ملخص: أضحى نمط الحياة العصرية سريعاً للغاية؛ إذ يمضي اليوم في لمح البصر! كوني أماً عاملة ترعى أطفالها الصغار، فأنا أقوم بالكثير من المهام اليومية وأحياناً لا يكفي الوقت من أجل تنفيذ المهام جميعها؛ ولهذا سألت نفسي إن كان يمكن شراء المزيد من الوقت، والحقيقة أن هذا ممكن وسوف نخبركم بطريقة الشراء من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
"إذا كنت تعتقد أن المال لا يمكنه شراء السعادة، فأنت لا تنفقه على نحو صحيح".
أستاذ الاقتصاد السلوكي بجامعة هارفارد، مايكل نورتون (Michael Norton)
كم مرة كنت تود مقابلة أحد أصدقائك وأخبرك بأنه ليس لديه وقت؟ كم مرة شعرت بأن اليوم يمضي دون أن تستطيع تقضية الوقت مع أطفالك وعائلتك؟ هل أنت واحد من الأشخاص الذين يشربون قهوتهم الصباحية وهم يسرعون إلى العمل حتى لا يتأخروا؟
الحقيقة أن أغلب العاملين يشعرون بأنهم لا يملكون ما يكفي من الوقت، ووفقاً لما ذكرته دراسة بحثية نشرتها عام 2017 مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)؛ فإن إنفاق المال على المشتريات التي توفر الوقت يعزز السعادة اليومية ويقلل الحالة المزاجية السلبية، فهل يمكنك شراء الوقت من أجل زيادة الشعور بالسعادة؟ وماذا تفعل من أجل امتلاكه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
العلاقة بين المال والوقت والسعادة معقدة!
ما الذي يجعلنا أكثر سعادة، الوقت أم المال؟ من الناحية النفسية، نحن نسعى دائماً خلف المال حتى نشعر بالرضا، وجود المال في حسابك المصرفي أمر ملموس، أما 3 ساعات من يومك ليست بالأمر الجلل؛ وهذا هو السبب في أننا نتخلى عن وقتنا بسهولة من أجل المال، ثم ماذا نفعل بهذا المال؟ نحاول شراء السعادة أو الأشياء التي تجعلنا سعداء.
لا يمكنك حرفياً شراء السعادة من متجر؛ ولكن عادة ما يُستخدم المال بطرائق معينة؛ مثل شراء الأشياء التي تجلب لك السعادة، وفي الكثير من الأحيان تكون هذه السعادة قصيرة الأمد.
ومع مرور الوقت، لم نعد نعمل فقط من أجل المال وشراء الأشياء المسببة للسعادة؛ ولكن أضحى العمل الزائد مقابلاً للقيمة؛ كلما عملنا لوقت أطول، زادت قيمتنا؛ ومن ثَمَّ أضحت لدينا جداول زمنية مثقلة بالمهام، وأصبح الركض هو سمة هذا العصر! نحن نتعامل مع اللحظة الراهنة وكأنها عقبة يجب التغلب عليها، فلا يمكننا الاستمتاع بلحظات الفراغ لأن هناك دائماً المزيد للقيام به.
ما هي المجاعة الزمنية؟
ظهر مصطلح "المجاعة الزمنية" أو "مجاعة الوقت" للمرة الأولى عام 1999، ويشير إلى الشعور بوجود الكثير من العمل للقيام به ولكن لا يوجد الوقت الكافي للانتهاء منه، وقد اهتم الباحثون بدراسة هذه الظاهرة بسبب التقارير المتزايدة عن اختفاء أوقات الفراغ، فنحن أصبحنا نعيش في مجتمع مدمن على الحركة المستمرة والعمل دون توقف؛ ما يجعل اختيار الراحة والجلوس والبقاء ساكناً أمراً محفوفاً بالذنب في كثير من الأحيان. وحتى التكنولوجيا والأجهزة الحديثة التي ترافقنا أعطتنا طريقة ملائمة لتغذية إدماننا على الانشغال، فأصبح وقتنا ضيقاً للغاية.
اقرأ أيضاً: كيف تستثمر حاضرك ولا تنشغل بماضيك أو مستقبلك؟
5 أسباب للمجاعة الزمنية
عندما تعاني المجاعة الزمنية، قد تشعر بالإرهاق، وعدم التقدير، وتقترب من نقطة الاحتراق الوظيفي، ومع ذلك تشعر بأنك يجب أن تعمل لوقت إضافي من أجل تحقيق النجاح وتعزيز مكانتك في حياتك المهنية؛ ما قد يجعلك تشعر بالذنب إذا فكرت في تخصيص لحظة للرعاية الذاتية والاسترخاء! وفي نهاية المطاف، سوف يؤدي هذا إلى حلقة مفرغة تتأرجح بين الإرهاق من فرط العمل، والشعور بالذنب عند التفكير في الراحة؛ ولكن ما أسباب المجاعة الزمنية؟
- تصفح مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار: في كل مرة نلجأ فيها إلى هواتفنا للتحقق من البريد الإلكتروني أو تصفح صفحات التواصل الاجتماعي، نحبس أنفسنا في دائرة من الانشغال تجعل وقتنا يمر دون أن نشعر بأي عائد.
- التشتت وتعدد المهام: إن ملء أيامنا بالتشتت وتعدد المهام والحركة يؤدي إلى الشعور بفقر الوقت. لقد أصبحنا مستهلكين للوقت على نحو كبير، وفي الوقت نفسه، نحلم بحياة مليئة بالراحة ونحاول شراء الأشياء التي نظن أنها سوف تُسعدنا؛ وهذا يؤدي إلى شعورنا بالصراع الداخلي الذي يصيبنا بدوره بالتوتر والقلق.
- تأثير الإلحاح: وهي الظاهرة التي تجعلنا نعطي الأولوية للأشياء العاجلة غير المهمة؛ مثل إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي والتحقق من البريد الإلكتروني دون توقف عوضاً عن قضاء الوقت مع العائلة، وحين يكون هناك الكثير من الأشياء العاجلة التي يجب القيام بها على الفور كما لو أن كل شيء يمثل أزمة محتملة، يتفاقم الإحساس بالتوتر.
- التحول في إدراك المكانة الاجتماعية: من الناحية الثقافية، أصبح هناك تحول في إدراك المكانة الاجتماعية؛ حيث لم تعد الأشياء والسلع المادية هي المؤشر الوحيد إلى مكانة الفرد الاجتماعية. الآن، يُنظر إلى الأفراد المنشغلين في العمل، والمثقلين بالمهام اليومية، والذين ليس لديهم وقت فراغ، على أنهم يتمتعون بمكانة أعلى.
- تجنب المشاعر السلبية والمواقف المؤلمة: في بعض الأحيان، يكون بعض الأشخاص مشغولين دائماً كوسيلة لتجنب أو تخدير المشاعر والمواقف المؤلمة، فمن خلال العمل الدائم يمكنهم تجيب التركيز على مشاعرهم.
هل يحقق شراء الوقت السعادة؟
خلال العقود الأخيرة، ارتفع مستوى الدخول في العديد من بلدان العالم؛ ما أدى إلى تفاقم صورة جديد من صور الفقر؛ وهي فقر الوقت أو المجاعة الزمنية التي ترتبط بمشاعر القلق والتوتر وانخفاض الإحساس بالسعادة، والحقيقة أن المجاعة الزمنية لم تؤثر فقط في زيادة مشاعر القلق والتوتر ولكنها أدت أيضاً إلى ارتفاع معدلات السمنة؛ وذلك لأن الأفراد لا يجدون الوقت الكافي لتناول الطعام الصحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. ولكن هل يمكن استخدام المال من أجل شراء السعادة؟
وجدت دراسة بحثية نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences) عام 2017 أن الأفراد الذين ينفقون أموالهم على خدمات توفير الوقت يشعرون بقدر أكبر من السعادة وذلك لأن توفير الوقت يقلل التوتر والقلق ويحمي من ضغوط الحياة اليومية.
وفي هذا السياق، تؤكد أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة كولومبيا البريطانية (University of British Columbia) آشلي ويلانز (Ashley Whillans) إن المال يمكن أن يشتري السعادة لأنك حين تدفع لشخص آخر من أجل القيام بالعمل الشاق الذي لا تحبه والذي يستغرق وقتاً طويلاً؛ مثل تنظيف المنزل أو إعداد الطعام أو غسل الأطباق، فأنت ستشعر برضا أكبر عن الحياة وستكون أكثر سعادة في هذا اليوم؛ أما شراء الأغراض المادية فإنه يوفر السعادة لوقت قصير فحسب.
وقد شملت الدراسة السابق ذكرها 6,000 شخص من 4 بلدان؛ حيث أعطى الباحثون المتطوعين 40 دولاراً لمدة أسبوعين، وطلبوا منهم في أحد الأسابيع شراء شيء مادي مثل قميص، وفي الأسبوع التالي كان عليهم دفع المال لتوفير الوقت لأنفسهم. مع نهاية الدراسة، أكد المشاركون إنهم شعروا بسعادة أكبر بعد توفير الوقت مقارنة بشراء الأشياء.
وتشرح أستاذة علم النفس المشاركة في الدراسة، إليزابيث دن (Elizabeth Dunn)، إن هذه الدراسة لا تقتصر على الأغنياء. ففي بعض الأحيان، قد يتخيل الناس أن خدمات توفير الوقت تعني مدبرة منزل مقيمة وخادم شخصي؛ ولكن ما تقصده الدراسة هو الخدمات التي توفر الوقت جميعها؛ مثل خدمة توصيل طلبات البقالة إلى المنزل، وتضيف دن إنه بغض النظر عن مستوى الدخل، فإن إنفاق المال لشراء الوقت يرتبط بزيادة الرضا عن الحياة.
اقرأ أيضاً: 5 عادات يومية تهدر وقتك وطاقتك، فكيف تتخلص منها نهائياً؟
كيف تملك وقتك وتصبح سعيداً؟
عندما نمضي سريعاً في الحياة، يبدو الأمر مثل التهام وجبة كاملة دون أن نتذوق الطعام أبداً، والحقيقة أننا لا نحتاج إلى المزيد من الوقت لإنجاز الأمور؛ نحن نحتاج إلى تنظيم الوقت، وهذه أهم طرائق القيام بذلك:
- قدّر نفسك: الخطوة الأولى لتجاوز مشاعر المجاعة الزمنية هي الرجوع خطوة إلى الوراء، ومحاولة تقدير نفسك. لا تنظر إلى قيمتك الذاتية وفقاً للعمل الذي تقوم به، فأحياناً ننغمس في الحياة المهنية إلى درجة ننسى معها أننا لسنا وظائفنا؛ نحن أكثر من ذلك بكثير! ولهذا توقف لحظة عن الركض وافتح يومياتك، وأعِدّ قائمة بالصفات والمواهب والرغبات التي تجعلك الشخص الذي أنت عليه الآن.
- أعد ترتيب أولوياتك: أحياناً نعمل بجد من أجل الحصول على ترقية، وبعد الحصول عليها نعمل بجد أكبر حتى نجني المزيد من المال، نظن وقتها أن المال سوف يساعدنا على الاسترخاء والاعتناء بأنفسنا ولكن هذا مجرد وهم. إذا لم تتعلم تخصيص الوقت لما يهمك حقاً الآن، فستشعر دائماً بعدم وجود الوقت الكافي؛ وعليه فهذا هو الوقت المناسب لتقييم الأشياء التي تهمك. على سبيل المثال؛ إذا كانت لديك عائلة في المنزل، فهل ستختار البقاء معها أم الانكباب على إنجاز مشروع مهني قبل موعد تسليمه النهائي؟
- تعرف إلى أهمية الصحة النفسية والرعاية الذاتية: في حين أنه من الرائع أن تتقدم في حياتك المهنية وتحقق النجاح لنفسك؛ إلا أنه لا يوجد شيء أكثر أهمية من صحتك النفسية والجسدية وروتين الرعاية الذاتية الخاص بك. حيث إن هناك أشياء قليلة في هذه الحياة يمكن أن تجلب السلام؛ منها الاعتناء بنفسك عقلياً وعاطفياً وجسدياً.
- تعلم أن تقول "لا": ماذا تفعل حين يطلب منك رئيسك أن تقوم بعمل إضافي؟ هل توافق ظناً منك أن الموافقة سوف تجلب لك النجاح والتميز؟ الحقيقة أن هذا لن يحدث؛ لأنه عندما تحاول إنجاز الكثير من الأشياء ستجد في نهاية الأمر أنك تقوم بمجموعة هائلة من الأعمال الروتينية مع عدم القيام بأي شيء استثنائي. ووفقاً لما ذكره مؤلف كتاب "العودة إلى الجوهر: السعي المنضبط لبذل الأقل" (Essentialism)، غريغ ماكيون (Greg McKeown)؛ فإن ما يميز الأشخاص الناجحين هو قدرتهم على قول "لا"، ويضيف ماكيون إن الأمر لا يقتصر على قول "لا" بعشوائية؛ بل التخلص من الأشياء غير الضرورية على نحو هادف ومتعمد واستراتيجي.
- أنفق مالك على التجارب وليس الأشياء: حين تفكر في شراء سعادتك بالمال، لا تذهب إلى المتجر وتشتري الأغراض التي ستوفر لك السعادة لوقت قصير؛ ولكن حاول خوض تجارب جديدة عوضاً عن ذلك: اذهب في رحلة أو لحضور حفلة موسيقية مع أصدقائك؛ هذه التجارب ستخلق ذكريات قيمة مشتركة مع الآخرين. تلك الذكريات تحمل معنىً مع إحساس عميق بالسعادة أكثر من الأشياء التي يمكن شراؤها، هذا بالإضافة إلى أن تجاربنا تشكل جزءاً كبيراً من إحساسنا بالهوية.
- حاول العثور على الأنشطة التي تلبي أكثر من هدف واحد: إذا كنت ترغب في قضاء المزيد من الوقت مع أولادك وفي الوقت نفسه تود تعلم هواية جديدة، فلماذا لا تجمع بين هذه الأهداف؟ يمكنكم على سبيل المثال تعلم الصيد أو الرسم أو الطبخ معاً.
- ضع جدولاً زمنياً يغطي مناحي حياتك كافةً: حين تضع قائمة المهام الخاصة بك، يجب ألا تشمل مهام العمل فقط؛ ولكن ركز على جوانب أخرى. وفي هذا السياق، يوضح المختص التربوي جاسم المطوع إن تنظيم الوقت يقتضي تغطية مناحي الحياة كافة؛ مثل الجوانب الروحية والاجتماعية والثقافية والرياضية.