ملخص: نختبر جميعاً، من وقت لآخر، الشعور المؤلم بالفراغ، وقد يأتي هذا الشعور إلينا من العدم أو يكون نتيجة حدثٍ ما في حياتنا. ومن أجل التغلب على هذا الشعور، يجب من البداية فهم أسبابه، والشخص الوحيد الذي يمكنه القيام بذلك هو أنت، ومن خلال هذا المقال، نساعدك على مواجهة الفراغ الداخلي والتعرف إلى نفسك من جديد.
محتويات المقال
لقد انتهى يومك الطويل! أخيراً ليس هناك المزيد من المهمات لتؤديها، وقد حان الآن وقت الاسترخاء. ولكن بدلاً من ذلك، ينزل عليك الصمت الثقيل فجأة، فتشعر بالاختناق تحت وطأة هذا العدم المؤقت الذي يبدو أبدياً، ويعود إليك ذلك الشعور القديم بوجود فجوة متسعة داخلك؛ لكنك غير متأكد من سبب ظهورها، هل هو الحزن؟ أم الملل؟ أم الكآبة؟
ومع زيادة ذلك الشعور، تبدأ البحث عن الراحة بغض النظر عما يتطلبه الأمر؛ أحياناً تلجأ إلى الهاتف أو التلفاز أو تبحث عن الطعام في محاولة للهروب من ذلك الشعور الذي يُسمى بـ "الفراغ الداخلي"، فيا تُرى ما أسبابه؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟ إليك الإجابة في هذا المقال.
ما هو الفراغ الداخلي؟
يمكن وصف الفراغ الداخلي بأنه حالة عاطفية سلبية ومعقدة يعيشها أفراد مختلفون بطرائق مختلفة، والأشخاص الذين يشعرون بالفراغ الداخلي لديهم إحساس بأنهم مجرد مراقبين صامتين لحيواتهم الخاصة. ويؤكد أستاذ علم النفس الإكلينيكي، مايكل فريدمان (Michael Friedman) إن الشعور بالفراغ الداخلي مختلف تماماً عن الشعور بالاكتئاب أو الخوف أو الغضب، فتلك المشاعر الساحقة التي تثقل كواهلنا تبدو وكأنها تتخلل كل جانب من جوانب كياننا.
والمختلف في إحساس الفراغ الداخلي وفقاً لما ذكره فريدمان إنه شعور أكثر خفة؛ ولكنها خفة غير مريحة، ويمكن أن يكون هذا الشعور مزعزعاً للاستقرار لشعورنا بالانفصال عن أنفسنا وعن الآخرين؛ ومن ثَمّ نصبح غير متأكدين من كيفية التعامل مع تجربتنا في العالم.
ويتناقض الشعور بالفراغ الداخلي جداً مع المشاعر التي من المفترض أن يشعر بها الشخص، فهو يجلس مثل ثقب أسود في صدرك ويجعلك خاوياً من المشاعر والاهتمامات والرغبات والآمال والأحلام، ويمكن أن يبتلع الفراغ الداخلي المشاعر جميعها، حتى السلبية منها، فإنه لا يجعلك تشعر بالحزن تماماً كما يفعل مع السعادة والأمل؛ ما يعني أنه شعور قوي وملموس بالعدم.
كيف يظهر إحساس الفراغ الداخلي؟
قد يستمر الشعور بالفراغ بضعة أيام ثم يختفي من تلقاء نفسه، وفي أحيان أخرى، قد يمتد لأسبوعين أو أكثر، وعادة ما يتجسد إحساس الفراغ الداخلي في المشاعر التالية:
- انعدام التلذذ: يصف انعدام التلذذ الشعور بفقدان الاهتمام والمتعة بالأنشطة التي كنا نتمتع بها سابقاً، وقد يستمر الأشخاص الذين يعانون الفراغ الداخلي في ممارسة هذه الأنشطة لكنهم يشعرون بالملل أو عدم الرضا عنها.
- الوحدة: يُقصد بالوحدة هنا الفراغ الناتج من قلة التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تحدث الوحدة أيضاً عندما نكون محاطين بأشخاص آخرين ولكنهم لا يشعرون بنا ولا يفهموننا ولا يهتمون بنا حقاً.
- اليأس: يظهر اليأس حين يبدأ الناس في الاعتقاد بأن شعور الفراغ الداخلي لن ينتهي أبداً، أو عندما يفقد الشخص أمله في تحسن الأمور مستقبلاً.
- انعدام القيمة: بمعنى الشعور بعدم الاكتفاء، وغالباً ما يصف الأشخاص الذين يشعرون بعدم القيمة أنفسهم بالصغر وعدم الأهمية والافتقار إلى الصفات الجيدة ونقاط القوة والمواهب.
اقرأ أيضاً: كيف يسلبك الفراغ العاطفي استمتاعك بالحياة؟
ما الأسباب الحقيقية للشعور بالفراغ الداخلي؟
قد يشعر الجميع بهذا بالفراغ الداخلي من وقت إلى الآخر؛ لكن عندما تكون مشاعر الفراغ منتظمة وطويلة الأمد، فإنها غالباً ما تشير إلى مشكلة نفسية أعمق، وهذه أهم أسباب الشعور بالفراغ الداخلي:
- التجارب المؤلمة من الماضي: قد يكون الشعور بالفراغ الداخلي في بعض الأحيان مرتبطاً بتجارب مؤلمة لم تُحَل في طفولتك، أو التخلي عنك من قبل أحد والديك. وفي هذا السياق، تؤكد الباحثة والكاتبة في تنمية الذات والإرشاد الأسري، آمال عطية إن الشعور بالفراغ الداخلي يكون مرتبطاً في بعض الحالات بصدمات الطفولة، فالشخص الذي لم تُشبع حاجاته في الصغر سوف يشعر بالفراغ الداخلي في الكبر. ولذلك؛ حتى لو كان الأمر مؤلماً فإن التفكير والتحدث عن تجارب الماضي المهمة التي سببت لك الفراغ قد يساعدك على معالجته.
- عدم الاعتناء بنفسك: بالنسبة إلى البعض، قد تأتي رعاية الآخرين في المقام الأول، وهذا قد يدفعه إلى تنحية احتياجاته الخاصة جانباً لفترة طويلة؛ ما قد يؤدي بدوره إلى الشعور بالفراغ الداخلي. وهذا ما أكدته المعالجة الأسرية كايتلين سلايت (Kaitlyn Slight)؛ إذ توضح إن التخلي عن نفسك، وعدم الاستماع إلى آمالك ورغباتك، قد يجعلك تشعر بالفراغ.
- التعرض للفقد والخسارة: تشيع مشاعر الفراغ الداخلي لدى الأشخاص الذين فقدوا شخصاً أو شيئاً يحبونه؛ مثل وفاة أحد المقريين أو التعرض للإجهاض أو الانفصال أو حتى فقدان الوظيفة. وعلى الرغم من أن الحزن هو استجابة طبيعية للخسارة، فإنه يتلاشى مع مرور الوقت ويحل محله الشعور بالفراغ.
- آليات التكيف غير الصحية على مدى فترة من الزمن: في كثير من الأحيان، يلجأ الأشخاص الذين مروا بتجارب مؤلمة مثل سوء المعاملة أو فقدان أحد أفراد الأسرة، إلى تطوير طرائق غير صحية للتكيف؛ مثل الانخراط في السلوكيات الإدمانية مثل المخدرات والكحول أو الدخول في علاقات عاطفية سامة.
- الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي: بدأت الآثار السلبية للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي الظهور خلال السنوات الأخيرة؛ حيث إن استقبالك المفرط للأخبار السلبية والأحداث البارزة في حياة الآخرين يؤدي إلى تغذية مشاعر عدم الأمان، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالفراغ الداخلي.
- التغيرات والتحولات الحياتية المهمة: تجلب التغييرات والتحولات الحياتية معها ضغوطاً قد يكون من الصعب التعامل معها، في بعض الأحيان يُخطَّط لهذه التغييرات، وفي أحيان أخرى تُفرض علينا بسبب فقدان الوظيفة، أو انتهاء العلاقة الزوجية، أو تغيير محل السكن.
- الندم على الماضي: كل شخص لديه هدف يتمنى أن يحققه، وفي بعض الأحيان قد نندم على أمور فعلناها في الماضي، أو أهداف تخلينا عنها، والحقيقة إن العيش في الماضي والتفكير في ما كان يمكن أن يحدث يسبب الكثير من المشاعر السلبية مثل الحزن والندم والفراغ. والوقت لا يشفي الجروح كلها بالضرورة، ففي بعض الأحيان يؤدي إلى تفاقمها وجعلها أسوأ، وبخاصة إذا لم نجد طريقة للتعامل معها بفعالية من أجل الشفاء منها.
- الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية: قد يكون الشعور بالفراغ أحياناً علامة أو عَرَضاً من أعراض أحد اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب أو اضطراب الشخصية الحدية (BPD) أو اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) أو الفصام أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو الاضطراب الاكتئابي.
اقرأ أيضاً: كيف تتحرر من الداخل وتعيش في تصالح مع ذاتك؟
6 علامات للشعور بالفراغ الداخلي
البشر كائنات اجتماعية، فهم يعتمدون على التواصل وحيوية الإحساس بالمشاعر؛ ولهذا يمكن أن يكون غياب هذا الإحساس أمراً ساحقاً للغاية، وبخاصة عندما تجرّبه لوقت طويل، فمن المزعج للغاية ألا تشعر بأي شيء في الوقت الذي يجب فيه أن تشعر بكل شيء، أو على الأقل بشيء ما! وهذه أهم علامات الشعور بالفراغ الداخلي:
- فقدان الهدف والمعنى من الحياة.
- الشعور بعدم الاهتمام بأي شيء على الإطلاق.
- الإحساس بالانفصال عن الواقع وعن كل الأشخاص المقربين.
- عدم الشعور بالسعادة أو الحزن.
- الرغبة في البقاء وحيداً.
- الانخراط في السلوك الإدماني بوصفه أحد أشكال الهروب مثل إدمان العمل أو الإدمان على الطعام.
كيف تتغلب على الفراغ الداخلي وتجد ما يرضيك حقاً؟
يمكن أن يكون الشعور بالفراغ الداخلي أو عدم القدرة على تجربة أي مشاعر على الإطلاق، آلية دفاعية يطورها الناس للتعامل مع الألم العاطفي، ويمكن أن تتطور هذه الآلية استجابةً للصدمة أو سوء المعاملة أو الخسارة. وبما أن أنماط السلوك يمكن تعلُّمها، فيمكنك أيضاً أن تتعلم كيفية التغلب على فراغك الداخلي من خلال الطرائق الآتية:
- تقبُّل مشاعر الفراغ الداخلي: يؤكد المختص النفسي إبراهيم خطاب إن من أكبر المشكلات التي تؤدي إلى تفاقم شعور الفراغ الداخلي هي حالة الإنكار والهروب المستمر التي نقوم بها أحياناً عن قصد وأحياناً دون قصد. وفي سياق متصل، توضح المعالجة النفسية آشلي إيدر (Ashley Eder) إن تقبل مشاعر الفراغ، حتى لو كان صعباً، هو أول خطوات التعافي منها، وتقترح إيدر التحدث إلى نفسك بتعاطف عند استكشاف هذه المشاعر. وفي الوقت نفسه، عليك احتضان تلك المشاعر مهما كانت لأن ما تشعر به في أي لحظة يمثل الطريق التي تربطك بذاتك الحقيقية.
- ممارسة تمارين التأمل واليقظة الذهنية: حاول أن تتعامل مع نفسك وعواطفك وأفكارك بجدية. على سبيل المثال؛ يمكنك الاحتفاظ بمفكرة من أجل تدوين مشاعرك ومخاوفك ورغباتك، فمن خلال كتابتها أنت تسمح لنفسك بمراقبتها وإخراجها من داخل ذاتك، ويمكن أن تساعدك ممارسة التأمل أيضاً على استكشاف أفكارك ومشاعرك بأسلوب أعمق.
- البحث عن تجارب جديدة: بدلاً من ملء فراغك الداخلي بالأنشطة الاستهلاكية والسلوكيات الإدمانية، ابحث عن أنشطة وتجارب هادفة تخلق انطباعات وذكريات جديدة، وركز على الأشياء التي من شأنها أن تفيدك أو الأشياء التي طالما أردت القيام بها.
- التواصل مع الأشخاص الداعمين: تُعد دوائرنا الاجتماعية مهمة في مواجهة الشعور بالفراغ الداخلي؛ لذلك حاول أن تتواصل مع الأشخاص الداعمين حولك، وشارك معهم مشاعر الفراغ الداخلي الخاصة بك، وانخرط معهم في أنشطة مفيدة.
- البحث عن منفذ إبداعي: إن الإبداع مفيد للأشخاص الذين يعانون الفراغ الداخلي بعدة طرائق، فهو يمنحهم متنفساً للأفكار والمشاعر، ويُشعرهم بالرضا نتيجة الانخراط في التجربة الإبداعية، ناهيك بأن تلك الأنشطة محفزة عقلياً وجذابة وتوفر إحساساً بالهدوء والثقة.
- تحديد أهدافك والعمل على تحقيقها: يمكن أن يحارب تحديد الأهداف الفراغ الناجم عن اليأس وانعدام القيمة؛ ما يساعدك على توجيه جهودك نحو تحسين حياتك وظروفك بطرائق قابلة للقياس. ويوفر تحديد الأهداف أيضاً غرضاً ومعنىً لحياتك اليومية، وذلك قد يشجعك على الحفاظ على نظرة مفعمة بالأمل للمستقبل.
- علاج جروح الماضي القديمة: تتطلب مشاعر الفراغ الناجمة عن الصدمات أو الخسائر الماضية القيام بعمل جاد يتمثل في إعادة النظر في هذه الجروح القديمة وتضميدها، ومن الأفضل متابعة ذلك الأمر مع الطبيب النفسي المختص، بالإضافة إلى الانضمام إلى مجموعات الدعم وتطوير التعاطف مع الذات.
- ممارسة الرعاية الذاتية: للتغلب على مشاعر الفراغ وحلها على نحو فعال، يمكنك دمج ممارسات الرعاية الذاتية في روتينك، وقد يستلزم ذلك القيام بأنشطة تعزز الصحة البدنية والنفسية؛ مثل ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي والحفاظ على جدول نوم مناسب.
- القيام بالأنشطة التي تحبها: الاكتئاب والفراغ والمشاعر السلبية يمكن أن تمنعك من الاستمتاع بالأنشطة التي تحبها؛ ولكن حتى لو لم تتمكن من الاستمتاع بها في الوقت الحالي، فقد يكون من المفيد الانخراط فيها على أي حال؛ إنها فرصة لإعادة التواصل مع السعادة والبهجة التي لن تحصل عليها إذا انخرطت في أنشطة أو آليات تكيف غير صحية.
- كُن لطيفاً مع نفسك: نحن جميعاً بحاجة إلى القيام بذلك في بعض الأحيان؛ ولهذا لا تعاقب نفسك على أشياء لا تفعلها أو على ما تشعر به، وحاول ألا تشعر بالذنب أو الخجل. ذكّر نفسك بالإيجابيات من خلال ممارسة التأكيدات.
وأخيراً، إن الاعتراف بشعورك بالفراغ الداخلي يُعد الخطوة الأولى للمواجهة؛ لذا تهانينا إذا كنت قد اتخذت هذه الخطوة! أما الخطوة التالية فهي تحديد السبب المحتمل؛ لكن إذا كان الشعور بالفراغ ممتداً على مدار فترة طويلة ومتكرراً ومعقداً، ففي هذه الحالة يجب طلب المساعدة من الطبيب النفسي.