ملخص: من الطبيعي أن تشعر بالقلق عند التفكير في مشاركة أصدقائك معاناتك مع الاكتئاب، خصوصاً عند أخذ المفاهيم الخاطئة ووصمة العار المجتمعية المتعلقة بالصحة النفسية في الاعتبار. لكن إخبار الأصدقاء عن مرضك والتحدث عن الاكتئاب خطوة مهمة نحو الحصول على الدعم وتحسين عملية العلاج، وإليك كيفية إجراء هذه المحادثة.
من المعلوم أن التحدث عن الاكتئاب ومعاناتك بسببه مع الأحبة والأصدقاء صعب جداً، فقد تشعر بالخوف من أن يحكموا عليك أو ألا يفهموك كما ينبغي، أو تقلق بشأن رد فعلهم وفيما إذا كانوا سينظرون إليك على نحو مختلف. إنها خطوة كبيرة فعلاً ولكنها مفيدة لك جداً، فإخبار الأشخاص الأقرب إليك قد يساعد على نحو كبير في العلاج؛ لأن مجرد التحدث إلى شخص متعاطف عن مرضك النفسي يمكن أن يقلل مستوى التوتر لديك ويحسن مزاجك، وفقاً للتحالف الوطني الأميركي للأمراض النفسية (National Alliance on Mental Illness).
كما أنه مفيد في حال أردت طلب دعم ملموس؛ مثل المساعدة في العثور على العلاج أو إيصالك إلى الطبيب، أو في حال رغبت في مشاركة خطة الأزمات الخاصة بك مع أحد الأفراد الموثوق بهم. في الأحوال جميعها، إن شعرت بأنك لا تعلم ماذا تقول وكيف تبدأ، فإليك بعض النصائح التي ستساعدك على التحضير لإجراء هذه المحادثة وتحقيق أقصى استفادة منها.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب
لماذا يصعب التحدث عن الاكتئاب؟
إن كان يصعب عليك التحدث عن الاكتئاب، فأنت لست وحدك؛ إذ ثمة عوامل عدة تصعّب مناقشة معاناتك؛ ومنها:
- وصمة العار: يمكن للوصمة المجتمعية المحيطة بقضايا الصحة النفسية أن تخلق حاجزاً كبيراً أمام المصابين بالاكتئاب؛ إذ يخشون الحكم أو الانتقاد أو الرفض من الأشخاص الذين يهتمون بهم فيصبح الانفتاح أمراً صعباً.
- الانسحاب الاجتماعي: غالباً ما يؤدي الاكتئاب إلى الانسحاب الاجتماعي؛ ما يصعِّب على الأفراد التعامل مع الأصدقاء والعائلة.
- الإحراج: مشاعر الخجل والإحراج شائعة لدى الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب. وثمة فكرة خاطئة مفادها أن الاكتئاب هو فشل شخصي؛ ما يجعل الفرد يتردد كثيراً في مشاركة صراعاته. من المهم تأكيد أن الاكتئاب مرض وليس انعكاساً لعدم الكفاءة الشخصية.
- المعتقدات الخاطئة عن الصحة النفسية: يمكن أن تسهم المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول الصحة النفسية في صعوبة التحدث عن الاكتئاب، فالافتقار إلى الفهم أو الوعي بين الأصدقاء والعائلة يؤدي إلى استجابات حسنة النية ولكنها مضللة؛ ما يزيد التردد عند الأفراد الذين يطلبون الدعم.
- عدم اليقين بشأن ردود الفعل: ثمة عدم يقين متأصل حول كيفية رد فعل الآخرين على إعلان الإصابة بالاكتئاب، فالخوف من عدم أخذ الأمر على محمل الجد أو مواجهة ردود فعل رافضة يمكن أن يكون رادعاً كبيراً.
- الخوف من أن يكونوا عبئاً: غالباً ما يخشى المصابون بالاكتئاب إثقال كواهل أحبائهم بمعاناتهم.
- قلة المفردات: قد يكون التعبير عن المشاعر المعقدة المرتبطة بالاكتئاب أمراً صعباً، خصوصاً في حال كان هؤلاء الأشخاص انطوائيين من الأساس؛ ما يصعِّب عليهم التعبير عن مشاعرهم وشرح عمق تجربتهم.
اقرأ أيضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب
كيف تشارك أصدقاءَك معاناتك بسبب الاكتئاب وتطلب دعمهم؟
من الطبيعي أن تشعر بعدم اليقين والخوف قليلاً؛ لكن لا تدع هذه المشاعر تقف عائقاً في طريقك. تذكَّر أن مشاركة تفاصيل ما تمر به سيسهم في علاجك ويفيدك بطرائق عديدة، بالإضافة إلى أن وجود بعض الأشخاص الداعمين حولك سيعزز حالتك المزاجية على نحو كبير عندما تمر بأوقات صعبة.
يقول الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، إنه في أوقات الإنهيار النفسي، يكون مجرد الحديث مع شخص ينصت لك ويتفهم وضعك ولا يحكم عليك باعثاً على الراحة، حتى لو لم يجد لك حلاً للمشكلة. عموماً، إليك كيفية التحدث عن اكتئابك:
-
فكِّر في أسبابك
قبل أن تفصح عن حالتك، فكِّر في شعورك تجاه تشخيصك أولاً؛ أي ما تصوراتك عن الاكتئاب وعن توقعاتك من نفسك. يساعدك فهم مشاعرك والتأقلم مع حالتك على أن تكون أكثر ثقة بشأن المشاركة مع الآخرين وأقل خوفاً أو خجلاً.
علاوة على ذلك، فكِّر في سبب رغبتك في مشاركة معاناتك، سواء أكان الأمر يتعلق بالحصول على الدعم العاطفي أم التفهم أم المساعدة في العثور على العلاج. الفهم الواضح لاحتياجاتك سيوجِّه المحادثة، وقد يكون من المفيد أن تفكر في إنشاء قائمة بالإيجابيات والسلبيات المحتملة لمشاركة تجربتك في حال كنت متردداً؛ ما يساعدك على توضيح أفكارك وتخفيف مخاوفك.
اقرأ أيضاً: ما العادات التي قد تساعدك على الوقاية من الاكتئاب؟
-
حدّد مَن تريد إخباره
القدرة على تقديم الدعم العاطفي ليست صفة يتمتع بها الجميع؛ بل هي مهارة تتطلب الممارسة. قد لا يتمكن بعض المقربين من تقديم الدعم الذي تحتاج إليه، وهذا لا يعني أنهم لا يحبونك؛ هم فقط ليسوا الأفضل لدعمك في أثناء رحلة علاجك.
وقد يؤدي إخبار هؤلاء الأشخاص بالتحديد إلى نتائج عكسية، خصوصاً عندما تكون حالتك سيئة أو تكون معرضاً إلى الخطر. لذلك؛ اكتب قائمة بالأشخاص المقربين ممن يتمتعون بالمهارات العاطفية ويستمعون جيداً عادة ويتفهمون الآخرين، فهؤلاء هم من عليك إخبارهم أولاً.
-
استعدّ لإجراء المحادثة
قبل مناقشة اكتئابك، تدرب على النقاط الرئيسة أو دوِّنها للتأكد من أنك ستوضح كل ما تود قوله؛ إذ من السهل أن تنسى التفاصيل المهمة في خضمّ لحظة الإفصاح. يساعدك هذا الاستعداد على التعبير عن أفكارك بوضوح. بالإضافة إلى ذلك، حاوِل ألا تقلق بشأن حكمهم، وتأكد أنهم يحبونك ويرغبون في دعمك حتى لو لم يعلموا كيف، أو لم يفهموا موقفك فهماً عميقاً.
بالإضافة إلى ذلك، عليك أن تعلم أنه لا توجد إرشادات تتعلق بمقدار ما يجب أن يعرفه الآخرون عن حالتك، فهو أمر شخصي بحت؛ أي يمكنك أنت تحديد حجم ما تريد الإفصاح عنه من معلومات، فلست ملزماً بمشاركة التفاصيل كلها. وإذا ما سُئلت سؤالاً لا ترتاح لإجابته، فقُل إنك لست مستعداً للحديث عن ذلك بعد.
اقرأ أيضاً: ما هو الاكتئاب الأحادي القطب؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
اختر المكان والزمان المناسبَين
اختيار الوقت والمكان المناسبَين لمناقشة اكتئابك أمر بالغ الأهمية بغية إجراء محادثة أكثر إيجابية وتقبلاً. اختر يوماً تشعر فيه بالاستقرار العاطفي والانفتاح على الحديث، والأهم من ذلك ألا تضغط على نفسك لمناقشة اكتئابك إذا لم تكن مستعداً لذلك أو كنت تشعر بالضعف.
اختر أيضاً مكاناً مريحاً لهذه المحادثة؛ كأن تكون في نزهة على الأقدام، أو عند الجلوس في الحديقة، أو عند شرب فنجان من القهوة في مكان هادئ، فالمشاركة في نشاط تستمتعان به كلاكما لا يخلق جواً مريحاً فحسب؛ بل يسهم أيضاً في تحسين الحالة المزاجية، ويسمح لكما باستجماع أفكاركما إذا لزم الأمر. وإليك بعض الاقتراحات لكيفية بدء المحادثة:
- ثمة أمر يحدث معي في حياتي ويزعجني. أعتقد أنني بحاجة إلى التحدث مع شخص ما عن هذا الموضوع. أشعر بالحرج حيال ذلك؛ لذا من فضلك لا تهزأ منه أو تضحك عليه.
- أود أن أتحدث إليك عن موضوع مهم؛ لكنني لست متأكداً من كيفية التحدث عنه. هل يمكنك فقط الاستماع إليّ ومحاولة الفهم؟ آمل أني سأشعر بالتحسن بعد التحدث عنه مع شخص ما؛ لكني أريدك أن تتحلَّى بالصبر.
اقرأ أيضاً: ما هو الاكتئاب الظرفي؟ وكيف يمكن تشخيصه وعلاجه؟
-
وضّح لأصدقائك كيف يمكنهم دعمك
وضّح لصديقك كيف تُمكنه المساعدة، بأن تعبِّر عن احتياجاتك وتفضيلاتك، سواء أكنت تحتاج إليه معنوياً فقط أم تحتاج إلى أن يرافقك إلى جلسة العلاج. وإذا كنت تشعر بالارتياح، يمكنك أيضاً أن تطلب منه أن يسألك أو يراقب أفعالك وسلوكياتك التي قد تكون مضرة لك؛ مثل عدم الالتزام بتناول الدواء، أو شرب الكحول مع الدواء، وغير ذلك.
يساعد هذا الوضوح على بناء ديناميكية داعمة؛ ما يضمن أن مساعدته تتماشى مع توقعاتك وتعزز تجربتك الشاملة في التعامل مع الاكتئاب. تذكر أن السماح للمقربين بالمساعدة لا يقوِّي نظام الدعم الخاص بك فحسب؛ بل يعزز أيضاً الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه صحتك النفسية. إليك بعض الأمثلة لكيفية طلب أنواع محددة من المساعدة:
- أنا خائف من تحديد موعد مع المختص لأن هذا يشبه الاعتراف بوجود خطأ ما؛ لكني بحاجة إلى رؤية طبيب، فهل تُمكنك مساعدتي في العثور على طبيب والمتابعة معه؟
- أنا لا أفكر بوضوح هذه الأيام. أتلقى العلاج من مرض الاكتئاب؛ ولكن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى أشعر أنني بحالة جيدة. وحتى ذلك الحين، عندما أفعل شيئاً يجعلك غير مرتاح، هل يمكنك أن تخبرني بما أفعله؟
-
وضِّح حدودك
ضع حدوداً واضحة عند مناقشة اكتئابك، خصوصاً إذا ما أراد صديقك إصلاح الموقف أو حاوَل أن "يعالجك". وضح له بصراحة متى تريد النصيحة ومتى تحتاج ببساطة إلى شخص داعم يستمع إليك دون تقديم الحلول. أبقِ في ذهنك أن لكل شخص آراءه الخاصة، سواء أكانت مطِّلعة أم لا؛ لذلك تحلَّ بالصبر عند شرح تجربتك.
اقرأ أيضاً: كيف أتخلص من الاكتئاب المبتسم؟
-
كُن مستعداً لردود فعلهم
جهِّز نفسك للرد على الأصدقاء والأحباء بعد مشاركة اكتئابك. ذكّر نفسك أن ردود فعلهم لا تعكس قيمتك، بغض النظر عن كيفية استجابتهم. ومن المهم أن تفهم أنهم إذا لم يكونوا داعمين أو متفهمين، فهذا ليس خطأك. وإذا ما حاول أحدهم التشكيك في مشاعرك أو وجهة نظرك، فأكِّد بلطف إنك الشخص الذي يعيش مع المرض، وإن تجربتك المباشرة هي ما يوفر الرؤية الأكثر دقة لصحتك النفسية.
تجنب أيضاً الدخول في نقاشات حول الاكتئاب، فليس من مسؤوليتك تثقيف صديقك أو الدفاع عن تشخيصك؛ بينما يمكنك إرشاده إلى المصادر الموثوقة للحصول على مزيد من المعلومات. وامتنع عن هدر الطاقة في محاولة تغيير رأيه، فالتركيز على رفاهيتك هو الأولوية، وإعادة توجيه المناقشات نحو الدعم البنّاء بدلاً من محاولة تغيير التصوّرات هي ما يضمن إجراء محادثة أكثر صحة وإنتاجية حول صحتك النفسية.
ختاماً، ضع في اعتبارك أن مشاركة الآخرين معاناتك والتحدث عن الاكتئاب جزء مهم من العلاج؛ إذ ينبغي ألا تخوض هذه التجربة بمفردك، خصوصاً إذا كنت تملك أصدقاء يتفهمونك ويدعمونك. أما وفي حال شعرت بأن الناس في حياتك لن يتفهموا الأمر، فلا تفصح لهم عن حالتك.