متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي: عندما يجعلك الملل في العمل تشعر بالمرض

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“سأموت من الضجر”، عبارة ذات معنىً للعديد من الموظفين الذين لديهم القليل من العمل، أو ليس لديهم عمل للقيام به. التعب والاكتئاب وتدني احترام الذات… احترس من متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي! إن قضاء أيامك في “قتل الوقت” سيكون ضاراً بصحتك تماماً مثل القيام بالكثير من العمل. هل الحصول على أموال مقابل عدم القيام بأي شيء يعد حلماً؟ أنا غير متأكد من ذلك.

قضاء وقتك في مشاهدة الوقت وهو يمر، وجعل استراحات القهوة تدوم، وتصفح الإنترنت بلا هدف… لقد واجهنا جميعاً، مرةً واحدة على الأقل، هذه المواقف أثناء تراجع النشاط في العمل. تشعر بالقلق والتعب والاكتئاب… احترس، فمتلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي تقترب.

في حين أن الإرهاق المهني المرتبط بالكثير من النشاط، هو موضوع عملية بطيئة للاعتراف به كمرض مهني؛ إلا أن الملل في العمل لا يزال من المواضيع المحظورة. ومع ذلك، فإن التواجد في منصب لا يوجد فيه شيء يمكن القيام به قد يكون مؤلماً. إن الكسل في المكتب يخفي خلفه نقصاً حقيقياً في التحفيز الفكري المهين للغاية، ومن باب المفارقة، فهو مرهق للغاية أيضاً. كما يمكن أن تتجاوز المعاناة الإطار النفسي. فعند مواجهة الملل، يمكن أن تتطور العادات “المُلطفة” سريعاً: تناول وجبات خفيفة، وزيادة فترات استراحة السجائر، وفي بعض الأحيان اللجوء إلى الكحول. هذه السلوكيات التي تفسر -وفقاً لدراسة إنجليزية بعنوان “الملل حتى الموت”- أن الموظفين الذين يشعرون بالملل في العمل معرضون لخطر الإصابة بحوادث القلب والأوعية الدموية مرتين إلى ثلاث مرات أكثر من أولئك الذين تكون وظائفهم محفزةً.

لماذا نتحدث عنها بشكل قليل؟ كيف يمكن للأشخاص المعنيين الوصول إلى هذه الحالة؟ كيف نخرج منها؟ ننقل ردود كريستيان بوريون؛ رئيس تحرير “المجلة الدولية لعلم النفس” (Revue internationale de psychosociologie) ومؤلف كتاب “متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي. عندما يدفعك الملل في العمل إلى الجنون” (Le bore-out syndrome. Quand l’ennui au travail rend fou). وهو أيضاً مؤلف دراسة أُجريت في عام 2011 مع ستيفان تريبوك حول متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي.

اقرأ أيضا: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

أنت من أوائل الباحثين في فرنسا الذين نبهوا إلى عدد الموظفين الذين يواجهون الملل في العمل. كيف نفسر هذا الوضع؟

كريستيان بوريون: إن ظاهرة الاحتراق النفسي الوظيفي ليست حديثةً، وأعتقد أن عدد الموظفين الذين ليس لديهم الكثير للقيام به في العمل اليوم كبير جداً. إذا تم مسح الخمول داخل الشركات في عام 2008 على المستوى الأوروبي، ففي فرنسا، نجد أن السلطات المحلية هي التي “قللت من أهمية” الملل في العمل. ويمكن تفسير ذلك بشكل ملموس من خلال سياسة التوظيف غير الملائمة في القطاع العام، مع الهياكل التي خلقت الوظائف “لتكون في الخدمة” بدلاً عن تلبية الاحتياجات الحقيقية؛ لكن أسباب “تعميم” الملل في العمل متعددة: الإقصاء الطوعي أو “الاستبعاد” في القطاع العام للمسؤولين الذين لا يمكن عزلهم، والمناصب التي لم تُلغ؛ بل تم تفريغها من معانيها، وتجزئة المهام إلى أقصى الحدود في القطاع الخاص…

يبدو أن “الحصول على أجر مقابل عدم القيام بأي شيء” هو وضع يُحسد عليه البعض، ولا يُحتمل بالنسبة للآخرين، لماذا؟

كريستيان بوريون: بالنسبة لـ 90% من الموظفين؛ الملل لا يطاق؛ لكن الـ 10% الباقية يمكنهم أن يجدوا السعادة في هذا النظام. في كثير من الأحيان؛ لا يرى هؤلاء الأشخاص العمل كعنصر أساسي في الحياة، وطريقة لتحقيق الذات؛ حيث يساعد في بناء الذات، ويحمل في داخلها شكلاً مثالياً؛ لكن عدم القيام بأي شيء، وعدم التحفيز المهني، هو مخاطرة بفقدان احترام الذات والشعور بالعجز وعدم الجدوى. يمكن أن يكون الملل باباً مفتوحاً للكآبة والتساؤل وتدمير شخصية المرء والاكتئاب…

كيف نفسر التكتم المحيط بالملل؟

كريستيان بوريون: الاعتراف بأنك تشعر بالملل في العمل وأنت تحصل على أجر أمر مرفوض، فهذا ليس صحيحاً من الناحية السياسية. خاصةً في الوقت الحاضر، لأن الحصول على وظيفة يبدو بالفعل وكأنه فرصة رائعة. أي شخص يدّعي أنه يشعر بالملل في العمل قد يواجه كراهيةً من الآخرين. كما أن القول أننا نعاني من هذا الوضع، أمر لا يمكن تصوره. يضاف إلى ذلك شكل من أشكال الرقابة الذاتية. ففي حالة الإرهاق المهني، نحاول تقليل عبء العمل الزائد، أما في حالة الاحتراق النفسي الوظيفي، فنحاول تقليل الملل. ولكن يبدو أن هذا التكتم بدأ في التراجع؛ حيث يشكل الاحتراق النفسي الوظيفي معاناة لكثير من الأشخاص الموجودين حالياً في فرنسا، لذا بدأت حرية التعبير في الانتشار.

ما هي النصائح التي نقدمها لمن يعانون من الملل في العمل؟

كريستيان بوريون: غالباً ما يكون من الصعب تغيير الأشياء دون ترك منصبك. الخطوة الأولى في الحد من مخاطر الاحتراق النفسي الوظيفي هي أن تكون على دراية بموقفك. إن قضاء الوقت في عدم القيام بأي شيء في المكتب يحبس الشخص في شكل من أشكال “الحياة الطبيعية” غير الطبيعية! فالرجوع خطوة إلى الوراء أمر ضروري ومنقذ. يحبس الأشخاص المتضررون من الإرهاق المهني أنفسهم في عمل لا يتوقف، أما أولئك الذين يواجهون الاحتراق النفسي الوظيفي فيحبسون أنفسهم في الملل. بالنسبة للشخص الذي تم استبعاده؛ فيما عدا الاستقالة، فللأسف ليس هناك الكثير من السبل للهروب. أما بالنسبة للآخرين، وخاصةً الشباب، الذين يتم توظيفهم أحياناً في وظائف “غير مجدية” في وقت مبكر من حياتهم المهنية، فمن الممكن التعلم من هذا الموقف. عليك أن تنتهز الفرصة للتطور على الرغم من كل شيء، لاستكشاف تطلعاتك المهنية الحقيقية، وما تريد حقاً تحقيقه من خلال عملك. يتيح لك هذا غالباً وضع استراتيجيات لتغيير الأشياء، وإقامة حوار مع رؤسائك، والإشارة إلى أنك تستحق شيئاً أفضل من منصب دون جدوى. للاستمرار في المضي قدماً وتحقيق الذات؛ عليك أن ترفض أن تدع نفسك محاصراً بالملل المهني.

الاحتراق النفسي الوظيفي: الأعراض

الإحباط والقلق والحزن …هذه هي الأعراض الأولى التي يشعر بها الموظفون الذين يواجهون الملل في حياتهم اليومية. على المدى الطويل؛ ستبدأ عملية الاحتراق النفسي الوظيفي بإحساس قوي باحتقار الذات؛ ما قد يؤدي إلى تفكيك الشخصية والانهيار الاكتئابي.

المحتوى محمي !!