ملخص: في عالمٍ تكثر فيه التحديّات، بات إيجاد الهدف والمعنى علامة بارزة على مرونة الأشخاص وقدراتهم على تجاوز الصعوبات وتخطّي المحن. استكشف معنا في هذا المقال نهجاً علاجياً يضع في مركز أولوياته تجربة الإنسان الروحية ورؤيته الخاصة لمساعدة الأشخاص على إدراك معنى الحياة الإيجابي واكتشاف الذات على الرغم من المعاناة.
محتويات المقال
لقد أصبح السعي وراء السعادة والمتعة يحتلّ مركز الصدارة في عالمنا الحديث، وهو أمر يسهل معه التغاضي أحياناً عن البحث عن المعنى والهدف في الحياة. يأتي ما يسمَّى بـ "العلاج بالمعنى" بوصفه أحد السبل العلاجية لمساعدة الأشخاص الذين يجدون صعوبات في تخطّي معاناتهم وتجاربهم الحياتية المؤلمة أو المحبطة.
وتوضّح استشارية الصحة النفسية، منيرة الحرابي، إن العلاج بالمعنى هو أحد المناهج العلاجية في العلاج النفسي الذي يندرج ضمن المدرسة الإنسانية؛ بحيث يجمع بين مبادئها مثل حرية الإرادة، والمسؤولية عن الاختيار لدى الإنسان، ومبادئ المدرسة الوجودية مثل حقيقة وجود الإنسان، والأهداف الوجودية من المعاناة. وتضيف ـ
وثمّة العديد من الأشخاص ممن تُمكنهم الاستفادة من هذا النوع من العلاجات؛ مثل مَن يعانون اضطراباتٍ أو أمراضاً نفسية أو غيرهم. فعلى سبيل المثال؛ يمكن للأشخاص الذين يشعرون بالضياع في حيواتهم، أو من فقدوا الشغف، أن يستفيدوا من الإمكانات الهائلة لهذا النهج العلاجي.
ما هو العلاج بالمعنى؟ وما أهم مبادئه؟
العلاج بالمعنى (Meaning Therapy)، أو العلاج النفسي القائم على المعنى (Logotherapy) إشارةً إلى الكلمة اليونانية "Logos" التي تعني "الغاية" أو "المعنى"، المعروف أيضاً باسم "الاستشارة والعلاج المرتكزان على المعنى" (Meaning-centered counseling and therapy)، يدمج بين مدارس العلاج النفسي المختلفة لمساعدة الأفراد في العثور على الهدف والمعنى الشخصي الذي يجعل الحياة تستحق العيش على الرغم من التحديّات والقيود.
وذلك من خلال التركيز على الجوانب الإيجابية للحياة بهدف التزوّد بالأدوات اللازمة للتعامل مع الصعوبات وخلق مستقبلٍ أفضل. يمكن تطبيق هذا النهج العلاجي التكاملي على نحو مستقل أو جنباً إلى جنب مع الأنظمة العلاجية الأخرى نظراً إلى طبيعته الشاملة والقابلة للتكيّف.
ويُعد المُعالج والطبيب النفسي النمساوي، فيكتور فرانكل (Viktor Frankl)، مؤسّس هذا النهج العلاجي ذي التوجه الإنساني الذي يتّبع تطبيقات العلاج الوجودي (Existential therapy)؛ لكنه يُعدّ مجالاً أوسع منه لأنه يهتم بتجربة الإنسان الروحية وتركيبته البيولوجية والعقلية القابلة للنمو والتغيير الإيجابي.
وتشير مجلة كلية التربية من جامعة الأزهر في عددها الـ 168 لعام 2016، إلى أن العلاج بالمعنى يساعد الفرد على تجاوز ذاته، والتحرّك في الحياة بإيجابية، والتوجّه نحو المستقبل بتفاؤلٍ مستفيداً من الإمكانات المُحقّقة في الماضي من أجل تشكيل الحاضر، والتخطيط للمستقبل من خلال الوعي بالجوانب الإيجابية والطاقات التي يمتلكها بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية؛ حيث يهتم المُعالج بتنمية قدرة العميل على التعبير الصريح دون خوفٍ من إطلاق الأحكام عليه؛ ما يمكّنه من ربط خبراته الشخصية ووجهات نظره بحلول فعّالة، ويشجّع أفكاره وسلوكياته.
اقرأ أيضاً: العلاج بالقراءة: روايات تساعد على علاج الاكتئاب
ما أهداف العلاج النفسي القائم على المعنى وفوائده؟
تتمثّل أهمية العلاج النفسي بالمعنى في اهتمامه باكتشاف المعنى داخل الشخص وتنمية إيجابيته وتفاؤله نحو الحياة على الرغم من المعاناة والقيود، فهو علاجٌ ذو فاعلية في التخفيف من حدّة الاضطرابات النفسية من جهةٍ، وتنمية الدفاعات الشخصية وتعزيز صحة الفرد النفسية من جهةٍ أخرى.
ويمكن تحديد الأهداف التي يرتكز عليها هذا العلاج بحسب ما جاء في مجلة كلية التربية من جامعة الأزهر السابقة الذكر كالتالي:
- مساعدة الشخص على إيجاد المعنى في الحياة: مساعدة الشخص على أن يعيَ ما هو توّاق إليه في داخله؛ لأن الإنسان في حاجة دائمة إلى مصدرٍ يستمد منه المعنى، فيكتشف بذلك المعاني الأصيلة في أعماقه، ويدرك أن مصيره يتحدّد من خلال اختياراته الحرّة.
- مساعدة الشخص على تكوين اتجاهات إيجابية نحو ذاته: فالإنسان خيّرٌ بطبيعته ويمتلك دافعاً أصيلاً إلى تنمية ذاته وترقيتها إذا توفرت له الشروط التي تساعده على اكتشاف قدراته بنفسه ومحاولة تحقيقها للمعنى؛ إذ لا توجد جوانب مأسوية سلبية لا يمكن تعديلها وتحويلها إلى إنجازات إيجابية.
- مساعدة الشخص على الوعي بتحمّل المسؤولية والوعي بالذات والقدرات: الاضطلاع بالمسؤولية للعثور على الحلول المناسبة للمشكلات، والسعي إلى تشكيل المصير بالأفعال. وذلك من خلال ابتعاث المعنى داخل الشخص، فيكون على وعيٍ به، ويتخذ القرار بالمسؤولية نحو تحقيق ذلك المعنى؛ لأن المسؤولية والالتزام بها هو الأساس الجوهري للوجود الإنساني.
- مساعدة الشخص على تحمّل المعاناة في بحثه عن المعنى: الاستعداد لتحمّل المعاناة، وتقديم التضحيات من أجل الحفاظ على المعنى، فعندما تفقد الحياة معناها، ينتج الفراغ الوجودي، وقد يُقدِم الشخص عندئذٍ على الانتحار.
وفي دراسة نُشرت في العدد الثاني من مجلة الدراسات التربوية والإنسانية من كلیة التربیة في جامعة دمنهور بمصر عامَ 2020، شملت مجموعة من المعلمات والمدربات في مجالات الاستشارة النفسية وخدمات الدعم النفسي في الكويت، أوضحت الباحثة التي أشرفت على الدراسة والمستشارة النفسية، منى البخيت، إن برنامج الإرشاد النفسي القائم على فنيات العلاج بالمعنى أسهم في التخفيف من الاحتراق النفسي الذي تعانيه معلمات التربية الخاصة في الكويت كما عزّز شعور الكفاءة الذاتية لديهن.
لذلك؛ أكّدت المختصة النفسية ضرورة إعداد برامج إرشادية قائمة علـى العلاج النفسي بالمعنى للتغلّب على الآثار السلبية المترتّبة عن الضغوط النفسية والمهنية التي قد يعانيها المعلمون بصفة عامة، ومعلّمو الفئات الخاصة من ذوي الإعاقة وصعوبات التعلّم.
كيف تُستخدم استراتيجيات العلاج بالمعنى لتغيير شعور الإحباط؟
تشرح استشارية الصحة النفسية، منيرة الحرابي، إحدى التقنيات التي تستخدمها في تدخّلاتها العلاجية، موضّحةً إنها تسأل العميل قبل بدء الخطة العلاجية عن الشخص أو الشيء الذي يمكن أن يجعله قادراً على تحمّل المعاناة التي تأتي مع الرحلة العلاجية.
فبالنسبة إلى الشخص الذي يعاني الاكتئاب على سبيل المثال، قد يصرّح برغبته في التعافي من أجل ابن أو ابنة تتطلّب رعايتها أن يكون قويّاً. وتستخدم المُعالجة هذا الدافع القويّ المرتبط بالحياة الشخصية للعميل خلال فترات التراجع أو الإحباط الذي يمكن أن يصيبه خلال الخطة العلاجية لتشجيعه على متابعة العلاج.
وبعد تحقّق التعافي، توضّح المُعالجة للعميل الفرق بين حالته قبل تلقّي العلاج وبعده، ثمّ تسأله عن رغبته في استخدام ما تعلّمه من دروسٍ في تجربته لمساعدة أناسٍ آخرين يمرّون بحالته السابقة نفسها؛ إذ يمكن أن تمنح هذه التجربة الفرصة للعديد من الأشخاص لأن يكونوا مفيدين لمجتمعاتهم بطرائق مختلفة.
وتضيف الحرابي إن إيجاد المعنى وربطه بالتجارب المحبطة أو المؤلمة مثل خسارة مشروع أو فقدان عزيز يمكن أن يساعد الناس على استيعاب القيمة الإنسانية من التجربة والدور الذي أدّته في نموّهم ونضجهم في مساراتهم الحياتية.
وتسرد استشارية الصحة النفسية تجربتها الشخصية مع المعنى؛ حيث فقدت القيمة المرتبطة بالحياة والرغبة في العيش والاستمرار حين توفّت والدتها؛ إذ عانت اضطراب ما بعد الصدمة، وكان مجرّد الاستيقاظ صباحاً تحديّاً صعباً بالنسبة إليها.
غير أنّ ثمة معانٍ إنسانية عديدة مثل أن تكون الابنة الصالحة والناجحة التي تستمرّ في حياتها حتّى بعد وفاة والدتها، أعطتها الدافع إلى علاج نفسها؛ ومن ثمّ مكّنها المعنى من إفادة مجتمعها من خلال تأسيس مركز متخصص في الاستشارات النفسية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لممارسة التلوين أن تخفف اكتئابك وقلقك؟
وأخيراً، يفترض العلاج بالمعنى أن البحث عن المعنى هو دافع أساسي للناس؛ ما يعني أنه حتى في خضّم الصعوبات، يمكن للحياة أن تكون ذات أهمية وقيمة عاليتَين يمكن للأفراد أن يستمداهما من تجاربهم وقراراتهم وسلوكياتهم. فالهدف الأساسي من هذا العلاج هو مساعدة الأفراد على الكشف عن أحاسيسهم بالهدف والمعنى في الحياة ومتابعتها على نحو فعّال.