كيف تدير طاقتك وتتجنب الاحتراق النفسي؟

إدارة الوقت
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نظراً إلى العلاقة التي تربط بين التوتّر والأداء، أصبحت إدارة الوقت نهجاً غير عملي في عصر المهمات المتعدّدة والسعي الدؤوب إلى تحقيق أعلى مستويات الإنتاجية. لذلك؛ يقترح هذا المقال حلّ إدارة الطاقة وتحسينها بدلاً من إدارة الوقت لزيادة الإنتاجية وتقليل التوتّر.

في عالم سريع الخطى، أصبحنا نواجه تحديّاتٍ حقيقية في إدارة الوقت، ونتجرّع عواقبَ لم تكن في الحسبان؛ مثل التوتّر والاحتراق النفسي بسبب الاستمرار في إضافة المزيد من المهمات إلى جداولنا الزمنية. ذلك يعني أن فلسفة إدارة الوقت لم تعد مفيدةً في عالمنا المزدحم بالمهمّات العاجلة، فعندما تبدو قائمة المهام وكأنها لا تنتهي أبداً، نشعر بالضغط، ونجبر أنفسنا على العمل بجديّة أكبر ولفترة أطول، وهو نهج غير مستدام قد يسرّع وتيرة إصابتنا بالإجهاد.

ويوضّح الطبيب والمحاضر المصري، صلاح قطب، إن المشاعر والطاقة تتعرّضان للتغيّر على مدار اليوم. لذلك؛ تحتلّ إدارة الطاقة أهمية كبرى في جدولة يومنا، ويتطلّب ذلك الوعي بفترات انخفاضها وارتفاعها للتمكّن من التخطيط الفعّال للمهمات الصعبة التي تحتاج إلى مجهود وتركيز أكبر.

ما الفرق بين إدارة الوقت وإدارة الطاقة؟

يعتمد النهج التقليدي لإدارة الوقت على تقسيم المهمات، وجدولة فترات زمنية محدّدة لإنجازها؛ غير أن مفهوم إدارة الوقت قد يتجاهل عاملاً حاسماً وهو المستويات المختلفة للطاقة والقدرة على الإنجاز لدى الأفراد، فعلى سبيل المثال؛ قد لا يستطيع شخصان النجاح في مهمة إنهاء تقريرٍ خلال إطار زمني مدته ساعتان، فقد يُصاب أحدهما بالإرهاق أو التوتّر، وقد يسهم التركيز المفرط على إدارة الوقت في هذه المشكلة.

وفي حين أن الوقت مورد محدود، فإن الطاقة تعمل على نحوٍ مختلف؛ حيث يمكن تجديدها. قد تبدو ممارسة الجدولة الدقيقة لكل دقيقة من وقت فراغك لتعزيز الإنتاجية فعّالة؛ لكنها تفشل في مراعاة الحاجة إلى تجديد الطاقة لأن إنجاز بعض المهمّات قد يتطلّب طاقة أكبر من غيره. ويمكن أن يؤدّي الانخراط في مهمات متطلّبة لطاقة أكبر، أو محاولة القيام بمهمات متعدّدة، إلى نتائج عكسية عندما تستنفد طاقتك بالفعل بسبب جدول أعمال مزدحم. ومع مرور الوقت، يترتّب على نقص الطاقة انخفاض مستوى الإنتاجية، حتى عندما يكون ثمّة مُتّسعٌ من الوقت لإنجاز المهمات الأساسية.

اقرأ أيضاً: ما هو الاحتراق الوظيفي؟ وما الفرق بينه وبين الانتحار الوظيفي؟

ماذا تعني إدارة الطاقة؟ وما مميّزاتها؟

تستلزم إدارة الطاقة التعامل بكفاءة مع الحيوية الجسدية والعاطفية والعقلية لتعزيز فعاليتك وإنتاجيتك في المجالات المهنية والشخصية. وعلى النقيض من الوقت الذي يُعد مورداً ثابتاً، فإن الطاقة قابلة للتجديد من خلال ممارسات مثل النوم الجيّد، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتبّاع نظام غذائي متوازن؛ إذ تمكّننا إدارة الطاقة بكفاءة من تحقيق أقصى قدرٍ من الإنتاجية، وإنجاز المزيد خلال أُطُر زمنيةٍ أقصر.

ومن بين إحدى المزايا المهمّة لإدارة الطاقة هي قدرتها على تعزيز المرونة والقدرة على التكيّف في مواجهة التغيير، فعندما نحصل على قسط جيّدٍ من الراحة ونحافظ على مستويات طاقة عالية، نصبح أكثر استعداداً للتعامل مع التوتّر ومواجهة التحديّات. بالإضافة إلى ذلك، نصبح مجهّزين على نحوٍ أفضلٍ للتعافي من الإخفاقات والنكسات.

وتؤدّي إدارة الطاقة دوراً جوهريّاً في تحقيق توازنٍ متناغمٍ بين العمل والحياة، وتجنّبنا التعرّض إلى التعب والإرهاق اللذين يحملان آثاراً سلبية في أدائنا العام. فمن خلال إعطاء الأولوية لرفاهيتنا الجسدية والعاطفية، فإننا نخلق فرصاً لتحقيق مساعٍ هادفة أخرى مثل ممارسة الهوايات والتطوير الذاتي.

لماذا من المهم إدارة الطاقة؟

على الرغم من عدم الانخراط في أعمال تتطلّب جهداً بدنياً، فقد يشعر الكثيرون بالإرهاق بعد يوم العمل؛ حيث يرجع هذا الإرهاق في أغلب الأحيان إلى عوامل نفسية وليس إلى مجهود بدني. ويوضّح أستاذ علم النفس من جامعة جامعة أوريغون (University of Oregon) الأميركية، إليوت بيركمان (Elliot Berkman)، إن معظم الوظائف لا يؤدّي إلى الإرهاق الجسدي الكامل؛ بل إن الإرهاق يمكن أن يكون نفسياً في المقام الأول، مدفوعاً بعواطفَ شديدة الحدّة.

ويصنّف علماء النفس العواطف على أساس إيجابيتها وسلبيتها وشدتها؛ حيث يمكن للعواطف العالية الحدة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، أن تستنزف طاقتنا. وقد يعتمد أفراد عِدّة على التوتّر بوصفه محفّزاً لتعزيز الإنتاجية؛ لكن هذه الحالة المستمرّة من المشاعر يمكن أن تكون ذات آثار مضرّة بالصحة من الناحية الفيزيولوجية والنفسية؛ ما يؤدّي إلى زيادة مستويات التوتّر وتقليل التركيز.

قد يترتّب على الإجهاد المزمن إضعاف المناعة والذاكرة ومُدّة الانتباه؛ ما يعني أن الحلّ الأمثل هو تحقيق التوازن بين المشاعر عالية الحدّة والأنشطة الهادئة لاستعادة الصحة والرفاهية، ويمكن أن يساعد هذا النهج الأفراد على توفير طاقتهم عندما يكونون بأشدّ الحاجة إليها.

كيف تُدير طاقتك وتتجنّب الاحتراق النفسي؟

يُشير الكاتب والمحاضر المتخصص في المرونة والاحتراق النفسي، أرجونا جورج (Arjuna George)، إلى قانون “يركس-دودسون” (Yerkes-Dodson Law) الذي طوّره عالما النفس الأميركيان روبرت يركيس (Robert Yerkes) وجون دودسون (John Dodson)، ومفاده أن بعض الضغوط يمكن أن يحسّن الأداء بالفعل؛ لكن الضغط المفرط يؤدّي إلى انخفاض الإنتاجية إذ من غير المعقول أن نتوقّع إنتاجية مثالية عندما تكون طاقتنا منخفضة.

ويقترح أرجونا جورج انطلاقاً من تجربته الشخصية؛ إعطاء الأولوية للحظات الإنتاجية، وتخصيص طاقة أقلّ للمهمات الصغيرة، وخلق مساحة للتفكير والعمل الخالي من التشتيت. إذ تعمل تلك المساحة الزمنية البيضاء (Whitespace Moments) على بناء المرونة واحتياطيات الطاقة؛ ما يسمح بمعالجة المهمات المعقّدة عندما يكون مخزون الطاقة ممتلئاً، فينتج من ذلك يومٌ أكثر إنتاجية. ومن بين الأساليب الفعّالة في إدارة الطاقة التي ينصح بها جورج أرجونا، نجد الآتي:

  • تتبّع مستويات الطاقة من خلال التدوين على مدار عدّة أسابيع: يساعد ذلك على الكشف عن أنماط انخفاض الطاقة وارتفاعها كلّ 90 إلى 120 دقيقة؛ ومن ثَمّ يمكّنك من جدولة المهمات الصعبة خارج فترات انخفاض الطاقة (أيّ الفترة الممتدّة بين 2:00 إلى 4:00 مساءً على سبيل المثال).
  • الانخراط في أنشطة إعادة شحن الطاقة: استخدام فترات انخفاض الطاقة لممارسة التمارين الرياضية أو قضاء الوقت في الهواء الطلق أو القراءة أو إجراء محادثات هادفة.
  • تصميم جدولك الزمني حسب شخصيتك: معرفة ما إذا كنت من الأشخاص الذين يحبّون الاستيقاظ مبكّراً أو من محبّي فترة الليل، يمكن أن تساعدك على تصميم جدولك الزمني بفعالية أكبر؛ إذ يجب أن تفهم طاقة جسمك وتحسّنها من أجل اتخاذ قرارات أفضل وتقليل التوتّر.

اقرأ أيضاً: ما هو الإجهاد التأكسدي؟ وكيف تحمي نفسك منه؟

وأخيراً، ماذا لو قمنا بإعادة صياغة نهجنا تجاه الإنتاجية من خلال التركيز على إدارة الطاقة بدلاً من إدارة الوقت؟ فمن خلال مواءمة إدارة وقتنا مع مستويات الطاقة لدينا، يمكننا تحقيق المزيد بينما نواجه قدراً أقلّ من التوتّر والإرهاق؛ ما يمكّننا من تحسين أدائنا.