ملخص: تُعد الزلازل إحدى الكوارث الطبيعية الخارجة عن السيطرة؛ وهذا ما يجعل البعض يعاني خوفاً وقلقاً قد يتطوران إلى رهاب الزلازل، ويُقسم المصابون به إلى فئتين؛ الأولى مَن شهدوا الزلزال أما الثانية فالذين تابعوا أخباره وشاهدوه على الشاشات. ويترافق رهاب الزلازل مع ظهور عدة أعراض أبرزها الخوف لأسابيع بعد انتهاء الزلزال، والعيش في تأهب دائم، ورؤية كوابيس ذات صلة بالزلازل، وإجراء تغييرات على الخطط الحياتية لمواجهة الشعور بعدم الأمان. ونظراً لأن الأعراض السابقة قادرة على شل حياة الفرد؛ فمن الضروري الانطلاق في رحلة العلاج التي يلجأ فيها الطبيب النفسي إلى أساليب متنوعة يسردها المقال.
"رغم أن الزلزال يمكن أن يستغرق 30 ثانية إلا أنه في كثير من الأحيان لا ينتهي بعد انقضائها، ويستمر تأثيره ليصنع حالة من انعدام الاستقرار والخوف من المجهول".
كلمات قليلة لكنها بليغة عبرت بها سارة التي تعاني من رهاب الزلازل عما يحدث بداخلها، فنظراً لأن الزلزال ينتمي إلى الكوارث الطبيعية الخارجة عن نطاق التحكم؛ يتعدى نطاق السيناريوهات الخاصة به الحدود الشخصية وذلك ما يجعل رهاب الزلازل مختلفاً عن أنواع الرهاب الأخرى، فالخوف المتعلق به يشمل العائلة والأقارب والأصدقاء المقربين؛ ما يعني بحسب الطبيبة النفسية سيبنم كاراوغلو (Sebnem Karaoglu) مضاعفة القلق والتوتر.
وقد يمتد رهاب الزلازل ليصيب الشخص بأنواع أخرى من الرهاب مثل رهاب الأماكن المغلقة نتيجة ارتباطها بعدم المقدرة على الهروب، أو رهاب الموت لارتباط الزلزال باحتمالية التعرض للوفاة أو فقدان الأحبة. ونظراً لأنه لا يوجد جهاز حتى اليوم قادر على تحديد ساعة وقوع الزلزال وشدته فإن المصابين برهاب الزلازل إن لم يعالجوا أنفسهم ستتأثر حياتهم بدرجة كبيرة، لذا من الضروري التعرف إلى أسبابه وأعراضه وطرائق علاجه.
ما هو رهاب الزلازل؟
ترى الطبيبة النفسية سيبنم كاراوغلو أن رهاب الزلازل ينبع من الشعور بعدم اليقين الذي يسيطر على المصاب به؛ حيث يصبح دائم الانشغال بما سيُحدثه الزلزال في حياته إن وقع وكيف سيكون تأثيره في مَن حوله ومآلات حياته بعد الزلزال، لذا لا يكون خوفه من الاهتزازات بمعناها المادي إنما من عواقبها السيئة.
وبما أن تعريف الرهاب بحسب الجمعية الأميركية للطب النفسي هو استجابة غير طبيعية لخطر متخيَّل أو مبالغ فيه بشكل غير منطقي، فرهاب الزلازل يحدث بالإفراط في الخوف من الهزات الأرضية. ووفقاً للمختصة النفسية إيدا بلدز (Eda Yildiz) فالإصابة به تشمل فئتين من الأشخاص؛ الأولى هم الذين عانوا من الزلزال مباشرة، أما الثانية فتشمل الذين تابعوا أخبار الزلازل وشاهدوها على الشاشات دون أن يتعرضوا لها مباشرةً، والنوعان كلاهما معرضان لأن تنشأ في داخلهما مشاعر الخوف والحزن والغضب.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب
ما الذي يسبب الإصابة برهاب الزلازل؟
تشير الطبيبة النفسية ميرف دمير (Merve Demir) إلى أن الزلزال يحفز الدماغ البشري لاستجابة الكر والفر نتيجة تهديده لحياة الإنسان بشكل مباشر، وتتداخل هذه الاستجابة مع عواطف الإنسان ومشاعره المضطربة التي يشعر بها في أثناء الزلزال، فهو كان يعتبر العالم مكاناً آمناً وفي الغالب لم يكن يخطر على باله أن من يحبهم ربما سيموتون فجأة، وجميعها عوامل قادرة أن تصيبه برهاب الزلازل.
وتزداد احتمالية الإصابة برهاب الزلازل في حال العيش ضمن نطاق مدينة معرضة للزلازل باستمرار، فاحتمالية أن تنقلب الحياة رأساً على عقب في لحظة تثير في النفس الخوف والقلق اللذان ربما يتطوران إلى رهاب؛ كما أن الأشخاص الذين عاشوا تجربة الزلزال بالفعل قد يصابون بالرهاب نتيجة معاناتهم من خسائر في مختلف المناحي يخشون تكرارها في حياتهم مستقبلاً.
أعراض رهاب الزلازل
يوجد العديد من الأعراض التي تؤكد الإصابة برهاب الزلازل؛ وأهمها:
- استمرار الخوف رغم مرور عدة أسابيع على وقوع الزلزال.
- العزلة نتيجة هذا الخوف وفقدان الرغبة في التواصل الاجتماعي.
- اللجوء إلى تغيير الخطط الحياتية أو الأنشطة نتيجة الشعور بانعدام الأمان.
- اجترار الأفكار السلبية المتعلقة بالزلازل.
- ظهور كوابيس ذات صلة بالزلازل ومواجهة صعوبات في النوم.
- العيش في حالة تأهب دائم.
- تراجع الحالة المزاجية مع وجود مشاعر سلبية مثل الخوف والعجز والغضب.
- الرغبة المستمرة في الفرار أو الاختفاء.
- إنفاق الكثير من الأموال على تأمين المنزل.
- وجود أعراض جسدية أهمها سرعة التنفس وجفاف الفم والدوخة واضطرابات الجهاز الهضمي والغثيان.
كيف يمكن علاج رهاب الزلازل؟
تؤكد الطبيبة النفسية سيبنم كاراوغلو أن رهاب الزلازل إذا تُرك دون علاج يمكن أن يضرب حياة الشخص في مقتل، فقد يؤدي إلى تدهور علاقاته الاجتماعية إلى جانب احتمالية اصابته بأمراض جسدية ذات صلة بحالة التوتر والضغط المستمرَّين التي يعيشها، وكلما ازدادت فترة إهماله صعبت عملية علاجه وطال مداها الزمني.
ويُعد علاج رهاب الزلازل بمثابة تحدٍ، وذلك يرجع إلى أن العلاج بالتعرض (وهو الطريقة الأكثر شيوعاً لعلاج الرهاب) لن يجدي معه نفعاً على عكس رهاب العناكب مثلاً، فلا يمكن تكرار تجربة الزلزال عمداً لإزالة حساسية الشخص تجاهها؛ وذلك ما يجعل الأجدى استهداف جذور الرهاب والعمل على معالجتها مثل الخوف من الموت أو الإصابة الجسدية.
وفي بعض الأحيان يُدمج العلاج الدوائي لتخفيف الأعراض المصاحبة لرهاب الزلازل مثل التوتر والقلق؛ كما توجد طرائق علاجية أخرى أشهرها تقنية إزالة تحسس العين (EMDR) التي تستهدف معالجة المشاعر السلبية، وينصح المعالجون كذلك بممارسة تمارين التأمل والتنفس.
لكن يلزم عند اتباع الطرائق العلاجية السابقة تنفيذُ عدة إرشادات يقدمها الطبيب النفسي جيسون شيفمان (Jason Schiffman) وأهمها:
- لا تلجأ إلى كبت خوفك ظناً منك أن هذا سيحجّمه، فالتعامل مع المشاعر بتجاهلها أو كتمانها لا يزيدها سوى احتقاناً، وعواقبه ستكون وخيمة على صحتك النفسية.
- سلوكيات التجنب ليست حلاً بأي شكل من الأشكال، فتجنب النوم في غرفة مظلمة على سبيل المثال لن يحل مشكلتك الأساسية وهي الرهاب، لذا فالأجدى هو البحث عن جذور المشكلة والعمل على علاجها.
- ابذل قصارى جهدك بعد وقوع الزلزال لمواصلة حياتك اليومية بنشاط والمحافظة على روتينك المعاد.
- نوّع الأنشطة التي تمارسها وركّز فيها على مساحة التواصل مع الآخرين وفاتحهم في الحديث عن مشكلتك، فهذا قد يغير وجهة نظرك تجاه خوفك من الزلازل ويُشعرك بالتحسن.
- التزم بنظام غذائي متوازن واحصل على ما يكفيك من ساعات النوم، وتجنَّب ما يزيد قلقك وتوترك مثل الشاي والقهوة والسجائر.
- حاول وضع خطة في حال وقوع الزلزال فهذا سيزيد ثقتك أنه مهما ساءت الأمور لن تخرج عن السيطرة تماماً.
اقرأ أيضاً: كيف أتغلب على رهاب الموت؟
أخيراً، هناك أمر يذكره الطبيب النفسي السوري ملهم الحراكي قد يجدي نفعاً في مواجهة رهاب الزلازل، وهو معرفة أن الزلازل لن تتوقف عن الحدوث طوال الوقت لكن شدتها تتراوح من الخفيفة إلى المتوسطة إلى الشديدة ونادراً ما تكون مدمرة.
وأفضل شيء يمكنك فعله عند وقوع الزلزال من وجهة نظر المعالجة النفسية جانيس إريكسون (Janis Ericson) هو المحافظة على هدوئك، ففقدان السيطرة على أعصابك بالتأكيد سيؤزم الموقف. وهذا لا يعني أن الزلازل ستصبح حدثاً عادياً؛ لكن عندما نعمد إلى مواجهة خوفنا منها سيسهم ذلك في توازننا نفسياً.