ملخص: الإعجاب بالمشاهير وتقليدهم أمر طبيعي، وقد ساعد البشر خلال تاريخهم التطوري على تعزيز السلوكات التكيفية التي جعلت أفراد المجتمع أشخاصاً أفضل. ومع ذلك، قد تحوّل هذا الإعجاب والتقليد اليوم إلى هوس غير صحي بالمشاهير، وبتنا نوليهم اهتماماً أكبر بكثير مما يستحقون.
محتويات المقال
هل تغيِّر إشاعات انفصال المغني المصري تامر حسني عن زوجته شيئاً في المشكلات التي تخوضها في زواجك؟ أو هل تؤثر خيانة بيكيه لشاكيرا في حياتك الشخصية؟ حسناً، ماذا عن أشكال الفساتين التي ارتدتها الفنانات في مهرجان الميت غالا وألوانها وماركاتها، هل تحلّ أياً من مشكلات العمل التي تعانيها؟
من المرجح أن علاقات المشاهير العاطفية وملابسهم وتفاصيل حياتهم الشخصية لن تؤثر في حياتنا العادية بأي شكل كان؛ لكن ومع ذلك، فهذا لا يمنع أن نتقصى أخبارهم ونتابعهم بشغف ونلبس مثلهم ونشتري ماركات عطورهم كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فلماذا هذا التأثُّر كلُّه بالمشاهير؟ وكيف يمكن الحد من الانسياق وراءَهم، خصوصاً عندما يتجاوز الأمر الحدود الطبيعية ويصل إلى حد الهوس بهم؟
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الأصدقاء في الصحة النفسية للمراهقين؟
لماذا ننساق وراء المشاهير؟
وفقاً لعالِم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جيمي طهراني (Jamie Tahrani)؛ فإن الشهرة عامل جذب ثقافي قوي، فنحن كائنات اجتماعية قبل كل شيء؛ نكتسب الجزء الأكبر من معرفتنا وأفكارنا ومهاراتنا عن طريق تقليد ما يفعله الآخرين ومحاكاته، بدلاً من التجربة والخطأ على نحو فردي.
ومع ذلك، فنحن نولي اهتماماً للعادات والسلوكات التي تصدر عن المشاهير على نحو أكبر بكثير من تلك التي تصدر عن الأفراد العاديين في المجتمع.
فمن الواضح أننا نرتدي الملابس نفسها الذي يرتديها المشاهير، ونتحدث مثلما يتحدثون، ونختار تسريحات شعر مشابهةً لتلك التي يطلّون بها، ونضع مساحيق التجميل بالطريقة التي يطبّقونها بها؛ لأننا نربط بين هذه السمات ونجاحهم؛ أي نلجأ إلى تقليد السمات التي قد تكون أو لا تكون لها علاقة بما جعلهم ناجحين في المقام الأول، علّنا ننجح مثلهم!
وتستقطب الشركات المصنّعة المشاهيرَ للإعلان عن هذه المنتجات؛ لأنها تعلم أن تصوّراتنا عن القيمة تتأثر بالشهرة كثيراً.
هذا ما يُسمى اليوم بـ "ثقافة المشاهير" التي غالباً ما تصوَّر على أنها موضوع جديد نسبياً ناتج من مجتمع مفتت اجتماعياً ومتخم بوسائل التواصل الاجتماعي. وفي الحقيقة، فعلى الرغم من أن شكل ثقافة المشاهير قد قولبه العالم الحديث؛ لكنها متجذرة في الغرائز الإنسانية الأساسية حيث أدت دوراً أساسياً في اكتسابنا للمعرفة، وكانت حاسمة في النجاح التطوري للبشر.
اقرأ أيضاً: الصورة ليست كما تبدو في الشاشة: معاناة المؤثرين على السوشيال ميديا نفسياً
التأثر بالمشاهير قصة أقدم مما تظن
ما يثير اهتمام علماء الأنثروبولوجيا على نحو خاص هو موضوع الهيبة أو التقدير والحظوة، فالهيبة شكل من أشكال المكانة الإجتماعية التي تقوم على احترام أفراد المجتمع وإعجابهم، وهي خاصية فريدة للجنس البشري، وشيء عالمي تشترك فيه الثقافات البشرية جميعها.
الجدير بالذكر إن التسلسلات الهرمية الاجتماعية في الرئيسيات الأخرى عادة ما تستند إلى الهيمنة؛ والتي تختلف عن الهيبة لأنها تنطوي على الخوف والتهديد بالعنف. حيث يذعن الأفراد للحيوانات الأكثر هيمنة لأنه وفي حال لم يحصل هؤلاء المهيمنون على ما يريدون، فسوف يعتبرون ذلك بمثابة تحدٍ لمكانتهم، وسوف يلجؤون إلى العنف والقوة للدفاع عنه.
وبالمثل؛ تتميز أنواع عديدة من العلاقات في التسلسل الهرمي لطبقات المجتمع البشري بالهيمنة، ومع ذلك، وعلى عكس الرئيسيات الأخرى، فإننا نفرق أيضاً في المكانة الاجتماعية من حيث الاحترام والتقدير. إذ وعلى عكس الهيمنة، تُمنَح الهيبة طواعية؛ حيث يمنحها المجتمع بكامل إرادته التقدير لإنجازات بعض الأفراد في مجال معين، ولا تُدعم الهيبة بالقوة.
ومن المرجح أن هذه الأنظمة الاجتماعية قد نشأت بوصفها جزءاً من مجموعة التكيفات النفسية للتعلم الثقافي؛ حيث سمحت لأسلافنا بتمييز الأشخاص ذوي المهارات والمعرفة الفائقة وتقديرهم والتعلم منهم.
بكلماتٍ أُخرى؛ ساعد هذا التحيز في الانسياق وراء الأفراد المرموقين وتقليدهم على تعزيز انتشار السلوكات التكيفية، وذلك سواء بهدف التعلم؛ مثل أن يصبح الشخص صياداً أفضل أو والداً أفضل أو خبيراً بالقدرة الشفائية للأعشاب، أو بهدف السياسة؛ فمعرفة ما يحدث مع الأفراد ذوي المكانة الرفيعة قد يجعل الشخص أكثر قدرة على التنقل في المشهد الاجتماعي.
ومع ذلك، فإن علماء الأنثروبولوجيا يعتقدون أنه من الممكن أن يجعلنا هذا عرضة لتقليد السمات التي لا فائدة منها أو قد تكون ضارة؛ والسبب في ذلك هو أن التعلم المنحاز إلى الهيبة هو استراتيجية عامة جداً، تستهدف نماذج يُحتذى بها بدلاً من استهداف سمات محددة في هذه النماذج؛ ومن ثَمّ قد تؤدي إلى تبنّي الأشخاص لمختلَف أنواع السلوكات التي يُظهرها نموذج مشهور؛ بما فيها التي لا علاقة لها بنجاحه مثل ماركة حذائه ونوع سيارته ونوع سجائره.
اقرأ أيضاً: كيف تصنع "الذكورية السامة" رجالاً بعقول متحجرة وقلوب قاسية؟
وقد يسأل البعض الآن: كيف سيعزز الانسياق وراء المشاهير وتقليدهم المعرفة والمهارة الثقافية لدينا؟
سؤال منطقي، فالعالم الحديث مختلف تماماً عن العالم الذي تطورت فيه أدمغتنا، والتحيّز التكيفي لتقليد الأشخاص الناجحين ومحاكاتهم قد تحوّل اليوم إلى هوس غير صحي بالمشاهير الذين نوليهم اهتماماً أكبر بكثير مما قد يستحقون.
في المجتمع الحديث، أصبحت معايير النجاح أكثر تنوعاً وغموضاً. وفي الواقع، لقد حقق العديد من المشاهير النجاح في مجالات عدة مثل الرياضة والموسيقا لا يأمل معظمنا في تقليدها؛ لكننا ما زلنا نقلد ما نستطيع أن نقلده من سلوكهم لأن أدمغتنا مبرمجة على ربط الهيبة بالسلوك التكيفي، والشهرة هي المؤشر الأساسي إلى الهيبة والنجاح.
اقرأ أيضاً: هل تغير كثرة الاعتذارات نظرة الآخرين إلينا؟
هل يصل الأمر إلى حد "الهوس" بالمشاهير؟
يقول عالم النفس جيمس حوران (James Houran) إن الاهتمام بالمشاهير أمر طبيعي تماماً، ولا بد أنه ازداد في هذه الأيام نتيجة وسائل الإعلام والتكنولوجيا؛ إذ غالباً ما تستغل وسائل الإعلام والمشاهير أنفسهم رغبة الناس في معرفة تفاصيل حياتهم؛ ولذلك تراهم يقومون بإجراء المقابلات ونشر المعلومات المثيرة حول حياتهم الشخصية.
لكن وعندما يتحول الإعجاب بالمشاهير إلى افتتان وانشغال هوسي وتعلق مفرط بهم؛ أي تسيطر الشخصية المشهورة على أفكار الشخص الذي قد يشعر أن هويته تعتمد على هوية هذه الشخصية، فمن المرجح أنه يعاني من متلازمة الهوس بالمشاهير (Celebrity worship syndrome).
وُصفت هذه المتلازمة بأنها اضطراب وسواسي إدماني (Obsessive-addictive disorder)، على الرغم من أنها ليست حالة معترفاً بها سريرياً في الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.
ما يميز هذه المتلازمة أنها علاقة طفيلية أحادية الجانب؛ أي أنها تنطوي على شخص واحد يستثمر الكثير من وقته وطاقته في التواصل مع أحد المشاهير أو تقصي أخباره أو التفكير فيه؛ وهو نمط من السلوكات التي غالباً ما تكون وسواسية قهرية وإدمانية.
أما أسباب المتلازمة فليست معروفة بصفة مباشرة؛ وإنما قد رُبطت بوجود بعض حالات الصحة النفسية مثل:
- أنماط التعلق القلِقة والمتجنبة.
- العُصابية.
- الذُّهان.
- تدنّي احترام الذات.
- النرجسية.
- ضعف جودة العلاقة الحميمة.
- عدم المرونة الإدراكية.
- اضطرابات الإدمان.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط متلازمة هوس المشاهير بالعديد من مشكلات الصحة النفسية الأخرى؛ مثل القلق والاكتئاب والسلوكات الوسواسية القهرية، وهذا ما أكده الاختصاصي النفسي عبد الله الجطيلي في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر.
التزاحم و التدافع بمعرض العطور و ملاحقة المشاهير و الهوس فيهم قد يشير الى وجود مشاكل نفسية لدى المهووسين كالاكتئاب و القلق، كما انهم اكثر عرضة لاجراء عمليات التجميل https://t.co/1viKaVhZXR.
— عبدالله الجطيلي (@ab_psy) March 7, 2022
علاوة على ذلك، ذكر حوران إن الناس يكونون أكثر عرضة للهوس بالمشاهير عندما يكونون في مرحلة تعديل الهوية مثل المرور بحالة طلاق، أو فقدان الوظيفة، أو المعاناة من مشكلات في العلاقة أو غيرها؛ وهو ما قد يفسر هوس المراهقين الذين ما زالوا يحاولون إثبات هوياتهم بأحد المغنين أو الممثلين.
اقرأ أيضاً: لماذا تكره محمد رمضان شخصياً لكنك تتابع مسلسلاته
كيف تحد من الانسياق وراء المشاهير؟
المشاهير دون شك أشخاص ذوو نفوذ كبير، نراقب أفعالهم وقراراتهم وغالباً ما نقلدهم. وبالفعل، استخدم مشاهير عِدّة مكانتهم الاجتماعية البارزة من أجل تقديم المشورات الطبية أو المصادقة على المنتجات الصحية أو العديد من المنتجات الأخرى.
وعلى الرغم من أن الإعجاب بالمشاهير أمر طبيعي إلى حد ما؛ لكن ينبغي عدم المبالغة في التأثر بهم، وقد تساعدك النصائح التالية على ذلك:
- كن واعياً بالآثار السلبية والإيجابية للمشاهير: قد يستخدم بعض الشخصيات المشهورة مكانته الاجتماعية من أجل زيادة الوعي بقضايا الصحة والمجتمع، في حين أن البعض الآخر قد يعمل على الترويج لبعض السلوكات الصحية السيئة؛ مثل الحميات الغذائية القاسية، أو التدخين، أو حتى نشر المعلومات الطبية المضللة.
- قيّم المعلومات التي يقدمها المشاهير: من المهم التأكد أن المعلومات التي يقدمها المشاهير هي معلومات دقيقة وقائمة على الأدلة؛ إذ لا يكفي أن يعلن ممثل مشهور عن شكّه بفعالية اللقاح حتى تتبنى رأيه؛ بل ينبغي لك التحقق من صحة المعلومات وأن تبحث عن مصادر إضافية موثوقة وتستفسر من أهل الاختصاص.
- ضع في اعتبارك التحيّزات المحتملة للمشاهير: المشاهير بشر قبل كل شيء؛ لهم تحيزاتهم وتجاربهم وظروفهم الخاصة والتي قد لا تمثل تجارب الجميع. لذلك وقبل الانسياق وراءهم؛ عليك أن تُجري تقييماً نقدياً للرسائل التي يريدون إيصالها.
- قلِّل ارتباطك بعالم المشاهير: قد يكون الهروب من وابل أخبار المشاهير التي تنهال عليك يومياً أمراً صعباً، ومع ذلك، يمكنك أن تختار تقليل الوقت الذي تتعرض فيه لهذا العالم. املأ وقتك بنشاطات وسلوكات أكثر صحةً؛ مثل لعب الرياضة وقراءة الكتب والتأمل وما إلى ذلك.
- اشرح تأثير المشاهير: وضّح للأطفال والمراهقين تأثير المشاهير وعلّمهم ضرورة المعالجة العقلية لما يرونه ويسمعونه قبل تصديقه وتقليده، واشرح لهم أن بعض السلوكات خطِرٌ جداً حتى لو صدر عن المشاهير. كما يمكنك استخدام القصص الملهمة التي يُفصح عنها بعض المشاهير، سواء عن مشكلاته مع الإدمان أو الصحة النفسية، من أجل توعية طفلك المراهق بضرورة طلب العلاج عند وجود مشكلة ما.