لماذا تجد الأخبار الكاذبة مَن يصدقها؟ وكيف تقي نفسك من الوقوع في فخها؟

5 دقائق
الأخبار الكاذبة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الأخبار الكاذبة ليست مشكلة جديدة؛ لكنها أصبحت أكثر خطورة وانتشاراً في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية. فما العوامل النفسية القابعة وراء الانقياد خلف الحقائق المزيفة؟ وكيف نحمي أنفسنا من الوقوع في فخها؟

سيطرت الحرب الدائرة في فلسطين على عناوين الأخبار مؤخراً، ليس فقط لأنها من أكثر الصراعات مأساوية وتعقيداً في التاريخ الحديث لما تنطوي عليه من توترات سياسية ودينية وعرقية؛ بل أيضاً لأنها حرب معلومات.

اليوم، ينقسم ملايين الناس حول العالم بين غاضب ومتعاطف ومرتبك؛ بسبب تخبطهم وسط التغطيات الإعلامية المختلفة وتوجهاتها المتباينة. لذا؛ من المهم أن نكون قادرين على التمييز بين الحقائق والآراء، وبين المصادر الموثوقة والأخبار المضللة. ففي الواقع، إن القدرة على كشف الأخبار الكاذبة وسيلة للحفاظ على الأمن والسلام. فما مدى صحة ما نقرؤه أو نشاهده أو نسمعه؟ وكيف يمكننا تمييز الأخبار الكاذبة وحماية أنفسنا من الوقوع في فخها؟

ما هي الأخبار الكاذبة؟

الأخبار الكاذبة هي الأخبار التي تنطوي على معلومات ملفقة وغير صحيحة، أو صحيحة جزئياً فقط، أو خارج السياق، وتفتقر معايير ضمان دقة المعلومات ومصداقيتها، تُنشَر لأسباب سياسية أو فوائد مالية أو حتى لمجرّد التسلية. اليوم، ومع الانتشار الواسع للإنترنت والأجهزة الذكية، وسرعة الوصول إلى الأخبار وتعدد مصادرها، وصل استخدام المعلومات المضللة بوصفها أداة للإقناع إلى أبعاد جديدة.

وفي دراسة نُشرت في دورية ساينس (Science)، تبيَّن أن الأخبار الكاذبة تنتشر بوتيرة أسرع من الرواية الحقيقية عبر الإنترنت، وأن للمشاهد أو المستمع الدور الأكبر في نشرها؛ حيث توصّل الباحثون إلى أن احتمال إعادة تغريد الأكاذيب على منصة إكس X (تويتر سابقاً)، يزيد بنسبة 70% عن الحقيقة، وأن التأثير أكثر وضوحاً بالنسبة إلى الأخبار السياسية الملفقة مقارنة بأخبار الكوارث الطبيعية أو العلوم أو المعلومات المالية.

لماذا نصدق الأخبار الكاذبة؟

شوّهت المصالح السياسية الحقائق وكذّبتها لتحقيق أهدافها الخاصة منذ فجر التاريخ. ويُذكَر عن الاستراتيجي العسكري الصيني صن تزو (Sun Tzu) إنه قال في كتابه الذي ألّفه في القرن الخامس قبل الميلاد، "فن الحرب" (The Art of War): "الحروب كلها تقوم على الخداع"؛ لكن المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على المتلقي الذي يصدق هذه الأخبار ويعيد نشرها، فلماذا يفعل الناس ذلك؟

حدّد أستاذ علم النفس في جامعة شانون التكنولوجية في أيرلندا (Technological University of the Shannon)، كريستوفر دواير (Christopher Dwyer)، الأسباب النفسية لتصديقنا الأخبار الكاذبة:

  • التحيز التأكيدي: يفضل الناس المعلومات التي تؤكد معتقداتهم الحالية؛ أي إنهم يميلون إلى البحث عن المعلومات التي تتوافق مع وجهات نظرهم وتؤكدها على نحو انتقائي.
  • الواقعية الساذجة: أي ميلنا إلى الاعتقاد بأن تصورنا للواقع هو وجهة النظر الدقيقة الوحيدة، وأن الأشخاص الذين يختلفون معنا هم بالضرورة غير مطّلعين أو غير عقلانيين أو متحيزون.
  • قلة الاهتمام بمصداقية الأخبار: نظراً إلى أننا لم نكن حاضرين على الأحداث؛ فإننا نميل إلى تصديق المعلومات المقدَّمة إلينا دون تقييم مصداقيتها من حيث المصادر والأدلة والتحقق من بيانات المؤلف أو الناشر أو موقع الويب. في إحدى التجارب العلمية، أنشأ جيمس ماكدانيال (James McDaniel)، موقعاً إخبارياً ونشر أخباراً مزيفة فيه، وخلال أقل من أسبوعين، شاهد أكثر من مليون شخص منشورات الموقع، ونشروها عبر منصات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أنه أضاف إخلاء المسؤولية في أسفل صفحات الويب، وحذّر فيه من أن منشوراته خيالية، فإن معظم المتابعين تقبّلوا المعلومات بأسلوب أعمى وكأنها الحقيقة.
  • نفاد الصبر: نحن نريد المعلومات بسرعة. لذا؛ حتى لو كانت لدى الأشخاص المهارات اللازمة لتقييم المصداقية، فقد يقعون ضحية الأخبار المزيفة بسبب الاتجاهات الحديثة في معالجة المعلومات، والوصول السريع إليها بكميتها الفائضة. على سبيل المثال؛ قد تقرأ عنوان مقال من قبيل "الصلع يسبّب السرطان"، وبسبب السرعة؛ قد تعتقد بصحة العنوان وتمرر إلى العنوان التالي دون أن تتعمق في المحتوى الذي يتضمن ضرورة حماية نفسك من الشمس تجنباً لزيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد!
  • الكسل المعرفي: تطور دماغ الإنسان ليحافظ على الطاقة من أجل إنفاقها على المهمات الأكثر أهمية. لذا؛ يفضل الناس اتخاذ قرار بديهي بصحة المعلومات.
  • استهداف العواطف: العاطفة من أكبر العوائق التي تقف في وجه التفكير النقدي والتحليلي؛ لأنها ببساطة تجعل التفكير غير عقلاني. لذا؛ إن كنت عاطفياً، ستقع ضحية الأخبار التي تستهدف مشاعر الغضب أو الخوف أو التعاطف.
  • التكرار: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"؛ هذا ما قاله وزير الدعاية السياسية الأماني في عهد أدولف هتلر، جوزيف غوبلز (Joseph Goebbels)‏، وهو ما أطلق عليه اسم "تأثير الحقيقة الوهمية"؛ أي كلما تعرضنا إلى معلومات معينة، زاد احتمال تصديقنا لها بغض النظر عن حقيقتها.
  • سلوك المجموعة أو الحشد: أفاد الباحث في علم الاجتماع، حميد الهاشمي، بأن الفرد يتأثر بسلوك المجموعة وتوجهاتها في الحياة الواقعية أكثر من الواقع الافتراضي. على سبيل المثال؛ يتأثر المراقب ضمن مدرجات مباريات كرة القدم بآراء الجمهور وتقييمه، أكثر من تأثره بهم في الواقع الافتراضي.

اقرأ أيضاً: 3 أسباب تشرح لك لماذا قد يصدق البعض الأخبار الكاذبة

كيف تؤثر الأخبار الكاذبة في الصحة النفسية؟

اليوم، للكلمة المقروءة والمسموعة صدىً إلكتروني واسع الانتشار، وانعكاس واضح على نفسية الإنسان، بغض النظر عن صدق المعلومات. وإليك أهم الآثار النفسية التي قد تُحدثها الأخبار الكاذبة:

  • القلق والاكتئاب: في دراسة نُشرت في دورية آفاق في علم النفس (Frontiers in Psychiatry)، تَبيَّن أن الأشخاص الذين آمنوا بالأخبار الكاذبة حول فيروس كورونا؛ بما فيها الأخبار القائلة إن الحكومات بالغت في عدد الوفيات، وإن ارتداء الكمامات يسبب نقص الأوكسجين والتسمم بثاني أكسيد الكربون، كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب. 
  • تفاقم المشكلات النفسية: أشارت المعالجة النفسية، سينثيا كاتشينغز (Cynthia Catchings)، بأن التعرض إلى الأخبار الكاذبة يؤدي إلى تفاقم مشكلات الصحة النفسية وزيادة أعراضها؛ ما يعوق عملية العلاج وإدارة الاضطراب، أو حتى قد يؤدي إلى ظهور مشكلات نفسية أخرى؛ مثل نوبات الهلع والرهاب والوسواس القهري.
  • التغيرات السلوكية: يمكن للأخبار المزيفة أن تسبب تغيرات سلوكية. على سبيل المثال؛ كان الأشخاص الذين تعرضوا إلى أخبار كاذبة عن مشكلات الخصوصية في تطبيق جديد، أقل استعداداً بنسبة 5% لتنزيل التطبيق.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الحروب في نفسية الأطفال؟ وما الذي يمكن فعله للتخفيف عنهم؟

ماذا تفعل لتتجنب الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة؟

طوّر خبراء من جامعة ولاية كاليفورنيا-شيكو (California State University, Chico)، اختبار (CRAAP) لكشف الأخبار الكاذبة؛ وهو عبارة عن قائمة من الأسئلة التوجيهية للتحقق من صحة المعلومات وكشف الأخبار والمعلومات الكاذبة عبر الإنترنت:

  • الحداثة: أي ما مدى حداثة المعلومات؟ فقد تلحظ تفاعل بعض أصدقائك على أحد منشورات الفيسبوك كما لو أنه حديث الساعة، فتتبنى فكرته دون أن تتيقن من وقت النشر. لذا؛ حاول التحقق من أن الخبر ليس قديماً وأُعيد نشره.
  • التأكد من المعلومة: هل بحثت عن المعلومات الواردة في الخبر أم وجدتها مصادفة أمامك؟ هل بحثت عنها في مصادر أخرى للتحقق من صحتها؟
  • مصدر المعلومة: مَن المؤلف أو الناشر أو الراعي للخبر؟ هل هو مدونة شخصية أم موقع إخباري أم مجلة أكاديمية؟ هل هو مموَّل؟ ابحث عن معلومات عنه لمعرفة ما إذا كان موثوقاً، أو إن كانت له أجندة معينة، أو حتى لتحدد إن كان حقيقياً أو مزيفاً.
  • الدقة: هل يستشهد المؤلف بمصادر وأدلة موثوقة؟ هل يمكن التحقق من المعلومات في أماكن أخرى؟
  • الغرض: ما الهدف من هذا الخبر؟ ولعل البحث عن أسباب نشر الخبر والدعوات التي يحملها، يحدد مدى صحة الخبر. على سبيل المثال: هل يدعو الخبر إلى الغضب؟

اقرأ أيضاً: هل أصبح كشف كذب الآخرين أكثر سهولة؟

إذاً؛ يمكن القول إن الموضوعية هي المفتاح لفصل الأخبار الكاذبة وتمييزها عن الحقيقية. ليس هذا فحسب؛ بل إن متابعة المناخ الاجتماعي والسياسي العام المكوّن لمعتقداتنا، والمحدد لكيفية استهلاكنا للمعلومات، قد تساعدنا على تجنب التأثر بالأخبار المزيفة والانجراف وراء الأفكار المضللة.

المحتوى محمي