ملخص: عادة التسويف هي الفخ الذي لا ننفكّ من الوقوع فيه مراراً، فيعيق إنتاجيتنا وإبداعنا ويؤخّرنا عن تنفيذ المهام حتى عندما نكون على دراية بضرورة القيام بها. إذا كنت تواجه صعوبة في الالتزام بجدول مواعيدك أو الوفاء بوعودك أو تتفحّص هاتفك باستمرار، فقد تكون تلك إحدى العلامات على أنك تحتاج التعامل مع هذه المشكلة بشكلٍ جدّي وحازم، وبخاصة إذا كنت تشعر بالتوتّر والقلق المتزايدَين جرّاء سلوكيات المماطلة والتأجيل. وعلى الرغم من أن التسويف لا يُعتبر مرضاً نفسياً؛ لكنه يمكن أن يكون عرضاً لحالة نفسية أخرى. سيمكّنك هذا المقال من معرفة الفرق، والتعرّف إلى الاستراتيجيات الأنسب للتغلب على عادة التسويف.
يعاني معظمنا من عادة التسويف، سواء تعلّق ذلك بمهمّة يجب القيام بها أو قرار ينبغي اتخاذه أو البدء بتنفيذه. وقد تبدو مماطلة الناس في حياتهم أمراً طبيعياً ومألوفاً؛ ولكن ليس إلى الحد الذي يعوقهم فيه التسويف عن أداء نشاطاتهم اليوميّة وبلوغ مساعيهم الشخصية.
يساعد التعرّف إلى أسباب التسويف وعلاماته على تحديد ما إذا كنت تعاني من هذه العادة بالفعل، ويمكّنك من إيجاد استراتيجيات لتنظيم مهامك اليوميّة وتحديد أولوياتك بطرائق فعالة؛ ما يساعدك لاحقاً على تحقيق أهدافك وطموحاتك بعيدة الأمد باستخدام جدول زمني واضح.
ما هو التسويف؟
يعرِّف مؤلف كتاب "معادلة التسويف" (The Procrastination Equation)، بيرس ستيل (Piers Steel) التسويف بأنه: "تأجيل متعمّد لعملٍ ما على الرغم من معرفة أن هذا التأجيل قد يضرّ بأهداف الفرد الشخصية".
ويضرب ستيل العديد من الأمثلة؛ ومنها تأجيل سداد فاتورة متأخرة أو المماطلة في عمل إصلاحات منزلية ضرورية أو قضاء وقتٍ طويلٍ في الدردشة مع زميل أو تصفح الإنترنت بدلاً من بدء مشروع مهّم. وتسبب السلوكيات السابقة ضغوطاً هائلة تجعلنا نفقد أهدافنا والحافز لتحقيقها، ولذلك آثار سلبية طويلة المدى في علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية أهمها تخييب آمال الآخرين.
هل التسويف مرض نفسي؟
لا يُعتبر التسويف مرضاً نفسياً بحدّ ذاته؛ إذ لا يوجد تشخيص في الطب النفسي تحت مسمى "التسويف".
ويتجلى سلوك التسويف عند الكثيرين في تجنّبهم القيام بالمهام غير الممتعة أو الصعبة كما يمكن أن يرتبط بعدة اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) أو الوسواس القهري (OCD)؛ إذ يمكن أن يكون التسويف أحد أعراض هذه الاضطرابات، وبخاصة إذا ارتبط بالأنشطة اليومية الأساسية مثل الاستحمام أو التواصل مع شخص عزيز.
وتشمل الأعراض المزمنة الشعور بالتعب والإرهاق طوال الوقت، وصعوبة النوم، أو الرغبة في النوم لأوقات طويلة، وحدوث تغيرات في عادات الأكل، وتقلب المزاج، والشعور بالقلق، وتعاطي المخدرات، ومواجهة صعوبة في الحفاظ على العلاقات الشخصية، وفي هذه الحالة يصبح التسويف جزءاً من مشكلة نفسية كامنة ولا يقتصر على سلوك بسيط أو معتاد.
اقرأ أيضاً: ما أسباب التسويف وكيف تتغلب على هذا السلوك؟
9 علامات تؤكد معاناتك من التسويف
لا يمكن اعتبار التسويف ضارّاً إلا إذا أصبح الفرد عادةً يومية، فعندئذٍ يصبح مؤشّراً إلى وجود مشكلة. وتوجد عدة علامات تؤكد معاناتك من التسويف المزمن؛ أبرزها:
- مواجهة صعوبة في الوفاء بمواعيدك باستمرار.
- تأجيل تنفيذ المهام في مجالات الحياة المختلفة؛ بما في ذلك العمل والمنزل والحياة الاجتماعية.
- تكرار التسويف أسبوعياً، أو حتّى يومياً.
- سهولة التشتّت الذهني.
- تأثير سلوكيات المماطلة في علاقاتك الشخصية.
- إيجاد الكثير من المبرّرات لتأجيل المهام ومن ثَمَّ صعوبة الاعتراف بسلوكك الخاطئ.
- القيام بمهام ثانوية أو أقل أهمية من المهام الأساسية التي يجب إنجازها.
- تراجع جودة نومك أو تأثر صحتك الجسدية.
- صعوبة التخلص من التسويف، حتى وإنْ واجهت العديد من العواقب السيئة في حياتك.
ما الذي قد يدفعنا إلى التسويف؟
يُعدّ اكتشاف أسباب التسويف أُولى الخطوات التي قد تساعدك على وضع استراتيجيات مناسبة لتخطي هذه المشكلة، فغالباً يلجأ الأفراد إلى المماطلة وتأجيل القيام بمهامهم لعدة أسباب أهمها:
- الشعور بالملل: قد يؤدّي تصوّر نشاط ما على أنّه ممل أو غير ممتع إلى تأجيل القيام به.
- عدم الإيمان بقدراتك: يمكن أن يؤدّي تدنّي الفعالية الذاتية (Self-Efficacy) إلى المماطلة في تنفيذ المهام.
- الخوف والقلق: يمكن أن يؤدّي الخوف أو القلق بشأن مهمة معينة إلى تأجيلها، إضافة إلى القلق الاجتماعي.
- الكمالية: قد تدفعك رغبتك في أن يكون كلّ شيء مكتملاً ومثالياً إلى تأجيل المهام التي تخشى أنّ نتائجها لن تكون جيدة.
- التشتت: يمكن أن تمنعك مشتتات البيئة المحيطة كوسائل التواصل الاجتماعي من التركيز المهام.
كيف تؤثر عادة التسويف في صحتك النفسية والجسدية؟
قد يستنكر البعض ربط عادة التسويف بتدهور الصحة البدنية للأفراد؛ لكن عواقبها طويلة الأمد لا تقتصر على زيادة التوتّر والقلق فحسب، وبخاصة لدى طلّاب الجامعات.
يظهر أثر المماطلة والتأجيل المستمرَّين جليّاً في تدهور المستوى الدراسي للطلاب؛ بل ويؤدّي إلى إصابتهم بالاكتئاب وتراجع جودة نومهم وفق ما أكدته نتائج دراسة حديثة أجراها الباحث من جامعة صوفياهميت (Sophiahemmet University) السويدية، فريد جوهانسون (Fred Johansson) وزملاؤه.
تابع الباحثون في الدراسة السابقة الذكر بيانات 3,525 طالباً من 8 جامعات مختلفة في السويد لمدة عام، لمعرفة ما إذا كان التسويف يؤدّي إلى اعتلال الصحة، أو ما إذا كانت الحالة الصحية السيئة تؤدّي إلى اتباع هذا السلوك.
وقد أظهرت النتائج أن الطلاب الذين كان لديهم ميل أكبر إلى التسويف في بداية السنة الدراسية، ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب والقلق والتوتّر أكثر من غيرهم بعد 9 أشهر؛ كما كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن أوجاع الظهر والرقبة وأوجاع الأطراف السفلية والعلوية، ومشكلات النوم، وازدياد شعورهم بالوحدة، والصعوبات المالية.
ولم تتغيّر هذه النتائج حتى بعد تحليل عوامل أخرى قد تكون مؤثّرة؛ مثل العمر والجنس ومستوى تعليم الوالدين والتشخيصات الجسدية والنفسية السابقة. وبالتالي توضّح نتائج الدراسة دور التسويف في ظهور مجموعة واسعة من المشكلات الصحية؛ بما في ذلك مشكلات الصحة النفسية والأوجاع الجسدية ونمط الحياة غير الصحي.
كيف تتغلّب على عادة التسويف؟
قد يكون كسر حلقة التسويف مهمّة صعبة حينما يتحول إلى عادة متأصلة، لذلك ينصح خبراء موقع هيلث لاين الطبي (Healthline) بطلب الدعم من معالج أو مختص نفسي إذا كانت هذه العادة مستفحلة إلى درجة أنها تؤثّر في أدائك في المدرسة أو العمل، أو تخلق مشكلات في علاقاتك الشخصية، أو تؤدّي إلى شعورك بالتوتّر أو القلق أو الاكتئاب أو تجعل أعراضه تتفاقم.
أمّا إذا كنت لا تعاني من المشكلات السابقة الذكر، أو تعاني منها بشكلٍ مخفّف أو لأسباب أخرى، فهذه 4 استراتيجيات للتخلّص من عادة التسويف:
- سامح نفسك وتعاطف معها: يمكن أن يساعدك التسامح وإظهار التعاطف مع نفسك على تقليل احتمالية المماطلة في المستقبل، فالتسامح مع الذات يتمحور حول التخلّي عن الأحداث الماضية والمضي قدماً، بينما يساعد التعاطف مع الذات على تخفيف اللوم الذاتي والنقد الذي يصاحب التسويف غالباً. ومن خلال إعادة صياغة الحوار الداخلي والتركيز على اللطف، يمكنك أن تقدم لنفسك التفهم والدعم اللذين قد تقدمهما لصديق في موقف مشابه.
- تحدَّ المعتقدات الخاطئة: يمكن أن تسهم أنماط التفكير غير المنطقية وغير الصحيحة المعروفة بـالتشوهات المعرفية في ترسيخ عادة التسويف؛ ومن هذه التشوهات: الإفراط في التعميم، واستبعاد الإيجابيات، وتهويل المواقف. ومن المهم لمكافحة هذه التشوهات أن تعيد صياغتها من خلال إيجاد تفسيرات بديلة، وسرد الحقائق التي تتحدى معتقداتك الخاطئة.
- خذ الأمور برويّة: عوض أن يسيطر عليك التفكير في كلّ ما يجب القيام به دفعة واحدة، يمكنك إدارة مهامك بشكل فعّال من خلال التركيز وإنجاز كلّ مهمة على حدة.
- اصنع العقبات والمكافآت: يسهم وضع الحواجز والحوافز في تعزيز إنتاجيتك، فإذا كان هاتفك يشتّت انتباهك بسهولة، قم بإيقاف الإشعارات أو أبعِده عن ناظرَيك في أثناء العمل، ثمّ كافئ نفسك باستراحة قصيرة لمشاهدة مقطع فيديو مضحك أو إجراء محادثة مع الأصدقاء بعد الانتهاء من القدر الأكبر من مهامك في العمل؛ حيث يمكن أن يساعدك استخدام نظام المكافآت على تحفيز نفسك.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر عادة التسويف في صحتنا النفسية؟
في الختام، يمكن أن يكون لعادة التسويف تأثير عميق في حياتك الشخصية والمهنية، ويشكّل تعرّفك إلى علامات التسويف والاعتراف بأثرها السلبي الخطوةَ الأولى للتغلّب على هذه العادة. ومن خلال استخدام استراتيجيات فعالة مثل تحدّي المعتقدات الخاطئة وأخذ الأمور برويّة، يمكنك إدارة وقتك بشكل أكثر كفاءةً وتحقيق أهدافك بسهولة. إن التغلّب على التسويف مهمّة تتطلب جهداً وانضباطاً؛ لكن ثمارها لا تُحصى.