كيف تمرن دماغك ليبقى هادئاً في أثناء تعرضك إلى الضغط النفسي ؟

4 دقيقة
الضغط
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يتعمق هذا المقال في التأثيرات المثيرة للاهتمام للتوتّر في الدماغ، وكيف يعوق ذلك قدرتنا على اتخاذ القرارات والاستجابة إلى الضغط بفعالية، ويقدّم 6 استراتيجيات لتدريب أذهاننا على الحفاظ على هدوئها خلال لحظات الضغط العالي.

هل سبق أن وجدت نفسك في مواقف شديدة الضغط، ترتكب الأخطاء أو تواجه مواقف محرجة بسبب ردود أفعالك المندفعة أو المتهوّرة؟ أو تتعرّض إلى النسيان ومشكلات الذاكرة؟ 

في حياتنا السريعة الوتيرة والمتطلّبة، أصبح التوتّر رفيقاً دائماً في روتيننا اليومي، وهو لا يؤثّر فقط في صحتنا النفسية بل في قدراتنا المعرفية أيضاً. فعندما نتعرّض إلى التوتّر باستمرار، نُصاب بالإجهاد وتتمكّن منا الضغوط، وللأسف تتأثّر أدمغتنا كذلك لأنها تستجيب بوضعية البقاء حفاظاً على مواردها؛ ما يسبب بدوره الاضطرابات العاطفية ومشكلات الذاكرة والقدرة الضعيفة على اتخاذ القرارات. ما تأثير الضغط والإجهاد في كلٍ من الدماغ والجسد؟ وكيف يمكن الحفاظ على حالة هادئة ومستقرة خلال المواقف الضاغطة؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال. 

كيف تتأثّر أدمغتنا بالإجهاد والضغط النفسي؟

لفهم تأثير الإجهاد في التفكير والذاكرة، من الضروري معرفة أن الدماغ ليس كياناً منفرداً؛ بل هو مجموعة من المكونات المتميّزة ولكلّ منها مهماته الخاصة وفقاً لأستاذة الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد، جيل غولدستين (Jill Goldstein). 

إذ يفترض الباحثون أنه عندما يعمل جزء واحد من الدماغ بنشاطٍ، تكون المناطق الأخرى قد خفّضت الطاقة اللازمة لوظائفها الحيوية. فعلى سبيل المثال؛ في المواقف المُهدّدة أو المرهقة عاطفياً، يمكن للّوزة الدماغية أو الأميغدالا (Amygdala) المسؤولة عن غرائز البقاء، أن تهيمن؛ ما يترك تخزين الذاكرة ومناطق التفكير العليا ذات طاقة منخفضة؛ أي إن الدماغ يعيد تخصيص موارده في وضعية البقاء (Survival mode)، مع إهمال وظائف الذاكرة. ومن ثَمّ؛ يمكن أن يؤدّي الإجهاد بالفعل إلى النسيان وضعف الذاكرة.

ومن المهمّ أيضاً معرفة أن تأثير الإجهاد في الدماغ والجسم يمكن أن يختلف تبعاً للمرحلة العمرية، فقد تؤثّر هرمونات معيّنة مثل الغدد التناسلية لدى النساء على سبيل المثال -التي ترتفع في أثناء نمو الجنين والبلوغ والحمل ولكنها تنخفض في مرحلة انقطاع الطمث- في الاستجابة إلى الإجهاد، ويمكن أن تؤثّر التغيّرات في هرمونات الغدد التناسلية خلال انقطاع الطمث في كيفية تفاعل الدماغ مع الإجهاد.

أما عن التأثيرات الجسدية للتعرّض إلى الضغط النفسي خلال مراحل النموّ، فيشير أستاذ أمراض القلب والباطنية في جامعة ديوك الأميركية، فواز العنزي، إلى وجود دراسات علمية حديثة أثبتت ارتباط الضغط النفسي والقلق والتوتّر المزمن في الطفولة، بالإصابة بأمراضٍ عضوية جسدية مثل أمراض القلب والجهاز الهضمي في الكبر؛ ومن أهمها تقرّحات المعدة والقولون العصبي وارتفاع ضغط الدم وسكر الدم. 

اقرأ أيضاً: كيف تجد الهدوء في نفسك؟

6 طرائق لتمرين دماغك على مقاومة الضغط

نواجه في بعض الأحيان مواقف غير مألوفة تجعلنا غير متأكّدين من كيفية الرد، فعندما نكون تحت الضغط، تصبح استجاباتنا غالباً متهوّرة أو قد نواجه صعوبة في الاستجابة نفسها؛ ما يمكن أن يسبّب لنا عدم الرضا، والإرهاق الذهني بسبب الإفراط في الاجترار، والتدمير الذاتي، والتصورات الذاتية السلبية؛ بينما يمكن لحلٍّ واحدٍ فعّال أن يساعدنا على الحفاظ على رباطة جأشنا خلال تلك الظروف الصعبة. 

وفي هذا السياق، تقترح علينا المختصة في علم النفس الإكلينيكي، شيرينا شمداساني (Sherina Shamdasani)، طرائق لتدريب أدمغتنا على الاستجابة بفعالية وهدوء في المواقف الضاغطة، ونلخّصها كالتالي: 

  • تحرّر من عقلية الضحية: يتولّد لديك النقد الذاتي ويزيد توتّرك وتتعزّز مشاعر الشفقة على الذات والإحباط عندما لا تأتي الظروف كما ترغب أو تتوقّع. لذلك؛ من المهم أن تدرك أن ثمّة أموراً تقع خارج نطاق سيطرتك، وذلك جزء طبيعي من الحياة؛ حيث الجانب الوحيد الذي تُمكنك إدارته هو نوعية استجابتك إلى هذه الأحداث غير المتوقّعة وكيفية تعاملك معها.
  • خذ قسطاً من الراحة: سواء أكان ذلك بسبب عبء العمل الهائل، أم قائمة المهمات الطويلة، أم أي مهمات مُجهدة، من الضروري التوقف مؤقّتاً وأخذ قسط كافٍ من الراحة تفادياً للضغط الذي يمكن أن يواجهه دماغك وجسمك، فالراحة التي يوفّرها النوم مثلاً تسمح لعملية تجديد طاقة مناطق الدماغ المختلفة؛ ما يخلق مساحة لاستيعاب المعلومات الحيوية عند الاستيقاظ. 
  • مارس تمرينات اليقظة: تسمح ممارسة التأمّل أو أي ممارسة أخرى تتضمّن السكون والجلوس في صمتٍ ومراقبة الأفكار والعواطف والسلوكيات، برؤية الأمور من منظورها الصحيح، وملاحظة ما تفكر فيه، وكيف تفكّر وتشعر وتتصرّف. سيساعدك ذلك على تحديد ما يحدث لك داخلياً في المواقف العصيبة، وسيهدأ دماغك لأنه قادر على رؤية الأشياء من خلال المواقف الإدراكية المختلفة. هذه التمرينات ستسمح لك بإيجاد طرائق جديدة لحلّ المشكلات مع مراعاة وجهات النظر المختلفة.
  • فكّر بإيجابية: إن إعطاء الأولوية إلى الإيجابية في طريقة تفكيرك، يمهّد لك الطريق نحو التفاؤل دون عناء؛ إذ يفتح لك هذا النهج منظوراً جديداً يمكّنك من استخلاص أفضل النتائج من أي موقفٍ صعبٍ. فكلّما عزّزتَ عادة تبنّي التفكير الإيجابي والكشف عن الجوانب الإيجابية في المواقف العصيبة، لاحظتَ المزيد من الإيجابية؛ ما يجعل التعامل مع التحديّات أكثر سهولة.
  • كن نشطاً: قد تواجه حالة من الشلل الذهني عندما تواجه ضغوطاً أو ظروفاً شديدة ومتطلّبة ومرهقة؛ ما يجعلك غير قادرٍ على اتخاذ القرارات. لذلك؛ يمكن أن يساعدك قضاء بعض الوقت في الانفصال المؤقّت عن الضغوط، على إعادة شحن طاقتك؛ ما يتيح لك فرص العودة بطاقة متجدّدة ورؤيةٍ أوضح للوضع. بعضٌ من الأنشطة المساعدة على الانفصال عن الضغوط يتضمّن الذهاب في نزهة، أو قراءة كتاب، أو ممارسة الجري.
  • أعد صياغة قصتك: تتأثّر شدّة الموقف العصيب بالقصة التي تبني فصولها حوله في ذهنك على نحو كبير؛ لأنك تميل غالباً إلى تضخيم المشكلات. لكن من خلال إدراك هذا النمط، يمكنك أن تختار عمداً إعادة صياغة تلك القصة وتشكيل تفاصيل جديدة؛ ومن ثَمّ تتمكّن من الاستجابة على نحو أكثر فعالية إلى التحديّات التي يفرضها الوضع المجهد. قد تساعدك ممارسة تمرينات اليقظة والامتنان، على اكتساب القدرة على التدقيق في حوارك الذاتي الذي يحيط بالموقف الضاغط. 

اقرأ أيضاً: رياضة الدماغ: كيف يمكنك تعزيز قدراتك الذهنية؟

وأخيراً، بالتأكيد نمتلك جميعاً القدرة على تخفيف الآثار المضرّة للإجهاد وتعزيز حالة ذهنية أكثر هدوءاً حتى في مواجهة الشدائد؛ لكن ينبغي تدريب أدمغتنا على استجاباتٍ صحيّة في المواقف الصعبة عن طريق التمرّن على عادات تفكير خالية من التوتّر ونمط عيشٍ يشجّع الهدوء والحفاظ على على رباطة جأشنا ووضوحنا خلال لحظات الضغط العالي.

المحتوى محمي