ملخص: أجرت مؤسسة ويلز فارغو المالية دراسة اكتشفت من خلالها أن جيل الألفية يعطي الأولوية للتباهي بالثروة والوضع المالي على الرغم من الصعوبات المالية التي قد يعانيها؛ ما قد يؤدي إلى تراكم الديون على أفراده ووضعهم في مآزقَ حياتية. فما الذي توصلت إليه الدراسة بالتحديد؟ ولماذا يهتم جيل الألفية بمظاهر الثراء والتباهي بالمال؟ وكيف يؤثِّر ذلك في صحته النفسية ووضعه المالي المستقبلي؟
محتويات المقال
على الرغم من أن جيل الألفية يواجه تحديات مالية كبيرة على عكس الأجيال الأخرى؛ مثل ارتفاع تكاليف السكن ومدفوعات القروض الطلابية وتفاقم الديون، فإنه مع ذلك الجيل الأكثر هوساً بالمال ومظاهر الثراء؛ وذلك وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة الخدمات المالية الأميركية، ويلز فارغو (Wells Fargo). فإلى أي حد يتمنى جيل الألفية أن يبدو ثريّاً؟ وما أسباب ذلك وتبعاته على صحته النفسية؟
اقرأ أيضاً: لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ العلم يجيب
إلى أي حد يهتم جيل الألفية بمظاهر الثراء؟
ركزت دراسة ويلز فارغو على جيل الألفية (مواليد 1981-1996) الأثرياء، الذين يكسبون أكثر من 250 ألف دولار سنوياً، وقد وجدت أن نحو 60% ممن شملهم الاستطلاع يقتنعون بأهمية التباهي بالثراء والوضع المالي، على الرغم من أن 54% منهم قد تأثر بأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة، على حد أقوالهم. هذا بالإضافة إلى أن أكثر من 40% من المشاركين عبّروا عن أهمية امتلاك ما يدل على الثراء؛ مثل السيارات الفاخرة، والملابس الثمينة، والمساكن الفخمة.
يتناقض موقف جيل الألفية مع مواقف الأجيال الأكبر سناً؛ إذ إن 35% من جيل X (مواليد 1965-1980)، و14% من جيل طفرة المواليد (مواليد 1946-1964)، و7% من الجيل الصامت (مواليد 1928-1945) فقط يشعرون بأهمية التباهي بالثراء والوضع المالي.
تقول المديرة الإدارية للمشورة والتخطيط في مؤسسة ويلز فارغو، إميلي إيروين (Emily Irwin): "إن أفراد جيل الألفية الأثرياء يعملون بجد ويحققون النجاح المالي؛ لكنهم ومع ذلك يتصارعون مع الصورة النمطية الخارجية للظهور بمظهر الأثرياء؛ ما يجعلهم يسعون جاهدين إلى تقديم أنفسهم بصورة لا تعكس وضعهم المالي الفعلي".
وبالفعل، فقد تَبين أن 30% من المشاركين في الاستطلاع يشترون ما لا يستطيعون تحمل تكلفته من أجل إثارة إعجاب الآخرين أو التوافق مع نمط حياة معين، علاوة على أن 34% منهم يكذبون أو يبالغون بشأن مواردهم المالية للحفاظ على مظهر النجاح المالي. فلماذا هذا الإصرار كله على التباهي بالثراء؟
اقرأ أيضاً: 8 طرق فعالة لتوطيد علاقاتك الاجتماعية في 2024
لماذا يهتم جيل الألفية بمظاهر الثراء إلى هذا الحد؟
من المعلوم أن الضغوط المجتمعية تؤدي دوراً مهماً في تشكيل التصورات العامة عن النجاح والسعادة، خصوصاً أن الأعراف المجتمعية ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام غالباً ما تعرض الثروة والرفاهية بوصفها مؤشرات إلى النجاح والسعادة. ونظراً إلى أن هذه الوسائل أصبحت في متناول الجميع؛ فقد باتت تشكل هوية مجتمعية تؤثر كثيراً في الشباب، وتوّجه عقولهم بالدعاية الموّجهة نحو الإنفاق على السلع الثمينة وفقاً للاستشارية النفسية، ريما بجاني.
وبالطبع، ينبغي عدم نسيان أن وسائل التواصل الاجتماعي قد شكلت وعي معظم جيل الألفية الذي يُعد "الجيل الأول على الإنترنت" على حدّ تعبير أستاذ الاقتصاد، جوناثان إرنست (Jonathan Ernest)؛ لذا فإن الضغوط التي يتعرض إليها للتوافق مع معايير النجاح المثالية والظهور بمظهر الثراء تكون شديدة على نحو خاص.
علاوة على ذلك، تؤدي الفوارق الاقتصادية والمقارنة الاجتماعية إلى تفاقم هذا الهوس بمظاهر الثراء، فاتساع الفجوة بين الأثرياء وبقية المجتمع يخلق شعوراً بالإلحاح نحو تحقيق النجاح المالي خوفاً من التهميش الاجتماعي والتخلف عن الركب.
فضلاً عن أن المقارنة الاجتماعية تغذي الرغبة في تحقيق مستوىً مماثل من الثروة والمكانة التي يتمتع بها الأقران أو المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يدفع جيل الألفية إلى السعي نحو الحصول على الممتلكات المادية وإظهار الثراء الخارجي، ليس فقط من أجل إعجاب أقرانهم؛ وإنما أيضاً لإثارة إعجاب أصدقائهم وعائلاتهم ومتابعيهم على منصات التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، فإن وهم الثروة قد يمنح شعوراً بالأمن في عالم متزايد الغموض؛ إذ يمكن لتراكم الممتلكات المادية أن يوفر حاجزاً مؤقتاً ضد القلق وانعدام الأمن والمزاج السلبي. فمن خلال إحاطة أنفسهم بالممتلكات المادية، يحاول الأفراد خلق واجهة من الاستقرار والنجاح واكتساب الشعور بالسيطرة في مواجهة الضغوط المالية. يمكن القول إن بعض الأفراد يسعون وراء الممتلكات المادية ومظاهر الثروة بوصفها آلية غير صحية للتأقلم مع التحولات الصعبة في الحياة والأحداث السلبية، وتخفيف الشعور بالتوتر والوحدة والمشاعر السلبية.
اقرأ أيضاً: لماذا يعاني الرجال الوحدة أكثر من النساء؟ وكيف يتغلبون على ذلك؟
ما أثر هذه الظاهرة في الصحة النفسية؟
مما لا شك فيه أن الهوس بالمظاهر له ثمنه؛ إذ كشفت دراسة ويلز فارغو أن نسبة كبيرة من جيل الألفية الأثرياء يلجؤون إلى القروض للحفاظ على أنماط حيواتهم؛ ما يؤدي إلى تفاقم أعبائهم المالية. ومع ارتفاع متوسط ديون بطاقات الائتمان وارتفاع معدلات التأخر في السداد، فمن الواضح أن السعي وراء الثروة، أو على الأقل وهمها، يأتي بمخاطر كبيرة.
وهذه المخاطر لا تقل أهمية بالنسبة إلى الصحة النفسية؛ إذ تشير دراسة منشورة في دورية علم النفس والطب النفسي السريري (Psychology and Clinical Psychiatry) عام 2023، إلى أن السعي إلى الظهور بمظهر الثراء واقتناء الممتلكات المادية قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية على النحو التالي:
- الشعور بالضغط النفسي والتوتر: عندما يركز الأفراد على مظاهر الثراء أو اقتناء الممتلكات المادية التي تتجاوز بكثير احتياجاتهم الأساسية، فإنهم غالباً ما يشعرون بالضغط للحفاظ على صورة معينة أو نمط حياة معين. يمكن أن يؤدي هذا الضغط إلى التوتر والقلق وحتى الاكتئاب في أثناء نضالهم من أجل تلبية التوقعات المجتمعية أو مقارنة أنفسهم بالآخرين.
- الشعور بعدم الكفاءة: قد تنبع النزعة الاستهلاكية واقتناء الممتلكات من الرغبة في نيل قبول الآخرين والسعي إلى تحقيق احترام الذات؛ لكن الاعتماد على الممتلكات أو الثروة لنيل المصادقة على الذات قد يولِّد حاجة مستمرة إلى المزيد؛ إذ قد لا يشعر الأفراد أبداً بالرضا عما لديهم. يمكن لهذه الدورة الدائمة من البحث عن القبول أن تسهم في الشعور بالفراغ أو عدم الكفاءة.
- الضغوط المالية: يمكن أن يؤدي السعي نحو الحصول على ممتلكات مادية تفوق إمكانيات الفرد إلى ضغوط مالية وديون. يُعد كل من المخاوف المالية وعدم الاستقرار من الضغوط الكبيرة التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشكلات الصحة النفسية؛ مثل القلق والاكتئاب.
- الوحدة أو العزلة: يمكن أن يؤدي إعطاء الأولوية للثروة والإفراط في الاستهلاك إلى علاقات ضحلة أو سطحية، وقد يسهم هذا النقص في العلاقات الإنسانية الهادفة في الشعور بالوحدة والعزلة وانخفاض رفاهية المستهلك ومستويات السعادة.
اقرأ أيضاً: لماذا نميل إلى كشف أسرارنا للغرباء؟ وهل ذلك مفيد لصحتنا النفسية؟
هل من نصائح للتخفيف من هذه الظاهرة؟
نعم، لا يزال ثمة أمل لجيل الألفية في التحرر من دائرة المادية والديون هذه؛ إذ يُنصح بالتركيز على التخطيط المالي الطويل الأجل واتخاذ القرارات الحكيمة، ويجب عليهم بدلاً من الاستسلام للضغوط المجتمعية والاتجاهات العابرة أن يعطوا الأولوية لتعلُّم عادات الإنفاق المسؤولة.
فمن خلال إعادة صياغة علاقتهم بالمال وتحويل التركيز من الاستهلاك المفرط إلى الأمن المالي الحقيقي، تصبح بوسعهم استعادةُ السيطرة على مستقبلهم. بالإضافة إلى ذلك، ومن وجهة نظر نفسية، فثمة ما يمكن فعله بناء على الدراسة السابقة؛ مثل:
- التركيز على القيم الجوهرية: بدلاً من إعطاء الأولوية للممتلكات المادية أو مظاهر الترف، يقترح الباحثون التركيز على القيم الجوهرية؛ مثل العلاقات الإنسانية ذات المغزى والنمو الشخصي وإنفاق المال على التجارب والخبرات وليس على اقتناء الممتلكات فقط، فذلك يؤدي إلى قدر أكبر من الرضا والرفاهية.
- ممارسة التعاطف مع الذات: من المهم التعاطف واللطف مع الذات والاعتراف بالتجارب الإنسانية المشتركة، وعدم إصدار الأحكام على أوجه القصور والفشل. يمكن أن تساعد ممارسة التعاطف الذاتي الأفراد على التعامل مع المشاعر والتجارب السلبية على نحو أكثر فعالية، مقارنة بسلوكيات الإنفاق والبذخ.
- تعزيز الروابط الهادفة مع الآخرين: وذلك بناءً على الدعم العاطفي الحقيقي والتواصل الفعال، دون أن ننسى أن إنفاق المال على الآخرين قد يحقق سعادة أكبر من مجرد إنفاقه على الذات أو الممتلكات.
- إدارة الرفاهية المالية: إن السعي وراء الممتلكات المادية بما يتجاوز إمكانات الفرد يمكن أن يؤدي إلى ضغوط مالية ونفسية؛ لذا فإن إدارة الرفاهية المالية من خلال العيش في حدود إمكانيات الفرد والادخار وتجنب الديون المفرطة، قد تسهم في قدر أكبر من راحة البال والرفاهية النفسية.
اقرأ أيضاً: ما الذي كشفته الدراسات العلمية عن السمات المشتركة بين أسعد الناس؟
في نهاية المطاف، يعكس وهم الثروة الذي يكتسح عالم جيل الألفية، قيماً مجتمعية وأعرافاً ثقافية أوسع. ففي عالم تسود فيه الصورة، ويكون الإشباع الفوري هو القاعدة، فإن السعي وراء الثروة المادية غالباً ما تكون له الأسبقية على المساعي ذات المغزى الأكبر. ومع ذلك، فمن خلال تعزيز شعور أكبر بالوعي المالي، يستطيع شباب اليوم أن يمهدوا الطريق لمستقبل لا تحدده المظاهر؛ بل الرخاء الحقيقي والرفاهية.