ملخص: تُعد شخصية المتلاعب العاطفي واحدة من الشخصيات التي يصعب كشفها وذلك لسببين؛ الأول أن علاقته بالضحية تكون غالباً وثيقة لدرجة تبرير أفعاله بحُسن الظن، أما السبب الثاني فيتمثل في الأساليب الملتفة التي يلجأ إليها المتلاعب مثل الإسقاط أو استغلال نقاط الضعف. وقد يعود سبب التلاعب العاطفي إلى نشأة الفرد في بيئة اعتاد فيها الوالدان اللجوء إلى سلوكيات التلاعب معه، أو إصابته ببعض اضطرابات الشخصية مثل اضطراب الشخصية النرجسية. لكن في الأحوال كلها، إذا كنت تتعامل مع شخص متلاعب عاطفياً يجب عليك اتباع بعض الإرشادات الفعالة التي يقدمها المقال للنجاة من التأثير الضار لعلاقتك به.
عندما نتعرض للتلاعب العاطفي غالباً لا ننتبه إلى ذلك مبكراً، فبنسبة كبيرة يكون المتلاعب شخصاً مقرباً لنا مثل الزوج أو أحد أفراد الأسرة أو من دائرة أصدقائنا، وهذا ما لا يجعلنا نتوقع أن يطالنا أذىً نفسي بالغ منه. وفي الوقت نفسه، يكون سلوك المتلاعب مستتراً أحياناً وراء مبررات مثل أنه يفعل تلك السلوكيات من أجل مصلحتنا، أو اعتذاره أحياناً مع تقديم الوعود بأن يصبح إنساناً أفضل.
وينتشر التلاعب العاطفي في مختلَف العلاقات والمواقف بحسب المختصة النفسية أميليا كيلي (Amelia Kelley)، فيمكن أن يظهر في المنزل بين الزوجين أو أفراد الأسرة، وكذلك قد يظهر في العمل بين الزملاء أو بين الموظف ومديره؛ لكنه باختلاف نطاق علاقاته وأماكن حدوثه يظل إساءة تسبب قدراً كبيراً من الضيق والأذى للضحية، ويجعلها تشعر بعدم الأمان وتشك في ذاتها وتميل إلى العزلة عن الآخرين.
ونظراً لأنه من الصعب التعرف إلى التلاعب العاطفي، فإن الوعي به ضروري وسنتطرق في مقالنا إلى تعريفه وأسبابه وعلاماته وأيضاً كيفية التعامل معه.
ما هو التلاعب العاطفي؟
يعرّف الطبيب النفسي السعودي طارق الحبيب التلاعب العاطفي بأنه استغلال التعلق العاطفي لشخص ما بهدف إدراته لتحقيق مصالح المتلاعب، ويكون ذلك من خلال توظيف تلك المشاعر للتحكم في عقل ذلك الشخص وسلوكياته.
ويشير الطبيب النفسي المصري محمد المهدي إلى أن المتلاعب عاطفياً يكون عادةً أحد الأشخاص المقربين للمتلاعب، ويلجأ إلى استغلال خوفه وشعوره بالذنب للسيطرة عليه، ويكون مدركاً لنقاط ضعف المتلاعَب به جيداً فيدير تلاعبه بكفاءة لتحقيق أهدافه وفرض سيطرته عليه، جاعلاً منه رهينة عاطفية.
اقرأ أيضاً: ما هو التعلق العاطفي المرضي؟ وكيف تتحرّر من العلاقات السامة؟
لماذا يصبح البعض متلاعباً عاطفياً؟
تفسر استشارية العلاقات الزوجية شيري ستراتوف (Sheri Stritof) دوافع المتلاعبين عاطفياً بأنهم يهدفون إلى الحصول على ما يريدون وفي الوقت نفسه يتجنبون تحمل عواقب أفعالهم، والبعض الآخر منهم يبحث عن إثارة الشفقة أو الاهتمام.
أما ما جعل سلوكياتهم تأخذ هذا المنحى فتُرجعه ستراتوف إلى نمط التربية غير السويّ، فربما كان عليهم التلاعب بوالديهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية أو تجنب العقوبة. ومن ناحية أخرى قد يكونون هم أنفسهم ضحايا التلاعب من جانب والديهم؛ ما جعلهم يعتادون التلاعب العاطفي لتحقيق ما يريدون لاحقاً.
ويرتبط التلاعب العاطفي في بعض الحالات باضطرابات نفسية معينة مثل القلق أو اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) أو اضطراب الشخصية الحدية (BPD).
ويتسم المتلاعبون عاطفياً بصفات تقف وراء تلاعبهم؛ في مقدمتها بحسب الطبيب النفسي جايسون دريك (Jason Drake) تدني احترام الذات، فهم لا يشعرون أن لديهم ما يكفي من المزايا ليحصلوا على ما يريدون، إلى جانب الأنانية وتغذية غرورهم بالسيطرة على الآخرين واستنزافهم.
اقرأ أيضاً: الاغتراب الأبوي: هل يمكن لأحد الوالدين التلاعب بطفله نفسياً؟
أشهر 9 أساليب للتلاعب العاطفي
يلجأ المتلاعبون عاطفياً وفقاً للمختصة النفسية ماغي هولاند (Maggie Holland) إلى اتباع أساليب عديدة يسيطرون من خلالها على ضحاياهم؛ وأشهرها:
- التشكيك: يعمد المتلاعب إلى جعل الشخص الذي يتلاعب به يشكك في كل شيء؛ ذاكرته وثقته بنفسه وعقله وما يشعر به وحتى هويته، ويهدف من وراء ذلك إلى فرض سيطرته الكاملة عليه.
- الاستعانة بطرف خارجي: فقد يتفق المتلاعب مع هذا الطرف على أن يقف في صفه ليزيد شعور ضحيته بالعزلة، ويوظف انتصاره في سياق اعتمادها عليه أكثر.
- الإسقاط: وهي آلية دفاع نفسي تتمثل في أن يُسقط الشخص مشاعره أو رغباته على شخص آخر، وقد يحدث ذلك في التلاعب العاطفي بأن يخبر المتلاعب الطرف الآخر بأنه على سبيل المثال متحكم للغاية، فيستجيب له بتنفيذ ما يريد دون وعي.
- التحكم في حياة الشخص الآخر: ويعني التحكم في حياته اليومية وأنشطته؛ كتقييد علاقاته الاجتماعية وتحجيم وصوله إلى أمواله، والهدف من ذلك ألا يكون للشخص سلطان على حياته فيحتاج إلى المتلاعب حتى يسيّر له أموره.
- التغيير المستمر للمواقف: فمثلاً قد يتفق الشخص المتلاعب مع شريكة حياته على معايير معينة لإنجاح العلاقة، وفي منتصف الطريق يغير موقفه ويضيف معايير جديدة من أجل عرقلة نجاحها.
- الإغراق بالحب الزائف: يظهر هذا الأسلوب في بداية علاقة المتلاعب؛ إذ يعمل على إيقاع الطرف الآخر بغمره بالعواطف والمشاعر القوية وتقديم الهدايا والاهتمام الزائد له، ليبني علاقة سريعة يوظفها لاحقاً لخدمة مصالحه.
- استغلال نقاط الضعف: يدرس المتلاعب شخصية ضحيته بهدف الوصول إلى نقاط ضعفها ثم استغلالها، فمثلاً إذا كانت الضحية مرت بطفولة لم تحظَ فيها بالاهتمام الكافي نتيجة أنانية أحد الوالدين، سيلجأ إلى اتهامها بالأنانية لأن ذلك سيضغط على جرح عميق نشأ في الصغر؛ وبالتالي ستسأل الضحية عما يمكنها فعله حتى لا تكون أنانية.
- لوم الضحية: يُظهر المتلاعب ضحيته على أنها جانية ويعمل على إقناعها بأن سلوكه ما هو إلا نتيجة لأفعالها السيئة.
- تحميل الطرف الآخر مسؤولية مشاعره: مثلاً قد يقول المتلاعب للضحية إنها إذا خرجت مع أصدقائها الليلة سيشعر بالحزن والوحدة، ويهدف من وراء ذلك الأسلوب إلى عدم فعلها شيء دون أخذ موافقته.
اقرأ أيضاً: كيف يخدع المتلاعبون بالمشاعر ضحاياهم؟
كيف تواجه التلاعب العاطفي؟
يوجد العديد من الإرشادات الفعالة التي عليك اتباعها في حال إذا وجدت أنك أمام شخص يتلاعب بك عاطفياً؛ وأهمها:
- أكّد حدودك الشخصية بطريقة واضحة ولا تتنازل عنها.
- راقِب أساليب التلاعب التي يستخدمها المتلاعب ضدك وتجهَّز لمواجهتها بالمنطق والحكمة.
- أعِد التواصل مع ذاتك وثق بقدراتك مهما حاول المتلاعب التقليل منها.
- في حال لم تُجدِ محاولاتك لإصلاح العلاقة فلا تتردد في إنهائها من أجل سلامك النفسية.
- شارِك الأشخاص المقربين منك تجربتك واستعِن بدعمهم لتجاوز الأثر النفسي السيئ للتلاعب العاطفي الذي مررت به.
- في حال استمرت الآثار السلبية للتلاعب العاطفي فالجأ إلى المعالج النفسي في أقرب فرصة.
اقرأ أيضاً: كيف نمارس جميعاً التلاعب في الحياة اليومية دون أن نعي؟
ربما يكون من الصعب التعرف إلى الشخص المتلاعب عاطفياً، وحتى في حال معرفته ستكون هناك مهمة أخرى ليست سهلة وهي التعافي من آثار العلاقة التي ربطتك به؛ لكنها خطوة ضرورية من أجل استعادة توازنك النفسي والتواصل مع ذاتك الحقيقية وتخفيف وطأة ما عشته.