إن التخلي عن أحلامك ورغباتك، والتضحية وإمضاء الوقت في تهذيب وصقل شخصيتك، أمورٌ تؤدي مع العديد من الجوانب الأخرى من الحياة إلى نسيان الذات. فيما يلي 6 نصائح لإعادة التفكير في الذات وإعادة الاتصال باحتياجَاتك ورغباتك وتحديد أولوياتك.
تقول سيلفي تينينباوم، في كتابها "فكّر في نفسك أخيراً" (dans Pensez enfin à vous): "إن نسيان الذات، عائقٌ رئيسيّ أمام تحقيقها". ووفقاً لها: "يؤدي هذا إلى نوعين من السلوك؛ إما التضحية بالنفس كلياً للآخر، أو التضحية بالآخرين أو إلحاق الضرر بحياتك بشكلٍ أو بآخر، أو العيش تلقائياً، معزولاً عن أعمق احتياجاتك، دون رغباتٍ، جاهلاً بجذورك"، لأنه بحسب تعبيرها: "الحياة هكذا؛ ليس هناك ما يمكن توقعه منها".
بالنسبة للمعالجة النفسيّة، فإن إنكار الذات يحدث مع مرور الوقت، ويكون ذلك غالباً منذ الطفولة. ويحدث هذا ربما بسبب أن "أسلوب التعليم كان صارماً للغاية، بالإضافة إلى عمق المعتقدات والقيم (التفكير في الذات هو أن تكون أنانياً). كما أن صقل الشخصية من قبل الأبوين بالشكل الذي يرغبان فيه، يلعب دوراً مهماً في ذلك أيضاً، على الرغم من أن الشخصية تحتاج في ذات الوقت، إلى تجارب خاصّةٍ أو مهنيّةٍ مؤلمةٍ، يمكن أن تؤدي لحماية الذات من انزواء داخلي محتملٍ يكبت الإبداع أو الأحلام. فيما يلي قدمت سيلفي تينينباوم تدريباً يتكون من 6 خطواتٍ، لتعرف كيف تتواصل مع احتياجاتك الشخصية.
1. اسأل عن احتياجاتك
ماذا نحتاج؟ إن الاستماع إلى جسدك يجعل من السهل إعادة التواصل مع نفسك. هل نشعر بالتعب؟ هل نشعر بشدٍ عضليّ؟ أو نحتاج إلى التخلص من التوتر؟ أو على العكس من ذلك؛ لا نرغب في القيام بأي شيء؟ طبقاً لما ذكرته سيلفي تينينباوم؛ إذا اعتبرنا أجسادنا وكأنها جسدُ طفلٍ، فسنَعتني بها بشكلٍ أفضل؛ بحيث سنوفّر لها الرعاية التي تتطلبها. يؤدي تبني هذا المنظور بانتظامٍ إلى تغيير منهج استماعنا، بالتركيز على احتياجاتنا. ثم يتعلق الأمر بالانتقال إلى عواطفنا والسؤال عن شعورنا حيال موقفٍ غير سارّ أو حدثٍ مزعجٍ (وأين يحدث هذا الشعور في أجسادنا) بأكبر قدرٍ ممكنٍ من الدقة. ماذا يمكننا أن نفعل لأنفسنا؟ نهدأ، نتعلم الدروس، ونتأكد مما يخالج أنفسنا، وعلى الجميع أن يجد الإجابة الأنسب. بمجرد أن نتعرف على مصدر الإشارة الداخلية، يصبح من الأسهل أن نسأل أنفسنا عن احتياجاتنا الأساسية الحالية. هل نحتاج إلى مزيدٍ من الوقت، والعزلة والاعتراف والاتصال، وما إلى ذلك؟ إن تدوين الملاحظات يسمح لنا بتحديد احتياجاتنا؛ وبالتالي تكون أكثر شرعيّةٍ في أعيننا.
2. ركز من جديد على قيمك بشكل رئيسي
قيمنا هي أساس تنميتنا؛ إذا تجاهلناها فنحن بذلك أنكرنا ذواتنا. إن إدراج وكتابة ما نعتبره ضرورياً من أعمالنا يساعدنا على إعادة التفكير في أسس وجودنا. وبمجرد تحديدها، يبقى التفكير يقتصر فقط على كيفية وضعها موضع التنفيذ. إذا كانت قيمة "الإبداع" مركزيةً، فستحتاج إلى تحديد مكانٍ لها في جدول أعمالنا، وظروفٍ تجعلها موجودةً على أساسٍ يوميّ. اسأل نفسك هذا السؤال "ما معنى الحياة بالنسبة لي؟" يساعدنا الرد عليه دون رقابةٍ ذاتيةٍ، على قياس الفجوة المحتملة بين قيمنا واحتياجاتنا وواقع وجودنا. ولتعزيز البعد الملموس لهذا التأمل الذاتي؛ يمكننا التخطيط لمسار حياتنا حتى نهايتها، وإعادة عرض أحداث وجودنا، ثم بعد ذلك نسأل أنفسنا: "ما الذي يمكنني إزالته أو إضافته للحصول على الشعور بالاستفادة الجيّدة من وقتي؟".
3. تحييد ما يزعجك داخلياً
للقيام بذلك؛ ينبغي علينا أن نعطي أنفسنا الحق بالتصريح لأمر ما وكأننا آباء. وللأخذ بزمام الأمور؛ يمكننا استخدام أفعالٍ رمزيةٍ. على سبيل المثال؛ بيانٌ مكتوبٌ أو التحدث بصوت عالٍ: "أسمح لك بـ"، "أمنحك الإذن بـ" أو "أنا مخوّل بـ". في المقابل؛ لن يمنع هذا التصرّف مصدر الإزعاج؛ الذي بداخلنا (ذلك الآخر الذي يلتهم رغبتنا في الاستقلالية والوفاء) من القضاء على قراراتنا الجديدة. لذلك؛ من الضروري التعرف إلى صوته وصيغه من خلال عبارات على غرار "أنت أناني"، "أنت لا تستحق ذلك". كما أن تدوينها يعد أمراً مفيداً جدّاً، ومن ثم يمكن أن ننسبها إلى مالكها الأصلي (غالبا ما يكون أحد الوالدين). وبمجرد التعرف إلى مصدر الإزعاج الصادر بداخلنا، يمكننا تحييده بطريقةٍ رمزيةٍ مماثلةٍ بالقول له: "لن تتمكن من السيطرة على حياتي مرة أخرى، أنا شخصٌ بالغٌ، وأستطيع أن أفعل ما هو جيّدٌ بالنسبة لي". تسمح لنا عملية التحرير هذه باستعادة سلامتنا النفسية والقيام بعمل رمزي لتأكيد الذات. إذا كان مصدر الإزعاج مصراً ومستمراً، فمن الممكن أن تتحاور معه (لنزع سلاحه) ويمكن أن توجه له أيضاً أسئلةً مباشرةً على غرار "ولكن من أنت لتتحدث معي هكذا؟ بأي وجه حقّ تحكم عليّا؟ هل لديك دليلٌ رسميّ على ما تقوله؟ ما هي الفوائد الحقيقية التي سأجنيها من الاستماع إليك؟".
4. شيطنة الكسل أو اللذة
بالنسبة للأشخاص أو أولئك الذين ينسون أنفسهم أو يتخلّفون عن الآخرين، متكاسلين منسجمين مع الوضع، فإنهم يُنسون بين طيات الماضي. هؤلاء عادةً ما يردّدون: "أنا لا أستحق ذلك" أو "ليس هذا صحيحاً"؛ دائماً ما يكونون في تنافسٍ مع الوعي واللاوعي. إن مهاجمتهم وجهاً لوجهٍ غالباً ما تأتي بنتائج عكسيةٍ، فمن الأفضل الانحراف والتكيف بلطفٍ. يمكن اتباع هذا الأسلوب: خذ استراحةً لبضع دقائق عدة مراتً في اليوم (ثلاث مراتٍ على الأقل) واسترخِ لتشعر بالراحة في جسمك، وكن واعياً بتنفسك، وانظر من حولك، ودع أفكارك تفلت من ذهنك بعض الشيء، واستمتع بالتخلّص من شعور التوتر. كما أن هناك أسلوباً آخر؛ يتمثل في أن تمنح نفسك هدايا صغيرةٍ على أساسٍ منتظمٍ. بالإضافة إلى ذلك؛ اجعل وجبتك تتكون فقط من أطباقك المفضلة، ودلّل نفسك بأشياءٍ غير عمليةٍ لنفسك فقط، وخذ يوماً واحداً لا تفعل فيه شيئاً على الإطلاق (لا تنظيفاً ولا مهاماً، ولا تفعل ذلك بنفسك أيضاً). من المهم ملاحظة ما نشعر به وممارسة طريقة "إلغاء البرمجة" بانتظامٍ لقياس مدى تقدّمك.
5. تكلّم لتكون متلزماً
التفكير في نفسك هو موقفٌ يصعب الحفاظ عليه بمرور الوقت. هذا هو السبب في أنه من المستحسَن التعامل مع طرف ثالثٍ طيبٍ. إن مجرد تحويل رغبتك إلى كلماتٍ، يُعتبر التزاماً بالفعل. سواء كان الأمر يتعلق بمنح المرء وقت فراغٍ، أو تغيير التوجه المهني، أو رفض مثل هذا القيد أو تغيير الروتين، فمن المهم تحديد موعدٍ وتفصيل الوسائل اللازمة لتحقيق هدفك؛ من خلال السماح لأحد المقرّبين بتذكيرك بصفةٍ ودّيةٍ في حالة المماطلة أو الإهمال.
6. الاستعداد للتغيير
أي تغييرٍ في الموقف يؤدي إلى اضطرابٍ، فكل الذين استفادوا من تضحيات الشخص -الذي قرر أن يفكر أكثر- سيَدفعونه إلى منطقة راحتهم وعاداتهم. لذلك؛ سيكون من الضروريّ أن تتماسك جيّداً، لأن الإدراك الشخصي يستوجب ذلك. ولكنه يؤدي أيضاً إلى علاقاتٍ أكثر صحةٍ مع من حولك، لأنه من خلال الإفراط في العطاء والتضحية بالكثير، فإنك تشعر بالذنب، وتضع أحبائك أيضاً موضع المديونين لك. ولهذا؛ ينبغي ألا يؤثر التفكير في الذات والاعتناء بنفسك ورفاهيّتك على الآخرين. وهذه أخلاقياتنا التي ندين بها لأنفسنا وللآخرين.