قوة التخلي: ما فوائد الاستسلام لصحتك النفسية؟

5 دقيقة
الاستسلام
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أثار اللاعب المصري الشهير محمد صلاح الكثير من الجدل، وذلك بعد أن نشر مقطعاً صغيراً من أحد الكتب يتحدث عن ضرورة عدم الاستسلام وذلك عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام؛ ولكن هل علينا حقاً عدم الاستسلام مهما كانت الظروف التي تواجهنا؟ الحقيقة إن الاستسلام في بعض الأحيان قد يكون قراراً شجاعاً وحكيماً ومهماً في الكثير من الأوقات، وإليكم في هذا المقال لماذا يُعد الاستسلام ضرورة أحياناً.

نشر لاعب الكرة المصري محمد صلاح عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام اقتباساً من أحد كتب علم النفس يحمل فكرة ضرورة عدم الاستسلام، والحقيقة أن ما كان يقرأه صلاح قيل لأغلبنا؛ "لا تستسلم أبداً"، "لا تكن تقليدياً مثل الآخرين"، "لا تتخل عن هدفك وطريقك نحو النجاح مهما كان الثمن".

وعلى الرغم من أن فكرة المثابرة فكرة عظيمة، فإن ثقافتنا العصرية تضفي عليها طابعاً رومنسياً مُبالغاً فيه، فهل تعلم أنه في بعض الأوقات يكون الاستسلام هو بالضبط ما يجب علينا فعله؟ وسوف نخبركم من خلال هذا المقال لماذا من المهم أن نستسلم أحياناً.

5 علامات تخبرك بأنك يجب أن تستسلم

نواجه يومياً العديد من المواقف الحياتية المختلفة التي تتطلب منا اختيار الاستمرار في المحاولة أو الاستسلام؛ مثل العلاقات الشخصية والأهداف المهنية وغيرها من المواقف الأخرى. في بعض الأحيان، يكون الاستمرار في السعي هو القرار الصحيح؛ لكن في أحايين أخرى لن يكون الأمر كذلك. ولهذا؛ تذكّر أن الاستسلام لا يجعلك دائماً شخصاً سيئاً، أو فاشلاً، أو هارباً، أو أي شيء سيئ كنت تقوله لنفسك. في بعض الأوقات، يعني الاستسلام أنك شخص ناضج بما يكفي لتعرف متى تقلل خسائرك وتمضي قدماً؛ شخصٌ لديه الشجاعة لحماية صحته النفسية وقادر على تحمل مخاطر تغيير المسار، وهذه أهم العلامات التي تخبرك بأن الاستسلام هو القرار الصائب:

  1. عندما تكون مدركاً في أعماقك أن الأمر لن ينجح: الحقيقة المؤلمة هي أن بعض الأحلام لا تتحقق، وبعض العلاقات لن تنجح أبداً، وبعض الناس لن يحبوك بالطريقة التي تحتاج إلى أن تُحب بها. هكذا هي الحياة؛ ولهذا اسأل نفسك بصدق وجدية: "هل هذا هدف يمكن تحقيقه؟ إذا كانت الإجابة "لا" فقد حان موعد الاستسلام.
  2. حين تكون غير سعيد في أثناء السعي إلى تحقيق هدفك: الأحلام رائعة؛ لكن ينبغي لنا ألا نضحي بسعادتنا اليومية من أجل الأمل بالسعادة في المستقبل البعيد. هل أنت سعيد وأنت تسعى إلى تحقيق هدفك؟ فكر في الأمر ثم قرر بعدها ما تريده فعلاً، ولا تردد الكليشيهات التي تقول: "إن الأمر يتعلق بالرحلة، وليس بالوجهة". إذا كانت رحلتك تجعلك بائساً، فإن الوجهة لا تستحق العناء.
  3. عندما يكون السبب الوحيد الذي يمنعك من الاستسلام هو قلقك من نظرة الآخرين: أحياناً قد تداهمنا فكرة الاستسلام بشدة؛ ولكننا نخاف من فكرة خذلان الآخرين؛ ولهذا نختار مواصلة الطريق. ولكن يجب ألا نضحي بحيواتنا من أجل سعادة الآخرين. وعليه؛ دع الآخرين يعتنون بأنفسهم، وافعل كل ما عليك للعثور على السعادة من جديد.
  4. إذا كنت لا تريد الاستسلام لأنك ترى نفسك من خلال أهدافك: عندما تسعى جاهداً إلى تحقيق حلم أو الحفاظ على علاقة مدة سنوات طويلة، فمن السهل أن تغفل عن هويتك خارج إطار هذا الحلم أو تلك العلاقة؛ حيث ترى نفسك انعكاساً لأهدافك. ولهذا؛ تكون فكرة الاستسلام مرعبة، ففي النهاية، قد تتساءل: "من أنا دون هذا الحلم؟"؛ ولكن في هذه الحالة، عليك تذكير نفسك بأنك شخص كامل، بغض النظر عن القرارات التي تتخذها. إذا استسلمت، ستشعر بالخسارة في البداية؛ ولكن في النهاية، ستأتي رغبات جديدة وعلاقات جديدة لملء هذا الفراغ.
  5. إذا كان عدم تحقيق هدفك يجعلك تكره نفسك: حين يكون لديك حلم طويل الأمد، لن تكون الطريق معبدة وممهدة، سوف تواجه العقبات والتحديات ولكن ينبغي ألا تجعلك تلك التحيات تشعر بالفشل أو تقلل من قيمتك الذاتية. إذا حدث وشعرت بالخجل من نفسك لأنك لا تستطيع تحقيق أحد أحلامك، فقد حان الوقت للتوقف والاستسلام، اسمح لنفسك بالمضي قدماً والعثور على شيء يرضيك، بدلاً من أن يزعزع إحساسك بذاتك.

اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات

كيف يضرك عدم الاستسلام في الوقت المناسب؟

نالت فكرة المثابرة والسعي الحثيث إلى تحقيق الأهداف كثيراً من الاهتمام خلال السنوات الماضية؛ حيث أكد العديد من علماء النفس الذين درسوا العزيمة إن القدرة على الالتزام بأهدافك خاصة عند مواجهة الصعوبات هو عامل حاسم للنجاح، هذا بالإضافة إلى أن العزيمة والمثابرة في مواجهة الصعاب تحفزان التعلم وتحسنان المهارات. ومع ذلك، ثمة دراسات بحثية تدحض تلك الفكرة؛ حيث وضحت دراسة أجرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychological Association. APA) على أكثر من 5,600 طالب خضعوا إلى اختبارات القدرات الدراسية، أنه لا توجد صلة بين المثابرة والنتائج في الاختبار، وأضافت الدراسة أن العزيمة قد تكون لها تأثيرات ضعيفة في الأداء والنجاح.

وفي الواقع، هناك مجموعة من الأبحاث التي تؤكد إن المثابرة لها جانب سلبي؛ حيث إن الاستمرار في التركيز على الأهداف التي طال انتظارها يمكن أن يعني أن الناس يتجاهلون البدائل الأفضل، علاوة على أن المثابرة قد تؤدي إلى شعور الأشخاص بعدم الرضا الدائم؛ حيث أجرت جمعية العلوم النفسية (Association for Psychological Science) دراسة بحثية على طلاب جامعيين متخرجين يبحثون عن وظيفة، ووجد الباحثون إن الطلاب الذين حصلوا على وظيفة أحلامهم بعد عناء ومثابرة قد شعروا بخيبة الأمل فيما بعد لأن الوظيفة لم تكن كما تخيلوها.

وفي سياق متصل، فإن عدم القدرة على التخلي عن بعض الأهداف قد يُلحق ضرراً بالغاً بالصحة النفسية وذلك لأنه يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب واضطرابات النوم والتوتر؛ وذلك لأن التركيز على أهداف غير قابلة للتحقق يرتبط بمستويات عالية من الكورتيزول.

اقرأ أيضاً: 6 أمور عليك التخلي عنها لتحقق النمو الشخصي في عام 2024

قوة التخلي: ما هي فوائد الاستسلام؟

ثمة قناعة مترسخة لدينا مفادها أن الفائزون لا يستسلمون أبداً، والمستسلمون لا يفوزون أبداً، تلك القناعة تؤكدها كتب التنمية البشرية التي تخبرك بأن الاستسلام هو الطريق السهلة للجبناء وأن السعي وراء أهدافك حتى لو كانت تفرض عليك خسائر فادحة هو عمل شجاع؛ ولكن إذا كان السعي يؤثر سلباً في صحتك النفسية فقد حان الوقت لإعادة النظر في أهدافك من أجل التخلي عنها، وفي هذه الحالة سوف يكون عليك الاستسلام الذي سيحقق لك الفوائد الآتية:

  1. الحفاظ على صحتك النفسية: يجب أن تكون لصحتك النفسية والجسدية الأولوية دائماً. إذا كان هناك هدف أو حلم يؤثر سلباً في حالتك النفسية، فهذه علامة واضحة على أن الوقت قد يكون حان للاستسلام.
  2. التعلم من الأخطاء: كل نكسة وفشل يحملان دروساً قيمة؛ حيث يتيح لك الاستسلام التراجع والتفكير في الأخطاء التي حدثت والتعلم من أخطائك ما يضمن عدم تكرارها. وفي هذا السياق، يشرح استشاري الطب النفسي طارق الحبيب إن الاستبصار بالأخطاء والعيوب أهم من امتلاك المزايا؛ وذلك لأن هذا الاستبصار يضمن إدارة العيوب والتعلم منها.
  3. خلق مساحة للنمو الشخصي: إن التخلي عن الأهداف غير القابلة للتحقق والأحلام بعيدة المنال والعلاقات غير الصحية يخلق مساحة لفرص جديدة ونمو شخصي؛ حيث يمكن أن تؤدي إعادة توجيه جهودك إلى المزيد من الأهداف الواعدة والمرضية.
  4. المرونة والقدرة على التكيف: يدل التعرف إلى وقت الاستسلام على المرونة والقدرة على التكيف؛ وذلك لأنه يُظهر قدرتك على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات المناسبة بما يحقق لك المكاسب في المستقبل.

في النهاية، ولأننا نعيش في ظل ثقافة تمجد السعي الحثيث صوب الأهداف؛ عليك أن تتذكر أن الاستسلام ليس مرادفاً للفشل. لذا؛ لا تخف التخلي عن أحلامك أو أهدافك التي لم تعد مناسبة إليك، ففي بعض الأحيان، قد تحتاج إلى التراجع وإعادة التقييم والتحلي بالشجاعة للتخلي عن شيء لم يعد يخدم رفاهيتك وقيمك. وفي أثناء عملية الاستسلام، لا تنسَ طَمأنة نفسك وإخبارها بأن ما حدث ليس نهاية العالم.

المحتوى محمي