وجّه خيالك وعزز صحتك النفسية

4 دقائق

ليكن هذا السطر الأهم الذي يجب عليك تذكره وأنت تقرأ: بمقدور كُلٍّ منّا أن يتخيل عالماً مغايراً عن الواقع في ذهنه إن توفرت له الظروف المناسبة والمعرفة الكافية. ليس خيالاً صعب المنال أن يسافر بنا التخيّل الموجّه (Guided Imagery) بإحكام؛ حيث يكون بإمكاننا من خلال ذلك التصوّر استنساخ أنفسنا وصياغة سيناريوهات أفضل مغلّفة بصبغة إيجابية ونظرة كلها تفاؤل تُسهم بلا شك في تحسين مزاجنا العام، وإدارة القلق الذي نشعر به، أو حتى تعزيز حالتنا النفسية.

خيالك.. الواقع بثوب مختلف

يُعتبر التخيّل الموجّه؛ الذي يسمى أيضاً "التصور الموجّه" و"أحياناً التأمل الموجّه"، من الأساليب سهلة التعلّم التي كانت تُستخدم قديماً ولا زالت. وعادةً ما يتصف التخيّل الموجّه بين الممارسين له بفعاليته المذهلة وسهولة التمرّن عليه حتى إتقانه، وقدرته على إيصال الإنسان لذروة مشاعر الانغماس في أحلام اليقظة؛ والتي لا تخلو بكل تأكيد من التصورات المفعمة بالحيوية.

يساعدنا التخيّل الموجّه في نقلنا ذهنياً إلى أي مكان نستطيع فيه إيجاد الهدوء والسلام الداخلي، وبالنظر إلى الارتباط الوثيق بين عقولنا وأجسادنا؛ يمكن أن يجعلنا التخيّل الموجّه أكثر قدرة على تجربة الشعور بتجارب لا حصر لها وذلك فقط من خلال تخيلها. لعلك تتساءل الآن كيف يعمل  التخيّل الموجّه؟ فيما يلي بعض المعلومات العامة عنه:

  • التخيّل الموجّه هو تصورات موجهة قد يصحبها استماع لتسجيلات صوتية أو مدرس أو مجموعة من التعليمات المكتوبة لإرشاد المرء خلال ممارسته له.
  • يتطلب التخيّل الموجّه أن تعمل كل الحواس بانتظام وتناسق وتكامل. على سبيل المثال؛ في ليالي الشتاء الباردة قد يتمنى المرء لو أن بمقدوره السفر في الزمن والذهاب لشاطئ رماله ذهبية تحت أشعة الشمس الصيف الحارة. هنا قد يسافر الشخص ذهنياً بخياله مع الاستماع لصوت انكسار الموج وتخيل النسيم الدافئ، ولون البحر الأزرق، والرائحة الحلوة لجوز الهند وطعم عصيره اللذيذ بحيث يشعر حقاً كما لو أنه هناك.

خيالك.. وصحتك

قلق وتوتر أقل!

تشير الأدلة العلمية إلى أن التصورات الموجهة قد تساعد في تقليل مشاعر القلق والتوتر. في دراسة أميركية، تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين؛ مارست إحداهما التخيّل الموجّه يومياً لمدة 10 أسابيع، بينما مارس المشاركون في المجموعة الأخرى روتينهم اليومي المعتاد. في نهاية الدراسة، سجّلت المجموعة الأولى انخفاضاً كبيراً في مستويات شعورهم بالتوتر والتعب الجسدي والألم الجسدي والاكتئاب مقارنة بالمجموعة الثانية.

في مثال آخر؛ قارنت دراسة أُجريت على مرضى من "وحدة الرعاية المتقدمة" (Progressive Care Unit) الذين عادة ما يعانون من مستويات عالية من الألم والقلق، ويُظهرون صعوبة في النوم؛ حيث بيّنت فوائد التخيّل الموجّه في تخفيف التوتر مقارنةً مع "التدليك السريري" (Clinical Massage).

وفي الدراسة ذاتها، وجد العلماء أن 30 دقيقة من التصوّر الموجّه تحمل تأثيرات إيجابية مماثلة لتلك التي يتم الحصول عليها بعد التدليك السريري لمدة 15 دقيقة. وفي دراسة ثالثة، ساعد التأمل الموجّه في تقليل قلق ما قبل الجراحة، كما أظهرت دراسة أن ممارسة التخيّل الموجه خفّضت من قلق ما قبل الاختبارات لدى الطلاب.

نوم أفضل!

بطبيعة الحال؛ يمكن أن يؤدي القلق والتوتر إلى ظهور أعراض جانبية كصعوبة النوم، بيد أن العديد من الدراسات تشير إلى دور التأمل الموجّه في تحسين النوم. على سبيل المثال؛ في الدراسة المذكورة أعلاه التي كان مشاركوها من مرضى وحدة الرعاية المتقدمة، أفاد المرضى الذين مارسوا التخيّل الموجّه أن نومهم قد تحسن بشكل ملحوظ.

وبالمثل؛ وجدت دراسة أميركية أُجريت على كبار السن أن ممارسة اليقظة الذهنية التي تضمنت التصوّر الموجّه قد كان لها أثر ملحوظ على تحسين جودة النوم، وفسّر العلماء ذلك بأن التأمل اليقظ حسّن من كيفية استجابة الجسم للتوتر؛ ما جعل النوم أسهل وذي جودة أفضل.

آلام أقل!

أظهرت الأبحاث أن التوتر يحمل في تفاصيله القدرة على زيادة إدراكنا للألم، وبشكل معاكس؛ يساعدنا التأمل الموجّه في إدارة الألم، كما يحدث بعد جراحة العظام بحسب هذه الدراسة. ووجدت دراسة أخرى أجريت عام 2019، أن التصوّر الموجّه يُقلل من آلام ما بعد الجراحة لدى الأطفال. ووفقاً لدراسة أجريت عام 2019 أيضاً؛ ساعد التصوّر الموجّه جنباً إلى جنب مع ممارسة "استرخاء العضلات" في تخفيف الألم لدى مرضى السرطان من الأطفال.

أعراض اكتئاب أقل!

وفقاً لمراجعة علمية؛ يرتبط الاكتئاب في غالب الأحيان بتصورات ذهنية سلبية. ومع ذلك، فقد تتمكن الصور الإيجابية التي يتم إنشاؤها عند ممارسة التخيّل الموجّه من تغيير تلك التصورات غير الصحية. وفي دراسة أجريت عام 2019، أسهمت ممارسة التصوّر الموجّه لمدة أسبوع في تقليل أعراض الاكتئاب لدى الأشخاص المصابين بالسرطان؛ حيث أبلغ المشاركون عن شعورهم بمستويات ألم أقل ومستويات قلق أقل.

كما وجدت دراسة أجريت عام 2018 نتائج مماثلة بانخفاض مستويات الاكتئاب والقلق لدى الأشخاص الذين يخضعون لعملية غسيل الكلى بعد ممارستهم التخيّل الموجّه.

كيف أمارس التخيّل الموجّه؟

لممارسة التخيّل الموجّه بشكل صحيح؛ علينا اتباع الخطوات التالية بالترتيب المحدد لنضمن الحصول على أفضل تجربة:

  • الجلوس أو الاستلقاء في مكان مريح وهادئ مع إغلاق العينين.
  • التنفس بعمق قدر الإمكان حتى تستعد نفسياً وعقلياً وتسترخي.
  • تخيل بيئة هادئة ومليئة بالسلام، وهذا يعتمد على الشخص نفسه، فقد تكون هذه البيئة قمة جبل شاهق، أو سهول خضراء، أو مشهداً لغروب الشمس أو شروقها من أمام شاطئ، أو أي مكان يختاره الممارس.
  • يجب أن تتعمق في المشهد الخاص بك، وتسعى لإضافة كل التفاصيل الممكنة. على سبيل المثال؛ هل هناك شمس؟ هل تشعر بالدفء الذي تبعثه حرارتها؟ ماذا تشم حولك؟ كيف تبدو ألوان السماء؟ هل هناك غيوم؟ كيف يبدو انعكاس الشمس على الأشياء من حولك؟ وتفاصيل أخرى يمكنك تصورها حينما تطلق العنان لعقلك.
  • احرص على إضافة مسار يمكنك اتباعه إلى مشهدك. في أغلب الأحيان يساعد ذلك في الشعور بالاسترخاء أكثر فأكثر؛ بحيث تتنقل من مكان لمكان أكثر خلال الممارسة، وتساعد على الانغماس أكثر وأكثر.
  • عليك التنفس ببطء والشعور بالهدوء من حولك في الواقع.
  • اربط هذه التصورات والخيال بكلمة أو صوت يمكنك استخدامه في المستقبل لمساعدتك على العودة إلى نفس هذا المكان الهادئ.
  • إذا أصبحت جاهزاً لفتح عينيك؛ عدّ إلى 3 ثم افتح عينيك.
  • قيّم تجربتك ولاحظ كيف انعكس ذلك على مشاعرك.

في النهاية، لا تنسَ أنه من السهل خداع العقل عن طريق التخيّل الموجّه الذي يسافر بك إلى أي مكان تريد الذهاب إليه لتنعم بالهدوء والسلام. ولنتذكر دائماً أن بإمكاننا من خلال خيالنا أن نرسم الأحداث والمشاهد كما نريد؛ ما يسهم بدوره في تقوية مساعي إدارتنا للتوتر والقلق والاكتئاب، وتعزيز صحتنا العامة والنفسية والعقلية.

المحتوى محمي