الشغف مهم في حياتك ولكنه ليس ضرورياً!

6 دقائق
فقدان الشغف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هل تشعر بالإحباط وعدم الاهتمام إزاء ممارسة الأنشطة أو الهوايات التي تعوّدت على الاستمتاع بها سابقاً؟ ربّما يتعلّق الأمر بفقدان الشغف الذي يُضعف حماسك المعتاد ويُثبّط عزيمتك للإنجاز، أو يكون دلالة على وجود حالة نفسية تستدعي طلب العلاج مثل الاكتئاب أو الإجهاد. اقرأ هذا المقال لتعرف المزيد عن هذه الحالة، وتتعرّف إلى معنى الشغف والفرق بين الشغف الاستحواذي والشغف المتناغم، والنتائج المترتّبة عنهما. وهل اتبّاع الشغف ضروري بالفعل حسب رأي الخبراء؟ واكتشف أيضاً 7 نصائح كفيلة بإخراجك من حالة فقدان الشغف.

كَثر الحديث عن الشغف واكتشافه والسعي إلى إيجاده في السنوات الأخيرة، فهناك من يراه أمراً في غاية الأهميّة وعلى الجميع الانخراط في تحقيقه. بوجوده، يتوفّر لنا الدافع والحافز والشعور بالهدف والمعنى في الحياة.

والشائع أنه من المرجح أن يبذل الأشخاص الوقت والجهد اللازمَين لتحقيق أهدافهم والنجاح عندما يتّبعون شغفهم، وبالنسبة إلى هؤلاء قد تكون تجربة فقدان الشغف مؤلمة فعلاً. غير أن حقيقة الشغف ليست إيجابية وملهمة دائماً، فنصيحة "اتبّع شغفك" يمكن أن تكون سيئة للبعض.

ماذا يُقصد بالشغف؟

الشغف (Passion) هو شعور قويّ بالحماس أو الإثارة نحو نشاط أو شخص محدّد. يدفع الشغف الأشخاص إلى استثمار الوقت والتفاني في متابعة اهتماماتهم وأهدافهم؛ حيث تحفزّهم طاقتهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة والسعي إلى تحقيق التميّز. وغالباً يرتبط الشغف بالرغبة في السعي إلى التحقيق والإنجاز، ويمكن أن يظهر ذلك في أشكال عديدة مثل المساعي الإبداعية وريادة الأعمال والرياضة والهوايات والعلاقات الشخصية أيضاً؛ كما يمكن أن يشير أيضاً إلى حالة عاطفية شديدة أو دافع قويّ للعمل.

وترى الباحثة في ما بعد الدكتوراة في مركز ييل الأميركي (Yale Center) للذكاء العاطفي، جوليا مولر (Julia Moeller) إن الناس قد يعنون أموراً مختلفة فيما يتعلّق بالشغف. بالنسبة إلى البعض، يشير هذا المفهوم إلى الانجذاب الجنسي والشعور بالمتعة الذي ينتقل من شخص لآخر، وهو حالة عابرة من المحتمل أن تتلاشى بعد فترة.

أما بالنسبة إلى البعض الآخر، فيعني الشغف الاهتمام طويل الأمد أو الالتزام بموضوع أو نشاط يتابعه الشخص في حياته بغضّ النظر عن العوائق التي تعترض طريقه. ولكن تتّفق الأغلبية على كونه دافعاً قوّياً ممزوجاً بالعواطف الشديدة التي يصعب تحديد إن كانت جيدة أو سيئة؛ إذ يوجد بعض الخلافات حول ما إذا كان يجب اتباعها أو رفضها أو تجنّبها.

اقرأ أيضاً: صنع الأشياء متعة تفتح باباً لسعادة من نوعٍ خاص

نوعان من الشغف ونتائج تتأرجح بين الإيجابية والسلبية

يتضّح أن هناك نوعَين رئيسَين للشغف يؤدّي كل منهما إلى نتائج مختلفة وفقاً لأستاذ علم النفس بجامعة كيبيك (Université du Québec) في مونتريال، روبيرت فاليراند (Robert Vallerand).

الشغف الاستحواذي

يصف الشغف الاستحواذي (Obsessive Passion) الشغف الذي يصبح الشخص مهووساً بسببه، والذي يحدث عندما يصبح مستثمراً بشكل مفرط في شغفه ومُستهلكاً فيه؛ إذ يصبح محور تركيزه الأساسي فيفقد قدرته على ضبط النفس والتكيّف أو الابتعاد ما قد يؤدّي إلى عواقب سلبية مثل الإرهاق.

وتؤكّد مختصة العلاج بالتنويم المغناطيسي جيسيكا موراليس (Jessica Morales) إن صاحب هذا النوع من الشغف يعاني من تدنّي احترام الذات ما يدفعه للاعتماد على شغفه لخلق مشاعر تقدير الذات؛ كما يتّسم بالتمركز حول الذات والتشدّد في كيفية أداء النشاط المرتبط بالشغف الذي يمكن أن يتعارض سلباً مع مجالات أخرى من حياة الشخص كعلاقاته الشخصية. لا يؤدي الشغف الاستحواذي بالضرورة إلى نتائج سلبية؛ ولكنه يمكن أن يتحوّل إلى حلقة من الإنهاك أو الاحتراق الوظيفي إذا استمرّ لفترة طويلة من الزمن.

الشغف المتناغم

أمّا الشغف المتناغم (Harmonious Passion)، فهو الذي يحدث عندما يندمج النشاط في الذات الأصيلة للشخص، فيختار الانخراط فيه بإرادته وعن طيب خاطره؛ حيث ينصبّ تركيزه على تحسين مهاراته واستكشاف المزيد عن ذاته، فتكون التجربة نفسها مُجزية بالنسبة إليه إذ يتمكّن من الابتعاد عن ممارسة شغفه بسهولة ودون الشعور بالذنب.

ذلك ما يجعل هذا النوع من الشغف منسجماً مع باقي مجالات حياة الشخص الأخرى ويسهم في نمائه الذاتي ويعزّز أداءَه النفسي وصحته البدنية ورفاهيته العامة فيتولّد لديه الرضا عن الحياة.

ويشير ذلك بقوّة إلى ما يُسمى بـ "حالة التدفّق" (Flow State) التي تحدث عندما ينغمس الفرد في نشاط أو تمرين معيّن دون الحاجة إلى التركيز على النتائج المتوقّعة أو المرجوّة، فيجعله استمتاعه ذاك يفقد الإحساس بالذات ما يعزّز تركيزه ويزيد وعيه وانفتاحه.

ما الذي يمكن أن يسبّب فقدان الشغف؟

يمكن أن يتضاءل الشغف بمرور الوقت بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، فيفقدون الاهتمام أو الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تمنحهم الإحساس المتعة؛ ما قد يؤدي إلى فقدان الحافز في الحياة الشخصية والعمل.

قد تكون هذه تجربة محبطة ومثبطة للهمم بالفعل، فهناك بعض الأسباب المحتملة التي تجعل الناس يفقدون شغفهم ويعدّ الإرهاق والتوتّر من بينها. ويوضّح الخبراء من هيلث دايركت (Health direct) إن فقدان الاهتمام لمدة أسبوعين أو أكثر قد يكون علامة على وجود حالة صحية أو نفسية؛ بما في ذلك الآتي:

  • الاكتئاب: يمكن أن يكون فقدان الاهتمام أحد الأعراض الرئيسية للاكتئاب.
  • اضطراب ثنائي القطب: يمكن أن يكون فقدان الاهتمام علامة على نوبة اكتئاب وشيكة.
  • القلق: قد يكون فقدان الاهتمام وتجنّب المواقف التي تسبّب التوتر من أعراض اضطراب القلق.
  • الفصام: وتشمل أعراضه انخفاض الحافز وعدم القدرة على الشعور بالسعادة والانسحاب من الأنشطة ودائرة الأصدقاء.
  • الإجهاد والإرهاق: يمكن أن تؤدّي الضغوط لفترة طويلة إلى الإرهاق؛ حيث يفقد الشخص الحافز والاهتمام وينسحب من دائرة المحيطين به.
  • تعاطي المخدرات: يمكن أن يؤدّي تعاطي المخدرات إلى فقدان الاهتمام والانسحاب من الأنشطة وفقدان العلاقة مع الأصدقاء والنزاعات.
  • الحداد: يعاني بعض الأشخاص من فقدان مؤقّتٍ للاهتمام بالأنشطة التي اعتادوا الاستمتاع بها عندما يعيشون مشاعر الحزن المصاحبة لمرحلة الحداد.

كيف تسترجع شغفك بعد فقدانه؟

قد تكون محاولة استرجاع الشغف عملية صعبة، وبخاصة إذا كان فقدان الشغف أحد أعراض الاكتئاب أو القلق، فالخبراء من هيلث دايركت ينصحون باستشارة الطبيب المختص لأخذ العلاجات المناسبة من أدوية وعلاج نفسي؛ ولكن هناك عدة طرائق يقترحونها للمساعدة الذاتية على استعادة الشغف والاهتمام ونلخّصها كالآتي:

7 خطوات للمساعدة الذاتية

  1. انهض وتحرّك: يمكّن النشاط البدني مثل المشي أو السباحة وقضاء الوقت في الخارج بشكلٍ عام من تحسين الحالة المزاجية والشعور بتعبٍ وخمولٍ أقّل. يمكن لخمس دقائق فقط من النشاط أن تُحدث فارقاً!
  2. التزم بنظام غذائي صحّي: تغدو الصحة النفسية أفضل عند اتباع نظام غذائي متوازن وعادات أكل صحّية. وتتميّز حمية البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean diet) بالتركيز على تناول الكثير من الفواكه والخضروات والمكسرات والبقوليات مع استهلاكٍ معتدلٍ للدواجن والبيض ومنتجات الألبان واستهلاك متفرّق للحوم الحمراء؛ ما يجعلها نظاماً غذائياً يسهم في تخفيض خطر الإصابة بالاكتئاب.
  3. خذ قسطاً كافياً من النوم: يمكن أن يسبّب عدم الحصول على القسط الكافي من النوم المريح إلى تفاقم الاكتئاب وحالات الصحة النفسية الأخرى، لذا من المفيد تبنّي عادات نوم جيّدة لمحاولة تحسين نوعية النوم.
  4. قم بمهام صغيرة: يساعد القيام ببعض المهام البسيطة والروتينية مثل التنظيف أو تقديم المساعدة على إبقائك منشغلاً، ومنحك هدفاً إيجابياً للتركيز عليه.
  5. مارس أنشطة تستمتع بها عادةً: بالرغم من فقدان الشغف والحماس للقيام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها سابقاً، يمكنك أن تحاول ممارستها على نطاقٍ مُصغّر لوحدك أو بمشاركة الأصدقاء. وكذلك يمكن للحيوانات الأليفة أن تخفّف عنك بعض التوتّر، فتكون خير رفقةٍ لك أيضاً.
  6. خطّط لنزهاتك: قد يبدو غريباً بعض الشيء أن تضع خططاً للقيام بنزهة أو نشاط ممتع؛ لكنها طريقة جيّدة لتعديل المزاج السلبي فهي خطوة بسيطة تمنحك هدفاً تتطلّع إليه.
  7. كن منفتحاً على دائرة العائلة والأصدقاء: يساعد قضاء الوقت مع أشخاص آخرين على تحسين الحالة المزاجية للشخص. وإن وجدت مثلاً أنك فقدت الاهتمام بممارسة الجنس مع زوجتك فتأكّد من إخبارها إن فقدانك لهذا النوع من الشغف ليس رفضاً لها وإنّما عرَضٌ لحالة نفسية تمرّ بها، ويمكنكما حينها القيام ببعض الأنشطة غير الجنسية التي تجلب المتعة لكليكما. أمّا في حال فقدان الرغبة الجنسية نتيجة الآثار الجانبية لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب، فتمكن استشارة الطبيب المعالج لتعديل جرعتك أو استبدال الدواء.

لِمَ عليك أن تحذر من السعي الدؤوب وراء الشغف؟

بالرغم من كلّ ما سبق ذكره عن فقدان الشغف وكيف يمكن استرجاعه، بات العديد من المختصين والباحثين في السنوات الأخيرة يؤكدون إن إعطاء الكثير من الأهمية لإيجاد الشغف والسعي الدؤوب وراءه يمكن أن يسبّب نتائج عكسية؛ إذ إن الفهم الخاطئ والمغالطات التي نشأت حول الموضوع وضعت الكثير من الأشخاص تحت ضغوط لتحقيق نوعية الحياة التي تعكس شغفهم الحقيقي.

وفي مقال لها، أشارت الكاتبة والصحفية في صحيفة الغارديان (The Guardian)، جوانا ليغات (Johanna Leggatt) إلى أن الحاجة إلى ممارسة وظيفة تتوافق تماماً مع الشغف الشخصي يمكن أن يحوّل شغفنا إلى سلعة أو "عمل روتيني خالٍ من المرح". وتعتقد الكاتبة أن الوظيفة "الجيّدة بما فيه الكفاية" يمكن تتيح لنا الوقت للقيام بما نحبّه وممارسة هواياتنا والحصول على حياة متوازنة خارج أوقات العمل، فليس من الضروري الحصول على وظيفة ترتبط بالشغف الشخصي.

وفي السياق نفسه، يحذّر كلٌّ من الأستاذ المساعد في إدارة الأعمال جون جاتشيموفيتش (Jon Jachimowicz) وباحث الدكتوراة في السلوك التنظيمي زكريا بيري (Zachariah Berry) في مقالٍ لهما على هارفارد بزنس ريفيو (HBR)، من الآثار السلبية المحتملة "لاتبّاع الشغف" كنصيحة مهنية، فاتباع نصيحة كتلك يمكن أن يؤدي إلى الشعور بعدم الكفاءة والفشل في حال كان شغف الشخص لا يتماشى مع وظيفته أو مساره المهني؛ ما يسهّل الطريق إلى الإرهاق وإهمال جوانب مهمّة أخرى من الحياة.

لذا يقترح الكاتبان التركيز على تطوير مجموعة متنوّعة من المهارات والاهتمامات بدلاً من مطاردة الشغف، فالاستخدام الجيّد للمهارات والاهتمامات يمكن أن يُحدث تأثيراً إيجابيّاً في العالم.

وفي الختام، قد يكون الشغف عنصراً حيويّاً في حياة مُرضية لبعض الأشخاص ويمثّل فقدانه نوعاً من المعاناة، فسواء كان ذلك بسبب حالة نفسية تستدعي العلاج أو لا، يصبح فقدان الشغف والاهتمام مدعاةً لمزيدٍ من الإرهاق والتوتّر بالنسبة إليهم؛ غير أن الخبراء يؤكّدون أنه من الممكن استعادة الشغف والقدرة على الاستمتاع مرة أخرى من خلال بضع خطوات للعناية الذاتية.

المحتوى محمي