لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ العلم يجيب

6 دقيقة
المؤثرون
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت مشاركة الأسرار على وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة سائدة بدءاً من الاعترافات الحميمية وحتى الصراعات الشخصية. وحتى المؤثرون الذين يمتلكون ملايين المتابعين لم ينأَوا بأنفسهم عن هذه الظاهرة؛ بل باتوا ينشرون أدق تفاصيل حيواتهم الشخصية، فلماذا؟ ما الدوافع وراء هذا السلوك؟ هل بغية تحقيق الأرباح أم الشهرة أم إن الموضوع أعمق نفسياً من ذلك؟ لنرَ.

ظهر المؤثرون في عصر وسائل التواصل الاجتماعي بوصفهم شخصيات بارزة؛ حيث أثاروا إعجاب الجماهير، أو اهتمامهم على الأقل، بأساليب حيواتهم أو المحتوى الطموح أو الجريء الذي ينشرونه. لكن أليس مثيراً للتساؤل أن يكشف المؤثرون عن أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ ما الأسباب التي تجعلهم يكشفون عن تفاصيل خاصة جداً أو حميمية، بدءاً من تحديات الحياة اليومية وليس انتهاءً بتحديات العلاقات العاطفية وأخبار الخيانة والنميمة وما إلى ذلك؟ سنحاول في هذا المقال أن نسلط الضوء على بعض الأسباب النفسية التي تفسر انفتاح المؤثرين على جوانب حساسة جداً من حيواتهم.

اقرأ أيضاً: 5 علامات تكشف لك الشخص الأناني

لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟

قد يحدث ذلك نتيجة مجموعة متنوعة من الدوافع النفسية المعقدة والمتعددة الأوجه؛ إذ قد تتأثر بالفروق الفردية والعوامل الاجتماعية واضطرابات الحالة النفسية وغيرها. عموماً، فيما يلي أهم هذه الدوافع:

جذب الانتباه وإثارة التعاطف

أشارت دراسة علمية منشورة في دورية بي إم سي لعلم النفس (BMC Psychology) عام 2023، إلى أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد يكشفون عن صراعاتهم الشخصية والتحديات الحياتية على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل جذب انتباه المتابعين، وكسب تعاطفهم، وإنشاء محتوىً يحظى بشعبية كبيرة. وغالباً ما تُشارَك المنشورات أو المحتوى العاطفي عبر الإنترنت في أثناء تجربة عاطفية شديدة أو بعد فترة قصيرة منها؛ وذلك بهدف إثارة ردود فعل داعمة عند المتابعين.

بالإضافة إلى ذلك، تشير فرضية التعويض الاجتماعي (Compensation Hypothesis) إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها أن تعوّض قلّة العلاقات الحميمية التي يفتقر إليها بعض المستخدمين والمؤثرين على أرض الواقع؛ ما يجعلهم يلجؤون إلى العلاقات الافتراضية لتعويض ما يفتقرون إليه ونيل الدعم الاجتماعي الذي يعينهم على تحديات الحياة.

وكلما كان المؤثرون أكثر افتقاراً إلى الدعم الاجتماعي الحقيقي، كانوا أكثر ميلاً إلى مشاركة تجاربهم الشخصية، وخصوصاً المحزنة، مقارنة بأولئك الذين يحظون بدعم اجتماعي واقعي أكبر.

علاوة على ذلك، يمكن أن يشعر بعض الأفراد؛ ومنهم المؤثرون، بالإشباع أو الرضا بمجرد التحدث عن أنفسهم؛ ما يجعلهم يخصّصون وقتاً كبيراً لمشاركة المعلومات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي والحصول على مكافأة اجتماعية فورية.

اقرأ أيضاً: كيف تكتشف الشخص الذي يتصنع اللطف ويُضمر الشّر؟

زيادة التفاعل بين المتابعين والاحتفاظ بهم

يشير أستاذ علم النفس الاجتماعي، علي سالم، إلى أن الدافع وراء نشر المشاهير لتفاصيل الحياة الشخصية على السوشيال ميديا غالباً ما يكون بهدف زيادة المتابعين. وبالفعل، تشير دراسة علمية منشورة في مجلة البحوث في التسويق التفاعلي (Journal of Research in Interactive Marketing) عام 2021، إلى أن إفصاح المؤثرين عن حيواتهم الشخصية يزيد التأثير في الجمهور ويعزز تفاعله مع المحتوى ويسهم في الاحتفاظ بالمتابعين على المنصات الرقمية.

إذ ينجذب المتابعون إلى القصص الحقيقية والمحتوى العاطفي الذي تَبين أنه يثير الاهتمام أكثر من الأنواع الأخرى من المحتوى، والمؤثرون يدركون غالباً أن إظهار الضعف يجذب انتباه الجمهور ويسهم أيضاً في الحفاظ على مكانتهم بوصفهم مؤثّرين في المشهد الرقمي الشديد التنافسية.

اقرأ أيضاً: ما الذي يضمره المتلاعبون عاطفياً في صدورهم؟ وكيف تتعامل معهم؟

الحاجة إلى الانتماء وتعزيز احترام الذات

على الرغم من ثقتهم الخارجية، فإن المؤثرين ليسوا محصنين ضد مشاعر عدم الأمان والشك في الذات؛ ومن ثَمّ قد تكون مشاركة أسرار الحياة الشخصية محاولة لنيل القبول والتقدير من المتابعين؛ أي يسعون إلى نيل المصادقة على الذات. عموماً، يمكن لردود الفعل الإيجابية ونيل القبول أن يعززا احترام الذات عند المؤثرين وشعورهم بالقيمة والانتماء.

اقرأ أيضاً: 8 طرق فعالة لتوطيد علاقاتك الاجتماعية في 2024

زيادة المصداقية والتواصل الأعمق مع المتابعين

يفهم الناس بعضهم بعضاً على نحو أعمق ويُظهرون الثقة فيما بينهم من خلال الكشف التدريجي عن المشاعر والمعلومات والخبرات، والاستماع إلى مشاركاتهم المتبادلة. يُطلق على التواصل الذي يفصح فيه الشخص معلومات شخصية عن نفسه بدءاً من معلومات سطحية إلى درجة عميقة من الحميمية بـ “الإفصاح عن الذات”.

وقد وجدت دراسة علمية منشورة في دورية الحواسيب في سلوك الإنسان (Computers in Human Behavior) عام 2022، أن إفصاح المؤثرين عن أنفسهم على نحو شخصي وحميمي يخلق تصورات عند المتابعين بأنهم أكثر مصداقية، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى حقيقة أن المحتوى الشديد الحميمية يلبي حاجة المتابعين إلى الارتباط؛ أي يُشعرهم أنهم أكثر ارتباطاً مع المؤثر أو قرباً منه.

من ناحية أخرى، وجد الباحثون أن سيناريوهات الحميمية المنخفضة لم تؤثِّر على نحو كبير في تصورات المتابعين عن مصداقية المؤثرين؛ ما يشير إلى أن الإفصاحات الشخصية والحميمية للأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي قد تنشئ رابطاً أقوى عند جماهيرهم وتزيد مصداقيتهم عندها. ومع ذلك، وجدت الدراسة أيضاً أن الإفصاح الكبير عن الذات قد يكون مضراً بمصداقية المؤثر عندما تكون المعلومات المُفصح عنها غير مناسبة؛ وهذا ما قد يعتمد على توقعات الجمهور أو المعايير الخاصة به.

وجدير بالذكر إن أحد الأسباب التي تجعل بعض الناس يتوقون إلى مشاركة المعلومات الشخصية هو أنها فعلٌ يؤثر في الدماغ، فقد وُجد أن الإفصاح عن الذات يرتبط على نحو قوي بزيادة التنشيط في مناطق الدماغ المكوِّنة للنظام الدوباميني الوسطي الطرفي؛ بما فيها النواة المتكئة والمنطقة السقفية البطنية؛ وهو النظام المسؤول عن الشعور بالمكافأة. بكلمات أخرى: مشاركة المعلومات الشخصية تسبب إطلاق مادة الدوبامين في الدماغ المسؤول عن الشعور بالمتعة.

اقرأ أيضاً: ما فجوة الإعجاب؟ ولمَ لا نثق بإعجاب الآخرين بنا؟

الرغبة في تحقيق الأرباح

تعد وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى العديد من المؤثرين منصات مُربحة لتحقيق الدخل؛ إذ أصبحت توصيات المؤثرين قوة بارزة في التسويق في العصر الحديث، وذلك مع تحول العلامات التجارية على نحو متزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمنتجاتها وخدماتها.

وهذا يعني أن الحضور القوي للمؤثرين، الذين يعدّهم المتابعون حقيقيين وصادقين، قد يجذب الرعاية والشراكات مع الشركات التي تسعى إلى التواصل مع جمهورها المستهدف والتأثير في سلوكه. ومن ثَمّ؛ قد يكشف المؤثرون عن جوانب حيواتهم الشخصية بغية تعزيز حضورهم وموثوقيتهم على الإنترنت؛ ما يسهم في جذب فرص مربحة للتعاون مع العلامات التجارية.

اقرأ أيضاً: خبيرة نفسية تؤكد: في عصر منصات التواصل الاجتماعي، جميعنا ضحايا للتلاعب

معاناة بعض الاضطرابات النفسية

المؤثرون، معظمهم، بشر أولاً وأخيراً، وقد لا يكون كشفهم عن تجاربهم الشخصية مدفوعاً بهدف زيادة المصداقية أو الحصول على الدعم أو تحقيق الأرباح بقدر ما يكون ناتجاً من معاناتهم بعض الاضطرابات النفسية؛ إذ إن العديد من الاضطرابات النفسية قد تزيد احتمالية مشاركة المؤثرين أسرارهم الشخصية أو كشفهم عن معلومات حساسة للآخرين؛ ومن هذه الاضطرابات:

اضطراب القلق الاجتماعي

وجدت دراسة علمية منشورة في مجلة الأمراض العصبية والنفسية (The Journal of Nervous and Mental Disease) عام 2008، أن الأشخاص الذين يعانون ارتفاع القلق الاجتماعي، يميلون إلى الإفصاح المعتدل عن الذات على السوشيال ميديا بنسبة 47% والإفصاح السلبي بنسبة 27% أكثر من الأشخاص الذين لا يعانون القلق الاجتماعي.

وتُقصد بالإفصاح السلبي عن الذات أو ما سماه الباحثون في الدراسة بـ “الإفصاح الذاتي السام” (Toxic self-disclosure)، مشاركة المعلومات أو التجارب الشخصية المضرة أو السلبية أو غير المناسبة على المنصات الرقمية؛ ويمكن أن تشمل نشر الشائعات أو التنمر أو الكشف عن معلومات حساسة دون موافقة الآخرين.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الشخصية السيكوباتية والشخصية المضادة للمجتمع؟

اضطراب الشخصية الحدية

هو حالة صحية نفسية تؤثر في شعور الأفراد تجاه أنفسهم وعلاقاتهم بالآخرين وتصرفاتهم. ويتميز بمشاعر شديدة وغير مستقرة، وانعدام الأمان النفسي، والشك في الذات؛ ما قد يؤدي إلى سلوك متهور وصعوبة في تنظيم العواطف.

علاوة على ذلك، قد يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية تقلباتٍ مزاجية شديدة، والخوف من الهجر، وقد ينخرطون أيضاً في أعمال متهورة، وربما يشاركون الأسرار الشخصية على نحو متهور في محاولة لتهدئة الاضطراب العاطفي، أو التواصل مع الآخرين.

الاضطراب الثنائي القطب

الاضطراب الثنائي القطب المعروف أيضاً باسم “مرض الهوس الاكتئابي”، هو اضطراب نفسي يسبب تقلبات مزاجية مفرطة وغير متوقعة تتضمن نوبات هوس أو هوس خفيف (أقل حدّة) معقدة ومرهقة، تتميز بالطاقة المفرطة والاندفاع وأعراض أخرى، وتكون متبوعة أو مسبوقة بنوبة اكتئاب.

تتميز مرحلة الهوس بأعراض مثل الشعور بالسعادة الشديدة، والتحدث بسرعة كبيرة، والشعور بالطاقة العالية، والشعور المبالغ فيه بأهمية الذات، وسهولة تشتيت انتباهك، والانخراط في أنشطة قد تكون لها عواقب وخيمة، وربما قد تشمل الإفصاح عن الأسرار الشخصية.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟

اضطراب الشخصية النرجسية

قد يسعى المؤثرون إلى نشر حيواتهم الشخصية وأسرارهم الحميمية على التواصل الاجتماعي نتيجة الرغبة الشديدة في تحقيق الشهرة؛ فبعض المؤثرين مهووسون جداً بعدد الإعجابات والمشاهدات والتعليقات، وقد يلجؤون إلى الإفراط في المشاركة من أجل زيادتها.

وقد يكون السبب خلف سعي الناس عموماً والمؤثرين خصوصاً خلف الشهرة هو فقط من أجل الشهرة في حد ذاتها، فالرغبة في أن يراك الناس ويقدروك ويعترفوا بك في الأماكن العامة هي رغبة جامحة عند الكثيرين على ما يبدو.

ومن الأسباب التي قد تفسر الرغبة الشديدة في الشهرة هي التمتع بشخصية نرجسية؛ فالأشخاص النرجسيون يعتقدون أنهم يستحقون المكانة المرموقة وأن يكونوا مركز الاهتمام، ويشعرون بالرضا كلما تلقوا اهتماماً أكبر على المنصات الرقمية.

ختاماً، قد تكون الأسباب النفسية التي تفسِّر سبب مشاركة المؤثرين أسرارهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن تفاعل معقد بين الحاجة الإنسانية إلى نيل التعاطف والدعم، وبناء الثقة، والرغبة في تحقيق مصالح شخصية. بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم بعض السمات الشخصية أو الاضطرابات النفسية في زيادة الإفصاح عن الذات.

المحتوى محمي !!