كيف يؤدّي الهوس بتوقعات الأبراج الفلكية إلى مشكلات نفسية؟ وما سبيل التخلص منه؟

الأبراج
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في حين أن البعض قد ينظر إلى توقعات الأبراج الفلكية على أنها أمر تافه؛ إلا إنها تغلغلت في منصات التواصل الاجتماعي كلها وأصبحت محطّ اهتمام مفرطٍ من طرف العديد من الأشخاص، وتطوّرت إلى نوعٍ من أنواع الإدمان السلوكي لدى بعضهم. لذا؛ تعرّف إلى التداعيات النفسية لهذه الظاهرة في هذا المقال.

اتخذت حياة نادية منحنىً غير متوقّعٍ في عام 2017 بعد أن تركت وظيفتها وفقدت شريكها، فلجأت إلى متابعة الأبراج للحصول على التوجيه والإرشاد في حياتها التي لم تَعُد آمنة بالنسبة إليها؛ حيث وفّرت لها توقعات الأبراج الشعور بالراحة والطمأنينة خلال الأوقات الصعبة. وعلى غرار نادية؛ يلجأ العديد من الأشخاص إلى متابعة الأبراج الفلكية بوصفها مصدراً للإرشاد والراحة، وبخاصة في هذه الأوقات المضطربة التي تتّسم بأزمات الإسكان، وانعدام الأمن الوظيفي، وعدم الاستقرار السياسي. 

فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في شعبية الأبراج الفلكية، وأسهمت منصات السوشيال ميديا على وجه الخصوص، في انتشار ثقافة واسعة بين الأجيال الشابة حول الأبراج والتوقعات الفلكية. واكتسبت مفاهيم مثل “تراجع عطارد” (Mercury Retrograde) و”البرج الصاعد” أو “البرج الطالع” (Rising Sign) شهرة كبيرة بين المهتمين بهذا المجال، وشغلت محادثاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. 

ويوضّح استشاري الطب النفسي محمد حمودة، إن تصديق عددٍ كبير من الناس لما تخبرهم به الأبراج يمكن بالفعل أن يؤثّر في صحتهم النفسية، وقدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة. يستكشف هذا المقال الأسباب الكامنة وراء الإقبال الكبير من البعض على متابعة الأبراج الفلكية، وتداعياتها المحتملة على الصحة النفسية للأفراد الذين تعودوا على متابعتها بأسلوب هوسيّ.

ما الأسباب المحتملة وراء الاهتمام الكبير بمتابعة الأبراج؟

يُعد علم التنجيم (Astrology)؛ وهو الاهتمام بدراسة حركة النجوم والكواكب ومواضعها وسماتها المختلفة بهدف الحصول على نظرة ثاقبة لحياة الإنسان والأحداث المستقبلية، تقليداً قديماً يعود إلى قرون مضت، وتلاشى الإيمان به بسرعة مع تقدّم العلم.

ويشير المختص في علم النفس، أراش إمام زاده (Arash Emamzadeh)، إلى أنه لا توجد إجابة بسيطة للسؤال: “لماذا يؤمن الناس بعلم التنجيم؟”؛ لكن قد يميل البعض بصفة عامة إلى هذه الاهتمامات عند شعوره بالتوتّر وعدم التيقّن، سواء أكان ذلك بسبب المشكلات الاجتماعية أم الأزمات الشخصية. 

ووفقاً له؛ قد يرتبط الميل إلى تصديق الأبراج والتوقعات الفلكية بمستوياتٍ أعلى من النرجسية وانخفاض الذكاء؛ إذ يمكن أن يسهم بعض المعتقدات الخرافية مثل الادعاءات بالقدرات المتفوقة، في جعل النرجسيين يشعرون بأنهم فريدون ومتفوقون. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يكون انخفاض القدرات المعرفية السبب وراء نقص التفكير النقدي والربط بين الأحداث الواقعية والأسباب الخارقة للطبيعة.

وبغض النظر عن مختلف النظريات النفسية المفسّرة لظاهرة الاهتمام المتزايد بالأبراج، يمكن ببساطة اعتبار هذه الظاهرة نوعاً من آليات التكيّف مع ضغوط الحياة، ووسيلة للتعامل مع أحداث الحياة السلبية؛ لأنها تخفّف من وطأة القلق بشأن المستقبل، وتمنح المهتمين بها شعوراً بالتحكّم، ناهيك بأنها قد تشكّل أداةً لتطوير الوعي الذاتي وفهم الغموض الذي يعتري العديد من الأحداث، فحقيقة أنها تعتمد على معلومات فردية مثل تاريخ ميلاد الشخص ومكانه، تضفي عليها لمحة من المصداقية.

كيف يؤثّر هوس متابعة الأبراج في الصحة النفسية؟

يمكن أن يؤدّي الاعتماد المفرط على علم التنجيم إلى عواقب سلبية على الصحة النفسية والرفاهية العاطفية للأفراد، بحسب مراجعةٍ بحثية قام بها علماء النفس السريري من المعهد الوطني للصحة النفسية والعلوم العصبية (NIMHANS) في بنغالورو بالهند؛ حيث توصلوا إلى أن الانشغال المفرط بمتابعة الأبراج الفلكية يمكن أن يؤدّي إلى الإدمان السلوكي، بالإضافة إلى نتائج سلبية أخرى تشمل الاكتئاب والقلق والنهج السلبي في حلّ المشكلات.

ويوضّح أحد الباحثين المشاركين، والخبير في الإدمان السلوكي، مانوج شارما (Manoj Sharma)، إن السعي المستمر إلى الحصول على النصائح الفلكية عبر الإنترنت قد يؤدي إلى الإفراط في الإنفاق، والإصابة بخيبات الأمل الشديدة، والاكتئاب أو تدني الحالة المزاجية، والقلق.

اقرأ أيضاً: ما أسباب إدمان العادة السرية؟ وكيف يمكن التعافي منه؟

ما دور الإنترنت في تغذية السلوكيات الهوسيّة لدى الأفراد؟

يسهّل العصر الرقمي من خلال منصات السوشيال ميديا وغيرها من المواقع، وصول الأفراد إلى أشكالٍ مختلفةٍ من المحتوى الذي قد لا يكون بالضرورة مفيداً أو يخدمهم على نحو إيجابي، ولا سيّما إن كان يُستهلك على نحوٍ مفرطٍ. فقد يميل بعض الأشخاص ذوي الشخصيات الانفعالية والمندفعة إلى تطوير هوسٍ تسلسلي؛ مثل قضاء عشرات الساعات في لعبة فيديو معيّنة أو المراسلات عبر الإنترنت، أو تفحّص جديدِ الأبراج على نحو يوميّ، وغيرها من السلوكيات المختلفة التي تصبح عائقاً واضحاً في وجه الحياة اليومية للفرد؛ حيث تتعارض مع أهداف العمل أو الدراسة وسيرورة الحياة عموماً. 

وتشير الكاتبة والباحثة الأميركية المختصة في علم النفس السريري والإيجابي، أليس بويز (Alice Boyes)، إلى أن الاهتمامات الهوسيّة تلبّي بعض الاحتياجات النفسية لدى الأفراد مثل تخفيف التوتّر الناجم من ضغوط الحياة الصعبة، وتقليل الشعور بالوحدة أو العجز، وبخاصة في العلاقات، ومنح الشعور بالقبول غير المشروط.

4 نصائح للتخلّص من إدمان متابعة التوقعات الفلكية

تقدّم المختصة النفسية، أليس بويز، النصائح الأربع التالية لمساعدة أيّ شخصٍ ينخرط في سلوكيات هوسيّة مثل متابعة الأبراج والتوقعات الفلكية؛ ونلخّص تلك النصائح كالآتي: 

  1. خذ استراحة من اهتمامك المفرط: فكّر في أخذ إجازة لمدة يوم أو أسبوع من انخراطك المبالغ فيه كتجربةٍ لاستكشاف كيف تقضي وقتك وما تستمتع به حقّاً بعيداً عن ذلك الاهتمام. يمكن أن تساعدك هذه الاستراحة على تطوير رؤية جديدة لروتينك اليومي. 
  2. غيّر روتينك: قد يكون تغيير سلوك واحدٍ أمراً صعباً عندما تحتفظ بالروتين نفسه. لبدء التغيير، فكّر في استكشاف أماكن جديدة على بُعد مسافة قصيرة بالسيارة، أو منتزهاً بعيداً؛ إذ يمكن أن تحفّز لديك هذه الخطوة تغيير جوانب أخرى من روتينك؛ مثل عادات الأكل والنوم، أو حتى الانخراط في أنشطة الاسترخاء مثل الحمام الساخن.
  3.  أَبْعِد المحفّزات: لتقليل تأثير هوسك، فكّر في إلغاء الاشتراك في قنوات اليوتيوب ذات الصلة وإزالة التطبيقات المرتبطة من هاتفك. يمكنك أيضاً إيقاف تشغيل الإشعارات، وتمكين إعدادات “عدم الإزعاج” على هاتفك خلال ساعات محددة، والوصول إلى المواقع من خلال المتصفّح بدلاً من التطبيق؛ كلّها إجراءاتٌ تساعدك على الالتزام أكثر. 
  4. لا تقسُ على نفسك: فكّر فيما يوفّر لك إحساساً بالمعنى في حياتك؛ لكن حاول أن تكون لطيفاً مع نفسك في أثناء ذلك، فقد تجد أن ثمّة الكثير من الأوقات التي تشعر فيها فعلاً بالرغبة في الانخراط في هواياتك واهتمامات أخرى مثل ممارسة الرياضة، أو اللعب مع أطفالك، أو الطبخ والبستنة؛ ذلك يعني أن ثمّة بدائل صحيّة لهوسك.

ويوضح استشاري الطب النفسي، محمد حمودة، إن القلق من المستقبل الذي يصيب المهتمين بتوقعات الأبراج لا يغيّر المستقبل؛ لكن يمكنهم استخدامه لتطوير أنفسهم وبذل المجهود المناسب لتحسين حيواتهم بدلاً من تصديق القصص الوهمية التي تروّج لها الأبراج. 

اقرأ أيضاً: 3 مفاهيم نفسية تفسِّر هوس الناس بالرموز غير القابلة للاستبدال

أخيراً، على الرغم من الراحة والطمأنينة اللتَين يمكن أن توفّرهما متابعة الأبراج الفلكية، يُعد الاهتمام المفرط بها إدماناً سلوكياً قد يعوق سيرورة الروتين اليومي، ويؤثّر على نحو سلبي في اتخاذ القرارات، فالاعتماد المفرط على توقّعات الأبراج يمكن أن يعوق مهارات حلّ المشكلات، ويؤدّي إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق.