ملخص: يتشابه البشر في أمر واحد؛ أن كل واحد منهم مختلف! لكن الاختلاف لا يعني التميز، وعلى الرغم من أن احترام الذات وتقديرها أمر محمود؛ لكن هذا لا يعني أنه كلما زاد كان أفضل، فالزائد أخ الناقص. لذلك؛ سنتكلم في هذا المقال عن سلبيات المغالاة في تقدير الذات، وما الخطوات اللازمة لمواجهة تلك الحقيقة المُرة التي مفادها أنك لست مميزاً كما تظن!
محتويات المقال
كل شخص منا مميّزٌ بطريقته الخاصة وخصوصاً بالنسبة إلى أحبائه، فلا بُدّ من أنك تمتلك مزاجاً وشخصية وصفات تميّزك عن غيرك؛ لكنك تمتلك أيضاً بعضاً من العيوب، أو لنقل نقاط الضعف، تميزك عن غيرك أيضاً. مثلك مثل الجميع، فكل فرد من جماعة البشر يمتلك مجموعة فريدة من الصفات والخصائص الإيجابية والسلبية، وإذا كان كل شخص مميزاً بطريقته الفريدة، فلا أحد مميز حقاً.
بالطبع من المهم أن تشعر بالثقة وأن تنظر إلى نفسك نظرة إيجابية وتقدِّر ذاتك؛ لكن من المهم أن تكون واقعياً بشأن كيفية إدراك الآخرين لك، أو عدم إدراكهم لك على الإطلاق. فأنت لست مميزاً عند الجميع أو في كل موقف، وإدراك ذلك ليس ضربة لكبريائك؛ وإنما سيساعدك على التعامل مع نفسك والآخرين ومواقف الحياة بطريقة صحية وناجحة. تعرف في هذا المقال إلى الآثار السلبية الناجمة عن المغالاة في توقعاتك تجاه نفسك، وكيف تتعايش مع حقيقة أنك لست مميزاً كما تظن.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تثق بنفسك؟ وكيف تتجاوز عقبة الشك الذاتي؟
ما الآثار السلبية للاعتقاد بأنك مميز للغاية عن الآخرين؟
إذا كنت تشعر أنك مميز جداً وتتوقع الكثير من نفسك باستمرار، فأنت تدفع نفسك نحو الاحتراق النفسي؛ لأن الفشل المستمر في تلبية توقعاتك الخاصة يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالذنب والعار، أو قد يجعلك تشعر الإحباط أو التوتر أو الانزعاج عندما تسوء الأمور قليلاً أو لا تسير مثلما خططت لها؛ كما قد تشعر بالاستياء والغضب عندما لا يتوافق الآخرون مع خططك أو أفكارك. وبالطبع، إن امتلاك هذه المشاعر أمر طبيعي بين الحين والآخر؛ لكن في حال تكرر كثيراً، فعليك إعادة النظر في توقعاتك عن نفسك.
في الواقع، ترى عالمة النفس الأميركية سارة سركيس (Sarah Sarkis)، إن الاعتقاد بتميُّز الذات قد يؤدي إلى تحديات نفسية مختلفة؛ إذ قد يعتقد الشخص المميز أنه أكثر موهبة وتفرداً من الجميع، لذا يحقّ له الحصول على معاملة خاصة أو اهتمام أكثر مما يستحقه الآخرون.
ويمكن لهذه المشاعر أن تسبب الإحباط في حال لم تُلبَّ، أو تسبب العزلة الاجتماعية بسبب صعوبة فهم التجارب الإنسانية المشتركة مع الآخرين والتعاطف والتواصل معهم. وغالباً ما تنتج مشاعر الاستحقاق هذه عن بيئة الطفولة التي بالغت في تأكيد تفرّد الطفل دون تسليط الضوء على أهمية التجارب الإنسانية المشتركة.
اقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على عدم التعافي من صدمات الطفولة
ويشرح الطبيب النفسي روبورت هام (Robert Hamm)، إن الأشخاص الذين يعيشون وفق توقعات غير واقعية عن أنفسهم قد يبدون واثقين أو منجِزين جداً؛ لكنهم غالباً ما يعانون شعوراً عميقاً بعدم الرضا، وصعوبة في التعامل مع النقد، وحاجة مستمرة إلى إثبات تفوق الذات؛ وهذا ما قد يؤدي بهم في النهاية إلى الاضطراب العاطفي أو مواجهة صعوبة في التعامل مع الآخرين.
كيف تميز بين تقدير الذات الصحي والتوقعات غير الواقعية؟
التمييز بين احترام الذات الصحي والتوقعات غير الواقعية عن النفس أمر بالغ الأهمية للصحة النفسية. يتميز تقدير الذات الصحي بنظرة متوازنة وواقعية إلى النفس؛ إذ يتمتع الأفراد بتقييمات إيجابية ولكن دقيقة لنقاط القوة والضعف لديهم؛ كما أنهم يوازنون بين تقديرهم لأنفسهم واحترامهم للآخرين، ويعملون على تحقيق النمو الشخصي دون السعي إلى الحصول على معاملة خاصة أو مصادقة من الآخرين.
من ناحية أخرى، يمتلك الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير كبير لذواتهم إحساساً متضخماً بأهمية الذات، والاعتقاد بأنهم أكثر تميزاً أو استحقاقاً من الآخرين، ويكونون أقل وعياً بعيوبهم.
اقرأ أيضاً: “أنت لست وظيفتك”: كيف تستوعب الأبعاد المختلفة لذاتك؟
تعرف إلى طرائق فعالة للتغلب على وهم التميز
إذا أدركت أن تصورك لذاتك يميل نحو شعور متضخم بالتميز، فمن المهم اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على رؤية صحية وواقعية لنفسك، وذلك من خلال اتباع الطرق التالية:
- التقييم الذاتي الواقعي: من المهم أن تعتز بنفسك وثقافتك وإنجازاتك وما إلى ذلك، فهي صفات حميدة؛ لكن ينبغي ألا تغالي في هذا التقدير إلى الحد الذي قد يجعلك تعتقد أنك أفضل من الآخرين أو أكثر تميزاً. تمعّن في ذاتك وحدِّد نقاط قوتك وإنجازاتك، واعترف أيضاً بالمجالات التي يمكنك تحسينها. تذكر أن توقعاتك غير الواقعية عن ذاتك غالباً ما تنتج من رؤى الآخرين والأهداف التي رسموها لك؛ لكن عليك أن تفكر فيما إذا كان تحقيق هذه الأهداف يرضيك فعلاً ويحقق لك السعادة، وإلا فعليك أن تعيد تركيز انتباهك إلى صياغة الأهداف التي تهمك حقاً.
اقرأ أيضاً: الكذب وسط كومة حقائق: كيف يُفلت النرجسي من تحمّل مسؤولية أخطائه؟
- تنمية التواضع: احتضن التواضع من خلال الاعتراف بأن لكل شخص نقاط قوة وضعف خاصة به. كن منفتحاً على التعلم من الآخرين وقدّر أن تفردك لا يجعلك متفوقاً بطبيعتك. يساعد التواضع على تطوير النمو والوعي الذاتيين؛ لأنه يسمح للشخص بالاعتراف بالطرائق التي يمكنه من خلالها تحسين نفسه.
- معرفة حدودك: قد تكتشف أنه من غير الممكن، حتى مع أفضل النوايا والرغبة في بذل أقصى الجهود، تحسين كل موقف أو تلبية التوقعات كلها. لذلك، إذا اكتشفت أنك لست مميزاً كما تظن أو فشلت في تلبية التوقعات الذاتية غير الواقعية، فاعترف بأنك بذلت قصارى جهدك، وتعاطف مع نفسك بدلاً من لومها، ولا تنس أن تتعاطف مع الآخرين أيضاً الذين لم يرقوا إلى مستوى توقعاتك أيضاً. قدِّر نقاط قوتهم وإسهاماتهم؛ ما قد يساعدك على تطوير منظور أكثر توازناً وعلاقات أكثر إيجابي.
اقرأ أيضاً: ما الطريقة الأفضل لإدارة تحولات حياتك المصيرية؟
- تحديد أهداف واقعية وقابلة للتحقيق: يمكن أن تؤدي التوقعات غير الواقعية إلى خيبة الأمل والإحباط. لذلك؛ حدد أهدافاً واقعية، وقسِّم الأهداف الكبيرة إلى خطوات أصغر يمكن التحكم فيها لجعل التقدم أكثر قابلية للتحقيق. بالإضافة إلى ذلك، حافظ على عقلية مرنة، فالظروف تتغير بسرعة كبيرة؛ لذلك كلما كنت أكثر مرونة مع أهدافك ستصبح أكثر قدرة على استيعاب عدم القدرة على التنبؤ بالحياة.
- ممارسة الامتنان: نمِّ شعورك بالامتنان لقدراتك وإنجازاتك دون السماح لها بتحديد هويتك بالكامل. أدرك أن لكل شخص صفات فريدة، وأن قيمتك لا تقل إذا كانت لدى الآخرين نقاط قوة أيضاً.
- التركيز على ما حققته: عندما تشعر بالإحباط من نفسك بسبب الفشل في تحقيق أهداف غير واقعية، فحاوِل إلقاء نظرة فاحصة على الأهداف التي حققتها، فإعادة النظر في الإنجازات السابقة قد تساعدك على إبقاء الأمور في نصابها الصحيح. تذكر أن الاعتراف بصفاتك الخاصة ليس أمراً سلبياً بطبيعته؛ ولكنه يصبح مشكلة عندما يؤدي إلى شعور مبالغ فيه وغير واقعي بأهمية الذات. يعد تحقيق التوازن بين تقدير الذات والفهم الواقعي لنقاط القوة والضعف لديك أمراً أساسياً للحفاظ على احترام صحي لذاتك.
اقرأ أيضاً: طبيبة نفسية تخبرك بطريقة فعالة لتنجح في تغيير حياتك إلى الأفضل
5 نصائح لبناء الثقة بالنفس دون الاعتماد على فكرة التميز
إليك بعض الاستراتيجيات لبناء الثقة بالنفس دون الاعتماد على فكرة التميز:
- قدِّر تفردك: قدِّر صفاتك الخاصة، وذكِّر نفسك بأن لكل شخص قدراته الفريدة، وهذا ما يجعل كل شخص مختلفاً.
- حدِّد أهدافاً واقعية: مرة أُخرى، ضع قائمة بالأهداف الواقعية واحتفل بإنجازاتك. إن تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يعزز ثقتك بنفسك وشعورك بالإنجاز.
- ركِّز على تقدير ذاتك: اعترف بنقاط قوتك وضعفك وقدراتك وعيوبك. إن تقدير جوانب نفسك جميعها، دون السعي بالضرورة إلى التميز، يمكن أن يسهم في تنمية الشعور الصحي بقيمة الذات.
- احتضن الأصالة: الأصالة هي أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه؛ إذ ينطوي على وعي ذاتي عميق، مع احتضان نقاط الضعف والعيش في توافق مع القيم الشخصية، حتى في مواجهة التوقعات أو الضغوط المجتمعية؛ أي أن تكون نفسك وألا تتظاهر بأنك شخص آخر في محاولة لإرضاء الآخرين وإثارة إعجابهم.
- احرص على ممارسة الحديث الذاتي الإيجابي: عامل نفسك بلطف وتفهُّم، لا تقارن نفسك مع الاخرين، وتحدَّ الحديث السلبي عن النفس واستعض عنه بالتأكيدات الإيجابية والداعمة. للتوقف عن الحديث السلبي عن النفس، ينصح استشاري العلاقات الأسرية جاسم المطوع أولاً بإلهاء النفس عندما تبدأ الأفكار السلبية؛ سواء بممارسة الرياضة أو التحرك أو محاولة التفكير بأمر مختلف وما إلى ذلك، والأمر الثاني هو الابتعاد عن الأصدقاء والأشخاص السلبيين ومصادقة الناس الإيجابيين، والنصيحة الأخيرة تتمثل بمعاندة النفس وتحدي صحة هذه الأفكار وإثبات خطئها.
ختاماً، تنبغي معرفة أن المغالاة في تقدير الذات قد تنتج في كثير من الأحيان من الشعور بعدم الأمان أو من تجارب سابقة؛ لذلك من المهم أن تفهم نفسك على نحو أفضل، أو أن تطلب مساعدة مختص الصحة النفسية الحصول على مزيد من المعلومات حول من أنت ومن تريد أن تكون.