كيف يصبح الندم على قرارات الماضي وسيلة لاتخاذ قرارات مستقبلية أفضل؟

الشعور بالندم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إنكار الحاضر و”الشعور بالندم” على الماضي والقلق بشأن المستقبل؛ ثلاثية تحرم الفرد من العيش بسلام وراحة بال. في حين يجذبنا الندم لقرارات اتخذناها بالماضي ولم تأتِ بأفضل النتائج، يدفعنا القلق بشأن المستقبل لخلق سيناريوهات قد لا تحدث لكنها قد تثير قلقنا في الوقت ذاته؛ كلاهما يجعل الحاضر لحظة غير مُعاشة، وقد نندم لاحقاً لعدم استغلاله بشكل صحيح.
في بعض الأحيان؛ قد يكون الشعور بالندم أمراً لا مفر منه؛ الندم على قرارات لم تكن الأفضل، أو خطوات كان من الأفضل أن تُتَّخذ، ذلك لأنه أحياناً لا تؤدي اختياراتنا إلى أفضل نتيجة ممكنة. للتصرف بشكل أفضل -اتخاذ قرار مختلف عندما نواجه نفس الخيار أو خياراً مشابهاً مرةً أخرى- وتجنب النتيجة غير المرغوب فيها؛ نحتاج إلى فهم الندم بصورة أعمق، وتعلُّم الاختيار بشكل مختلف.

الندم عاطفة قائمة على المقارنة

الندم هو عاطفة قائمة على المقارنة، وهو نمط أكثر تعقيداً من الغضب أو الحزن أو السعادة. كذلك، فهو أحد أكثر المشاعر اختباراً في الحياة العاطفية للإنسان، ويحدث بشكل خاص عندما يُحمّل الفرد نفسه مسؤولية شخصية عن النتيجة غير المرغوب فيها.

يتولّد الشعور بالندم عندما يفكر الشخص في كيف يمكن أن يكون الوضع الحالي أفضل إذا تم اتخاذ قرار مختلف، وهو شعور قوي لا يمكن تجاهله، فهو يظهر ويعاود الظهور بين حين وآخر.

تنبثق هذه المشاعر من عملية تقييم غير مرغوب فيها لقرار معين؛ ما يؤدي إلى لوم الذات لاتخاذ القرار الخاطئ والرغبة في عكس الوضع السائد.

الندم على الفعل مقابل التقاعس

ينتج الندم عن حالتين أساسيتين: اتخاذ قرار خاطئ، أو التقاعس عن اتخاذ القرار. كلاهما يولّد شعوراً بالندم؛ لكن أيهما أقوى؟

في تلك الحالة؛ يكون تحديد المسار الزمني أمراً شديد الأهمية. في حين أن الأفعال تسبب مشاعر أكثر إيلاماً على المدى القصير؛ إلا أن التقاعس عن الفعل يولّد شعوراً أقوى بالندم على المدى الطويل.

يمكن تفسير ذلك بأن الندم الناشئ عن التقاعس عن الفعل يتفاقم بسبب النتائج الإيجابية التي ربما تكون قد حدثت باتخاذ ذلك القرار أو أداء ذلك الفعل. على النقيض من ذلك، فإن الندم الناتج عن الأفعال يكون واضحاً من خلال العواقب السلبية التي حدثت بالفعل.

الندم وسيلة لاتخاذ قرارات أفضل

على الرغم من أن الندم يظهر كشعور سلبي في بعض الأحيان؛ فإنه يمكن أن تكون له آثار إيجابية أيضاً. وبحسب دراسة نشرتها دوريات وايلي باسم جمعية البحث في نمو الطفل (Society for Research in Child Development) عام 2014، فالأطفال الذين يشعرون بالندم على قرارات سابقة، قادرون على اتخاذ قرارات أفضل في مواقف لاحقة، فالشعور بالندم يعزز قدرة الأطفال على التعلّم بسرعة من النتائج السيئة.

بحسب النتائج، فالأطفال المشاركون في التجربة؛ والذين تتراوح أعمارهم بين 6-7 سنوات، وعانوا من الندم، كانت قراراتهم اللاحقة أفضل من أولئك الذين لم يندموا على قراراتهم السابقة. وبالتالي، فبمجرد أن يصبح الأطفال قادرين على الشعور بالندم، فإنهم يشاركون في اتخاذ قرارات أفضل.

بلورت تلك الدراسة إحدى وظائف الندم المهمة، لتمكين الأشخاص من تبديل الخيارات عند مواجهة نفس القرار مرة أخرى، والتصرّف بطريقة أكثر ملاءمةً عند مواجهة اختيارات مماثلة في المستقبل، ويُعتَبَر ذلك دليلاً جديداً على دور التطور العاطفي – جنباً إلى جنب مع التطور المعرفي في تطوير عملية صنع القرار.

يوفر هذا التركيز على الندم طريقة جديدة للتفكير في سبب اعتبار بعض الأطفال الصغار هم من يتخذون القرار بشكل أفضل من غيرهم، أو لماذا قد تتغير أنواع معينة من اتخاذ القرار مع تقدم الأطفال في السن.

6 نصائح للتعامل مع الندم

لتقليل المشاعر السلبية التي قد تنتج عن الندم، والاستفادة منه كدافع لاتخاذ قرارات مستقبلية أفضل؛ إليك 6 نصائح مهمة:

  1. قبول الندم: قد يساعد قبول المشاعر السلبية؛ مثل الندم، على تقليل آثارها النفسية السلبية.
  2. تدوين أخطاء الماضي: يفيد ذلك في تفادي الوقوع في الأخطاء ذاتها في المستقبل، سواء كانت نتيجة الفعل أو التقاعس عن الفعل. كذلك، فإن تدوين أي شيء قمت به لتصحيح سلوكك وتقليل احتمالية ظهور ندم مستقبلي خاص بنفس النقاط هو أمر مهم.
  3. سل نفسك “هل سأندم؟” قبل أن تقرر القيام بشيء ما أو عدم القيام به: انظر إذا كان بإمكانك معرفة أي قرار من المُرجّح أن يؤدي إلى الندم وحاول استبعاده.
  4. تخلص من فخ التفكير حول “لن أفعل ذلك مرة أخرى”: بدلاً عن التعهُّد بعدم ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى؛ اعترف بأنك بحاجة إلى استراتيجيات لتحسين عاداتك تدريجياً، أو الحد من العواقب السلبية عندما تكون لديك إخفاقات في ضبط النفس.
  5. اعترف بما تشعر به، حتى لو كان ندماً: يساعد الاعتراف بالندم بدلاً عن إنكاره، على التفكير في استراتيجيات يمكن استخدامها لتقليل ألم التجارب المستقبلية النفسي. أيضاً؛ تحديد المشاعر التي تشعر بها على وجه التحديد -أي الاعتراف بـ “أنا أشعر بالندم” و”أشعر بالسوء” بدلاً عن مجرد التفكير- يجعلك أكثر تحكماً في المشاعر التي تمر بها.
  6. آمن بقدرتك على النمو، وتجاوز تلك المشاعر: فاتخاذك لبعض القرارات الأقل مثالية لا يعني أنك محكوم عليك بالفشل الدائم في أي مجال.

إن الشعور بالندم سيبقى ما دامت فرص التغيير مفتوحة، وعلى الرغم من أن الندم مسؤول عن بعض التقلبات العاطفية في بعض الأحيان، ويمنعنا من الإحساس بالسلام الداخلي؛ فإنه لا يزال له جانب إيجابي، لأنه يدفعنا باستمرار إلى التحسُّن والتعلُّم من نجاحاتنا وأخطائنا، وهذا بدوره يزيد من جودة القرارات المستقبلية، ويحسّن الظروف المعيشية عموماً.

المحتوى محمي !!