دراسة حديثة: تفاؤلك المفرط قد يؤدي إلى إفلاسك

3 دقائق
التفاؤل غير الواقعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: إن التفاؤل المفرط، على الرغم من أنه جزء طبيعي في النفس البشرية، قد يحمل تأثيرات ومخاطر كبيرة يمكن أن تؤثّر في عملية اتخاذ القرارات الواقعية. لذا؛ من الضروري أن تكون على درايةٍ بهذا الانحياز المعرفي لكي تتمكّن من التخطيط الجيّد لمستقبلك. تعرّف في هذا المقال إلى نتائج دراسة حديثة حول دور التفاؤل غير الواقعي في زيادة احتمالات التعرّض إلى الصعوبات المالية.

قد نهمل فحصاً طبياً سنوياً، أو لا نضع حزام الأمان إلاًّ نادراً، أو نستخفّ بأهمية وضع واقي الشمس في يومٍ مشمسٍ وحارّ؛ كلّنا قد نشترك في "جريمة" انحياز التفاؤل! إن هذا الانحياز المعرفي يهيئنا لرؤية آفاقنا المستقبلية على نحو بعيدٍ عن الموضوعية؛ ما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى التقليل من أهمية المخاطر والتحديّات القادمة. وللأسف، يمكن أن تكون العواقب المحتملة في بعض الحالات أننا لم نقم بالإجراءات الاحترازية أو لم نقيّم المخاطر، واتخذنا قراراً سيئاً.

لكن دراسة حديثة كشفت عنصراً مهماً آخر في هذه المعادلة؛ وهو العلاقة بين انخفاض القدرة المعرفية وزيادة احتمالية مواجهة صعوبات مالية؛ وذلك لأن الناس غالباً ما يكونون متفائلين على نحو غير واقعي بشأن مواردهم المالية، وهذا التفاؤل قد يكون مدفوعاً بانخفاض قدراتهم المعرفية.

حيث يقول أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، كريس داوسون (Chris Dawson): "المشكلة في كوننا مبرمجين على التفكير على نحو إيجابي هي أنه يمكن أن يؤثّر سلباً في جودة اتخاذنا للقرارات، وبخاصة عندما يتعيّن علينا اتخاذ قراراتٍ جادة".

ما التفاؤل غير الواقعي أو انحياز التفاؤل؟

انحياز التفاؤل (Optimism Bias) هو الاعتقاد الخاطئ بأننا أقلّ عرضة إلى الأحداث السلبية، ولدينا احتمالات أكثر لتحقيق النجاح مقارنة مع الآخرين. يقودنا هذا الانحياز إلى المبالغة في تقدير فرصنا في عيش تجارب إيجابية.

ويمكن أن يظهر هذا الانحياز المعرفي في جوانب مختلفة من الحياة؛ مثل الصحة والعلاقات والوظيفة وغيرها من المجالات المرتبطة بالمستقبل، فالأفراد المتأثّرون به يميلون إلى التقليل من احتمالية مواجهة النكسات أو التحديّات أو النتائج السلبية؛ ما يُعد إحدى صور الوهم الإيجابي حول القدرات الشخصية والآفاق المستقبلية والحياة على نحو عام.

ويوضّح مختص العلوم السلوكية والاجتماعية، محمد الحاجي، إنه انحياز سلبي. فعلى سبيل المثال؛ يمكن أن يدخّن أحدهم معتقداً أن السرطان لن يصيبه، أو لا يربط حزام الأمان في السيارة معتقداً أنه بمأمنٍ من الحوادث أكثر من الآخرين.

في حين أنه يمكن أن تكون لانحياز التفاؤل آثار إيجابية مثل تعزيز الحافز والمثابرة، فإنه أيضاً قد يدفع بالأفراد إلى التقليل من شأن المخاطر المحتملة، واتخاذ قرارات غير مبنية على حقائق واقعية.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: وجود أخت لك يجعلك أكثر تفاؤلاً ولطفاً وسعادة

دراسة: انخفاض القدرة المعرفية يؤدي إلى التفاؤل المفرط بشأن الموارد المالية

قد لا يعني التفاؤل المفرط أننا نلبس نظاراتٍ وردية بخصوص كلّ شيء؛ لكننا قد نكون متأثّرين بالتفاؤل غير الواقعي في مجالات محدّدةٍ من حيواتنا أكثر من أخرى؛ ما يدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة أو سيئة قد تقودنا إلى شفير الهاوية مثل القرارات المتعلّقة بالشؤون المالية.

غير أن المثير في الأمر هو العلاقة بين القدرة المعرفية (Cognitive Ability) وانحياز التفاؤل التي سلّطت عليها الضوء دراسة حديثة نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أشرف عليها باحثون من جامعة باث (University of Bath) في بريطانيا.

حيث استخدم الباحثون بيانات من دراسة استقصائية واسعة أُجريت في المملكة المتحدة، ووجدوا أن الأشخاص ذوي القدرة المعرفية المنخفضة كانوا أكثر عرضة إلى أن تكون لديهم تطلّعات مالية غير واقعية كما كانوا أيضاً أكثر عرضةً إلى ارتكاب أخطاء مرتبطة بالذاكرة والاستدلال؛ ما يشير إلى أن القدرة المعرفية تؤدي دوراً حاسماً في اتخاذ القرارات المالية السليمة.

من جهةٍ أخرى، أوضحت الدراسة أن الأشخاص الذين يتمتّعون بمستوىً عالٍ من القدرة المعرفية يختبرون زيادةً بنسبة 22% في الواقعية أو التشاؤم، وانخفاضاً بنسبة 34.8% في التفاؤل مقارنة بمن لديهم مستوىً متدنٍ من القدرة المعرفية.

ذلك يعني أن انخفاض القدرة المعرفية قد يكون السبب الكامن وراء انحياز التفاؤل بشأن التطلّعات المالية؛ ما قد يضع الأشخاص المتأثّرين به في خطر التعرّض إلى الصعوبات المالية بسبب اتخاذ القرارات غير المحسوبة.

اقرأ أيضاً: كيف يؤدي الهوس بتوقعات الأبراج الفلكية إلى مشكلات نفسية؟ وما سبيل التخلص منه؟ 

كيف تتجنّب التفاؤل غير الواقعي؟ 

على الرغم من أن التفاؤل سمة محبّبة وضرورية لمواجهة سلبيات الحياة، فالإفراط في توقّع الاحتمالات الجيّدة قد يوقعنا في مشكلات عديدة لأننا لم نستعدّ جيّداً أو لم نتخذ قرارات تحمينا مما هو قادم؛ بكلّ بساطة لأننا لم نستطع توقّعه في المقام الأول. قد توضّح مقولة الكاتبة والفيلسوفة الأميركية، آين راند (Ayn Rand)، ذلك باختصار: "يمكنك تجنّب الواقع لكن لا يمكنك تجنّب عواقب تجنّب الواقع"!

ولتفادي الوقوع ضحية انحياز التفاؤل، يقترح عالم النفس الأميركي، مارتن سيليغمان (Martin Seligman)، نسب الأسباب الدائمة إلى الأشياء الإيجابية والأسباب المؤقتة إلى الأشياء السلبية. فوفقاً له؛ تحدث الأشياء الجيّدة عادةً لأسبابٍ متأصّلة في الفرد في حين تُعزى الأشياء السيئة إلى أسبابٍ يمكن علاجها أو إصلاحها مثل الاستعداد في اللحظة الأخيرة؛ كأن يقول شخص على سبيل المثال: "لقد فشل هذا المشروع لأنني لم أخصّص له الوقت الكافي".

أما المديرة التنفيذية لشركة استرالية متخصّصة في استخدام علم الأعصاب والتكنولوجيا في استشارات الأعمال، شيلي لاسليت (Shelley Laslett)، فتقترح الاحتفاظ بمذكرّات للتوقعات ونتائجها لاحقاً من أجل تقييم المستوى الشخصي لانحياز التفاؤل؛ ومن ثَمّ لتعديله إن لزم الأمر. كما يمكن أن يساعد التخطيط للطوارئ على الارتباط بالواقع أكثر من مجرّد التفاؤل الأعمى بشأن المستقبل. وبالنسبة إليها، فهي تفضّل دراسة الأمور المهمة من الزوايا كافةً، علماً أن القليل من التفاؤل مهم كذلك لتخطّي أصعب الظروف.

المحتوى محمي