ملخص: ارتبطت، في خيال الناس، صورة المكاتب الفوضوية بالفكر المبدع والخيال الواسع عند بعض الأشخاص؛ مثل ألبرت أينشتاين وبيكاسو وستيف جوبز وغيرهم من الأشخاص المبدعين، وقد ركّزت مجموعة من الأبحاث العلمية على فهم هذه العلاقة بين الفوضى والإبداع. فما الذي توصلت إليه؟ وهل يمكن القول إن الفوضى تزيد الإبداع أم تقوضه؟
محتويات المقال
الإبداع هو التفكير وفق طرائق جديدة ومبتكرة ومفيدة، تتجلى في العديد من السياقات والأنشطة المختلفة. وعلى الرغم من أن الإبداع لطالما نُظر إليه تقليدياً باعتباره نتاجاً للخصائص الداخلية للشخص، فقد كرّس العديد من الباحثين جهودهم لدراسة تأثيرات فوضى البيئة في العمليات الإبداعية. فهل ثمة علاقة فعلية بين الفوضى والإبداع؟ إليك ما توصلت إليه الأبحاث العلمية.
اقرأ أيضاً: كيف تجعل الملل يقودك إلى الإبداع؟ 4 إرشادات قيمّة
هل توجد علاقة بين الفوضى والإبداع؟
على مر التاريخ، جرى الاحتفاء بالعديد من الأفراد المبدعين بسبب أنماط حيواتهم وأماكن عملهم الفوضوية. من أشهر هؤلاء ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) الذي يُسند إليه قوله: "إذا كان المكتب الفوضوي دليلاً على عقل فوضوي، فما دلالة المكتب الفارغ إذاً؟". وحتى لو لم يقل ذلك، فمظهره الأشعث ومكتبه المزدحم يروي لسان حاله.
بالاضافة إلى أن مارك توين (Mark Twain) وستيف جوبز (Steve Jobs) كانا يكدحون أيضاً في مكاتبهم الفوضوية، هذا دون أن ننسى بابلو بيكاسو (Pablo Picasso) الذي أغرق نفسه بالفوضى حرفياً من حوله، بقصاصات الورق والجرائد وفرش الرسم والألوان واللوحات القماشية، وقد غذّت هذه الأمثلة الاعتقاد بأن الفوضى والإبداع يسيران جنباً إلى جنب. فما الذي توصلت إليه الأبحاث في هذا الخصوص؟
حسناً، أشارت دراسة منشورة في دورية العلوم النفسية (Psychological Science) عام 2013، وهي دراسة لطالما استُشهد بها في الموضوعات ذات الصلة، أن البيئات المنظمة والفوضوية توثر على نحو واضح في السلوك والتفضيلات؛ حيث وُجد أن البيئات المرتبة والمنظمة تحفِّز الأشخاص على اتخاذ خيارات صحية، وتعزز الالتزام بالتقاليد والأعراف، وتشجع على البقاء في منطقة الراحة. في المقابل، تعزز البيئات الفوضوية الابتكار، وتشجع على كسر الأعراف والتوقعات التقليدية؛ ما قد يؤدي إلى تفكير أكثر إبداعاً.
لكن في دراسة لاحقة نشرتها دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) عام 2019، فقد وُجد أن لا فرقاً كبيراً في الإبداع أو الأداء التنفيذي يُلاحظ بين المشاركين الذين يعملون في بيئات فوضوية عن أولئك الذين يعملون في بيئات مرتبة.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى القوة العلاجية للإبداع الفني
كيف تؤثر الفوضى في العملية الإبداعية؟
خلاصة ما سبق، يمكن القول إن الفوضى قد ترتبط أحياناً بمستويات عالية من الإبداع؛ إذ ربما تشجِّع البيئات الفوضوية على التجريب والمخاطرة والتحرر من التفكير التقليدي؛ وهو ما قد يحفز على إنتاج أعمال وابتكارات أصيلة ربما لم تكن لتحدث في بيئة أكثر تنظيماً.
لكن ومع ذلك، من الضروري الاعتراف بالعيوب المحتملة للفوضى أيضاً؛ إذ ينوّه المعالج النفسي، عبد الناصر علاء، بضرورة التفريق بين السلوك الفوضوي الذي يتميز بأنه تخريبي يخالف القواعد والنظم، وبين الشخصية الفوضوية التي تميل إلى العفوية واللامبالاة وعدم الرغبة في التقيد أو الانصياع للأوامر؛ التي تركّز على الوقت وعدم إضاعته بوصفه أهم عامل للتميز والنجاح. ويؤكد إن الشخصية الفوضوية وعلى الرغم من أنها قد تتجنب ترتيب مكتبها حفاظاً على الوقت، فإنها قد تكون أكثر عرضة إلى التشتت.
في الواقع، قد تكون الفوضى المفرطة بالنسبة إلى بعض الأشخاص ساحقة ومشتتة؛ ما يعوق العملية الإبداعية بدلاً من تعزيزها. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الافتقار إلى التنظيم إلى عدم الكفاءة وإهدار الوقت؛ حيث يكافح الأفراد لتحديد موقع المواد أو المعلومات الأساسية وسط الفوضى.
عموماً، يمكن القول إن السر يكمن في إيجاد التوازن الذي يناسب كل فرد. ففي حين أن بعض العقول المبدعة قد تزدهر في البيئات المزدحمة، قد يجدها آخرون خانقة أو مسببة للقلق. إذاً؛ من الضروري أن ندرك أن الإبداع يتجلى على نحو مختلف عند كل شخص، وأن ما يصلح لشخص ما قد لا يصلح لشخص آخر. الأمر الأساسي هو إنشاء مساحة عمل تدعم العملية الإبداعية وتعززها، سواء كان ذلك يعني احتضان الفوضى أو تعزيز الترتيب والنظام.
والآن، لنعد إلى مثال أينشتاين، فوفقاً للمعالج النفسي عبد الناصر علاء؛ لا يمكن القول إن ثمة علاقة ارتباطية حتمية بين الشكل الفوضوي في اللباس أو الشعر والإبداع، فلا يمكن القول إن كل شخص مبدع هو شخص يهمل ترتيب مظهره أو مكتبه؛ وإنما يمكن القول إن ثمة علاقة ارتباطية بين الشعور بالراحة وعدم التقيد بالقواعد وبين مستوى أعلى من الإبداع.
اقرأ أيضاً: هل يولد الإنسان مبدعاً أم إنّ الإبداع سمة مكتسبة؟
ما تأثير الفوضى في الصحة النفسية؟
يمكن القول مرة أخرى إن الفوضى قد ترتبط بزيادة الإبداع؛ لكنها وفي بعض الأحيان قد تُفاقم الشعور بالتوتر والإرهاق في حال زادت على اللازم، أو تعارضت مع القدرة على أداء مهام الحياة اليومية. وقد لا يدرك الناس أن الفوضى تؤثر سلباً في صحتهم النفسية؛ إذ وبطبيعة الحال، لا يتأثر الجميع بالفوضى بالطريقة نفسها، ومن المرجح أن يكون الشخص الذي يميل نحو الكمالية أكثر توتراً بسبب الفوضى.
عموماً، تزيد الفوضى مستويات التوتر، وتصعِّب التركيز والتفكير بوضوح، وتزيد التسويف، وقد تؤثر سلباً في العلاقات الاجتماعية والرومانسية مسببة الشعور بالخجل والوحدة. وُجد أيضاً أنها قد تقلل الرضا العام عن الحياة، خصوصاً بين كبار السن.
اقرأ أيضاً: الفوضوية ميزة أم عيب؟ إليك الإجابة العلمية
3 نصائح فعالة لتتخلص من الفوضى المحيطة بك
يؤكد المعالج النفسي، إريك مايزل (Eric Maisel)، إن بعض الخبراء يرون أن التخلص من الفوضى يساعد على التفكير بوضوح، ويسهِّل اتخاذ القرارات، ويسمح بتخصيص الوقت والشغف فيما يجلب القدر الأكبر من السعادة، بالاضافة إلى أن الترتيب قد يجعل الشخص أكثر انخراطاً في العمل؛ لكن ومع ذلك، فإن البيئة الشديدة الترتيب التي تُوصف بالمثالية، قد تشكّل مشكلة بالقدر ذاته الذي يشكّله المكان الفوضوي والمزدحم.
عموماً، إن أردت ترتيب الفوضى، ولا تعلم من أين تبدأ، فإليك بعض النصائح الفعالة:
- حدد مهاماً صغيرة ونفّذها: قسِّم مهام التنظيف والترتيب إلى مهام صغيرة، ثم التزم بعمل شيء واحد يومياً، ولا تجعل قائمة المهام أكبر بكثير مما يمكنك التعامل معه ذهنياً، وإلا فسوف تزيد شعورك بالإجهاد والتوتر بدلاً من تقليله.
- خصص وقتاً محدداً للتنظيف كل يوم: هناك خيار آخر لبدء روتين الترتيب وهو أن تخصص وقتاً محدداً للتنظيف كل يوم، حتى لو كان بضع دقائق فقط؛ إذ وعلى الرغم من أن بضع دقائق قد لا تبدو وقتاً طويلاً، يمكنك إنجاز أكثر مما تتخيل خلالها.
- اطلب المساعدة: فكِّر في طلب المساعدة من شريك الحياة أو من أحد أفراد العائلة أو من أحد الأصدقاء، وذلك في حال كان التعامل مع التنظيف والترتيب بنفسك أمراً شاقاً.
اقرأ أيضاً: 7 نصائح للتخلُّص من الفوضى في منزلك بسهولة
ختاماً، يمكن القول إن العلاقة بين الفوضى والإبداع هي علاقة معقدة ومتعددة الأوجه؛ لكن الضروري أن ندرك أن الإبداع لا يتحدد فقط من خلال حالة البيئة المحيطة بالفرد؛ وإنما هو عملية شخصية وفردية للغاية يمكن أن تتأثر بعدد لا يحصى من العوامل