ما هو الإجهاد التأكسدي؟ وكيف تحمي نفسك منه؟

الإجهاد التأكسدي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتعمّق هذا المقال في المخاطر المحتمَلة لحالة الإجهاد التأكسدي؛ التي تشمل الصحة البدنية بصفة عامة لكنها قد ترتبط على نحو غير مباشر باضطرابات الصحة النفسية.

على الرغم من دورها في عمليات الأكسدة المهمة للوقاية من الالتهابات والحصول على الطاقة، فقد يفضي ارتفاع مستويات الجذور الحرة إلى حالة الإجهاد التأكسدي التي تتسبّب بدورها في تطوّر أمراضٍ معيّنة مرتبطة بالعادات اليومية للأشخاص؛ مثل السمنة والسكري.

ويوضّح استشاري طب الأسرة، صالح الهناني إن هذا النوع من الإجهاد يحدث نتيجة اختلالات في مضادات الأكسدة الكافية لمواجهة التأثيرات المضرّة لبعض الجذور الحرة، وهي جزيئات سامة وغير مستقرّة تدمّر الخلايا، وتسهم في الشيخوخة، بالإضافة إلى تعزيز تطوّر الأمراض؛ بما فيها البهاق.

لذلك؛ يُعدّ الخلل على مستوى الجذور الحرة ومضادات الأكسدة مصدر تهديدٍ كبيراً للصحة العامة، وقد تمتدّ عواقبه إلى ما هو أبعد من الصحة البدنية، وتطال الصحة النفسية للأفراد.

ما هو الإجهاد التأكسدي؟ وكيف يؤثر في صحتك؟

قبل التطرق إلى مفهوم “الإجهاد التأكسدي”، من الضروري التعرّف إلى عنصرَيّ الجذور الحرة ومضادات الأكسدة. توجد الجذور أو الشوارد الحرّة (Free Radicals) بصفة طبيعية في جسم الإنسان بنسبة معينة، وهي عبارة عن جزيئات تحمل إلكتروناً واحداً منفرداً في غلافها الخارجي؛ إذ تجعلها تركيبتها الفريدة شديدة التفاعل مع الجزيئات الأخرى.

وبسبب تفاعلها العالي؛ يمكن للجذور الحرّة أن تبدأ تفاعلات متسلسلة واسعة النطاق داخل الجسم، وهي العملية التي تُعرف باسم “الأكسدة” (Oxidation) والتي يمكن أن تكون لها آثار مفيدة ومضرّة. أما مضادات الأكسدة (Antioxidants)، فهي جزيئات قادرة على التبرّع بالإلكترون إلى الجذور الحرّة؛ ما يساعد على استعادة استقرارها وتقليل تفاعلها.

ومن ثَمّ فإن الإجهاد التأكسدي (Oxidative Stress) يشير إلى وجود خلل في التوازن في نشاط الجذور الحرّة ودفاعات الجسم المضادة للأكسدة؛ ما من شأنه التسبّب -وبخاصة في حالة وجود مستويات مرتفعة منه- في أضرار جسيمة تتمثّل في تلف الأعضاء والأنسجة والإصابة بالأمراض المختلفة. 

يمكن أن تساعد الجذور الحرّة على محاربة مسبّبات الأمراض التي تؤدي إلى الإصابة بالالتهابات في حال كانت تعمل على نحو صحيح؛ بينما قد تُلحق الضرر بالأنسجة الدهنية والحمض النووي والبروتينات في الجسم إذا كان عددها أكبر مما يمكن أن تحافظ مضادات الأكسدة على توازنه، فيحدث الإجهاد. وتشمل تلك الأضرار التالي: 

  • الالتهابات.
  • السكري.
  • تصلّب الشرايين، أو تصلّب الأوعية الدموية.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • أمراض القلب.
  • أمراض التنكس العصبي (Neurodegenerative Diseases)P مثل داء باركنسون وآلزهايمر.
  • السرطان.
  • الشيخوخة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يسبّب الإجهاد والتوتر سرطان الثدي؟

ما أسباب الإصابة بهذا النوع من الإجهاد؟ 

يولّد الجسم الجذور الحرة على نحو طبيعي نتيجةً لعمليات مثل ممارسة الرياضة أو الإصابة بالالتهاب، وذلك جزء طبيعي من نظامه المعقّد للحفاظ على الصحة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يحدث التعرّض للجذور الحرة من البيئة من خلال مصادر مثل الأوزون، والمبيدات الحشرية، والمنظّفات، ودخان السجائر، والإشعاع والتلوث، ويمكن لاتبّاع نظام غذائي غنيّ بالسكر والدهون والكحول أن يسهم أيضاً في إنتاج الجذور الحرة ومن ثَمّ حدوث الإجهاد، ويمكن أن يكون للاستجابة المناعية الطبيعية للجسم دور مؤقت في الإجهاد التأكسدي يظهر على هيئة التهابٍ خفيف يختفي بعد أن يقاوم الجهاز المناعي العدوى.

ما العلاقة بين الإجهاد التأكسدي والاضطرابات النفسية؟

تربط الدراسات بين الإجهاد النفسي وزيادة مستويات الجذور الحرة في الجسم على نحو متزايد، فقد توصّل باحثون من جامعة ماريلاند (University of Maryland) الأميركية في دراسة نُشرت عام 2021، إلى أن الضغوط النفسية والاجتماعية الحادة يمكن أن تؤدي إلى زيادات ملحوظة في الإجهاد التأكسدي خلال فترات قصيرة نسبياً.

وأشارت مراجعة بحثية قامت بها الباحثة سامينا سليم (Samina Salim) من جامعة هيوستن (University Of Houston) الأميركية، إلى ارتباط الإجهاد التأكسدي باضطرابات نفسية مختلفة مثل الاكتئاب واضطرابات القلق والفصام واضطراب ثنائي القطب

إذ أوضحت المراجعة إثبات العديد من الدراسات السابقة للعلاقة السببية الدقيقة بين الإجهاد التأكسدي والأمراض النفسية؛ حيث يرتبط الإجهاد الخلوي والضغط العاطفي بسبب التوتّر الذي يمكن أن ينشأ من عدم التوازن بين توليد أنواع الأوكسجين التفاعلية ودفاعات الجسم المضادة للأكسدة على المستوى الخلوي، فيصبح الدماغ معرّضاً للإجهاد التأكسدي بصفة خاصة بسبب استهلاكه العالي للأوكسجين وبيئته الغنية بالدهون.

كيف تحمي نفسك؟ 

تضمن التدابير التي تخصّ نمط الحياة والنظام الغذائي تقليل الإجهاد التأكسدي، علماً أنّ كلّاً من الجذور الحرة ومضادات الأكسدة ضروري للجسم؛ غير أن العدد الكبير أو المنخفض قد يؤدّي إلى مشكلات صحية. وتتمثّل أبرز الإرشادات للحماية من أضرار الإجهاد التأكسدي فيما يلي:

  • اتبّاع نظام غذائي متوازن وصحيّ غنيّ بالفواكه والخضروات للحصول على ما يكفي من مضادات الأكسدة.
  • تفادي تناول الأطعمة المصنعة، وبخاصة تلك التي تحتوي على نسب عالية من السكريات والدهون.
  • ممارسة الرياضة بانتظام، فقد أوضحت مراجعة بحثية نُشرت في 2015 إن الخلايا الدهنية الزائدة تنتج مواد التهابية تؤدّي إلى زيادة النشاط الالتهابي، وإنتاج الجذور الحرة في الخلايا المناعية. لذلك؛ فالحفاظ على وزن صحيّ للجسم يسهم في تقليل الإجهاد التأكسدي.
  • الإقلاع عن التدخين.
  • تخفيض الإجهاد والتوتّر. 
  • تجنّب التعرّض للتلوّث والمواد الكيميائية أو تقليله.
  • الحصول على قسطٍ وافرٍ من النوم للحفاظ على توازن الجسم. 

اقرأ أيضاً: كيف نحمي المسنين من الضغوط النفسية؟

وفي النهاية، يُعد إدراك مخاطر الإجهاد التأكسدي المحتمَلة وفهم ارتباطاته بمختلف اضطرابات الصحة النفسية؛ الخطوة الأولى نحو عقل وجسم سليمَين ومقاومَين للأمراض والاعتلالات النفسية. فمن خلال تعديلات نمط الحياة، والخيارات الغذائية الغنية بمضادات الأكسدة، تُمكننا مكافحة مخاطر الإجهاد على نحو فعّال.