صحح مفاهيمك: 8 أفكار خاطئة شائعة عن السعادة

6 دقيقة
المفاهيم الخاطئة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل يشتري المال السعادة؟ أم تُراها الهدايا أم المقتنيات المادية أم الإجازات الطويلة؟ سنتعرف في هذا المقال إلى أهم المفاهيم الخاطئة التي يربطها الناس عادة بالسعادة، وما رأي العلم فيها.

السعادة مصطلح فضفاض تختلف ماهيته باختلاف البشر؛ لكنها أكثر من مجرد مزاج إيجابي، فهي حالة عاطفية تتميز بمشاعر الفرح والمتعة والارتياح والرضا العميق والتقبّل. ونتيجة أن تصورات السعادة قد تختلف من شخص إلى آخر؛ فإن الكثير من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بها قد انتشرت بين الناس. إليك أهم 8 مفاهيم خاطئة عن السعادة، ورأي العلم فيها.

1. الكثير من المال يعني الكثير من السعادة

المال لا يشتري السعادة؛ لكنّ الكثير من المال يفعل! ما رأيك بهذه المقولة؟ حسناً لنكن منطقيين، إذا لم تمتلك مالاً كافياً لشراء الاحتياجات الأساسية، فسيكون صعباً أن تشعر براحة البال أو بالسعادة عموماً. ومن أقدم النظريات حول العلاقة بين المال والسعادة، هي تلك التي قدّمها أستاذ الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of Southern California)، ريتشارد إيسترلين (Richard Easterlin)، إذ بيّن أنّ البلدان ذات الدخل المرتفع تكون أكثر سعادة من البلدان ذات الدخل المنخفض؛ لكن السعادة لا تزيد مع ارتفاع الدخل بعد حد معين. فإلى أيّ حد يمكن لمزيد من المال أن يحقق السعادة؟

وجد الخبير الاقتصادي وأستاذ علم النفس في جامعة برينستون (Princeton University) حائز جائزة نوبل، دانيال كانيمان (Daniel Kahneman)، بالتعاون مع الخبير الاقتصادي أنغوس ديتون (Angus Deaton)، في دراسة نُشرت عام 2010، أن السعادة اليومية، وهي تعني بالنسبة إلى كانيمان كلاً من الرفاهية العاطفية والتقييم الإيجابي للحياة، تزداد مع زيادة الدخل السنوي؛ ولكنها تستقر وتتوقف عن الزيادة عندما يصل الدخل السنوي إلى نحو 75,000 دولار أميركي سنوياً (بالنسبة إلى الأميركيين)، واستنتج الباحثان حينها أن الدخل المرتفع يشتري الرضا عن الحياة وليس السعادة، وأن الدخل المنخفض يرتبط بانخفاض تقييم الحياة وانخفاض الرفاهية العاطفية.

اقرأ أيضاً: يمكنك شراء السعادة بالمال! إليك 3 طرق لفعل ذلك

لكن وبعد 11 عاماً، جاء الباحث في الاقتصاد وعلم النفس، ماثيو كيلينغسورث (Matthew Killingsworth) من جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania)، ليبين في دراسة نشرها عام 2021، أن الشعور بالرفاهية والرضا عن الحياة يزداد على نحو مطرد كلما ارتفع الدخل. وعلى الرغم من وجود نقطة محددة يفقد المال بعدها قدرته على تحسين الرفاهية، فإن النتائج تشير إلى أن هذه النقطة قد تكون أعلى مما كان يُعتقد.

وللتوفيق بين هذه النتائج المتعارضة، تعاون الباحثان كانيمان وكيلينغسورث فيما يُعرف بـ “تعاون الخصوم”، ونشرا بحثاً في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Science) في 2023، وقد توصلا إلى أن الدخل الأكبر يرتبط فعلاً بمستويات متزايدة من السعادة؛ لكن الدراسة أظهرت أيضاً أن ثمة أقلية، نحو 20% من المشاركين، لا تزداد سعادتهم مع ازدياد دخلهم؛ أي أن المال لا يمكن أن يجعل الأشخاص التعساء سعداء. وعلّق كيلينغسورث على البحث قائلاً: “المال مجرد عامل من عدة عوامل تحدد السعادة. المال ليس سر السعادة؛ لكنه ربما يساعد قليلاً”.

اقرأ أيضاً: 6 نصائح للسعادة مستمدة من الثقافة الكورية

2. تلقّي الهدايا يحقق السعادة أكثر من منحها

لا يمكن إنكار أن كسب المال يحقق السعادة؛ لكن تَبين أن طريقة إنفاق هذا المال لا تقل أهمية أيضاً في سبيل تحقيق السعادة؛ فقد وجدت دراسة منشورة في دورية ساينس (Science) عام 2008، أن إنفاق المال على الآخرين يحقق سعادة أكبر مقارنة بإنفاقه على النفس.

وقد تشابهت هذه النتائج مع دراسة أُخرى أجرتها مجموعة من الباحثين في جامعة هارفارد (Harvard University) عام 2013، وشملت أشخاصاً في 136 دولة حول العالم. ودراسة أخرى أثبتت أيضاً أن الكرَم والسخاء يرتبطان إيجابياً بالسعادة. إذاً؛ يمكن القول إن المال يشتري السعادة فعلاً؛ لكن في حال أنفقت منه على الآخرين.

اقرأ أيضاً: هل تفهم السعادة على نحو صحيح؟ خبير من جامعة هارفارد يشرحها لك

3. السعادة حالة ثابتة يمكن تحقيقها والاحتفاظ بها إلى الأبد

غالباً ما يعتقد الناس أن السعادة تتحقق بمجرد أن يصلوا إلى مرحلة معينة؛ مثل العثور على شريك الحياة المثالي، أو الحصول على وظيفة الأحلام، أو نيل راتب أعلى، أو شراء هاتف جديد، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فإن البشر بارعون في التكيّف مع الظروف الجديدة؛ ما يعني أنهم سوف يعتادون على الوظيفة الجديدة أو الثروة أو المقتنيات المادية، ثم يعودون إلى مستوىً أساسي من السعادة ويبحثون عن المعلَم التالي لتحقيقه بغية الوصول إلى السعادة.

يقول المختص النفسي، حمود العبري، إنه: “ثمة نظرية علمية تبين أن مستوى السعادة الأساسي ثابت غالباً عند الفرد، وأنه مهما مرت عليه مواقف، إيجابية كانت أو سلبية، فسوف يعود إلى الخط الأساسي للسعادة؛ وهو ما يسمَّى “الحلقة المفرغة للمتعة” (Hedonic Treadmill)”.

في الواقع، وجدت دراسة منشورة في دورية الرأي الحالي في العلوم السلوكية (Current Opinion in Behavioral Science) عام 2021، أنه كلما اجتهد الإنسان في السعي نحو تحقيق السعادة كان أكثر تعاسة. وقد حاول الباحثان شرح هذه المفارقة من خلال نموذج مفاده أنه عندما يكون هدف الإنسان تحقيق مستوى معين من السعادة، فإنه يقارن هذا الهدف بما بشعر به حالياً، فإذا لم يكن يشعر مثلما يتمنى؛ أي ليس سعيداً بما فيه الكفاية، فسوف يحاول تغيير حالته من خلال اتباع استراتيجيات تنظيم المشاعر؛ مثل مشاهدة حلقة من برنامج تلفزيوني يحبه أو إنفاق المال على الملابس أو ما إلى ذلك.

وقد توصل الباحثان إلى أن فعل المقارنة؛ أي مقارنة شعوره الحالي بالسعادة التي يتوقعها، قد يسبب إثارة رد فعل عاطفي سلبي والشعور بخيبة الأمل، علاوة على أن استراتيجيات تنظيم العواطف؛ أي الطريقة التي يتبعها لتنظيم عواطفه بغية الشعور بالسعادة، غالباً ما تكون غير فعالة.

ينصح المؤلفان بتبني مبادئ اليقظة الذهنية للخروج من هذه المفارقة؛ إذ تؤكد ممارسات اليقظة الذهنية ضرورة مراقبة ما يحدث في الوقت الحاضر دون إصدار الأحكام؛ ما يزيد الوعي بالمشاعر الحالية واتزانها مُبطلاً تأثير ردود الفعل العاطفية السلبية التي قد تحدث عندما لا يحقَّق هدف السعادة، بالإضافة إلى اتباع استراتيجيات فعالة لتنظيم المشاعر والتخلي عن التوقعات.

اقرأ أيضاً: 6 عادات متناهية الصغر تساعدك على الشعور بالسعادة يومياً

4. وجود اختيارات غير محدودة يزيد السعادة

على الرغم من أنّ وجود خيارات متعددة يسهّل علينا اتخاذ القرار الذي يحقق سعادتنا؛ لكنّ وجود خيارات لا محدودة قد يفعل فعلاً عكسياً؛ وهو ما يُسمَّى بـ “مفارقة الاختيار” (Paradox of Choice)؛ وهي مفهوم شاع استخدامه على يد عالم النفس الأميركي باري شوارتز (Barry Schwartz)، ويشرح فيه ظاهرة يمكن أن تؤدي فيها الوفرة الكبيرة للخيارات إلى صعوبة في اتخاذ القرار وعدم الرضا والسعادة عن الاختيار النهائي.

5. الإجازات الأطول تحقق سعادة أكبر

يقول عالم النفس دانيال كانيمان إن الإنسان يتكوّن في الواقع من ذاتين متميزتين؛ الذات التي تختبر والذات التي تتذكر. تعيش الذات التي تختبر في اللحظة الراهنة؛ بينما تتذوق الذات التي تتذكر الحياة بعد انقضاء اللحظة. الآن وعلى الرغم من أن الإجازات الطويلة هي المكافأة التي تَعِد بتحقيق السعادة بالنسبة إلى الكثيرين، فإن كانيمان يشرح إن الإجازة مدة أسبوعين متتاليين ليست أفضل من إجازتين منفصلين مدة كل منها أسبوع واحد؛ إذ إن الذكريات ستمتزج معاً ولن تجعلك أكثر سعادة بسبب ذلك.

اقرأ أيضاً: 7 أفكار عملية لتستعيد شعورك بالسعادة بعد فقدانها

6. حمل الضغينة لا يؤثر في الشعور بالسعادة

يُقصد بـ “حمل الضغينة” استمرار الشعور بالغضب أو المرارة أو الاستياء أو النقمة وأي مشاعر سلبية أخرى بعد مدة طويلة من ارتكاب شخص ما فعلاً يؤذيك، سواءٌ جسدياً أو عاطفياً. وعلى الرغم من أن شعورك بالغضب والاستياء قد لا يكون عمداً، وقد لا تدرك أنك تشعر بهذا الاستياء، فإنه ومهما كانت نواياك أو سبب مرارتك، فإن حمل الضغينة يؤذيك عاطفياً وجسدياً واجتماعياً وغالباً ما يعوق الشعور بالسعادة. لذلك؛ سامِح واغفر لأن الصفح سيساعدك على تحسين صحتك النفسية والتنعم براحة البال والمضي قدماً.

7. السعادة ليست قراراً وهي مرهونة بالظروف الخارجة عن إرادة الإنسان

لإحقاق الحق، يمكن القول إن السعادة حالة ديناميكية ومراوغة، ويمكن أن تتأثر بظروف الحياة والتركيب الجيني والحالة الاجتماعية والجيران حتى! ولكن هذا لا يعني أنها مرهونة بالظروف الخارجية فقط، وأن الإنسان لا يمتلك أي قدرة على التحكم بسعادته من خلال أفعاله وخياراته.

في الواقع، وجد استطلاع للرأي أن متوسط معدل السعادة عند الأشخاص الذين يعتقدون أن السعادة تقع تحت سيطرة الإنسان كان 7.39؛ في حين أن متوسط معدل السعادة عند الأشخاص الذين يعتقدون أن السعادة خارجة عن سيطرتهم هو 5.61. إذاً وعلى الرغم من أن العوامل الخارجية يمكن أن تؤثر في السعادة، فإن الإنسان تُمكنه ممارسة مستوى معين من السيطرة على سعادته.

اقرأ أيضاً: “السعادة قرار”: كيف تحوّل هذه الجملة إلى واقع تعيشه؟

8. أفضل سنوات العمر قد انقضت ولا مجال للشعور بالسعادة لاحقاً

غالباً ما يظن الناس أن السعادة تتضاءل مع التقدم في العمر؛ لكن هذا ليس صحيحاً في الأحوال جميعها؛ إذ وعلى الرغم من أن لكل إنسان تجربة فريدة من نوعها في الحياة، فإن السعادة تتبع مساراً معيناً على نحو متوسط؛ فغالباً ما تكون مرتفعة في مرحلة الطفولة، ثم تنخفض إلى حد ما في المرحلة العمرية الممتدة بين 18 و40 عاماً، وبعد الخمسين تبدأ الارتفاع مرة أُخرى. يستمد كبار السن السعادة من العلاقات الهادفة، والعمل التطوعي، وتقدير لحظات الفرح الصغيرة؛ مثل زيارة صديق قديم، أو تناول وجبة طعام لذيذة.

ختاماً، يمكن القول إن الانغماس بانتظام في الملذات الصغيرة، والانخراط في الأنشطة الصعبة، وتحديد الأهداف وتحقيقها، والحفاظ على روابط اجتماعية وثيقة، وإيجاد هدف يتجاوز الذات، والإنفاق على الآخرين؛ كلها عوامل تزيد الرضا عن الحياة والمشاعر الإيجابية.