لماذا أصبحنا نُصاب بالملل بسرعة؟ وما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟

3 دقائق
الملل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هل تشعر في كثير من الأحيان أنك تبذل جهدك ومالك بهدف تحاشي الاصطدام بالملل القاتل؟ اطمئن فهذا شعور تزايد مؤخراً نتيجة اعتمادنا بدرجة كبيرة على صناعة حياة افتراضية تستهلك طاقتنا النفسية وتُبعدنا عن الواقع المُعاش؛ لكن ما أسباب الملل السريع؟ وما سُبُل مواجهته؟ إليك الإجابة في هذا المقال.

يمكن وصف الملل السريع بأنه آفة العصر الحديث، فالكثيرون من الأشخاص لا يجدون في دواخلهم طاقة تدفعهم إلى إنجاز الأمور التي تحتاج منهم إلى صبر وجهد ومثابرة، ويدفعهم الملل المستمر إلى التقافز بين الكثير من المهمات المختلفة دون إتمام مهمة واحدة حتى نهايتها، ويفضلون أنشطة التسلية التي توفر لهم متعة فورية بأقل مجهود؛ لكن ما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة المتقدمة من الملل؟ وكيف يمكن لنا أن نتجاوزها وننجز في حياتنا؟ هذا ما يستعرضه المقال بالتفصيل.

كيف جعلنا أسلوب الحياة الحديث أسرع مللاً؟

تشير أستاذة علم النفس بجامعة سنترال لانكشاير الإنجليزية (University of Central Lancashire)، ساندي مان (Sandi Mann) إلى أنه اليوم، تنتشر حولنا مُلهيات إلكترونية كثيرة تؤدي إلى اضطراب النظام الأساسي لإفراز الدوبامين داخل أدمغتنا التي باتت دائماً ما تبحث عن المزيد من المحفزات الجديدة التي تتحول بمرور الوقت إلى أشياء مملة؛ وهكذا يدور الشخص في حلقة مفرغة تستنزف صحته النفسية والجسدية.

وهناك بُعد مؤثر آخر وهو أن أنشطتنا الترفيهية معظمها أصبحت تعتمد على التكنولوجيا؛ وذلك جعلنا نستخدم طرائقَ شديدة التشابه تعتمد على المشاهدة والتمرير والنقر. بينما الأسلوب الصحي أن نبحث عن أنشطة متنوعة نوظف فيها طاقاتنا باختلاف أشكالها؛ مثل الرياضة والرسم والطهو حتى لا يُصيبنا الملل السريع.

لكن فيما يبدو أن الوقوع في شباك إدمان منصات التواصل الاجتماعي خُطط له مسبقاً من جانب العاملين على تصميمها، فمعظمها يهدف إلى جعل المستخدم يتصفحها لأطول فترة ممكنة، وكل عنصر بداخلها من ألوان ورسومات متحركة ومقاطع فيديو، يعمل من أجل أن تندمج في التمرير اللانهائي حتى لو كان ذلك على حساب أولويات حياتك.

وتزايد مؤخراً استخدام الذكاء الاصطناعي ليعقّد المشهد أكثر، فبات بالإمكان الاستعانة به في العديد من القرارات والاختيارات اليومية؛ ما يقلص قدرتنا على البحث عن حلول ذاتية، ويُشعرنا بأننا نعيش حياة مُصممة سابقاً ومحدودة الاختيارات؛ ما يقلل بالطبع معدل رضانا عنها ويُصيبنا بالملل السريع.

ويلفت الطبيب النفسي عبد الرحمن ذاكر الهاشمي، انتباهنا إلى نقطة مهمة ذات صلة بارتفاع معدل الملل، وتتمثل في عدم وجود دافع حقيقي للشخص يؤمن بجدواه لتأدية مهماته، ففي هذه الحالة، سيكون أكثر عرضة للملل من غيره، مع مراعاة أن يكون الدافع نابعاً من قناعات الشخص وليس قناعات المحيطين به.

وحتى تكتمل الصورة، فينبغي إيضاح أن ثمة اضطرابات تجعل الشخص أكثر مللاً من غيرها؛ مثل اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، وعندما يقل وعي الفرد بذاته، يعجز عن معرفة ما يتسبب في سعادته ومن ثَمّ يعيش حياة مملة.

اقرأ أيضاً: متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي: عندما يجعلك الملل في العمل تشعر بالمرض.

4 إرشادات عملية لمواجهة الملل السريع

عندما يقع الفرد منا في مأزق الملل السريع والمتكرر، يبحث جاهداً عما يُخرجه منه؛ لذا نستعرض فيما يلي أهم الإرشادات العملية لتحقيق ذلك:

1. ابحث وجرّب أنشطة جديدة

المقصود أن تبحث عن الأنشطة الجديدة التي تتوقع أنها ستجعلك سعيداً، وتجرّبها لتتأكد مما إذا كانت تساعدك على مواجهة مللك أم أن ثمة أنشطة أخرى أكثر تأثيراً.

2. وزِان حياتك لتتلافى الملل السريع

يتسلل الملل إلينا أحياناً نتيجة أن حياتنا يغلب عليها جانب واحد فقط مثل الجانب العملي، وفي هذه الحالة، سيبدأ الحل من إعطاء الجوانب الأخرى مثل الحياة الاجتماعية وممارسة الرياضة حقها، حتى تعيش داخل دائرة من النواحي الحياتية المتكاملة.

3. غادِر منزلك إلى الطبيعة الفسيحة

يُعد التجول في الطبيعة إحدى الطرائق الصحية للتخلص من الملل، ويعزز قدرتك على التفكير الإبداعي.

4. عِش الحياة الواقعية لا الافتراضية

مثلما استعرضنا في الجزء الأول من المقال؛ يسهم الوقت الذي نقضيه في تصفح منصات التواصل الاجتماعي في إصابتنا بالملل السريع أحياناً. لذا؛ حاول قدر الإمكان أن تعيش حياة مرتبطة بالواقعة لا بالشاشات حتى تجعلها أكثر حيوية وأقل مللاً.

أخيراً، دعني أخبرك بفائدة غير متوقعة للملل وهو أنه قد يجعلك تقدّر الأوقات المليئة بالنشاط والحماس، فنحن نحتاج بين الحين والآخر إلى مقابلة الشعور العكسي حتى نستطيع الاستمتاع أكثر بما نعيشه. لذا؛ قدّر مللك لكن في الوقت نفسه، ابذل ما يكفي من الجهد لتتخلص منه وتكتشف آفاقاً جديدة للانطلاق في الحياة.

اقرأ أيضاً: ما الذي يؤدي إلى الملل المزمن؟ وكيف تتجنبه؟

المحتوى محمي