ملخص: "أنا ميّت من الداخل" أو "ميّت نفسياً"؛ عبارات تصف حالة نفسية يصعب فيها الإحساس بالمشاعر، سواء السعادة والحزن، أو التعبير عنها. ومن الأعراض التي تميزها نذكر: الافتقار إلى الهدف، والتساؤل المفرط عن معنى الحياة، والخدر العاطفي، والوحدة، وفقدان القدرة على التلذذ، والانفصال عن النفس، واللامبالاة، وعدم الرغبة أو القدرة على التغيّر. وعلى الرغم من أن الشعور بالموت الداخلي ليس تشخيصاً سريرياً في حدّ ذاته، فإنه قد يعكس صراعاً عاطفياً أو نفسياً عميقاً، وغالباً ما يرتبط بحالات تمس الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة، أو اضطراب الشخصية الحدية، أو كبت المشاعر، أو تبدد الشخصية، أو اضطراب الشخصية الحدية، أو الحزن المعقد، أو قد يكون أحد الآثار الجانبية لبعض الأدوية. للتغلب على هذه الحالة، ينبغي طلب المساعدة المتخصصة من أجل تحديد السبب الجذري وعلاجه، كما قد يكون من المفيد تغيير نمط الحياة وممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي وتدوين المشاعر وممارسة اليقظة الذهنية والتواصل مع الآخرين.
محتويات المقال
هل صادفت شخصاً يمتلك مهنة رائعة وأسرة محبة وحياة مريحة؛ لكنه ومع ذلك، باح لك قائلاً: "أشعر أني ميّت من الداخل"؟ أو ربما أنت مَن يختبر هذا الفراغ الغريب المزعج في داخلك، وكأنك موجود فعلاً؛ لكن لست حيّاً! فماذا يعني حقاً أن يشعر الإنسان بهذا الموت الداخلي أو الموت النفسي كما قد يسميه البعض؟ وما أسبابه؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن التحرر منه واستعادة الشعور بالحياة؟ إليك ما تحتاج معرفته.
اقرأ أيضاً: كيف تنجو من دوامة المشاعر السلبية؟
"أنا ميت من الداخل": ما معنى ذلك؟
قد تبدو عبارة مبالغ فيها بعض الشيء؛ لكنها في الواقع حالة ذهنية حقيقية وشائعة، تتميز بالشعور بالفراغ والارتباك واليأس وانعدام الهدف والانفصال عن الحياة والآخرين. بكلمات أُخرى، يشعر الشخص بالخدر العاطفي وصعوبة الإحساس بالمشاعر، سواء السعادة أو الحزن أو الإثارة، أو التعامل مع هذه المشاعر أو التعبير عنها. باختصار: تبدو الحياة وكأنها حدَث رتيب وممل؛ مثل المرور في نفق باهت لا نهاية له.
قد يستمر هذا الشعور في بعض الأحيان مدة قصيرة ويختفي بالسرعة التي ظهر بها؛ وفي أحيان أخرى، قد يستمر مدة طويلة من أيام أو أسابيع أو حتى سنوات. وعلى الرغم من أن الشعور بالموت الداخلي ليس تشخيصاً سريرياً في حدّ ذاته، فإنه قد يعكس صراعاً عاطفياً أو نفسياً عميقاً، وغالباً ما يرتبط بحالات تمس الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الشخصية الحدية، أو قد ينتج عن حالات أخرى سنذكرها لاحقاً.
اقرأ أيضاً: 15 قاعدة ذهبية تعزز ثقتك بنفسك وتزيد إقبالك على الحياة
7 أعراض تميّز الموت القابع داخل النفس
عادةً ما يُظهِر الشخص الذين يعاني هذه الحالة العاطفية عدة علامات؛ منها:
- الافتقار إلى الهدف: قد يشعر الشخص أن الحياة خالية من المعنى، ويكافح من أجل إيجاد الدافع للأنشطة اليومية، وذلك حتى لو امتلك إنجازات عديدة أو علاقات مستقرة.
- التساؤل عن معنى الحياة: في حين أن الأسئلة الوجودية أمر طبيعي بين الحين والآخر؛ إلا أن الشخص الذي يشعر بالموت داخلياً يصبح مفرط التفكير فيها، وتراه يتساءل باستمرار إن كانت الحياة تستحق العناء.
- الخدر العاطفي: يعني عدم القدرة على الشعور بالعواطف أو التعبير عنها، فقد تخفت مشاعر السعادة أو الحزن أو غيرها من المشاعر أو تغيب تماماً. على سبيل المثال؛ قد يكافح الشخص ليشعر بالسعادة الحقيقية لنجاحاته أو نجاحات أحبائه أو أفراحهم، أو قد يجد نفسه غير قادر على البكاء أو الشعور بالحزن حتى في مواجهة الألم العاطفي.
- الوحدة: يؤدي الشعور بالانفصال عن مشاعر الآخرين وتجاربهم إلى الشعور بالوحدة الشديدة؛ ما يصعِّب التواصل مع الناس ويعمِّق الشعور بالفراغ.
- فقدان القدرة على التلذذ: أي عدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تجلب السعادة سابقاً.
- الانفصال عن النفس: قد يشعر الشخص وكأنه يشاهد حياته من مسافة بعيدة، بدلاً من المشاركة الفعالة فيها.
- اللامبالاة: الشعور الدائم بعدم الاهتمام، وقد يشعر الشخص وكأنه روبوت في هذه الحياة؛ أي يتحرك دونما عمق عاطفي أو مشاركة واعية، أو يشعر بعدم القدرة أو الرغبة على التقدم أو التغيير على الرغم من وجود الفرص أو الموارد.
اقرأ أيضاً: 3 أسباب قد تمنعك من الشكوى على الرغم من معاناتك!
لماذا تشعر أنك ميّت من الداخل؟
على الرغم من أن هذه الحالة ليست تشخيصاً مستقلاً، فإنها قد تشير إلى تحديات نفسية أو عاطفية كامنة خطرة، وغالباً ما تتطلب معالجةُ الأسباب دعماً نفسياً متخصصاً. عموماً، إليك أهم الأسباب التي قد تسهم في نشوء هذه الحالة:
- الاكتئاب: هو أحد الأسباب الرئيسة للشعور بالموت الداخلي؛ إذ ينطوي على الشعور بالحزن المستمر واللامبالاة وعدم القدرة على التلذذ بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقاً. فضلاً عن أن مرضى الاكتئاب غالباً ما يكافحون من أجل إيجاد هدف للحياة أو مغزى؛ ما يجعل الوجود يبدو مملاً أو دون معنى.
- اضطراب ما بعد الصدمة: قد يعاني الأفراد المصابون بهذا الاضطراب الخدرَ العاطفي بوصفه آلية للتأقلم مع الحدث الصادم؛ ما يسبب شعوراً بالانفصال عن العواطف والحياة. في الواقع، يُعد الموت النفسي؛ وهو فقدان الشعور بالهوية وفقدان المعتقدات والقيم الأساسية والاغتراب عن الآخرين والشعور بالعار والذنب والضرر الدائم، سمة رئيسة لمتلازمة اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (C- PTSD)؛ وهو اضطراب يقاوِم العلاجات المُستخدمة عادة، وينتُج عن التعرض إلى ضغوط شخصية شديدة مثل التعذيب.
- الآثار الجانبية للأدوية: يمكن أن تؤثّر مجموعة من الأدوية المخفِّفة لأعراض القلق والاكتئاب، وخاصة مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية، في طريقة معالجة العواطف في الدماغ، مسببة التبلُّد العاطفي (قلة الاستجابة العاطفية للأحداث)؛ ما يجعل الأفراد يشعرون باللامبالاة والخدر.
- كبت المشاعر: قد يكبت الناس المشاعر السلبية أو يقمعونها للتغلب على الضيق؛ لكن هذا الأسلوب غير الصحي في التأقلم قد يخدّر المشاعر الإيجابية أيضاً؛ ما يسبب الشعور بالموت الداخلي مع مرور الوقت.
اقرأ أيضاً: ما أضرار كبت العواطف؟ خبيرة من هارفارد تجيب
- تبدد الشخصية أو الاغتراب عن الواقع: هو حالة نفسية يشعر فيها الشخص بالانفصال عن نفسه؛ أي عن أفكاره أو مشاعره أو جسده، أو الانفصال عن محيطه وبيئته. يشبه الأمر وكأن الشخص يمثّل دوراً في فيلم وليس كمَن يعيش حياته، أو كمَن يراقب نفسه من خارج جسده. يمكن أن يسهم هذا الانفصال في الشعور بالفراغ الداخلي والخدر العاطفي.
- اضطراب الشخصية الحدية: قد يعاني الأفراد المصابون باضطراب الشخصية الحدية مشاعر الفراغ المزمنة، إلى جانب مشاعر اليأس والوحدة الشديدة. يتميز هذا الاضطراب بحالات مزاجية متقلبة وعلاقات غير مستقرة؛ ما يفاقم مشاعر الموت الداخلي.
- اضطراب الحزن المعقّد: هو حزن شديد ومستمر مدة طويلة تزيد على عام بعد وفاة أحد الأحبة أو فقدانه. وبالإضافة إلى مشاعر الحزن المطوّل، فإن هذا الاضطراب ينطوي على الشعور بالخدر العاطفي وفقدان المعنى والشعور بالوحدة والألم العاطفي الشديد، وقد يكون من أعراضه أيضاً الشعور بالموت من الداخل.
- الاحتراق النفسي: غالباً ما تنجم هذه الحالة عن الإرهاق الجسدي والعاطفي والنفسي، سواء نتيجة الإفراط في العمل أو الأعباء الشخصية المفرطة أو مشكلات الحياة وغيرها. عموماً، قد تنطوي هذه الحالة على الشعور بالانفصال عن العواطف وانخفاض الدافع والفراغ الداخلي.
اقرأ أيضاً: 6 أسباب قد تصيبك بالاحتراق العاطفي وتؤذيك نفسياً
كيف تستعيد شعورك بالحياة؟
تنبغي معرفة أن الشعور بالموت الداخلي قد يحدث مع أي شخص، وقد يظهر ويختفي من تلقاء نفسه؛ لكن في حال كان مستمراً، أو عطّل الحياة اليومية، أو ترافق مع أعراض أخرى، أو صعُب التمييز بينه وبين الرغبة الفعلية في الموت، فينبغي طلب المساعدة المتخصصة. عموماً إليك أهم ما يمكن فعله من أجل التغلب على هذه الحالة:
- اطلب المساعدة المتخصصة: عندما تكون المشاعر التي تختبرها هي الموت من الداخل أو الخدر، فمن الطبيعي أن تستصعب إيجاد الدافع من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة للشعور بالتحسن؛ لذا فإن طلب المساعدة المتخصصة هو إحدى أفضل الطرائق الموثوقة لإدارة تحديات الصحة النفسية.
سيساعدك المعالج النفسي أو الطبيب النفسي على اكتشاف السبب الجذري وعلاجه، ويعلّمك آليات التأقلم الصحيحة، وكيفية تغيير أنماط تفكيرك، وغيرها من الأمور التي ستساعدك على استعادة الإحساس بالحياة داخلك. بالإضافة إلى ذلك، قد يصف الطبيب في بعض الحالات أدوية من شأنها أن تحسِّن حالتك المزاجية.
- مارس اليقظة الذهنية والتأمل: تساعدك اليقظة الذهنية في التركيز على اللحظة الحالية والشعور بالتوازن الداخلي؛ كما يمكن لتقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل أو اليوغا أن تعزز الوعي بالذات والمشاعر.
- اتبع نمط حياة صحي: وهذا يعني أن تمارس الرياضة بانتظام، فالنشاط البدني يحسن الحالة المزاجية ويقلل أعراض الاكتئاب، وأن تتبع نظاماً غذائياً متوازناً، وأن تنال 7-9 ساعات من النوم كل ليلة للمساعدة على استعادة التوازن العاطفي.
- عبِّر عن مشاعرك: جد منفذاً صحياً للتعبيرعن مشاعرك ومعالجتها؛ مثل الرسم أو العزف أو غيرها من الفنون الإبداعية، أو تحدث إلى صديق تثق به، أو دوِّن يومياتك. وهنا ينصح المعالج النفسي، أسامة الجامع، الشخص الذين يعاني تبلد المشاعر، الذي لا يعطي الموقف الشعور المناسب له، ويعاني ضعفاً في الاتصال بمشاعره، أن يمتلك مذكّرة يدوِّن فيها الموقف واسم الشعور وشدة الشعور كنسبئة مئوية. ويقول إن الاستمرار في مراقبة المشاعر وتسميتها وقياس شدتها يومياً، كفيل أن يزيد شدة المشاعر مع مرور الزمن إلى حد تصبح فيه متوازنة وطبيعية، فيشعر الشخص بطعم الحياة مرة أخرى.
- شارك في أنشطة ممتعة: مارِس الهوايات أو الاهتمامات التي كنت تستمتع بها في السابق تدريجياً حتى لو لم تجلب لك السعادة على الفور، فقد تعيد لك مشاعر الرضا مع مرور الوقت.
اقرأ أيضاً: كيف تحول مشاعرك السلبية إلى قوة إيجابية؟
- تواصل مع الآخرين: تواصل مع الأصدقاء أو انضم إلى مجموعات الدعم لمحاربة مشاعر الوحدة؛ إذ يمكن أن تساعدك المشاركة المجتمعية على الشعور بالتقدير والتواصل.
- تحلَّ بالصبر مع نفسك:من المهم أن تدرك أن الشفاء قد يستغرق بعض الوقت؛ لذا لا بأس من أن تحتفل بالانتصارات الصغيرة على طول الطريق نحو التعافي.