ما أسباب التسويف وكيف نتغلب على هذا السلوك؟

أسباب التسويف
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نؤجل إلى الغد ما يمكننا فعله الآن. هناك درجات مختلفة للتسويف الذي يمكن أن يشمل تأجيل المهام المعتادة مؤقتاً عندما نمتنع عن أدائها في وقتها المحدد، أو حتى الميل الدائم إلى تأجيل كل مهامنا ولو أدى ذلك إلى عواقب كبيرة. إذاً ما هي أسباب التسويف؟ وكيف نتجنب الاستسلام لهذا السلوك؟
رغم أن تأجيل المهام غير الممتعة يمكن أن يكون أمراً مفهوماً؛ لكن لا يتبنى الجميع هذا النهج؛ بل يمكننا القول إن حوالي نصف الناس يفضلون إنجاز مهامهم المعتادة بصورة فورية، لينعموا براحة البال ويتمكنوا من تكريس أنفسهم بعد ذلك للقيام بأمور أكثر متعة.

ومع ذلك؛ يختار آخرون الحل المعاكس، وهو القيام بالأشياء الممتعة أولاً وأداء المهام المزعجة لاحقاً. نوضح لكم في السطور التالية أسباب التسويف وأفضل الحلول للتخلص من هذه المشكلة.

القلق بسبب عدم اليقين

القلق هو أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى التسويف. وكما هو الحال مع الرهاب أو اضطرابات القلق، فإن تأجيل القيام بأمر ما يعادل “سلوك التجنب”؛ الذي يلغي -بصورة عابرة- الضغط المرتبط به.

اعتماداً على السياق؛ يمكن ربط هذا القلق بعدم اليقين أو عدم ثقة الفرد في قدراته أو أي خوف آخر يتعلق بالمهمة التي يجب تنفيذها، أو بعواقبها المحتملة. كما يمكن للتسويف أن ينجم عن القلق الاجتماعي على وجه الخصوص، وكمثال على ذلك؛ تأجيل المواعيد أو الأهداف ذات البعد الجماعي المهم.

يُعتبر عدم اليقين وعدم امتلاك السيطرة الكافية سببين رئيسيين للتسويف، فعدم فهم المشكلة التي يجب معالجتها فهماً كاملاً وواضحاً، وعدم معرفة مقدار الوقت الذي يجب تخصيصه لها، وقبل كل شيء عدم وجود خبرة سابقة في معالجة مشكلات مشابهة، هي كلها عوامل تشكل عقبات رئيسيةً أمام الشروع في العمل، لا سيما عندما يفتقر المرء إلى الثقة بالنفس.

وبالتالي في كل مرة يمكننا فيها الاختيار بين مهمة نشعر حيالها بعدم اليقين؛ حيث نخاطر بالتعثر خلال العمل عليها، ومهمة أخرى يمكننا التحكم فيها، فمن الواضح أننا سنختار الثانية.

الرغبة في إنجاز كل شيء على أكمل وجه

بالإضافة إلى الافتقار للتحكم بالموقف؛ غالباً ما ترتبط عادات التسويف بمشكلة أساسية وهي تدني احترام الذات؛ التي تقود الفرد تلقائياً إلى محاولة السعي نحو الكمال.

إن رغبة المرء المستمرة في إنجاز كل شيء على أكمل وجه لإثبات قيمته الشخصية؛ والتي تكون محل شك بالنسبة إليه، تؤدي إلى دخوله في حلقة مفرغة، فعندما يرفع سقف توقعاته حول نفسه إلى أقصى حد ممكن، سيقوده ذلك حتماً إلى عدم تحقيقها في النهاية؛ ما يؤدي إلى تشويه المرء لصورته الذاتية، وشعوره بأنه لا يحقق شيئاً؛ وبالتالي تدني احترامه لذاته؛ إذ يفكر في نفسه: “أنا لا أحقق شيئاً على الإطلاق، وهذا يعني أنني لا أساوي شيئاً أيضاً”.

يمنع هذا السعي نحو الكمال المرء من العمل، وهو سبب مباشر لسلوك التسويف، فبدلاً عن مواجهة فشل محتمل؛ نفضل -حتى بدون أن ندرك ذلك حقاً- عدم المحاولة على الإطلاق.

مشكلة تقدير الوقت

يُعتبر الوقت مسألةً جوهريةً عند الحديث عن التسويف. غالباً ما يواجه الأشخاص المعنيون مشكلةً في تقدير الوقت الذي يمكن أن تستغرقه هذه المهمة أو تلك، مع ميل واضح إلى التقليل من المدة اللازمة لإنجازها، والمبالغة في تقدير الوقت المتبقي قبل الموعد النهائي المحدد لها.

قد يكون هذا السلوك أقرب إلى التفاؤل المفرط، أو “سياسة النعامة” في بعض الأحيان؛ إذ نفضل التهرب من مواجهة الواقع وتجنب التفكير بحقيقة أننا نماطل، ومن ثم، فإننا نبدأ العمل بعد فوات الأوان، ونشعر بالإرهاق ليس لأن المهمة كانت صعبةً للغاية؛ ولكن لأننا لم نخصص وقتاً كافياً لها.

هناك نوع آخر من “مصائد” التسويف، وهي “حالات الطوارئ الكاذبة”. فبدلاً عن الشروع في مهمة عاجلة وذات أولوية؛ نفضل العمل على مهمة أخرى أقل أهمية ولكنها معقولة التكلفة (أقل تعقيداً وأكثر متعة)، وهي حجة يلجأ إليها المرء للتخلص من الشعور بالذنب فيقول: “عليّ إنجاز هذه المهمة الآن؛ لا يمكنني الانتظار”، وهو ما نسميه بـ “حالات الطوارئ الكاذبة” التي تؤدي إلى تأجيل المهام الضرورية حقاً إلى أجل غير مسمى.

فرط النشاط

أما العامل الأخير الذي يؤدي إلى التسويف، فهو للمفارقة الميل إلى فرط النشاط. في حالة اضطراب فرط النشاط مع وجود مشكلات حقيقة في الانتباه؛ كما هو الحال لدى بعض الأطفال والعديد من البالغين، فإن المشكلة تكمن في عدم قدرة الفرد على الاستمرار في مهمة ما وإنهائها.

يؤدي فرط التشتت إلى الانتقال من مهمة إلى أخرى باستمرار؛ ما يعني عدم إنجاز أي مهمة بالكامل. وهكذا يضيع الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة بين العديد من المهام غير المكتملة، ويعجزون عن التعامل معها. من الجدير بالذكر أن عوامل الإلهاء كالشاشات والوسائط الرقمية الأخرى، تزيد تلقائياً من الميل إلى التشتت وقلة التركيز.

بعد أن تعرفتَ إلى “أسباب التسويف”، ستتعرف فيما يلي إلى الحلول التي ستساعدك في التغلب عليها.

اجعل قراراتك مدروسة

من غير المجدي أن نقرر فجأةً البدء باتباع نظام غذائي، فنحن لن نلتزم غالباً بقرار مفاجئ كهذا لمدة طويلة، وينطبق الأمر ذاته على مشكلة التسويف، فلا يمكنك أن تقول: “سأتوقف عن التسويف تماماً اعتباراً من اليوم” فاتخاذ القرار بهذه الطريقة قد يأتي بنتائج عكسية.

وبدون إعداد أو خطة عمل، فإنك تخاطر بالفشل بسرعة كبيرة؛ ما سيصيبك بالإحباط بسبب شعورك بالذنب وعجزك المستمر عن معالجة المشكلة. بناءً على ذلك عليك التخلي عن وهم “كل شيء أو لا شيء” واتباع منطق معقول وهادف.

يتمحور التحضير للتغيير حول التحليل الدقيق لسلوكك، والتأكد من دوافعك (لماذا عليّ أن أقوم بالتغيير وماذا يمكن أن أتوقع منه؟)، وتحديد الأهداف بدقة إلى حد ما.

من المحتمل أن تكون لديك مهام متأخرة في مجالات مختلفة كالعمل، والدراسة، والمهام المنزلية كتخزين الملابس أو الكتب، وحفظ الأوراق، ودفع الفواتير وغير ذلك.

حدد أولوياتك بناءً على معيارين هما درجة إلحاح المهمة التي يتعين عليك القيام بها وفائدتها من جهة، ومستوى الصعوبة والمشقة التي تتضمنها من جهة أخرى.

المعيار المفضل هنا هو درجة إلحاح المهمة والفائدة المتوقعة منها، لأن المضي قدماً في هذه المهام يمكن أن يجعل حياتك أسهل بسرعة كبيرة، بالإضافة إلى تقوية دافعك وثقتك بنفسك إذا نجحت في إنجازها.

لذا؛ اختر المهام التي كنت تؤجلها لفترة طويلة، حتى لو لم تكن لها مواعيد نهائية إلزامية تحددها ظروف خارجية (غالباً ما تكون هذه المهام هي التي تُؤَجل إلى ما لا نهاية)، والتي تهمك حقاً أو تهم أقاربك.

إذا كان لديك العديد من هذه المهام؛ استخدم المعيار الثاني لترتيبها وابدأ بتلك التي تتطلب أقل وقت وجهد، ثم استخدم المعايير الأخرى.

جزّء المهام الكبيرة إلى أهداف أصغر

قاعدة أساسية أخرى في التخلص من التسويف هي تجزئة المهام. قد يصعب عليك إنجاز مهمة كبيرة ومعقدة دفعةً واحدةً وفي وقت قصير، لذا من الضروري تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام فرعية أصغر تستغرق وقتاً أقل ويسهل العمل عليها الواحدة تلو الأخرى.

على سبيل المثال؛ إذا كان هدفك الرئيسي هو ترتيب غرفة نومك أو القبو الخاص بك، فمن السهل تقسيم هذه المهمة إلى مهام فرعية.

أولاً، رتب قطعة أثاث، ثم أخرى، ثم رتب بعض الأدراج وما إلى ذلك. توفر عليك هذه الطريقة الانشغال بالكثير من التساؤلات في أثناء العمل، لأن المهمة محددة جيداً.

من المهم أن تشعر برضا حقيقي بعد إنجاز كل مهمة فرعية، وذلك عبر مكافئة نفسك بأمور لا تسمح لنفسك بالحصول عليها إلا بعد إنجاز المهمة المطلوبة. قد يبدو هذا الإشباع الذاتي بدائياً أو تافهاً بعض الشيء؛ لكنه ذو تأثير قوي في الحفاظ على دافعك.

قسّم وقتك إلى عدة فترات قصيرة

إذا شعرت بضعف عزيمتك – على الأقل في البداية، فإنني أوصي باتباع طريقة “الجولات” في تقسيم وقت العمل على المهمة. مثلما ستقسم المهمة التي ستنفذها إلى عدة الأهداف؛ من المفيد تقسيم الوقت اللازم لها إلى عدة فترات قصيرة إلى حد ما؛ تماماً كجولات مباراة الملاكمة. يمكن لهذه الفترات القصيرة –مدة كل منها 10 دقائق على سبيل المثال- أن تحول دون تأثرك بمصادر الإلهاء.

القاعدة التي يجب أن تضعها لنفسك وتحترمها بأقصى قدر ممكن، هي ألا تفعل شيئاً سوى العمل على المهمة المجدولة خلال الـ 10 دقائق المخصصة لكل فترة.

يمكنك منح نفسك استراحة في نهاية كل “جولة” عن طريق القيام بشيء آخر أو عدم القيام بأي شيء على الإطلاق – الراحة التامة، أو اختيار الاستمرار على الفور لفترة جديدة مدتها 10 دقائق إذا كنت تشعر بمزاج جيد، مع مراعاة الانضباط ذاته خلال كل الفترات القادمة وعدم فعل أي شيء خلالها سوى العمل على المهمة.

اعتمد على قياس موضوعي للوقت خلال ذلك؛ باستخدام ساعة الإيقاف على هاتفك الذكي على سبيل المثال.

بالنسبة للمكافآت التي تمنحها لنفسك، فيجب ألا تخاطر بجعلها تحرفك لفترة طويلة عن مهمتك الرئيسية، لذلك ابتعد خلال فترة الراحة عن ممارسة أي نشاط إدماني بالنسبة إليك؛ مثل لعبة تجد صعوبة في الإقلاع عنها.

وبالمثل؛ يجب أن تحرص على عدم السماح لمصادر الإلهاء المعتادة بتشتيت انتباهك في أثناء العمل على المهمة، وبصورة خاصة هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، لذا تأكد من إيقاف تشغيل هذه الأجهزة في أثناء مراحل العمل المهمة، أو على الأقل تعطيل جميع الإشعارات.

ضع في اعتبارك أنه سيكون من الصعب الحفاظ على تركيزك إذا كانت المهمة التي يتعين عليك القيام بها غير ممتعة، أو تتطلب جهداً فكرياً كبيراً، لذا احمِ نفسك جيداً ضد كل الإغراءات.

إدارة الهدف وإدارة الوقت

خلال العمل على مهمتك؛ قد تخاطر بالتعثر أو حتى العجز التام عن إكمالها بسبب سعيك إلى الكمال في العمل، أو على الأقل رغبتك في القيام به بطريقة جيدة. وعلى الرغم من أن هذا السلوك جدير بالثناء من حيث المبدأ، فإنه يمكن أن يكون سلوكاً ساماً للأداء.

ولذلك؛ يجب عليك التخلص تماماً من فكرة السعي إلى الكمال وما يتبعها من انتقاد للذات أو التوقف عن العمل وعدم القدرة على الاستمرار فيه.

من المؤكد أنك لن تكون قادراً على القيام بكل شيء بصورة مثالية؛ لكن كل ما ستنجزه سيكون خطوةً نحو شعورك بالرضا عن نفسك.

نصيحتان أخيرتان:

  1. حاول تحديد الأوقات التي تكون فيها عادة أكثر إنتاجية خلال اليوم. تختلف هذه الأوقات من شخص لآخر فالبعض يعمل بكفاءة في الصباح الباكر، والبعض الآخر في المساء أو في أوقات معينة من اليوم. حاول أن تأخذ هذه الخصائص في الاعتبار عند التخطيط لأنشطتك التي تتطلب أكبر قدر من الطاقة.
  2. انتقل إلى “وضع الطوارئ” عندما تشعر أن الأمور لا تسير على ما يرام. ربما لاحظت بالفعل أن إنتاجيتك تزداد ازدياداً كبيراً عندما يتعين عليك تسليم العمل قبل تاريخ محدد، أو عندما يُفرض عليك موعد نهائي لسبب ما (كأخذ إجازة، أو الانتقال من المنزل، أو زيارة صديق أو غير ذلك).

ففي هذه الحالة تتركز كل طاقتك -وقبل كل شيء دافعك- على هدف واحد، إضافةً إلى عامل درجة إلحاح المهمة الذي يتطلب سرعةً معينة في العمل.

وهذا هو السبب أيضاً في أن البعض ينتهي بهم الأمر -إلى حد ما- بصورة طوعية وواعية، إلى التعود على العمل “في اللحظات الأخيرة” بهدف تعزيز الكفاءة خلال العمل.

ورغم أن هذه الاستراتيجية قد تكون مفيدة جداً، فإنه من الأفضل عدم المبالغة في استخدامها، لأنها يمكن أن تؤدي إلى حالة من التعب والإجهاد المفرطين. لذا حاول التبديل بين فترات العمل العادي وفترات العمل المكثف بصورة مستمرة.

أخيراً؛ نذكركم بأهم النقاط التي يجب التركيز عليها عند التعامل مع مشكلة التسويف:

  • حدد أولوياتك وابدأ بالأهداف الأكثر أهمية والأقل صعوبة.
  • قسّم المهام إلى أهداف فرعية يسهل تحقيقها.
  • قسم وقت العمل لفترات قصيرة مدة كل منها 10 دقائق، على ألا تفعل شيئاً خلالها سوى العمل على المهمة المجدولة.
  • نظّم أنشطتك وفقاً لقدراتك، ويشمل ذلك تحديد الأيام أو الأوقات التي تكون فيها عادةً أكثر إنتاجية.

بدّل إلى وضع “الطوارئ” عندما تستمر العوائق التي تمنعك من الإنجاز، وحدد لنفسك موعداً نهائياً لا يمكن تجاوزه.

المحتوى محمي !!