ملخص: السعادة والرضا من أكثر المشاعر التى يهدف البشر إلى تحقيقها، وكل منهما شعور إيجابي إلا أنهما يختلفان من حيث مصدرهما ومدتهما؛ حيث ترتبط السعادة عادةً بالظروف الخارجية وغالباً ما تكون مؤقتة، أما الرضا فهو عاطفة أعمق وأكثر ديمومة ولا تعتمد على المتغيرات الخارجية.
محتويات المقال
ما الذي يمكن أن يجعل الشخص سعيداً؟ وما الذي يجعله يشعر بالرضا؟ وهل سيشعر بالرضا حتى لو لم يكن سعيداً، أم سيجد السعادة حتى لو لم تُشبَع رغباته واحتياجاته؟ نبحث جميعاً عن الأشياء التي تجعلنا سعداء، ولدينا رغبات يجب إشباعها، فما هي "السعادة"؟ وما هو "الرضا"؟ هل يجتمعان معاً أم يجب تحقيق كلٍ منهما على حدة؟ وكيف يؤثران في الصحة النفسية؟ إليك الإجابة في هذا المقال.
ما تعريف السعادة؟
تؤكد أستاذة علم النفس الإكلينيكي، جنيفر باربيرا (Jennifer Barbera) إن السعادة هي الشعور بالبهجة والإثارة، وتضيف إنها شعور عابر يأتي ويذهب ولا يمكن أن يستمر؛ حيث ستؤدي الحياة حتماً إلى مواجهة مشاعر أخرى غير متوافقة مثل القلق والخوف والغضب وما إلى ذلك، والحقيقة أن هناك مكونَين رئيسَين للسعادة هما:
- توازن العواطف: كل شخص يملك مجموعة من المشاعر الإيجابية والسلبية والحالات المزاجية المختلفة، وترتبط السعادة عموماً بالمشاعر الإيجابية أكثر من المشاعر السلبية.
- إشباع الرغبات: يتعلق هذا بمدى قدرتك على تحقيق رغباتك وأهدافك في المجالات المختلفة في حياتك؛ بما فيها علاقاتك وعملك وإنجازاتك والأشياء الأخرى التي تعتبرها مهمة.
وهناك تعريف آخر للسعادة ذكره الفيلسوف أرسطو؛ حيث أشار إلى أن السعادة هي الرغبة البشرية الوحيدة، وأن الرغبات البشرية الأخرى جميعها موجودة بوصفها وسائلَ للحصول على السعادة، ويرى أرسطو أن هناك عدة مستويات للسعادة منها الإشباع الفوري للرغبات وتحقيق الإنجازات.
اقرأ أيضاً: كيف نصل إلى السعادة؟
ما هو الرضا؟
مفهوم الرضا أكثر تعقيداً مما يبدو عليه، فقد يُستخدم أحياناً بالتبادل مع مفهوم السعادة لكنهما في الواقع مفهومان منفصلان، فالرضا مرتبط بتقييم حياة المرء ككل وليس مجرد الحالة المزاجية الحالية للفرد. وبصفة عامة، فهو يعكس الدرجة التي يقيم بها الشخص الجودة الشاملة لحياته ويعبر عن إعجابه بها.
ما الفرق بين مفهومَيّ السعادة والرضا؟
السعادة هي تجربة قصيرة زمنياً؛ إذ تدور حول الإشباع مثل تناول وجبة جيدة أو قيادة سيارة جميلة أو ربح المال؛ لكن الضجة التي تحدث لحظة حدوثها ستنطفئ لا محالة، وقد يستغرق الأمر بضع دقائق أو ساعات أو أيام لكنها ستمحى.
وبحسب ما ذكره أستاذ علم النفس الحائز على جائزة نوبل، دانيال كانمان (Daniel Khaneman)؛ فالسعادة والرضا أمران مختلفان وذلك لأن السعادة تجربة مؤقتة وشعور عابر في حين أن الرضا شعور طويل الأمد يُبنى بمرور الوقت مرتكزاً على تحقيق الأهداف وبناء نوع الحياة التي تريدها لنفسك.
كيف تحقق السعادة؟
في حين أن تحقيق السعادة قد يختلف من شخص إلى آخر؛ إلا أن هناك أشياء يمكنك القيام بها لجعل حياتك أكثر سعادة ومنها:
- متابعة أهدافك: يمكن أن يساعدك تحقيق الأهداف، وبخاصة تلك المتعلقة بالنمو الشخصي، على تحقيق السعادة.
- استمتع بما تفعله في الوقت الحالي: بدلاً من التفكير في الماضي الذي ذهب والمستقبل الذي لم يأتِ بعد، ركز على ممارسة الامتنان للأشياء التي لديك والاستمتاع بها.
- أعِد صياغة أفكارك السلبية: عندما تجد نفسك عالقاً في نظرة متشائمة أو تعاني الأفكار السلبية، ابحث عن طرائق تمكّنك من إعادة صياغة أفكارك بطريقة أكثر إيجابية.
- تجنَّب مقارنة نفسك بالآخرين: من السهل للغاية الوقوع في فخ مقارنة نفسك مع الآخرين، سواء حدث ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي أو في العمل أو في أي مكان آخر؛ لكن تذكر جيداً أن المقارنة ستؤدي إلى إحساسك بالسخط وتدني احترام الذات، وقد يتطلب الأمر تدريباً للتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين لكنه يستحق المحاولة للاستمتاع بسلامك الداخلي وسعادتك.
- الاهتمام بطقوس الرعاية الذاتية: من السهل إهمال الرعاية الذاتية في عالم سريع الإيقاع؛ لكن محاولة إيجاد الوقت لرعاية نفسك بقدر ما تستطيع هو أمر مهم من أجل سعادتك؛ مثل الاسترخاء في حمام ساخن طويل أو اتباع روتين للعناية بالبشرة.
اقرأ أيضاً: 5 عادات إيجابية بسيطة تزيد سعادتك
كيف تصل إلى مرحلة الرضا؟
يؤكد المؤلف الأميركي وأستاذ علم النفس الإيجابي، إد داينر (Ed Diener) إن هناك بعض العوامل التي تساعد على الوصول إلى مرحلة الرضا مثل:
- العلاقات الاجتماعية الداعمة: يشعر الأشخاص الذين لديهم عائلات وأصدقاءُ داعمون بالرضا أكثر من أولئك الذين ليس لديهم أصدقاءُ مقربون وعائلة داعمة.
- وجود معنىً وقيمة لحياتك: بغض النظر عن الدور الاجتماعي الذي تلعبه في المجتمع، سواء كنت صاحب عمل أو أباً أو أماً، فالرضا مرتبط بوجود معنىً وقيمة لحياتك، وما يجعله مقياساً جيداً لتقييم جودة حياتك هو أن أحكامك ذاتية تماماً، فهي تستند إلى معاييرك وتوقعاتك الخاصة، بدلاً من الأعراف والتوقعات الاجتماعية التي وضعها الآخرون.
- النمو الشخصي والمعتقدات الدينية: حين تشعر بالإحباط من تحديات الحياة التي تواجهنا جميعاً، هناك بعض العوامل التي تساعدنا على الشعور بالرضا مثل الدين والنمو الشخصي والصحة؛ حيث يمكن للمعتقدات الدينية أن تخلق إحساساً بالهدف في حياة الأشخاص، وبصفة عامة، يتمتع الفرد الذي لديه هدف بصحة نفسية أفضل ورضا عن الحياة مقارنة بغيره، وقد أجرى مركز بايو للأبحاث (Pew Research Center) دراسة لبحث الصلة بين السعادة والدين توصل من خلالها إلى أن الأشخاص المتدينين أكثر قدرة على مواجهة الضغوط النفسية.
ما تأثير السعادة في الصحة النفسية؟
ترتبط السعادة بمجموعة من الفوائد الصحية الجسدية؛ مثل انخفاض ضغط الدم، وتقليل مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية وتقوية جهاز المناعة. وعلى صعيد الصحة النفسية، توصلت إحدى الدراسات البحثية التي أجرتها مجلة البحث في الشخصية (Journal of Research in Personality) إلى نتيجة مفادها أن السعادة ترتبط ارتباطاً إيجابياً بالاستقرار النفسي؛ حيث يكون الأشخاص السعداء أكثر استرخاء ويمكنهم تنظيم عواطفهم تنظيماً أفضل ويكونون أكثر قدرة على مواجهة المشكلات وتقبُّلها.
كما ترتبط السعادة ارتباطاً سلبياً بالقلق والاكتئاب حيث تعزز إحساس الرفاهية الذاتية، فالأشخاص السعداء قادرون على رعاية أنفسهم والآخرين؛ لذلك فإنهم يبتعدون دائماً عن تناول المخدرات والكحوليات أو أي نوع من أنواع الإدمان ما يجعلهم ينعمون بنوم منتظم ولا يسيطر عليهم إحساس اليأس من الحياة.
ما العلاقة بين الرضا والصحة النفسية؟
يرى استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي، الدكتور خالد بن حمد الجابر، إن الرضا هو بوابة الصحة النفسية السوية. وعلى الرغم من أن حالة الرضا قد لا تغير الأوضاع الخارجية التي يمر بها الأفراد، فإنها تغيرهم من الداخل، وإذا تحسن داخل الإنسان سيتمكن وفقاً للجابر من تخطي أزمات الحياة كافةً.
ويضيف الاستشاري النفسي السعودي إن الرضا أحياناً قد لا يهدف إلى حل المشكلات لكنه يهدف إلى جعل الصحة النفسية للفرد أفضل على الرغم من وجود الأزمة؛ ما يجعله مؤهلاً لاتخاذ قرارات متزنة والتفكير على نحو صحي؛ لذا تكمن أهمية الرضا من القناعة بأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة فيكون وجوده ضرورياً في الأوقات الصعبة.
هل نسعى إلى السعادة أم الرضا؟
قد نجد أنفسنا عندما لا نميز بين السعادة والرضا، نسعى وراء السعادة على أمل أن تجعلنا نشعر بالرضا؛ لكن الإفراط في الانغماس بالأنشطة التي تمنحنا المتعة أو السعادة يقودنا في النهاية إلى حيث بدأنا، ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة اسم "التكيف اللذيذ" (hedonic adaptation) أو "حلقة المتعة المفرغة".
فعلى سبيل المثال؛ إذا تناولت الوجبة نفسها كل يوم لمدة أسبوع، ستجد على الأرجح أنها ستكون أقل متعة بحلول نهاية الأسبوع، وهذا الأمر ينطبق على أغلب الملذات مثل شرب الشاي والاستماع إلى الأغاني المفضلة ومشاهدة الأفلام الممتعة.
إذاً ما الذي يجب أن نسعى إليه؛ السعادة أم الرضا؟ الحقيقة هي أنه يجب أن نسعى إلى كليهما، فالانغماس في الإحساس العابر للسعادة مثل الخروج مع الأصدقاء أو تناول قطعة من الشوكولاتة مهم للغاية، ومن الناحية الأخرى، شعور الرضا حيال مسيرة حياتنا وكيفية سير الأمور والعلاقات العميقة التي تدوم مدى الحياة والتعبير عن الامتنان أمور لا يمكن الاستغناء عنها.
في النهاية، على الرغم من أننا مبرمجون على أن السعادة هي أهم هدف يجب أن نسعى إليه، فإن أستاذة علم النفس جنيفر باربيرا تقترح التركيز على عيش حياة غنية بالرضا وذات مغزىً تتماشى مع قيمك قدر الإمكان لأن الحياة لا تجلب لنا تجارب سعيدة على الدوام؛ لكنها دائماً تمنحنا الفرصة للبحث عن المعنى في حياتنا، وكل ما علينا فعله تحويل تركيزنا وتوسيع رؤيتنا لاكتشاف آفاق الحياة المختلفة.