تأجيل رغبتي في تنظيم الأمور وترتيبها، أنا في حاجة إلى مظاهر الحياة أكثر من حاجتي إلى بيت منظّم، وهذا يمنحني الرغبة في رؤية أبناء نشيطين ومنفتحين على الحياة، جريئين ويحبّون السير قدُما، أنا سعيد بهؤلاء الأطفال ولا أريد أطفالاً يحرصون على النظام وترتيب الأشياء كأنهم حرّاس متحف".

التمكّن من التواصل غير العنيف

التحرّر يعتمد على الكلام. ظهر هذا المبدأ الذي ابتكره الدكتور مارشال روزنبرغ (Marshall Rosenberg) من خلال نظرية التواصل غير العنيف (CNV) في سنوات الستينيات. على خطى غاندي وضع هذا الناطق الرسمي باسم اللاعنف هذه الأداة للمساعدة على بناء علاقات إنسانية ترتكز على التعاون المنسجم واحترام الذات والآخرين. وظهر مفهوم التواصل غير العنيف في فرنسا بفضل محاضرات توماس دانسيمبورغ الذي ألّف كتاب "توقّف عن طيبتك وتصرّف بعفوية" (Cessez d’être gentil, soyez vrai) وكتاب "مِن أنا إلى نحن" (Du JE au NOUS) الصّادرَين عن منشورات الإنسان (Les Éditions de l’Homme). ومنذ ذلك الحين شهد هذا النهج انتشاراً واسعاً من خلال تطبيقه في ميادين الوساطة. يرتكز التواصل غير العنيف على تطبيق القواعد الذهبية الأربع التالية:

  • يجب أن نراقب المواقف دون انتقادها أو الحكم عليها.
  • يجب أن نتعلّم جميعاً التعبير عن مشاعرنا الشخصية (عواطفنا).
  • علينا جميعاً أن نتعلّم كيفية التعبير عن احتياجاتنا.
  • علينا أن نتعلم كيفية صياغة ما نتوقّعه من الآخرين.

إذا كان التواصل يمثّل تحدياً يومياً بالنسبة إلى الكثيرين فإنه يظلّ كفاءة أساسية في علاقاتنا بالآخرين. إذ يمكن أن يسهم في حلّ خلافاتنا الشخصية والأسرية والمجتمعية من خلال أخذ وجهة نظر الآخر بعين الاعتبار والاهتمام بمشاعره وتجاربه وقيمه، ومساعدتنا على بناء مساراتنا الشخصية في الوقت نفسه.

اقرأ أيضاً: 5 نصائح ستجعلك تتحدث إلى الآخرين بكل ثقة.

المحتوى محمي