3 أسباب تشرح لك لماذا قد يصدق البعض الأخبار الكاذبة

الأكاذيب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أظهر مسح أجرته المؤسسة الفرنسية للرأي العام أن واحداً من كل 6 شباب يظن أن الأرض مسطحة كما يعتقد 19% أن الأهرامات المصرية شيدتها كائنات فضائية و20% أن الأميركيين لم يذهبوا إلى القمر مطلقاً، إضافة إلى ذلك، تتزايد نسبة التشكيك في العلم إذ لا تتجاوز نسبة من يعتقدون أنه يجلب الخير إلى البشرية اليوم 33%، مقارنة بـ 55% في عام 1972. فما تفسير هذه الحماسة تُجاه الأكاذيب العلمية؟ ثمة 3 أسباب رئيسية لذلك، نفصلها لكم في المقال التالي.

الأرض مسطحة لا شك في ذلك، أما قمم الأهرامات المدببة فهي تشير بالتأكيد إلى أن الكائنات الفضائية وراء بنائها! لقد بتنا نسمع الكثير من هذه الأخبار الزائفة الغريبة والخطرة حتى أحياناً حينما تكون لها تأثيرات سلبية في الصحة والبيئة، وهي تنتشر اليوم بقوة على الشبكات الاجتماعية ولهذه الظاهرة أسباب عديدة.

أظهر مسح أجرته المؤسسة الفرنسية للرأي العام لصالح مؤسسة ريبوت فاونديشين (Reboot Foundation) ومؤسسة جان جوريس (Jean-Jaurès Foundation) ونشر في يناير/كانون الثاني، أن واحداً من كل 6 شباب يظن أن الأرض مسطحة كما يعتقد 19% أن الأهرامات المصرية شيدتها كائنات فضائية و20% أن الأميركيين لم يذهبوا إلى القمر مطلقاً، إضافة إلى ذلك، تتزايد نسبة التشكيك في العلم إذ لا تتجاوز نسبة من يعتقدون أنه يجلب الخير إلى البشرية اليوم 33%، مقارنة بـ 55% في عام 1972. فما تفسير هذه الحماسة تُجاه الأكاذيب العلمية؟ ولمَ تسيطر الأخبار الكاذبة على جزء كبير من المعتقدات في عصرنا الحالي؟

الحاجة إلى إضفاء معنى على الأحداث

مع بدء جائحة كوفيد-19 وحالة القلق التي رافقتها فقد صرنا بحاجة إلى معايير لفهم ما يحصل حولنا، ومن هنا بدأ انتشار النظريات الزائفة التي حتى لو بدت أوهاماً فإنها تساعدنا على إضفاء ترابط منطقي على ما نمر به.

يقول عالم الاجتماع فابريس كليمان (Fabrice Clément): “حينما نجد أنفسنا في مواجهة الاحتمالات والصدف فإننا نشعر بالعجز”، نحن نحب القصص لأنها تضفي معنى على ما يحدث لنا من خلال خلق ترابط بين الأحداث التي تبدو غير مترابطة، لكن القصص التي تتمحور حول نظرية المؤامرة تغذي لدينا فكرة أنه ليس للصدفة أي دور في هذه الأحداث بل إنها ثمرة عمل خطط له عملاء يقودون العالم في اتجاه معين بما يخدم أيديولوجياتهم ومصالحهم المالية وما إلى ذلك.

ومن ثم بدلاً من الخضوع إلى حالة عدم اليقين هذه، يفضل البعض الاعتقاد بأن فيروس نقص المناعة البشرية قد أنشئ في المختبر أو أن جون كينيدي اغتالته وكالة المخابرات المركزية، أو أن معهد باستور بفرنسا طور فيروس كورونا وحصل على براءة اختراع ليتمكن من بيع لقاحاته وهو ما ورد في مقطع فيديو حصد أكثر من مليون مشاهدة على فيسبوك في عام 2020 وأدين الشخص الذي أعده حينها بتهمة التشهير.

تقدم لنا الأخبار الكاذبة إمكانية قراءة العالم من حولنا بصورة مبسطة فهو ينقسم إلى فريق “الأشرار” متمثلاً بالحكام أو السلطات العلمية أو وسائل الإعلام العامة أو الشركات الخاصة الكبرى وغيرها، في مواجهة فريق “الأخيار”، أو “الجماهير الغافلة” التي تسيطر عليها الجهات المذكورة، وبين هذا وذاك يبرز أتباع الروايات المضادة الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم أبطال العصر الحديث المقاومون الذين يبحثون عن الحقيقة ويسعون إلى توعية الناس.

يجري الفرد الذي يؤمن بنظرية المؤامرة أبحاثه ويحاول اتباع الخيوط التي أنشأها بنفسه لاكتشاف الدليل الخفي على المؤامرة المزعومة، وعلى هذا النحو فإنه يشعر باستعادة السيطرة على حياته وبأنه عنصر فاعل في مساره الفردي والتاريخ الجمعي.

ويقول الأستاذان في جامعة شيربروك (University of Sherbrooke) بكندا ماري إيف كارينيان (Marie-Ève Carignan) وديفيد مورين (David Morin)، إن أهمية هذا السلوك تظهر في السياق الاجتماعي للأزمة ومواجهة حالة القلق وعدم الثقة، فنشر الأخبار الكاذبة يعزز تقدير الذات، ويمثل أحياناً نوعاً من الانتقام من السلطات من خلال اكتساب مكانة جديدة.

يقول عالم الاجتماع فابريس كليمان: “يؤكد مختصو علم النفس الاجتماعي أن الأشخاص الذين لا يثقون بالمؤسسات تعرضوا غالباً للاستبعاد من المؤسسة التعليمية في وقت من الأوقات، ما خلق لديهم حاجة قوية إلى التقدير وميلاً إلى الانتقام من المؤسسة التي لم تفهمهم”.

إضافة إلى ذلك، حينما يعمل الأفراد معاً على تقصي الحقائق ويتّحدون ضد “عدو مشترك” فإنهم يكسرون عزلتهم ويشعرون بالانتماء إلى المجموعة في وقت هم بأمس الحاجة إلى ذلك. تدين سوسن اليوم نظريات المؤامرة، التي كانت تستحوذ على فكرها قبل سنوات، وتقول: “كنت أمر بظروف شخصية صعبة ولدت لدي مشاعر الغضب والألم حينما بدأت أتحدث إلى الناس على الإنترنت حول الخطوط البيضاء التي خلفتها الطائرات في السماء، والتي قالوا إنها مكونة من مواد كيميائية تنشرها السلطات عمداً على السكان، وقد قالوا لنا إننا كنا مميزين لأننا رأينا ما لم يتمكن الآخرون من رؤيته، وشعرت حينها وكأنني وجدت عائلة”.

اهتزاز ثقة الناس بالسلطات

هز العديد من الأحداث التي وقعت مؤخراً ثقة الناس بالسلطات، ومنها الأكاذيب التي لفقتها شركات النفط الكبرى التي أدركت منذ الثمانينيات تأثير منتجاتها على الاحتباس الحراري، والفضائح الصحية مثل تلك التي أثيرت حول دواء ميدياتور، أو البيانات العلمية التي تتلاعب بها شركات التبغ.

يقول ماجد ذو الـ 43 عاماً: “لا شك في أن هذه الأكاذيب أثارت قلق البعض، من ناحيتي، اهتزت ثقتي حينما أعلنت الحكومة وقف ارتداء الكمامات الإلزامي رغم استمرار الجائحة، فهي لم تتخذ هذا القرار لأن ارتداءها لم يكن ضرورياً بل بسبب نقص المخزونات في المقام الأول”.

حتى لو لم يكن المرء متأثراً بنظريات المؤامرة، فإن نشر معلومات مشبوهة على الشبكات الاجتماعية لا يتطلب أكثر من فهماً متسرعاً لمسألة ما أو تغيراً مفاجئاً في حالته المزاجية، ووفقاً لدراسة أجراها علماء الكمبيوتر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في عام 2018، فإن الناس يميلون إلى إعادة نشر الأخبار الكاذبة أكثر بـ 70% مقارنة بالمعلومات الحقيقية كما تنتقل الأولى أسرع من الثانية بست مرات، ويعزز ذلك رغبة مستخدمي الإنترنت في التميز بما يقرؤونه وينشرونه.

الانحياز التأكيدي وألاعيب الدماغ

في ظل هذا التدفق الهائل للمحتوى بمختلف أنواعه لا نجد الوقت دائماً لفرز المعلومات الخاطئة من الحقائق المثبتة والتحقق من المصادر، ومن ثم نميل إلى الثقة بالأشخاص الذين يوحون بأنهم جديرون بها، فهم أجروا تحرياتهم بأنفسهم ولا يبدو أن لهم مآرب خاصة من نشر هذه المعلومات، يقول فابريس كليمان: “يكفي أن يعلن المرء أنه يكشف عن مخالفات المصادر الرسمية للمعلومات ليحصل على ثقة الآخرين ومن ثم يلقنهم أخباراً زائفة”.

تسهم الشبكات الاجتماعية أيضاً في تحيزاتنا المعرفية: فكلما زادت شعبية المعلومات، زاد تصديقنا لها، تقول لمى ذات الـ 54 عاماً: “عندما يحظى مقطع فيديو بملايين الإعجابات، فإنني أمنحه المزيد من المصداقية كما لو أن هذا الرقم الهائل هو ضمان لصحة المعلومات الواردة فيه”.

من جهة أخرى بدفعنا “الانحياز التأكيدي” أيضاً إلى الميل لتبني المعلومات التي تؤكد ما نفكر فيه بالفعل، بدلاً من تلك التي تدحضه، ويقول مختص علم النفس ومؤلف كتاب “دماغك يخدعك” (Your brain plays tricks on you) ألبير مخيبر (Albert Moukheiber): “عندما تؤكد المعلومات التي نتلقاها معتقداتنا، فإننا بالكاد نحاول معرفة ما إذا كانت صحيحة أم لا، على سبيل المثال، إذا كنت لا أومِن بالاحتباس الحراري فأنا سأميل أكثر إلى إعادة نشر تغريدة الرئيس دونالد ترامب في فبراير/شباط 2019 التي خلط فيها بين المناخ والطقس حينما انتقد خصمه آمي كلوبوشار التي تحدثت عن الاحتباس الحراري وسط عاصفة ثلجية”.

حينما نتابع الأشخاص الذين يفكرون مثلنا ونشاهد مقاطع الفيديو التي تقترحها خوارزميات الشبكات الاجتماعية على أساس أذواقنا ومعتقداتنا، فإننا نظل حبيسي نمط تفكيرنا ما يقلل من مرونتنا وقدرتنا على تغيير آرائنا، ومن هنا تأتي الحاجة وفقاً لمختص علم النفس إلى تنمية التفكير النقدي والشك البناء الموجه نحو الذات، وليس الشك الاتهامي الموجه نحو الآخرين، وعلينا معرفة أنه ليس أصحاب النفوذ من يخدعوننا فقط، بل إن أدمغتنا هي التي تفعل بنا ذلك أحياناً.

المحتوى محمي !!