ملخص: الندم هو أكثر المشاعر الإنسانية شيوعاً، لكن يُساء فهمه واستخدامه، فيؤذينا بدل أن نتعلّم منه. كيف تمكّن الكاتب الأميركي، دانيال بينك، من استخدام قوّة السرد القصصي والبحث العلمي لاكتشاف أكثر ما يندم عليه الناس من حول العالم؟ وماذا نتعلّم من توصياته لكي نتعامل مع ندمنا بطريقة تتيح لنا التقدّم في حياتنا؟
محتويات المقال
الندم عبارة قد تبدو سلبية أو مؤلمة لبعضنا لأننا لا نحبه، فهو لا يفيد دوماً. وإن كان سلبياً فهو طبيعي ويعبّر عن إنسانيتنا، ولن نكون بشراً من دونه. الأطفال في عمر 5 سنوات والمعتلين اجتماعياً ومن يعانون من إصابات في الدماغ فقط هم من لا يشعرون بالندم برأي الكاتب الأميركي، دانيال بينك (Daniel Pink). وعلى الرغم من أنه شعور إنساني طبيعي يتعرّض له الجميع في شتّى مراحل حياتهم، فالتعامل معه ليس سهلاً. يوضّح الاختصاصي النفسي، أسامة الجامع، أنّ الشعور بالندم ليس مجرّد شعور عابر، بل يؤلم صاحبه ويأكله من الداخل ويسبّب ضغطاً نفسياً هائلاً يؤثّر في صحته، خاصة إن تعلّق بفرصة من الماضي لن تتكرّر ولم يتخذ الشخص الخيار الصحيح فيها.
يقدّم دانيال بينك الذي يعتمد في أعماله إلى حد كبير على الأبحاث في علم النفس والاقتصاد السلوكي، في كتابه: "قوة الندم: كيف يدفعنا النظر إلى الخلف نحو الأمام" (The Power of Regret: How Looking Backward Moves Us Forward)؛ رؤية خاصة حول الندم وتقنيات عملية للتعامل مع 4 أنواع منه، بعد أن اطلّع على ما يقارب 23 ألف قصة ندم من 105 بلدان حول العالم.
إفادات من حول العالم، لماذا يشعر الناس بالندم؟
في حين أن الثقافة السائدة تشجّع على نسيان الماضي واحتضان المستقبل، قد يشوب هذا التفكير بعض الأخطاء. فوفقاً لدانيال بينك ينبغي ألا يُنظر إلى الندم على أنه عائق في السعي الدؤوب لتحقيق السعادة، لأنه جزء صحي من التجربة الإنسانية. فجميعنا يشعر بالندم، والمحصّنون من شعور الندم هم الأطفال الصغار، ومن يعانون تلفاً في الدماغ أو اضطرابات تنكسية عصبية، والمعتلون اجتماعياً فقط. وبالتالي، لا يشير عدم القدرة على الشعور بالندم إلى العافية النفسية، بل إلى ضعف نفسي خطير.
أنشأ بينك مشروعاً عالمياً لتجميع إفادات ما يقرب من 23 ألف شخص من حول العالم بخصوص أكثر الأشياء التي ندموا عليها في حياتهم. فكانت هذه بعض الأمثلة الحقيقية عن أشخاص عبّروا عن ندمهم:
- "نادم على تقصيري في دراستي، وعدم تحقيق حلمي بدخول الكلّية التي أريدها" 20 سنة من العراق.
- "ندمت على مقابلة بعض الأشخاص والتواصل معهم حتى عندما علمت أنّ ذلك خطأ. لقد جعلوا حياتي أسوأ كثيراً ولم أستطع العودة إلى الوضع الذي كنت عليه قبل أن ألتقيهم" 26 سنة من مصر.
- "نادم على خسارة الشخص الذي أحببت" 26 سنة من بريطانيا.
- "نادمة لأني لم أكن مع جدي حين توفي" 35 سنة من المغرب.
- "نادم على عدم متابعة مسيرتي في تدريب كرة السلة التي حلمت بها، لقد ضحيّت كثيراً من أجل زواجي" 40 سنة من تونس.
- "نادم على تطليق أمّ بناتي" 49 سنة من البرتغال.
- "نادمة على تعاطي الكحول منذ سنّ صغيرة" 23 سنة من تركيا.
- "نادم لأني لم أكن لطيفاً مع بعض الأشخاص خلال سنوات مراهقتي" 90 سنة من الجزائر.
- "نادمة على التظاهر بأنني أقلّ ذكاءً وإبداعاً مما أنا عليه بالفعل، وذلك ببساطة لإرضاء الآخرين أو عدم إزعاجهم. يشمل ذلك اجتماعات العمل مع العملاء، التي سمعت لاحقاً أنّي كنت عديمة الفائدة فيها" 39 سنة من السعودية.
- "نادمة على عدم تمكّني من الحفاظ على شريكي السابق" 43 سنة من فرنسا.
اقرأ أيضاً: كيف يمكننا التعايش مع الشعور بالذنب؟
4 أنواع أساسية للندم، تعرّف إليها
يعرب الناس عن ندمهم بشأن عدد كبير من مجالات الحياة مثل الأسرة والتعليم والعمل والعلاقات. ساعدت الأبحاث التي أجراها دانيال بينك في الكشف عن 4 أنواع أساسية من الندم لدى الإنسان:
- الندم بخصوص مجالات الحياة الرئيسية: يأسف كثير من الناس بشأن قرارتهم واختياراتهم فيما يتعلّق بالتعليم والشؤون المالية والصحة، بسبب افتقارهم إلى حسّ المسؤولية أو الضمير أو الحكمة.
- الندم بخصوص عدم التحلّي بالجرأة الكافية: على الرغم من أن أغلب الناس يسعون إلى الاستقرار لأنه أساسي للبقاء، فهو ليس كافياً. حيث تظهر الدراسات إنه من المرجّح أن نندم على الفرص التي لم نغتنمها أكثر من الفرص التي اغتنمناها. إذ يميل الناس إلى إبداء الندم بخصوص ما كان بإمكانهم فعله ولم يفعلوه مع تقدمهم في السن.
- الندم الأخلاقي: يبدي الناس ندماً بشأن سلوكياتهم المنافية للأخلاق والفضائل التي آمنوا بها، إذ تعرّضوا لنوعٍ من الإغراء جعلهم يتصرّفون على نحوٍ لا يحترم تلك القيم.
- الندم على عدم التواصل: بينما تشكّل تصرّفاتنا مجرى حياتنا، فالآخرين هم الذين يبثون المعنى في حياتنا. ينشأ الكثير من الندم عندما نهمل الأشخاص الذين يسهمون في شعورنا بالاكتمال؛ قد نخسرهم للأبد أو تتوتّر علاقاتنا معهم أو نعجز عن تطوير العلاقة معهم في المقام الأول.
3 خطوات لكي تحوّل ندمك إلى دافع للتقدّم في حياتك
يوضّح بينك أن التعامل مع ندمنا بطريقة صحيحة يقتضي عدم تجاهله، ولكن عدم الانغماس فيه أيضاً، إذ يمكن أن يساعدنا ذلك في تعميق إحساسنا بالمعنى والهدف من تجاربنا الحياتية، وشحذ مهارة اتخاذ القرارات، ورفع مستوى أدائنا في مجموعة من المهام؛ فالأشخاص الذين يندمون على أدائهم في مهام حل المشكلات يؤدون عملاً أفضل في محاولاتهم التالية لحلّ المشكلات. لذلك يقترح بينك من خلال البحث العلمي 3 خطوات تُمكّن الإنسان من تحويل ندمه إلى محفّزات للنمو والتقدّم في مجالات الحياة المختلفة.
- استعِض عن النقد الذاتي بالتعاطف مع الذات: يشجعنا ذلك على التعامل مع أنفسنا بلطف بدلاً من الازدراء بها بسبب ندمنا. لا يستلزم التعاطف مع ذواتنا إنكار زلاتنا أو التغاضي عن نقاط ضعفنا، بل الإقرار بأن النقص والأخطاء والتجارب السلبية هي أمور جوهرية في التجربة الإنسانية.
- عبّر عن مشاعرك: نتردّد غالباً في الكشف عن الجوانب السلبية من أنفسنا للآخرين، لكن مشاركة أفكارنا وعواطفنا وتصرّفاتنا -سواء شفوياً مع الآخرين أو ببساطة من خلال الكتابة- يمكن أن تولّد العديد من الفوائد الجسدية والعقلية والمهنية. يخفف التعبير عن الندم ثقله، ومن خلال ترجمة المشاعر الغامضة والسلبية إلى كلمات ملموسة نجعلها أقلّ تهديداً ونبدأ فهم المواقف التي سببتها.
- مارس النأي بالنفس: عند مواجهة المشاعر السلبية، بما فيها الندم، قد يكون أحد ردود الفعل الاستسلام لها، ما يوقعنا في فخّ الإفراط في التفكير. لذلك تتمثّل الاستراتيجية الأفضل في النهج المعاكس؛ أيّ النظر إلى الموقف بموضوعية وإبعاد أنفسنا عن تدقيق تفاصيله عبر تقييم الندم دون عواطف واستخلاص درس منه يمكن أن يوجّه أفعالنا في المستقبل.
اقرأ أيضاً: 4 خطوات فعّالة للتعامل الصحي مع الندم
وأخيراً، استخدم دانيال بينك الندم أداة قويّة للسرد القصصي تساعدنا على تحسين حياتنا، فمشاركة الندم يمكن أن تكون أداة للقيادة الجيّدة أيضاً، وبناء قيمٍ مثل الثقة والتواضع بحسب رأيه. وضّح هذا المقال كيف يمكن تحويل الندم من مصدر للألم إلى محفّز للنموّ وتحسين الذات، من خلال تطبيق التعاطف مع الذات والتقييم المحايد لتجاربنا السلبية.