ملخص: سواء أَأعجبنا هذا الأمر أم لا، ستظل عواطفنا تشكّل جزءاً رئيساً من حياتنا اليومية، والنضج العاطفي هو العملية التي نتعلم من خلالها كيفية التحكم في عواطفنا كافةً بنجاح، وتحمُّل مسؤولية ما نشعر به تجاه أنفسنا والآخرين والعالم من حولنا. ولذلك؛ فمن المهم أن نصل إلى درجة متقدمة من النضج العاطفي، ومن خلال هذا المقال، سوف نتعرف معاً إلى كيفية الوصول إلى النضج العاطفي.
محتويات المقال
هل تساءلت يوماً لماذا يستطيع بعض الأشخاص إدارة عواطفهم بسلاسة؛ بينما ينتهي الأمر بالآخرين في كثير من الأحيان إلى الشعور بالندم أو الذنب أو الغضب؟ بالطبع ثمة عوامل عديدة يمكن أن تفسر سبب تعامل بعض الأشخاص مع عواطفهم على نحو جيد، بدءاً من الشخصية والحالة المزاجية وحتى أساليب التربية وضبط النفس؛ ولكنّ هناك عاملاً نفسياً مرتبطاً بمدى نجاحنا في التعامل مع الأحداث غير المتوقعة التي تولد الانزعاج وهو النضج العاطفي.
وفي عالم لا تُمكن السيطرة عليه ولا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير، فإن الطريقة الوحيدة للنجاح هي أن تكون ناضجاً بما يكفي لفهم أهمية القدرة على التكيف، والنظر إلى كل رد فعل عاطفي على أنه فرصة لتعلم شيء ذي قيمة عن نفسك. لذلك؛ سوف نتحدث في هذا المقال عن النضج العاطفي وكيف يمكن الوصول إليه.
ما هو النضج العاطفي؟
تُعرِّف جمعية علم النفس الأميركية (The American Psychological Association APA) النضج العاطفي بأنه: "مستوىً مرتفع ومناسب من التحكم والتعبير العاطفي". وأيضاً، يعني النضج العاطفي امتلاك القدرة على ضبط النفس لإدارة عواطفك والعمل على فهمها.
وباعتبارك شخصاً ناضجاً عاطفياً، فإنك لا تنظر إلى العواطف على أنها نقطة ضعف؛ ولكنك بدلاً من ذلك تقدّرها ولا تحاول إخفاءها؛ حيث إن الاعتراف بمشاعرك والتعلم من تجاربك السابقة يعني أنك تتمتع بذكاء عاطفي قوي.
والوصول إلى النضج العاطفي عملية مستمرة؛ لا يمكنك أن تصبح ناضجاً عاطفياً في أسبوع وتحمل هذا اللقب طوال حياتك؛ بل إنه يتطلب جهداً مستمراً وإصراراً لمواصلة النمو خلال مراحل الحياة كافةً. وفي هذا السياق، توضح الطبيبة النفسية إيري ناكاغامي (Eri Nakagami)، إن الأشخاص الناضجين عاطفياً مدركون لذواتهم، ومتناغمون مع عواطفهم، ويعملون باستمرار على تطوير مختلف المهارات العاطفية والمعرفية من أجل مساعدتهم على التعامل مع المواقف العصيبة أو غير المتوقعة، والوصول إلى حلول ناجحة في مختلف تحديات الحياة.
7 علامات تشير إلى النضج العاطفي
توضح مستشارة الصحة النفسية، جينيفر فنسنت (Jennifer Vincent)، إن النضج العاطفي يتعلق بفن الوعي الذاتي والاجتماعي، فحين تكون قادراً على تحديد رغباتك واحتياجاتك، ومعرفة تلك التي يمكنك تلبيتها والاحتياجات التي يجب أن يلبيها الآخرون، فقد تكون في طريقك إلى النضج العاطفي، وغالباً ما تشمل العلامات الشائعة للنضج العاطفي ما يلي:
- تقبُّل الذات: عندما تصبح ناضجاً عاطفياً فإنك تتقبل نفسك وعيوبك لأنك تدرك أن الأشخاص جميعهم لديهم عيوب ونقاط ضعف، وهذا لا يجعلهم بالضرورة أشخاصاً سيئين. ولذلك؛ بدلاً من أن تتمنى أن تكون مثالياً، فإنك تدرك أن كونك على طبيعتك الحقيقية هو أفضل طريقة للتعامل مع العالم.
- القدرة على التعبير عن المشاعر: يسمح لك النضج العاطفي بالتعبير عن مشاعرك للآخرين بوضوح، فحين تتحدث إلى شخص آذاك سوف تخبره عن مشاعرك دون أن تخجله أو تخجل نفسك. وفي سياق متصل، أنت لا تتمسك بمشاعرك؛ بل تسمح لها بالرحيل بعد التواصل معها على نحو صحي؛ حيث يُعد امتلاك مهارات تواصل صحية جزءاً لا يتجزأ من النضج العاطفي ويتطلب الكثير من الممارسة.
- معرفة ما تريده من الحياة: عندما تكون ناضجاً عاطفياً، ستعرف ما تريده من الحياة وما ترغب في القيام به للوصول إلى هناك، وستصبح واضحاً بشأن قيمك؛ وهو أمر مهم لأنه يسمح لك باتخاذ القرارات والاختيارات التي تعكس هويتك الشخصية، هذا بالإضافة إلى التخلي عن الأشياء غير المهمة التي لا تتوافق مع قيمك دون الشعور بالذنب أو الندم.
- التحلي بالمرونة: من السهل افتراض أن الأمور سوف تسير وفقاً للخطة أو أن الموقف سوف يسير بسلاسة لأن ذلك ما حدث في كل مرة في الماضي، وعندما لا يحدث ذلك يكون الشخص الناضج عاطفياً قادراً على التفكير في الأمور والتوصل إلى خطة بديلة قابلة للتطبيق.
- تحمل المسؤولية: الشخص الناضج عاطفياً قادر على الاعتراف بأخطائه ولا يلقي اللوم على الآخرين؛ وهذا يتطلب مستوىً من الصدق والقبول الذاتي. وحتى إذا استمرت الأمور على نحو خاطئ، فإن الشخص الناضج عاطفياً سوف يحاول فهمها على نحو أفضل، ويبحث في داخله عن إجابات حول الإجراءات التي قد تسهم في المضي قدماً.
- التمتع بشخصية هادئة: الأشخاص الناضجون عاطفياً يغضبون ولكن لا يسمحون للغضب بالتحكم في ردود أفعالهم؛ إنهم يملكون عقلاً راجحاً يعرف تماماً كيفية التعامل بفعالية مع المواقف المختلفة، ويحاولون في الوقت نفسه رؤية الخيارات المتاحة جميعها للوصول إلى أفضل حل ممكن.
- التعاطف مع الآخرين: وفقاً لما ذكرته أستاذة علم النفس السريري، ليزا لوليس (Lisa Lawless)؛ فإن الشخص الناضج عاطفياً قادر على التعاطف مع الآخرين وذلك من خلال تقديم الدعم وعدم إصدار الأحكام المسبقة.
اقرأ أيضاً: ماهو الاستقرار العاطفي؟ وكيف تصل إليه؟
ما أهم السلوكيات التي تخبرك بأنك تتعامل مع شخص غير ناضج عاطفياً؟
يفتقر الأشخاص غير الناضجين عاطفياً بعضَ المهارات الاجتماعية والعاطفية، ويواجهون صعوبة في التعامل مع الآخرين، ويمكن أن يكون بعض هذه السلوكيات إشارة إلى أنك تتعامل مع شخص غير ناضج عاطفياً:
- عدم القدرة على التحكم في الانفعالات والانخراط في سلوكيات متهورة.
- المطالبة الدائمة بالاهتمام.
- إلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوء الأمور.
- الكذب للخروج من المواقف أو المحادثات غير المريحة.
- التنمر على الآخرين للحصول على ما يريد.
- مهاجمة الآخرين بوصفها آلية دفاعية، أو الانخراط في آليات دفاع مضرة.
- تجنب المسؤوليات الكبرى مثل العلاقات الجدية والوظائف والاستثمارات الكبرى مثل شراء المنازل.
- عدم أخذ أفكار الآخرين بعين الاعتبار.
لماذا من المهم الشعور بالنضج العاطفي؟
يشرح الطبيب النفسي الإكلينيكي، ألكساندر دراغيسي (Alexander Draghici)، أهمية الشعور بالنضج العاطفي، مؤكداً إنه أحد أهم مكونات الحياة السعيدة؛ ويرجع ذلك إلى أن الأفراد الناضجين عاطفياً تُمكنهم تنمية علاقات صحية وحقيقية؛ وهي شرط أساسي للسعادة الدائمة.
علاوة على ذلك، فإن المرونة التي يتمتع بها الشخص الناضج عاطفياً تجعله قادراً على مواجهة تحديات الحياة غير المتوقعة؛ حيث إن تقليل الأثر العاطفي لتلك التحديات يؤثر في الإحساس بالسعادة على نحو إيجابي.
ويضيف دراغيسي إنه بالنسبة إلى الأفراد الناضجين عاطفياً، فإن الفشل في العمل أو العلاقات الرومانسية لا يُعد نهاية العالم ولكنه جزء من رحلتهم على الأرض؛ إذ لا يمكن لأحد أن يظل في سلسلة انتصارات إلى الأبد. لذلك؛ يتعامل الناضجون عاطفياً مع النكسات بالتعاطف مع الذات؛ ومن ثَمّ يتعلمون طوال الوقت كيفية تحقيق أقصى استفادة مما لديهم بدلاً من الشعور بالإحباط والانزعاج عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها.
ما العوامل التي قد تؤثر في النضج العاطفي؟
يتطور النضج العاطفي مع التقدم في السن؛ ولكن هذا لا يعني أن البالغين جميعهم ناضجون عاطفياً؛ حيث إن ثمة عوامل عديدة تؤثر في النضج العاطفي وأهمها:
- صدمات الطفولة: إذا تجاهل مَن حولك مشاعرك في مرحلة الطفولة، فقد لا تصل إلى مرحلة النضج العاطفي أو تواجه تحديات في هذا الصدد؛ أما إذا حدث العكس، فمن المحتمل أن تكون لديك فرص أكبر للنضج العاطفي في وقت مبكر من مرحلة البلوغ.
- بيئة النشأة: توضح مستشارة الصحة النفسية، جنيفر فنسنت، إن النشأة في بيئة لا تسمح لك بالتعبير عن مشاعرك بطرائق صحية، تصعّب عليك التعامل مع العواطف على نحو جيد في مرحلة البلوغ؛ حيث إن العيش مع والدين لم يتعرفا إلى مشاعرك قد يجعلك تواجه صعوبة في النضج العاطفي لاحقاً.
- التطور المتوقف: عندما تواجه تأخراً في النمو النفسي أو الاجتماعي بسبب تجارب حياتية معينة، يُعرف هذا في علم النفس بـ "التطور المتوقف"؛ وقد يحدث هذا الأمر بسبب صدمات الطفولة أو تجارب الحياة الصعبة.
اقرأ أيضاً: علامة النضج الحقيقية هي التوقف عن الاستياء من والديك
كيف يمكنك اختبار نضجك العاطفي؟
هناك بعض الأسئلة المهمة التي يمكن أن تطرحها على نفسك حتى تختبر نضجك العاطفي؛ ومن أهمها:
- كيف تتعامل مع المواقف العصيبة؟ عندما تشعر بالإرهاق من فرط العمل، كيف تعبر عن حاجتك إلى فترة راحة؟ هل تنزعج من زملائك في العمل أو تنفث عن غضبك في صالة الألعاب الرياضية في وقت لاحق من ذلك المساء؟ الحقيقة إن الانزعاج من الآخرين والفشل في الاعتراف باحتياجاتنا الخاصة علامتان على أنك تحتاج إلى تطوير نضجك العاطفي.
- كيف تتعامل مع الأحداث غير المتوقعة؟ عندما يبلغ صديقك المفضل عن ترقية جديدة، هل ستتمنى له التوفيق وتحتفل معه أم تنزعج؟ يستطيع الأشخاص ذوو النضج العاطفي التعبير عن فرحتهم للآخرين حتى في خضمّ التغيير المفاجئ.
- هل تشكو دائماً من كل شيء؟ عندما تكون أقل نضجاً، يكون العالم مليئاً بالمضايقات. فكّر في عدد المرات التي تشتكي فيها يومياً من الآخرين أو المواقف المختلفة.
- عندما تسوء الأمور، هل تلوم نفسك أم الآخرين؟ جميعنا نواجه أياماً سيئة من وقت إلى آخر؛ ولكن إذا كنت تلوم نفسك على الأخطاء التي تقوم بها فهذا يعني أنك في الطريق الصحيحة نحو النضج العاطفي؛ ولكن عليك تعلُّم التعاطف مع نفسك حتى تتجنب الوقوع في إشكالية لوم الذات.
4 إرشادات عملية للوصول إلى النضج العاطفي
يوضح الطبيب النفسي، ميسرة طاهر، إن الخبرة تلعب دوراً كبيراً في الوصول إلى النضج العاطفي، فالشخص الأكثر خبرة في الحياة عادة ما يكون أكثر نضجاً؛ وذلك لأن الخبرة تعلّم الإنسان دروس الحياة. وثمة طرائق أخرى التي تؤدي إلى النضج العاطفي؛ مثل:
- طوّر عقلية النمو: تُعد عقلية النمو أمراً بالغ الأهمية عند تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها لأنها ترحب بالتعلم والتحسين الضروريَّين لتحقيق التقدم. ولهذا؛ ركز على التحسين الذاتي والنمو المستمر بدلاً من تصيُّد الأخطاء وإلقاء اللوم على الآخرين.
- ضع الحدود الصحية: من الممكن أن يتجاوز أصدقاؤك وأفراد عائلتك حدودك الشخصية فيجعلونك غير مرتاح؛ ولكن يمكنك الحد من هذا السلوك في المستقبل برسم حدود صحية تضع رفاهيتك في المقام الأول وتجعلك تشعر بالأمان، وبعد ذلك، عليك الحفاظ عليها من أجل احترام عواطفك.
- افهم مشاعرك: لكي تكون ناضجاً عاطفياً، عليك أن تفهم مشاعرك. أنا أعلم تمام العلم أن قول ذلك أسهل من فعله، فالضعف أمر مخيف؛ لكن التعرف إلى مشاعرك يساعدك على التعامل معها على نحو أكثر نضجاً. عندما تفهم ما الذي يجعلك غاضباً أو حزيناً أو متحمساً، يمكنك استخدام ذلك لصالحك، ولهذا اسأل نفسك ما الذي يجعلك غاضباً أو غير مرتاح، ولماذا.
- اسمح لنفسك بارتكاب الأخطاء: سوف ترتكب الأخطاء من وقت إلى آخر؛ ولكن الطريقة التي تتعامل بها مع تلك الأخطاء هي الأكثر أهمية. في المرة القادمة التي تخطئ فيها، اعتذر عن خطئك دون تقديم الأعذار لنفسك، وانظر إلى كل خطأ باعتباره فرصة للتعلم من أجل صقل مهاراتك ومعرفة المزيد عن نفسك.
أخيراً، عليك أن تعلم أن الوصول إلى النضج العاطفي ليس بالأمر الصعب؛ ولكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى الكثير من الممارسة. وللمضي قدماً في هذه الرحلة، لا تخجل من مشاعرك أبداً وتوقَّف عن كبتها، وفي النهاية، سوف يساعدك النضج العاطفي على التواصل بأسلوب أفضل، مع نفسك ومع الآخرين.