ملخص: يربط الكثيرون بين قدر سعادتهم والأهداف التي ينجحون في تحقيقها؛ لكن المفارقة تظهر عندما يبذلون الجهد والوقت لتحقيق تلك الأهداف ثم لا يشعرون بالسعادة والفرح؛ بل يجدون الحزن والقلق في انتظارهم! يشير ذلك إلى وقوعهم ضحية لمغالطة الوصول التي نستعرضها في مقالنا من جوانبها كافةً.
محتويات المقال
"سأكون سعيداً عندما أتخرج في الجامعة"، "ستغير هذه الوظيفة حياتي بكل تأكيد"، "إذا ما تزوجت تلك الإنسانة سأصبح أسعد إنسان في الوجود"! تعكس الجمل السابقة المتتالية اللانهائية التي نركض فيها للحصول على المزيد من السعادة؛ لكن المدهش أن طموحنا نحو الأفضل ربما يلهينا عن استمتاعنا بما نمتلكه بالفعل!
ويرتبط السعي الدائم وراء الأهداف بنشأتنا في مجتمعات غالباً ما تمنح احترامها للأشخاص الذين تزدحم سجلات إنجازاتهم، فتعتبر أنه كلما زاد إنجاز الشخص كان ذلك دليلاً على جدارته؛ لكن التطلع نحو المزيد قد يصيبنا أحياناً باضطرابات نفسية من ضمنها مغالطة الوصول.
وتعني هذه المغالطة أنه على الرغم من نجاحنا في تحقيق الهدف الذي طال انتظاره لنسعد؛ إلا أننا نتفاجأ بأننا لم نصبح سعداء إنما نشعر بالحزن والضيق. فما الذي يؤدي بنا إلى هذه النتيجة العكسية؟ وكيف يمكننا أن نواجهها؟ هذا ما سنتعرف إليه في مقالنا.
ما هي مغالطة الوصول؟
يشير المختص النفسي السعودي، منصور العسيري إلى أن مغالطة الوصول هي الاعتقاد بأننا سنكون سعداء إذا ما وصلنا إلى محطة معينة من محطات حياتنا، وتُعد من الأفكار المغلوطة الشائعة. فمن وجهة نظر العسيري؛ السعادة أو التعاسة قرار يمكن اختياره في أي مرحلة من مراحل الحياة. لذا؛ إذا رغب الشخص بأن يكون سعيداً، فعليه أن يبحث عن سعادته في اللحظة الحالية.
ويضيف عالم النفس برينت ماكدونالد (Brent Macdonald) إن الكثيرين من الناس عندما يضعون أهدافهم ويسعون إلى تحقيقها، لا يستوعبون الإطار الأكبر الذي يعيشون ضمنه، فيحصرون قيم ذواتهم وحياتهم في أهدافهم، فيداهمهم الشعور بالرضا لفترة وجيزة عندما يصلون إلى المحطة النهائية للهدف ثم يعقبه شعور بالفراغ الكبير والتعاسة.
وقد يؤدي هذا الشعور بالفراغ إلى مشكلات نفسية أكبر بحسب المُحاضر في السلوك التنظيمي بجامعة هارفارد، تال بن شاهار (Tal Ben-Shahar) الذي يؤكد معاناة الكثير من المشاهير من مغالطة الوصول، وقد أدت بهم إلى الوقوع ضحية لاضطرابات نفسية أو تعاطي المخدرات أحياناً بعد نجاحهم في تحقيق أحلامهم!
ويصف شاهار دائرة مغالطة الوصول بأنها تبدأ من المعاناة من التعاسة ثم وضع نقطة متقدمة يظن الشخص أنه سيكون سعيداً عندما يصل إليها ، فيبذل قصارى جهده في سبيل ذلك. لكن عندما يكون عند تلك النقطة بالفعل، يجد أن ما حققه من نجاح لم يساعده في التغلب على تعاسته، فيشعر بخيبة أمل ويأس يجعله يعيش حالة نفسية أسوأ من تلك التي بدأ من عندها!
اقرأ أيضاً: الانسجام بين الروح والعقل مفتاح السعادة والثقة بالنفس
ما الذي يجعلنا نقع في فخ مغالطة الوصول؟
حسناً، دعنا نبدأ من طرف الخيط ونبحث عما يجعلنا سعداء، وسنجده بحسب "الجمعية الأميركية لعلم النفس" (American Psychological Association) يتمثل في توطيد العلاقات الإنسانية وصناعة التجارب الحياتية الحقيقية، وهذا لا ينفي أهمية المال والطموح الوظيفي والترقي الاجتماعي؛ لكن جميعها عناصر لا تؤدي إلى الفوز بالسعادة الطويلة الأمد.
وينشأ الصراع في داخل كلٍ منا جرّاء دفعنا مجتمعياً نحو تحقيق المزيد من الأهداف حتى لو لم تكن متناسبة ومتوافقة معنا بدرجة كبيرة، فوفقاً لمسح إحصائي أجرته جامعة هارفارد الأميركية؛ تغذَّى أذهان الأطفال غالباً بأفكار مفادها أن الإنجازات والنجاحات المتعددة هي مفاتيح السعادة؛ ما يجعلهم يفضلون السعي نحو تحقيق الأهداف على حساب بناء حياة اجتماعية سوية، وهو ما يوقعهم لاحقاً ضحايا لمغالطة الوصول.
اقرأ أيضاً: دراسة استمرّت نحو 70 عاماً تكشف أهم أسباب السعادة
كيف تؤثر مغالطة الوصول في صحتك النفسية؟
تشير الباحثة في علم النفس بجامعة كولومبيا البريطانية (University of British Columbia)، مايا بيلين (Maya Pilin) إلى أن قدرتنا على التنبؤ بالمشاعر التي سنعيشها في المستقبل محدودة بالأساس وغير دقيقة؛ ما يجعل توقعاتنا لما سنعيشه من سعادة غامرة عند تحقيق الأهداف التي نسعى إليها غير مطابقة للواقع؛ ومن ثَمّ تنشأ الفجوة بين ما نتوقع الحصول عليه وما نحصل عليه بالفعل.
يضيف إلى رأيها عالما النفس تيموثي ويلسون (Timothy Wilson) ودانيال جيلبرت (Daniel Gilbert) إضافة مهمة؛ وهي أن تنبؤاتنا حول ما سنشعر به مستقبلاً تكون مختلة نتيجة انحياز التأثير الذي يجعلنا نبالغ في مدة مشاعرنا الإيجابية وقدرها عند تحقيق النجاح.
أيضاً، يسهم مدى شمولية نظرتنا إلى الواقع في زيادة تأثير مغالطة الوصول في صحتنا النفسية أو تقليله. فعلى سبيل المثال؛ إذا كنت تحلم بالترقي في وظيفتك ونجحت في تحقيق ذلك بالفعل، ستجد أنه إلى جانب زيادة دخلك وترقيك الاجتماعي، ثمة مهام أكثر صعوبة كُلّفت بها.
وذلك إلى جانب عوامل أخرى قد تستجد على وضعك العام؛ مثل تغير صحتك الجسدية أو عدم استقرار علاقاتك المجتمعية أو تأرجح استقرارك النفسي. لذا؛ نجاحك هو جزء لا يتجزأ من حياتك، ودرجة استمتاعك به ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعوامل السابق ذكرها.
اقرأ أيضاً: لماذا يعجز بعض الأشخاص عن الشعور بالسعادة؟
5 إرشادات عملية تساعدك على مواجهة مغالطة الوصول
إذا ما كنت تعاني من مغالطة الوصول، فإليك عدة خطوات عملية تساعدك في التغلب عليها:
- غيّر طريقة تفكيرك: فلا تجعل سعادتك معلَّقة بتحقيق هدف ما أو شراء مقتنيات بعينها أو زيارة أماكن محددة؛ إنما ركز سعادتك في الاستمتاع بتفاصيل ما تعيشه اليوم وفق ما تمتلك، وعش مطبقاً مبدأ "هنا والآن".
- ارفع قيمة علاقاتك: يزداد قدر سعادتك بإنجازاتك عند مشاركتها مع من تحب؛ وهو ما يدفعك إلى التركيز على تنمية علاقاتك والاستثمار فيها بوقتك وجهدك بالتوازي مع تحقيق أهدافك، حتى تنعم بحياة متوازنة.
- تعلَّم الاستمتاع بالرحلة: تركيزك على المحطة النهائية في رحلتك ونحو تحقيق إنجازاتك، سيجعل سعادتك مقتصرة عليها فقط. لذا؛ لا عجب أن تجدها سعادة منتقصة ومحدودة، ويتمثل الحل في رؤية مراحل تحقيق الإنجاز جميعها مهمة بدرجات متساوية.
- اعرف ما يجعلك سعيداً: لا تندفع وراء ما يريده منك المجتمع؛ لكن ابحث عما يجعلك سعيداً بحق بغض النظر عما إذا كان يتوافق مع الرؤية المجتمعية أو لا.
- لا تفرط في التفاؤل: سنظل محكومين مهما تمنينا بواقعية الحياة. لذا؛ حاول أن تتفاءل بمنطقية حتى لا تُحبَط في النهاية عندما تنجح جزئياً في تحقيق أهدافك.
أخيراً، إذا اتبعت الإرشادات السابقة ووجدت أنك ما زلت غير قادر على تجاوز تأثير مغالطة الوصول في صحتك النفسية، فلا تتردد في اللجوء إلى معالج نفسي يرشدك على نحوٍ أدق إلى فهم ما تعاني منه وكيفية مواجهته.
اقرأ أيضاً: 6 قواعد ذهبية لتبدأ عادة جديدة وترسخها في حياتك اليومية