كيف تحافظ على إنتاجيتك عندما تتدهور حالتك النفسية؟

5 دقائق
الإنتاجية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: مؤخراً، انتشرت منشورات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي يتحدث أصحابها عن فقدانهم القدرة على ضبط إنتاجيتهم منذ اندلاع الأحداث الدائرة في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فما التأثير النفسي لما يجري؟ وكيف يمكن ضبط إنتاجيتنا في ظله؟ الإجابة في هذا المقال.

تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي مؤخراً الكثير من المنشورات يتحدثون فيها عن عدم قدرتهم على ضبط إنتاجيتهم منذ اندلاع الحرب الدائرة في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى جانب فقدانهم الدافع للعمل ودورانهم في حلقة مفرغة من المشاعر السلبية، فما التأثير النفسي الذي أدى بهم إلى هذه الحالة؟ وكيف يمكن التعامل مع مشاعر الخوف والعجز والغضب والحزن التي تجعل الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاجية معركة شاقة للغاية؟ يحاول هذا المقال البحث عن إجابات شافية عن الأسئلة السابقة وفقاً لآراء المختصين النفسيين.

كيف تتأثر إنتاجيتك بحالتك النفسية؟

الإنتاجية هي قدرة الفرد على إنجاز العمل الموكل إليه بكفاءة خلال فترة زمنية محددة. يمكن القول إنها نتيجة تضافر مجموعة من العوامل؛ وأهمها: الدافع، والصحة النفسية، والشخصية، والموهبة، والمهارات، والتدريب، والبيئة، والدعم النفسي من الآخرين، وإدارة الوقت، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل المادية مثل الغذاء الصحي، وممارسة الرياضة، والنوم الكافي. وباختلاف تحقق هذه العوامل، تتفاوت إنتاجية الأفراد فيما بينهم، وأي تغيير في أحدها قد يؤدي إلى خروج الإنتاجية عن مسارها وتأخرها.

ويظهر تراجع الحالة النفسية في هيئة اكتئاب أو قلق وتوتر أو إرهاق؛ ما قد يؤثر في إنتاجية الفرد. وفي مراجعة علمية نُشرت في المجلة الهندية للطب المهني والبيئي (Indian Journal of Occupational and Environmental Medicine)، وجد الباحثون ارتباطاً بين الإجهاد النفسي وإنتاجية الشركات أو فرق العمل يظهر في:

  • زيادة الغياب بسبب المرض.
  • ارتفاع معدل دوران الموظفين.
  • ضعف أداء المنظمة.
  • زيادة احتمال وقوع الحوادث نتيجة الخطأ البشري.

بينما ارتبط تأثيره في الأفراد بـ:

  • زيادة احتمالية إصابة الفرد بأمراض القلب وآلام الظهر والصداع واضطرابات الجهاز الهضمي.
  • فقدان التركيز.
  • ضعف اتخاذ القرار.

بالإضافة إلى ذلك، أفادت دراسة علمية أخرى بأنه يمكن لتراجع الحالة النفسية أن يؤثر في القدرات الإبداعية والقدرة على اتخاذ القرار وحل المشكلات؛ حيث استهلك الأفراد الذين لا يعانون مشكلات نفسية جهداً أقل بنسبة 23% في تنفيذ العمل الإبداعي من أولئك الذين يكافحون نفسياً.

اقرأ أيضاً: كيف تتابع أخبار الحروب دون أن تفقد سلامك النفسي؟

كيف تحافظ على إنتاجيتك عندما تتراجع صحتك النفسية؟

توجد عدة خطوات عملية يمكنك القيام بها للحفاظ على إنتاجيتك واستعادة المعنويات العالية؛ أهمها:

1. اتخذ خطوات صغيرة

يلجأ من يعاني الاكتئاب إلى تأجيل معالجة المهمات هرباً مما قد تثيره من أفكار حول تدني القيمة الذاتية، وتزداد مخاوف المصاب بالقلق والتوتر بشأن ازدياد الأمور سوءاً، بينما يتسبب اضطراب ما بعد الصدمة في استرجاع ذكرى مؤلمة قد تُخرِج المصاب من حاضره. في النتيجة؛ يُصاب من يعاني تراجع الحالة النفسية بالشلل، ويفقد قدرته على بدء المهمات.

ويترافق كلٌّ من الإرهاق والتفكير في الأهداف البعيدة، مع ارتفاع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) في الجسم. لذا؛ فإن أفضل طريقة للحفاظ على الإنتاجية هي تقسيم المهمة إلى خطوات صغيرة بحيث يسمح إنجاز صغير بإطلاق جرعة من الدوبامين (هرمون السعادة)؛ ما يساعد على تعزيز الحالة المزاجية وتحسين الإنتاجية من خلال التركيز على مهمة واحدة فقط في كل مرة.

2. ابتعد عن مصادر الإزعاج

وفقاً لأستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة واشنطن (University of Washington)، باتريشيا أريان (Patricia Arean)؛ تبحث أدمغتنا بطبيعتها التطورية عن الأشياء الخطِرة، أو التي قد تُلحق الضرر بنا أو بالبيئة المحيطة بنا، لنكون مستعدين لها؛ ما قد يسبب لنا الإرهاق والاضطرابات النفسية.

ويوضح مختص العلاج النفسي، أسامة الجامع، إن التفكير المفرط في أثناء الأزمات والبحث عن إجابات عما هو مجهول، هو أسلوب دفاعي يلجأ إليه الفرد لحماية نفسه؛ إلا أنه لا يجدي نفعاً. بدلاً من ذلك، ينصح الجامع بتقبل غموض المستقبل، والابتعاد عن مصادر الإزعاج أو القلق لتحسين الإنتاجية. على سبيل المثال؛ تُمكنك تجربة النصائح التالية:

  • إيقاف إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية على أجهزتك المحمولة، والتحقق منها مرة أو اثنتين في اليوم؛ لكن ليس قبل بدء العمل.
  • رسائل البريد الإلكتروني ستبقى في مكانها؛ لذا تُمكنك مراجعتها مرة أو اثنتين فقط في اليوم، عوضاً عن التحقق منها على نحو مستمر.
  • ابحث عن المعلومات من مصادر موثوقة وحيادية فقط.
  • قلل وقت مشاهدة الأخبار أو قراءتها أو الاستماع إليها.

اقرأ أيضاً: اتبع هذه النصائح لتضمن نجاح تواصلك عبر الهاتف

3. خذ فترات استراحة

تشير أستاذة الطب النفسي، باتريشيا أريان، إلى أن من يعاني اضطرابات الاكتئاب والقلق العام قد يجد صعوبة في إيجاد الدافع والمحفز للعمل، وهو ما يُطلق عليه "العبء المعرفي". بعبارة أكثر وضوحاً: يكون الدماغ مُثقلاً بالأفكار المشتتة للانتباه، ويفقد القدرة على التركيز؛ ما يؤثر سلباً في الإنتاجية على الرغم مما يبذله الفرد من جهد إضافي لإنجاز المهمات.

ويكمن الحل في الراحة، فمثلما يحتاج الجسم إلى النقاهة عندما يُصاب بالزكام؛ كذلك الصحة النفسية بحاجة إلى الراحة لتتمكن من استعادتها، ولتعزيز الإنتاجية المستقبلية من خلال زيادة الإبداع. على سبيل المثال؛ يمكنك المشي في أثناء استراحة الغداء، أو أخذ يوم إجازة، أو قضاء وقت إضافي مع الأصدقاء والعائلة.

4. حسّن نمط حياتك واعتنِ بنفسك

من أساليب تحسين الإنتاجية تحصين الصحة الجسدية والاعتناء بنفسك، وهو ما يتمثل بتبني نمط حياة أكثر صحة؛ بما يشمل:

  • خُذ قسطاً كافياً من النوم لأنه يضمن لك تعزيز مهارات التركيز والتعلم واكتشاف الأخطاء والتفكير النقدي والذاكرة جيدة.
  • اعتمد نظاماً غذائياً متوازناً من حيث الكميات والمحتوى بالعناصر الغذائية والمواعيد. على وجه العموم، حاول تضمين البروتين والكربوهيدرات المعقدة، والدهون الصحية في وجبتك، واحرص على تمرير وجبات خفيفة من الفواكه والخضار بين الوجبات الرئيسة.
  • مارس التمرينات الرياضية بانتظام؛ لأنها تحفز إنتاج الناقلات العصبية المضادة للقلق والتوتر مثل السيروتونين، وحمض غاما أمينوبوتيريك، وعامل التغذية العصبية المستمَد من الدماغ، والكانابينويدات الداخلية.

اقرأ أيضاً: 5 عادات إيجابية بسيطة تزيد سعادتك

5. زيادة المرونة النفسية

لا تتهرب من مشاعر الإجهاد والتوتر والقلق، وواجهها لمحاولة السيطرة عليها والتحكم بها، وهو ما يُدعى بـ "المرونة النفسية"؛ إذ يعرّف علماء النفس المرونة بأنها عملية التكيف في مواجهة الشدائد أو الصدمات أو المآسي أو التهديدات أو مصادر الضغط الكبيرة مثل مشكلات الأسرة والعلاقات، أو المشكلات الصحية الخطِرة، أو الضغوط المالية أو المهنية.

ويمكن تعزيز المرونة النفسية من خلال التركيز على 4 مكونات أساسية:

  • التواصل: حافظ على علاقات قوية مع أفراد داعمين ومتعاطفين؛ مثل شريك أو صديق أو قريب، أو مجموعات تشاركك قيمك واهتماماتك وتقدم الدعم الاجتماعي.
  • تعزيز الصحة: اعتنِ بصحتك الجسدية والنفسية، بتناول الطعام الجيد والنوم الكافي وممارسة الرياضة واليقظة الذهنية والتأمل.
  • ابحث عن الهدف: ما المعنى من حياتك؟ أو توجهاتك في الحياة؟ ابحث عنها وحدد أهدافك، ابحث عن فرص للتعلم والنمو من خلال تجاربك. تذكر ما أنت ممتن له وما يمنحك الأمل.
  • التفكير الصحي: اعترف بمشاعرك واقبلها؛ ولكن كن استباقياً ومتفائلاً أيضاً. اسأل نفسك عما يمكنك فعله لحل مشكلاتك أو تحسينها، وقسّمها إلى خطوات يمكن التحكم فيها. ركز على نقاط قوتك وإنجازاتك، وليس على نقاط ضعفك وإخفاقاتك.

عموماً، حافظ على منظور متوازن وواقعي لحياتك. لا تدع خبراً مزعجاً أو حدثاً مؤسفاً يجعلك تشعر بأن المستقبل بأكمله سيئ. تقبل أنه لا يمكنك تغيير الأحداث المسببة للتوتر؛ ولكن يمكنك تغيير طريقة تفسيرك لها والرد عليها.

اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات

6. اجعل بيئتك ومساحتك الذهنية مواتية للإنتاجية

تُمكن زيادة الإنتاجية من خلال التحكم في بيئتك ومساحتك الذهنية؛ ويتضمن ذلك عدة نقاط:

  • استخدم موسيقا الخلفية؛ حيث يمكن للموسيقى المحفزة أن تساعد على إنجاز المهمات المملة؛ بينما ينبغي تجنب الاستماع إلى الأغاني في أثناء أداء المهمات المعقدة لأن أدمغتنا مضبوطة لإعطاء الأولوية للصوت البشري؛ ما قد يعوق التركيز والانتباه.
  • اعتمد روتين عمل يناسب أعمالك، ويتمتع بالمرونة بما يسمح لك بالاستمتاع والمرح لإعادة ضبط مزاجك.
  • صمم المساحة الخاصة بك بما يتناسب مع تفضيلاتك، سواء أكان ذلك من حيث شكل المكتب أم نوعية الملابس والأحذية التي ترتديها، وما إلى ذلك. على سبيل المثال؛ أشارت الدراسة المنشورة في مختبر لورانس بيركلي الأميركي (Lawrence Berkeley National Laboratory)، إلى أن أداء المهمات المكتبية يزداد مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 21-22 درجة مئوية، وينخفض مع درجات حرارة أعلى من 23-24 درجة مئوية؛ بينما تُعد درجة حرارة 22 درجة مئوية مثالية لتحفيز الإنتاجية.
  •  تخصيص أدوات الرقمية وتنظيمها؛ مثل الهاتف المحمول والحاسوب الشخصي.
  • دمج الطبيعة في مساحة العمل، وإدخال النباتات المنزلية إليها؛ لأننا نميل بفطرتنا إلى التواصل معها بتأثير ظاهر البيوفيليا (Biophilia) التي تعني ميلنا إلى الارتباط بالطبيعة؛ ما يحسّن الإنتاجية ويقلل التوتر ويزيد مستويات الانتباه.

تذكَّر، لا تتعلق الإنتاجية فقط بمقدار العمل الذي يمكننا القيام به في يوم واحد؛ بل بإيجاد توازن بين تحقيق أهدافنا ورعاية أنفسنا. فمن خلال إعطاء الأولوية لحالتنا النفسية، لا يمكننا الحفاظ على إنتاجيتنا فحسب؛ بل سنعيش حياةً أكثر صحة وسعادة أيضاً.

المحتوى محمي