شبه الحقد بتجرع السم: ماذا تعرف عن فلسفة نيلسون مانديلا لتخطي الآلام؟

5 دقائق
نيلسون مانديلا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: نيلسون مانديلا زعيم قوميّ أسود من جنوب إفريقيا، قضى 27 عاماً في السجن نتيجة نضاله ضد نظام الفصل العنصري التمييزي في البلاد، وقد ساعد على وضع حد للفصل العنصري وتحقيق انتقال سِلميّ للسلطة إلى حكم الأغلبية، وتأسيس أول حكومة متعددة الأعراق في البلاد. فما الدروس التي يمكننا أن نتعلمها منه؟

"من السهل أن تكسر وتدمّر؛ ولكن الأبطال هم أولئك الذين يبنون ويصنعون السلام". تطالب الأمم المتحدة البشر حول العالم جميعهم بالاحتفال باليوم الدولي لنيلسون مانديلا في 18 يوليو/ تموز من كل عام، وذلك باعتباره مصدر إلهام لكل شخص يؤمن بالقضايا الإنسانية ويسعى إلى تغيير المجتمع نحو الأفضل.

مانديلا من سجين سياسي قضى أكثر من ربع قرن في السجن، إلى زعيم أمة وحّد فيها الأعراق المتعددة وساوى فيما بينها. هو الشخص الذي سُجن ظلماً لرفضه العنصرية ومطالبته بالعدالة والمساواة، وقد خرج من السجن بعقلية إيجابية مِلؤها العفو والتسامح. لقد حقق ما بدا مستحيلاً، ولذلك؛ يمكن القول إن ثمة الكثير من الدروس لنتعلمها منه، وإليك بعضها.

اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المثل العليا

مَن هو نيسلون مانديلا؟

نيلسون روليهلاهلا مانديلا (Nelson Rolihlahla Mandela)، ويُعرف أيضاً باسم ماديبا (Madiba)، وُلد في 18 يوليو/ تموز عام 1918، وتوفي في 5 ديسمبر/ كانون الأول عام 2013. هو زعيم ورجل دولة من جنوب إفريقيا، درس القانون في جامعة ويتواترسراند (University of Witwatersrand)، وانضم عام 1944 إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي؛ حيث ناضل ضد القوانين العنصرية التي كانت تميّز بقسوة ما بين البيض والسود في جنوب إفريقيا في ذلك الحين، وكافح بكل الطرائق السلمية الممكنة ضد الفصل العنصري.

لكن وبعد مذبحة شاربفيل؛ وهي مذبحة ارتكبتها قوات الشرطة ضد السود غير المسلَّحين عام 1960، تخلى مانديلا عن موقفه السلمي وأسهم في تأسيس "رمح الأمة"؛ وهو الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، فاعتُقل عام 1962 وحُكم عليه بالسجن المؤبد.

وخلال الفترة التي قضاها في السجن، تلقى عروضاً من حكومة جنوب إفريقيا بالحرية شرط أن يعترف بالوضع المستقل آنذاك، أو أن يتخلى عن استخدام العنف ضد الحكومة؛ لكن مانديلا رفض أن ينال حريته بالموافقة على هذه الشروط؛ من مبدأ أن الرجال الأحرار وحدهم من يمتلكون الحق في التفاوض، وهو ليس رجلاً حراً!

حظي مانديلا، على الرغم من وجوده في السجن، بالدعم والتأييد الكبير بين السكان السود في جنوب إفريقيا، وأصبح سَجنه سبباً رئيسياً لإدانة الفصل العنصري من قبل المجتمع الدولي. ثم وفي 11 فبراير/ شباط عام 1990، أطلقت حكومة جنوب إفريقيا في عهد الرئيس دي كليرك (De Klerk) سراحه.

وبعد عام واحد، أصبح رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وقاد مع دي كليرك العديد من المفاوضات الناجحة لإنهاء الفصل العنصري وتحقيق الانتقال السلمي إلى الديمقراطية غير العرقية في جنوب إفريقيا، ثم أصبح عام 1994 أول رئيس منتخَب ديموقراطياً لأول حكومة متعددة الأعراق في دولة جنوب إفريقيا الحرة. وعلى الصعيد الدولي، عُرف مانديلا كمدافع عن السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق المستضعَفين.

اقرأ أيضاً: ما هي فلسفة وابي سابي اليابانية؟ وكيف تساعد على قبول الأشياء بعيوبها؟

ماذا يمكننا أن نتعلم من نيلسون مانديلا؟

بالإضافة إلى تفانيه في سبيل حقوق الإنسان والسلام والمساواة، فثمة العديد من العبر والدروس الأخرى التي لا بُد وأن نتعلمها من تجربة نيلسون مانديلا؛ ومنها:

عدم التخلي عن الشغف والطموح

يقول مانديلا: "لا تحكم عليّ من نجاحاتي؛ وإنما احكم على عدد المرات التي سقطت فيها ونهضت مرة أخرى". على الرغم من أن الكثير من الأهداف والطموحات التي تسعى إليها قد تبدو صعبة التحقيق، إن لم تكن مستحيلة؛ لكن مع ذلك، عليك أن تبقى مؤمناً وشغوفاً بها وتسعى دائماً إلى تحقيقها. ناضل من أجل ما تؤمن به، فطالما أنك تسعى، فثمة أمل موجود.

تذكّر أنه يمكنك تحقيق الكثير من خلال التركيز على الموقف والعمل على الهدف بغض النظر عن العقبات التي قد تظهر، "فدائماً ما يبدو الأمر مستحيلاً حتى يُنفَّذ".

الغفران وتجنُّب حمل وزر الماضي

ثمة مقولة تُنسب إلى مانديلا مفادها: "أن تشعر بالسخط والضغينة كأن تشرب السم آملاً أن يقتل أعداءك".

في الواقع، لا يهم كثيراً مَن قالها بقدر أهمية مغزاها، لأنه وعند التفكير في السنوات التي قضاها نيلسون مانديلا في السجن كلها بعيداً عن أطفاله وعائلته وحياته، فسيكون من المفهوم أن يشعر بـالاستياء والسخط والغضب من الآخرين؛ لكنه لم يشعر على هذا النحو.

لقد قال لنفسه عندما خرج من السجن: "لقد كنت حراً داخل السجن؛ لا تصبح سجيناً بعد أن أصبحت حراً"؛ لم يرِد أن يأسره شعوره بالغضب.

لقد اختار أن يتخطى الماضي ويتخلى عن الشعور بالمرارة ويتطلع نحو مستقبل يجمع الناس معاً ولا يفرقهم. في الواقع، إن الشعور بالاستياء والحقد والغضب تجاه الآخرين لا يفيد أحداً؛ وإنما يضر النفس وقد يسبب إجهاداً نفسياً وعاطفياً.

لذلك؛ سامح واغفر وتخطَّ آلام الماضي، ليس من أجل الذين أساؤوا إليك؛ بل من أجل راحة بالك ومضيك قدماً نحو حياة جديدة وأفضل.

اقرأ أيضاً: دليلك للتعرف إلى الأجساد الأربعة المرتبطة بوجود الإنسان

العنف ليس حلاً

"الحرية ليست مجرد التخلص من قيود الآخرين؛ بل العيش بطريقة تحترم حرية الآخرين وتعززها". على الرغم من أن مانديلا قد فكر في العنف لفترة قصيرة كرد فعل على مذبحة شاربفيل؛ لكنه سرعان ما تنازل عن هذا الخيار، واستطاع أن يحافظ على السلام في وضع شديد التعقيد والصعوبة، ولم يرد العنف عندما نال حريته؛ بل لجأ إلى الأساليب السلمية فقط لتأسيس حكم الأغلبية في حكومة متعددة الأعراق.

تذكّر أن العنف قد يخلق مشكلات أكثر مما يحل، وحتى ولو حقق نتائجَ على المدى القصير، فلا بُد وأنه سيؤدي في النهاية إلى إلحاق الضرر بعلاقاتنا وسمعتنا وقدرتنا على استخدام الحلول الأخرى.

توقُّع التغيير وتقبُّله

"تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف ولكنها في الانتصار عليه، فليس الرجل الشجاع مَن لا يشعر بالخوف؛ بل الذي ينتصر على خوفه".

أن تكون حراً، ثم وفي يوم وليلة، تصبح سجيناً وتقضي في هذا السجن 27 عاماً، فهذا تغيير قد لا يحتمله العقل. في الواقع، إن تغيُّر الحياة أو الأشخاص أو الظروف التي اعتدنا عليها في الحياة أمر مخيف!

ومع ذلك، فالحياة تتغير كل يوم ولا شيء يبقى ثابتاً على حاله. لذلك؛ توقع التغيير وتقبله وانتصر على خوفك، حتى تصبح أكثر مرونة وتجعل حياتك أفضل وأسهل. أما عندما تتشبث بالمألوف وتقاوم التغيير بكل قوتك، فأنت تخاطر بأذية نفسك وإعاقة نموك ونضجك الشخصي.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن طريقة تحليل الدوافع النفسية؟

التعلُّم من التجارب الجيدة والسيئة على حد سواء

"من طبيعة النضج أن نتعلم من التجارب المرضية والبغيضة". من أكبر الفرص التي يمتلكها الإنسان هي القدرة على التعلم من كل ما يحدث له. لذلك؛ ومهما كانت التجربة التي تمر فيها سيئة ومؤلمة ومزعجة، فأنت تمتلك خيار أن تتعلم منها بدلاً من الرثاء والشعور بالحسرة فقط.

إن انفتاحك على التعلم سيجعل كل تجربة تمر بها تجربة ذات قيمة، تستطيع تحويلها إلى طريقة للنمو وتحسين نفسك وتطويرها.

القدرة على العطاء والأخذ

"عليك ألا تساوم على مبادئك؛ لكن تجنَّب إذلال من يعارضك فما من شيء أخطر من المذلة"!

كان مانديلا صاحب إرادة قوية وإصرار كبير ولم يتذمر أبداً؛ لقد حارب بشدة من أجل ما يؤمن به ولكنه كان متواضعاً ولطيفاً في الوقت نفسه. لقد أدرك أنه غير قادر على صنع السلام مع الخصم ما لم يكن مستعداً للعمل مع الخصم ومعاملته بكرامة.

لقد أظهر مستوىً مذهلاً من النزاهة والوفاء للقضية التي يؤمن بها، وقدرة رائعة على التسامح عندما قرر أن يصافح العدو ويعمل معه. لذلك؛ وحتى تكون ناجحاً في الأعمال أو السياسة أو أي نوع من العلاقات، فعليك أن تكون مستعداً للعمل مع الجميع لتحقيق مصالح الجميع، وأن تتمتع بالقدرة على العطاء والأخذ على نحو يربح فيه الأطراف جميعهم.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى أبرز سمات الشخصية التصادمية

التغيير يبدأ من الداخل

"ما يهم في الحياة ليس مجرد أننا عشنا. إن الاختلاف الذي أحدثناه في حياة الآخرين هو الذي سيحدد أهمية الحياة التي نعيشها". يمكن القول إنه وإن كان ثمة جانب إيجابي لسجن مانديلا، فهو أنه كان ينظر إلى نفسه محاولاً أن يخلق في داخله ما يريده لجنوب إفريقيا؛ وهو السلام والمصالحة والمساواة والوئام والحرية.

لقد أدرك أنه وإذا كان سيقود أمته للخروج من التمييز العنصري إلى ديمقراطية سليمة، فعليه أن يتغير هو في البداية؛ لقد أدرك أن الاختلاف يبدأ بمَن نحن عليه وكيف نؤثر في الآخرين.

وأثارت شخصيته الأمل في ملايين الأشخاص الذين يريدون أن يحلموا بأحلام كبيرة، وأن يسعوا إلى تحقيقها دون قيود قمعية، وأولئك الذين يريدون العيش في عالم يسوده التسامح والاندماج والأمل. لذلك؛ وقبل أن تسعى إلى تغيير محيطك وحياتك، فكر في ما ينبغي تغييره في نفسك أولاً!

المحتوى محمي