ملخص: هل فكرت من قبل أن تكتب عن مشكلاتك وتُخرج ما في رأسك من أفكار مزعجة؟ حسناً، ربما فعلت ذلك مرة أو مرتين بطريقة عشوائية؛ لكن في الحقيقة أن هذه طريقة علمية مثبتة للعلاج النفسي يستخدمها المختصون أحياناً لمساعدة مرضاهم على تجاوز ما ألمّ بهم من أحداث صادمة في حياتهم، فما الاضطرابات النفسية التي يمكن لهذه الطريقة علاجها؟ وكيف تُمكن ممارستها؟ الإجابة في هذا المقال.
يمر الكثيرون بين الحين والآخر بأوقات يتعرضون فيها إلى الاضطرابات النفسية أو تتراجع عافيتهم النفسية؛ ما يجعلهم يبحثون عن الطرائق الممكنة التي يمكنها دعم صحتهم النفسية، وتُعد الكتابة إحدى الطرائق الفعالة للتخفيف من حدة الضغوط والمشاعر المزعجة، فعلى سبيل المثال؛ يمكن أن تسهم الكتابة التعبيرية لمدة 20 دقيقة يومياً في التخفيف من أعراض القلق والاكتئاب.
لكن في الأساس، ما هو أسلوب العلاج النفسي بالكتابة؟ وما الفوائد التي يمكن أن نجنيها من وراء ممارسته؟ وكيف تبدأ ممارسته بطريقة صحيحة؟ يجيبك هذا المقال عن الأسئلة السابقة بالتفصيل.
ما هو العلاج النفسي بالكتابة؟
يستخدم العلاج النفسي بالكتابة أنواع الكتابة المختلفة مثل الكتابة الإبداعية والكتابة الحرة وكتابة الشعر وغيرها من الأنواع الأخرى بوصفها أدوات علاجية، ومن الممكن أن يكون أسلوباً فعالاً للأشخاص الذين يفضلون الانعزال ويواجهون صعوبة في الانفتاح على الآخرين.
ويمكن وصف العلاج النفسي بالكتابة بأنه صورة من صور التنفيس عن المشاعر المتراكمة في داخل الشخص، فهو وسيلة فعالة لإخراج ما يدور من صراعات ومشكلات إلى خارج الذهن؛ فيسهم ذلك في تخفيف توتر الفرد.
ولا يحتاج العلاج النفسي بالكتابة إلى أن يكون الشخص متمرساً في التعبير، فكل ما يحتاج إليه هو ورقة وقلم ليُخرج ما في داخله مثلما هو دون ترتيب أو تخطيط مسبق أو استعانة بالتعبيرات اللغوية المعقدة، وأحياناً يلجأ الشخص إلى هذا الأسلوب وفقاً لتوجيهات من معالجه النفسي في تجربته العلاجية.
ويشرح الطبيب النفسي لانيل بلامر (Lanail Plummer) الفرق بين العلاج النفسي بالكتابة وكتابة اليوميات، فيوكد إن الأول يكون محدداً أكثر باستهدافه الكشف عن عناصر حياتنا التي تؤثر فينا سلباً؛ مثل غضبنا من رئيسنا في العمل أو معاناتنا في تجاوز حادث صادم؛ بينما تتمثل كتابة اليوميات في تدوين تفاصيل أيامنا في المطلق.
اقرأ أيضاً: أفضل 5 كتب عن القلق.
كيف يمكن للعلاج بالكتابة أن يساعدك على التعافي من الاضطرابات النفسية؟
من أجل فهم تأثير الكتابة فينا، يجب أن نعترف أولاً بأن قمع المشاعر السلبية وكبتها يمكن أن يؤذينا نفسياً وجسدياً. لذا؛ تصبح الكتابة نافذة صحية لتخرج من خلالها تلك المشاعر المؤذية بكل سلاسة، وتوضح ذلك أكثر المعالجة النفسية شارلوت هاي (Charlotte Haigh) التي ترى أن الكتابة تُمكنها مساعدتنا على التوقف عن اجترار الأحداث أو المواقف السلبية المؤلمة بمنحنا فرصة التعبير عنها، فهي تعمل على تقليل نشاط اللوزة الدماغية التي تسهم في معالجة عواطفنا وذكرياتنا المخيفة؛ وذلك يفسح لنا الطريق لنقل مشاعرنا من صورتها الخام المزعجة التي ربما لا تكون متناسبة مع المنطق، إلى أرض الواقع، فنراها في حجمها الطبيعي؛ ما يعني أننا لن نسمح لها باستنفاد طاقتنا بلا جدوى.
والسبب العلمي وراء ذلك أنه عندما نمر بشعور ما فإننا نختبره باستخدام الجهاز الحوفي الذي ينقله إلى اللوزة الدماغية، وهناك تبقى التجارب المؤلمة مسببة استثارات عاطفية قوية مستمرة. لذا؛ عندما نمارس الكتابة فنحن ننقل تلك المشاعر إلى القشرة الأمامية حيث يوجد مركز التفكير التنفيذي فيقل تأثيرها السلبي فينا.
وهذا ما يجعل هاي تضيف إن العلاج بالكتابة يمكنه تقليل أعراض القلق والاكتئاب والتوتر، ويمتد تأثيره كذلك إلى الإسهام في علاج اضطرابات نفسية أخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات والوسواس القهري واضطرابات الطعام وتدني احترام الذات.
ومن ناحية أخرى، يطور العلاج عن طريق الكتابة مهاراتك الحياتية، فهو على سبيل المثال يحسن قدرتك على التواصل مع الآخرين؛ لأنك عندما تتدرب على التعبير عن نفسك كتابياً فهذا يمنحك فرصة لفهم نفسك والثقة بها؛ ومن ثم تتمكن من الانخراط في الحياة الاجتماعية بصورة أفضل.
اقرأ أيضاً: الأليكسيثايميا: عندما لا تستطيع التعبير عن مشاعرك.
كيف تمارس العلاج النفسي بالكتابة؟
يلفت المختص النفسي عبد الله آل دربا، الانتباه إلى أهمية فهم ماهية العلاج بالكتابة فهو له 6 طرائق تشمل: التدوين الحر الذي يتم بطريقة عشوائية لمدة تترواح بين 15 إلى 30 دقيقة، وأيضاً كتابة تفاصيل الأحداث الصعبة وكتابة اليوميات، والكتابة التأملية التي يركز فيها الشخص على الموجودات في الطبيعة ويصفها كتابياً، وكتابة الجمل المتقطعة مثل أكثر 10 أشياء تسبب الاكتئاب أو القلق، إلى جانب رسم الخريطة الذهنية التي يصل من خلالها الشخص إلى جذور مشكلاته حتى يعمل على مواجهتها وعلاجها.
ويضيف الطبيب النفسي لانيل بلامر إنه من الأفضل إشراك المعالج النفسي في تجربة العلاج بالكتابة لأن له مدة زمنية محددة في المرة الواحدة، ولا يستمر على المدى البعيد في المطلق، فليس من المحبذ أن تبقى جراح الشخص النفسية مفتوحة لمدة طويلة، ويعمد بلامر أحياناً إلى توجيه المريض إلى وضعية كتابة تلائم رد فعل جسمه في أثناء الكتابة، فالأشخاص الذين يتذكرون الصدمات يفضَّل أن يقفوا وهم يكتبون لأن أجسامهم تشعر بالقلق وتُبدي ردود أفعال دفاعية عند تذكر ما مروا به من أحداث صادمة.
اقرأ أيضاً: هل يجب أن ننفّس عن مشاعرنا المكبوتة أم لا؟
أخيراً، تذكر أن العلاج النفسي بالكتابة تجربة تكشف فيها عن ذاتك مثلما أنت. لذا؛ احرص عندما تمارسه على إخراج أفكارك كما هي دون تعديلات، فمن خلال تعميق فهمك لمشكلاتك وإعادة اتصالك بطفلك الداخلي، ستجد أنك أصبحت أكثر قدرة على إدارة حياتك والمضي قدماً رغم جراح الماضي.