ملخص: ثمة صلة قوية بين الانضباط الذاتي وتحقيق النتائج الإيجابية في الحياة؛ مثل الإنجازات الأكاديمية والمهنية والصحة الأفضل، كما وُجد أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة عالية على ضبط النفس يشعرون بقدر أكبر من السعادة والرضا عن الحياة. فكيف يمكنك إذاً ممارسة الانضباط الذاتي من أجل تحقيق النجاح والسعادة في الحياة؟
أعرف شخصاً يستيقظ فجراً ليركض نصف ساعة، ثم يعمل بكفاءة عالية في وظيفته من دون تسويف ولا تضييع الوقت في المشتتات. أما مساءً، فهو يلعب مع أطفاله قليلاً ويتفقد وظائفهم المدرسية، ثم يحضر فصلاً دراسياً عبر الإنترنت، ويتدرب قليلاً على آلته الموسيقية التي بدأ تعلمها منذ أشهر قليلة. وبالطبع، لا ينهي يومه من دون قراءة بضع صفحات من كتاب ما. قد يبدو هذا الشخص لا يحيا معنا على الكوكب نفسه! إلا أنه كذلك وكثيرون مثله أيضاً، فما سرهم؟ وهل يمكن لبقية الناس المساكين أن يحققوا ما يحققه هؤلاء؟
دون شك! يكمن السر في الانضباط الذاتي؛ وهو القدرة على دفع نفسك إلى الأمام والبقاء متحفزاً وتنفيذ ما ينبغي تنفيذه بغض النظر عما تشعر به جسدياً أو عاطفياً. بعبارة أخرى، هو تدريب النفس على الالتزام بسلوكيات وقواعد معينة بغية تحقيق أهداف محددة؛ أيّ أن تفعل ما يجب فعله حتى عند عدم رغبتك في ذلك. ولا بد من التنويه إلى أن الانضباط الذاتي يختلف عن التحفيز الذاتي وقوة الإرادة، فهو يشمل كليهما بالإضافة إلى المثابرة والقدرة على متابعة النوايا والعمل الجاد.
وقبل أن تقول إن الأمر مستحيل، أو أن لديك من العمل أكثر بكثير مما لدى الآخرين، وأن ظروف حياتك أصعب من ظروف الجميع، حاوِل أن تمعن النظر في حياتك قليلاً؛ هل تستغل وقتك على أتم وجه أم يضيع الكثير منه على وسائل التواصل الاجتماعي والمشتتات الأُخرى؟ هل ظروف حياتك فعلاً هي ما يُصعِّب تحقيق أهدافك أم أن التسويف والعادات اليومية السيئة هما العائقان؟
نعم، إتقان الانضباط الذاتي ليس أمراً سهلاً وهو أصعب مما نعتقد، لكنه مهارة تُصقل بالممارسة، ولا تعني جلد الذات وتحميلها فوق قدرتها؛ وإنما تعني أن تكون صادقاً مع نفسك مستعداً لتعلُّم كيفية التعامل مع هويتك، والعمل خارج منطقة راحتك بغية تحقيق أهدافك. وإليك ما عليك فعله حتى تنمي قدرتك على الانضباط الذاتي.
اقرأ أيضاً: 6 أمور عليك التخلي عنها لتحقق النمو الشخصي في عام 2024
10 خطوات أساسية لتعلُّم الانضباط الذاتي وممارسته
مرة أُخرى، ليس من المفيد أن تلوم نفسك أو تقارن افتقارك إلى الانضباط الذاتي مع الآخرين، فالانضباط الذاتي ليس سمة شخصية؛ بل هو قدرة يمكنك تعلُّمها وإتقانها، ومن المحتمل أن يستغرق الأمر بعض الوقت. عموماً، إليك أهم الاستراتيجيات التي يمكنك اتباعها لتعلم هذه المهارة:
التعرف إلى نقاط القوة والضعف
من المؤكد أن فهم نقاط القوة والضعف لديك أمر بالغ الأهمية لتنمية الانضباط الذاتي. فالتعرف إلى نقاط قوتك يوفر أساساً للاستفادة من مهاراتك وقدراتك وتوظيفها في السعي نحو تحقيق الهدف، وتعزيز الدافع والثقة في النفس.
لذلك، فكر جيداً وحدد فيما إذا كان الإبداع، أو القدرة على التواصل، أو القدرة على التأقلم، أو التعاطف، أو التفكير النقدي أو غيرها؛ هي نقاط قوتك. ومن ناحية أخرى، فالاعتراف بنقاط الضعف يعزز الوعي الذاتي، ما يتيح لك تحديد العقبات المحتملة أمام الانضباط، ثم اتخاذ تدابير استباقية للحد منها.
على سبيل المثال، إذا كان العيب هو التسويف، فيمكن تقسيم المهام وتحديد مواعيد نهائية واستخدام جدول زمني منظم، وإذا كان الخوف من الفشل هو العيب، فيمكن العمل على تغيير العقلية واعتبار الفشل فرصة للنمو مع تحديد أهداف واقعية والاحتفال بالانتصارات الصغيرة، أما إذا كان العيب سوء إدارة الوقت، فيمكن تعديل البيئة المحيطة على نحو يقلل المشتتات واستخدام أدوات الإنتاجية وتحديد الأولويات. تذكَّر أن الاعتراف بالعيوب هي الخطوة الأولى للتغلب عليها، وهو ما يسمح لك بمعالجة نقاط الضعف على نحو استباقي.
اقرأ أيضاً: 7 عادات صحية تحسن مزاجك وتزيد طاقتك
تحديد أهداف واضحة ووضع خطة للتنفيذ
لتحقيق قدر أكبر من الانضباط الذاتي، من الضروري أن تمتلك رؤية محددة جيداً لما تأمل في تحقيقه بالتزامن مع عملية تحديد أي هدف، وأن تفهم جيداً ما دوافعك وما يعنيه النجاح بالنسبة لك؛ إذ يعمل ذلك كبوصلة تمنع فقدان الاتجاه أو الاستسلام للمشتتات.
وفي غضون تحديد الأهداف، لا تنسى تحديد الأولويات؛ فوجود العديد من الأهداف يمكن أن يضعف التركيز. ثم وبمجرد تحديد الهدف، عليك صياغة خطة مفصلة بخطوات بسيطة ومحددة زمنياً للتنفيذ، ما يساعدك على التركيز، وتعزيز الارتباط العاطفي بمهمتك، وتحديد خط نهاية واضح.
التخلص من المشتتات والاغراءات
عدّل بيئتك المحيطة على نحو يجعلك أكثر انضباطاً. على سبيل المثال، إذا أردت أن تضبط نفسك وتمنعها من الإفراط في أكل الحلويات، فلا تنثر الحلويات في أرجاء المنزل وتحاول مقاومتها لتنميّ الانضباط؛ بل لا تحضر الحلويات إلى المنزل من الأساس، فتجنُّب الإغراء أسهل من مقاومته. لذلك، تخلَّص من عوامل التشتت المحيطة بك لزيادة تركيزك. فإذا كنت تريد الالتزام بنظام غذائي صحي، تخلّص من الوجبات السريعة ولا تحضرها إلى المنزل، وإذا أردت أن تحسِّن إنتاجيتك في العمل، فأوقف إشعارات الهاتف المحمول.
اقرأ أيضاً: كيف تواجه تحديات العام الجديد بروح الدعابة؟
التدرُّب اليومي على الانضباط
تماماً مثلما تتدرب على لعب رياضة ما أو العزف على آلة موسيقية، يحتاج الانضباط الذاتي إلى جهد منتظم وتكرار ليصبح متأصلاً في عاداتك. ومع ذلك، قد يكون الأمر صعباً؛ إذ يتطلب الكثير من التركيز والطاقة خصوصاً عند مواجهة إغراءات أو قرارات كبيرة.
لمواجهة ذلك، اختر مجالاً معيناً يتعلق بهدفك وركِّز عليه يومياً على نحو يتوافق مع الخطة التي وضعتها. وسواء قمت بجدولة ما تريد القيام به، أو أضفته إلى قائمة المهام، أو أيا تكن طريقتك في تنفيذ خطتك، فإن وجود نهج منظم أمر بالغ الأهمية.
ركِّز على اتخاذ خطوات صغيرة بانتظام لبناء الانضباط الذي تحتاجه، فالتغيير الكبير المفاجئ قد يكون مخيفاً ويصعب الالتزام به. ومع مرور الوقت، ستتراكم هذه الخطوات الصغيرة على نحو يعزز قدرتك على الانضباط في مجالات مختلفة.
على سبيل المثال، إن كان هدفك هو تحسين اللياقة البدنية. قد تكون الخطة هي تخصيص 30 دقيقة كل صباح للتمرين، مع جدولة التمرين على التقويم الخاص بك أو تعيين تذكير على هاتفك. من أجل تطوير هذه الممارسة، ينبغي الالتزام بهذا الروتين يومياً وجعله جزءاً معتاداً من حياتك اليومية.
ثم وبمرور الوقت، قد تزيد من كثافة تدريباتك أو مدتها، ما يؤدي إلى تجاوز حدود منطقة الراحة الخاصة بك. من خلال ممارسة التدريب اليومي باستمرار يوماً بعد يوم، فأنت تعمل بنشاط لتحقيق هدف لياقتك البدنية وبناء الانضباط الذاتي اللازم للحفاظ على روتين تمرين منتظم.
اقرأ أيضاً: أهداف العام الجديد لا تدوم طويلاً؟ إليك كيفية الالتزام بتحقيقها من دون ضغط نفسي
تجهيز خطة احتياطية
من المهم فهم أن وجود خطة احتياطية لا يعني أنك تتوقع الفشل في خطتك الأساسية؛ بل يتعلق الأمر بالتصحيح المتعمد للمسار. تخيل أن لديك هدفاً؛ سواء كان طموحاً وظيفياً، أو مشروعاً شخصياً، أو تغييراً في نمط الحياة، فبدلاً من التعامل مع الأمر بعقلية تفترض الفشل المحتمل، يمكنك إنشاء خطة احتياطية للتعامل مع العقبات غير المتوقعة أو التغيرات في الظروف.
لا يتعلق الأمر بقبول تحقيق مستوىً أقل مما تستحق؛ وإنما يتعلق بالاستعداد والقدرة على التأقلم. في الواقع، وجود خطة احتياطية يعزز ضبط النفس والعقلية الاستباقية، فهو يتيح لك التغلب على حالات عدم اليقين بثقة، ويوفر الطاقة التي قد تضيع في القرارات المرتجلة التي تتأثر بالعواطف.
تغيير العقلية القديمة عن قوة الإرادة وضبط النفس
يعد تغيير تصوّرك عن قوة الإرادة بمثابة تحوُّل جذريّ يمكن أن يؤثر في نجاحك؛ فإذا كنت تعتقد أن قوة الإرادة لها حدود، فقد تفرض تلك الحدود على نفسك من دون قصد. والشخص الذي يشكك في قدرته على النجاح غالباً لن ينجح. في المقابل، تبني عقلية قوة الإرادة غير المحدودة يتيح النمو المستمر ويعزز الإنجاز وينمّي القوة الذهنية.
في الأساس، تؤدي معتقداتك الداخلية حول قوة الإرادة وضبط النفس دوراً حاسماً في تحديد مستوى انضباطك. ومن خلال إزالة حواجز اللاوعي والإيمان الحقيقي بقدراتك، فإنك تزوِّد نفسك بدفعة تحفيزية إضافية نحو تحويل أهدافك إلى واقع.
اقرأ أيضاً: ما علامات التعلّق المفرط بالآخرين؟ وكيف يمكن التخلّص منه؟
تتبع التقدم
من أكثر المشاعر إشباعاً هو الشعور بتحقيق التقدم؛ لذلك وعندما يتعلق الأمر بتطوير الانضباط الذاتي، فإن الخطوة الحاسمة هي تتبع التقدم الذي أحرزته والقدرة على رؤية التغييرات الإيجابية التي نفّذتها. لتتبع التقدم، يمكنك الحصول على تقويم يومي، ووضع علامة إلى جانب كل يوم تلتزم فيه بتنفيذ ما خططت لتنفيذه.
يمكن أن تكون هذه الإشارات المرئية حافزاً قوياً خصوصاً عندما تشعر بالإحباط نتيجة أنك تبذل الكثير من الجهد دون رؤية الكثير من النتائج السريعة؛ إذ ستوفّر دليلاً مرئياً فورياً على عملك الشاق، وهو تذكير دقيق بمدى تقدمك وانضباطك.
مكافأة النفس على الالتزام
أدمغتنا مجهَّزة للبحث عن الإشباع الفوري، لذلك فإن جعل عاداتك الجديدة مجزية على الفور يزيد من احتمالية تكرارها، خصوصاً في المراحل الأولى من الالتزام بأداء فعل ما. لذلك، لا بأس من أن تكافِئ نفسك كلما التزمت بالسلوك المطلوب، لكن تذكَّر ألا تبالغ في المكافأة، أبقِ المكافآت الكبيرة لتحقيق الإنجازات الكبيرة.
اقرأ أيضاً: 7 تجارب حياتية تجعلك أكثر قوة وتحملاً
الحصول على الدعم الاجتماعي
يمكنك أن تلجأ إلى شبكتك الاجتماعية للحصول على الدعم والتحفيز والمحاسبة، فوجود نظام دعم يحفزك لتقديم أفضل ما لديك يشبه وجود فريق يهتف لك ويرشدك خلال التحديات. في الواقع، تؤدي عائلتك وأصدقاؤك وزملاؤك وموجهوك ومدربوك أدواراً حيوية في إبقائك على المسار الصحيح، فهي لا تقدم تعليقات بناءة فحسب؛ بل تساعدك على التعرف إلى العادات التي قد تعيق تقدمك ومعالجتها. وفي اللحظات الصعبة، يصبح دعمهم قوة تدفعك نحو الأمام.
التسامح مع الذات والتحلي بالمرونة
يمكن القول إنه على الرغم من حسن النوايا والخطط الموضوعة والجهد المبذول، فإن النكسات والفشل في تحقيق الانضباط أمر محتمل، لكن المفتاح هو المثابرة والاستمرار وعدم الاستسلام. إذا تعثّرت، حدِّد السبب الجذري، وتعلَّم منه، وامض قدماً. تجنب الخوض في الشعور بالذنب أو الإحباط، لأن هذه المشاعر تعوق التقدم. سامِح نفسك، وتعلَّم من أخطائك، وحاوِل مجدداً.
يقول الطبيب النفسي بندر آل جلالة "إنه حين تسعى نحو تحقيق هدف بإتقان، ثم لا تتمكن من تحقيقه، فغالباً لا يعد ذلك فشلاً! صحيحٌ أنك لم تحققه، لكنك طورت عادات والتزمت بنظام أداء ونمت لديك عضلة الانضباط الذاتي. لا تركِّز على فشلك في تحقيقه؛ ولكن ركِّز على فكرة أنك أصبحت شخصاً أفضل، وهذا ما سيعطيك القدرة على تحقيق أهدافك الأخرى".