قد نختزل وصفنا لشخصية فرد ما في كلمتين أو أكثر؛ مثل أن فلاناً شخص قوي، أو أن ما يميز فلاناً أنه شخص مثابر لا يرضخ بسهولة، أو أن فلاناً انطوائي لا يملك المهارات الاجتماعية اللازمة للانخراط في المجموعة. إلا أن شخصية الفرد ليست بهذه السطحية، فهي طريقة التفكير والشعور والتصرف التي تجعل لكل شخص بصمته المختلفة، وتكون نتاج خبراته الحياتية والبيئة المحيطة به، بالإضافة إلى العوامل الوراثية. وحين يعاني شخص ما من اضطراب الشخصية، يكون نتيجة حدوث خلل في هذه المكونات الأساسية.
ما هي اضطرابات الشخصية؟
يُعد اضطراب الشخصية نوعاً من الاضطراب العقلي حيث يكون لدى الفرد نمط جامد وغير صحي من التفكير؛ ما ينعكس على تصرفاته. ويعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصية من صعوبة في إدراك المواقف والتواصل مع الآخرين بشكل سليم؛ ما يتسبب في مشكلات وقيود كبيرة في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والعمل والمدرسة.
وتؤثر اضطرابات الشخصية في تفكير الفرد وشعوره وتصرفاته وتدفعه لتبني أنماط سلوك مختلفة عما هو متوقَّع تسبب له الضيق ومشكلات في الأداء يمكن أن تكون طويلة الأمد إذا لم يلجأ للعلاج. وبشكل عام، تؤثر اضطرابات الشخصية في اثنين على الأقل مما يلي:
- طريقة التفكير عن الذات والآخرين.
- الاستجابة العاطفية.
- طريقة التواصل مع الآخرين.
- طريقة السيطرة على السلوك الشخصي.
أسباب اضطرابات الشخصية
تُعد اضطرابات الشخصية من بين أقل حالات الصحة العقلية فهماً، وما يزال العلماء يحاولون معرفة سببها. وحتى الآن، يعتقد العلماء أن العوامل التي قد تسهم في تطور اضطرابات الشخصية تتمثّل في:
- علم الوراثة: حدد العلماء الجين المعطل الذي قد يكون عاملاً في اضطراب الوسواس القهري، ويستكشفون أيضاً الروابط الجينية مع العدوان والقلق والخوف، وهي سمات يمكن أن تؤدي دوراً في اضطرابات الشخصية.
- التغيرات الدماغية: حدد الباحثون اختلافات طفيفة في الدماغ لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات شخصية معينة. على سبيل المثال؛ ينطوي اضطراب الشخصية بجنون العظمة على تغير أداء اللوزة الدماغية، وهي الجزء من الدماغ الذي يشارك في معالجة المحفزات المخيفة والمهددة. كذلك يرتبط اضطراب الشخصية الفصامية بانخفاض في حجم الفص الجبهي في الدماغ.
- صدمات الطفولة: توجد صلة قوية بين صدمات الطفولة وتطور اضطرابات الشخصية. على سبيل المثال؛ الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية لديهم معدلات مرتفعة من الصدمات الجنسية في مرحلة الطفولة. كما يعاني الأشخاص المصابون باضطرابات الشخصية الحدية والمعادية للمجتمع من مشكلات في العلاقات المقربة والثقة، وكلاهما قد يكون مرتبطاً بإساءة المعاملة في مرحلة الطفولة والصدمات النفسية.
- الإساءة اللفظية: يكون الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة اللفظية كأطفال أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الشخصية الحدية أو النرجسية أو الوسواس القهري أو بجنون العظمة في مرحلة البلوغ.
- العوامل الثقافية: قد تؤدي العوامل الثقافية أيضاً دوراً في تطور اضطرابات الشخصية؛ كما يتضح من المعدلات المتفاوتة لاضطرابات الشخصية بين الدول المختلفة.
ما أعراض اضطرابات الشخصية؟
تختلف أعراض اضطرابات الشخصية باختلاف نوع الاضطراب؛ لكنها تشترك في خلل أو مشكلات في:
- الهوية والشعور بالذات: يفتقر الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية عموماً إلى صورة واضحة أو ثابتة عن أنفسهم، وتتغير الطريقة التي يرون بها أنفسهم في كثير من الأحيان اعتماداً على الموقف أو الأشخاص الذين يعيشون معهم؛ كما قد يكون تقديرهم لذواتهم مرتفعاً أو منخفضاً للغاية وبشكل غير واقعي.
- العلاقات: يفتقر هؤلاء الأشخاص إلى القدرة على تكوين علاقات وثيقة ومستقرة مع الآخرين بسبب معتقداتهم وسلوكياتهم. قد يفتقرون إلى التعاطف أو القدرة على احترام للآخرين، أو يكونون منفصلين عاطفياً، أو يحتاجون إلى الاهتمام والرعاية بشكل مفرط.
- انخفاض الوعي الذاتي: غالباً ما يعاني معظم المصابين باضطراب في الشخصية من انخفاض الوعي الذاتي بالكيفية التي تكون بها أفكارهم وسلوكياتهم.
كيف أعرف أن عندي اضطراب الشخصية؟
يحتاج تشخيص اضطراب الشخصية إلى تشخيص دقيق من قبل مختص بالصحة النفسية؛ لكن هناك بعض العلامات العامة للأشخاص المصابين باضطراب الشخصية كما يلي:
- سلوكهم غير متسق ومحبط ومربك للأشخاص الذين يتفاعلون معهم.
- قد تكون لديهم مشكلات في فهم الطرق الواقعية والمقبولة لمعاملة الآخرين.
- قد يكونون غير مدركين للكيفية التي تسبب بها سلوكياتهم مشكلات لأنفسهم وللآخرين.
- إذا كان المصاب باضطراب الشخصية أحد الوالدين، فقد يكون أسلوب الأبوة الخاص بهم مفرطاً في العاطفة أو مسيئاً أو غير مسؤول؛ ما قد تنتج عنه في بعض الأحيان مشكلات جسدية أو عاطفية أو عقلية لدى أطفالهم.
ويمكن أن تؤدي اضطرابات الشخصية غير المعالَجة إلى:
- علاقات ضعيفة: قد تؤدي إلى الطلاق أو العنف المنزلي.
- صعوبات مهنية: قد تؤدي إلى البطالة.
- ضعف الأداء الاجتماعي: قد يؤدي إلى ارتفاع معدل الجريمة لديهم خاصة اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
اقرأ أيضاً: 3 أنواع من اضطرابات الشخصية تعرف إليها
أعراض اضطرابات الشخصية المختلفة
يتم تصنيف أنواع اضطرابات الشخصية في ثلاث مجموعات بناءً على الخصائص والأعراض المتشابهة. يعاني العديد من الأشخاص المصابين باضطراب في الشخصية من علامات وأعراض اضطراب إضافي واحد على الأقل في الشخصية، وليس من الضروري إظهار العلامات والأعراض المُدرجة لتشخيص الاضطراب جميعها.
1. اضطرابات الشخصية من المجموعة (أ)
تتميز اضطرابات الشخصية في هذه المجموعة بالتفكير أو السلوك الغريب، وتشمل اضطراب الشخصية بجنون العظمة المعروف أيضاً باضطراب الشخصية المرتابة (Paranoia) واضطراب الشخصية شبه الفصامي (Schizoid)، بالإضافة إلى اضطراب الشخصية الفصامي (Schizotypal). وتظهر أعراضهم كما يلي:
اضطراب الشخصية بجنون العظمة
- تفشي الريبة والشك بالآخرين ودوافعهم.
- الاعتقاد غير المبرر بأن الآخرين يحاولون إيذاء الفرد أو خداعه.
- الشك غير المبرر في ولاء الآخرين أو مصداقيتهم.
- التردد في الثقة بالآخرين بسبب الخوف غير المعقول من استخدام الآخرين للمعلومات ضد الفرد.
- تصور الملاحظات البريئة أو المواقف التي لا تشكل تهديداً على أنها إهانات شخصية أو اعتداءات.
- ردود فعل غاضبة أو عدائية تجاه الإهمال أو الإهانات المتصوَّرة.
- الميل لحمل الضغائن تجاه الآخرين.
- الشك غير المبرر والمتكرر بأن الشريك غير مخلص.
اضطراب الشخصية شبه الفصامي
- عدم الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية أو الشخصية وتفضيل الوحدة.
- افتقار القدرة على التعبير عن المشاعر بشكل سليم.
- عدم القدرة على الاستمتاع بمعظم الأنشطة.
- عدم القدرة على فهم الإشارات الاجتماعية العادية.
- الظهور بمظهر بارد أو غير مبالٍ بالآخرين.
- قلة أو انعدام الاهتمام بالعلاقة الحميمة.
اضطراب الشخصية الفصامي
- الغرابة في الملبس أو التفكير أو المعتقدات أو الكلام أو السلوك.
- تجارب إدراكية غريبة؛ مثل سماع صوت يهمس باسم الفرد.
- مشاعر سطحية أو ردود عاطفية غير ملائمة.
- القلق الاجتماعي وقلة العلاقات المقربة أو عدم الراحة معها.
- اللامبالاة أو الاستجابات غير اللائقة أو المتشككة تجاه الآخرين.
- "التفكير السحري"، وهو الاعتقاد بإمكانية التأثير في الأشخاص والأحداث بالأفكار فقط.
- الاعتقاد بأن بعض الأحداث العرضية أو العادية ذو رسائل خفية لا يفهمها إلا الشخص نفسه.
2. اضطرابات الشخصية من المجموعة (ب)
تتميز اضطرابات الشخصية من هذه المجموعة بالتفكير أو السلوك الدرامي أو العاطفي بشكل مفرط أو غير متوقَّع. وهي تشمل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder)، واضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder)، واضطراب الشخصية الهستيرية (Histrionic Personality Disorder)، بالإضافة إلى اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder). وتشمل أعراضهم ما يلي:
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (الانطوائية)
- تجاهل احتياجات الآخرين أو مشاعرهم.
- استمرار الكذب والسرقة واستخدام الأسماء المستعارة وخداع الآخرين.
- تكرار المشكلات المخالفة للقانون.
- تكرار انتهاك حقوق الآخرين.
- السلوك العدواني والعنيف في كثير من الأحيان.
- الاستهتار بسلامة النفس أو الآخرين.
- السلوك الاندفاعي.
- عدم الشعور بالمسؤولية أو الندم على السلوك الخاطئ.
اضطراب الشخصية الحدية
- السلوك الاندفاعي والمحفوف بالمخاطر؛ مثل القمار أو الأكل بنهم.
- امتلاك صورة ذاتية غير مستقرة أو هشة.
- علاقات غير مستقرة أو متوترة.
- تقلبات مزاجية، وغالباً ما تكون رد فعل للتوتر في العلاقات مع الآخرين.
- السلوك الانتحاري أو التهديد بإيذاء النفس.
- الخوف الشديد من العزلة أو الهجر.
- استمرار الشعور بالفراغ.
- نوبات الغضب المتكررة والشديدة.
اضطراب الشخصية الهستيرية
- السعي لجذب اهتمام الآخرين باستمرار.
- الإفراط في الانفعال أو الدراما أو الاستفزاز الجنسي لجذب الانتباه.
- التحدث بشكل درامي بآراء قوية؛ ولكن مع القليل من الحقائق أو التفاصيل لدعمها.
- سهولة التأثر بالآخرين.
- الانفعالات الضحلة سريعة التغيير.
- القلق المفرط على المظهر الجسدي.
- الاعتقاد بأن العلاقات مع الآخرين أقرب مما هي عليه في الواقع.
اضطراب الشخصية النرجسية
- الإيمان بأن الفرد مميز وأهم من غيره.
- تخيلات غير حقيقية عن القوة والنجاح والجاذبية.
- افتقار قدرة التعرف إلى احتياجات الآخرين ومشاعرهم.
- المبالغة في الإنجازات أو المواهب.
- توقع الثناء والإعجاب الدائمين.
- الغطرسة.
- توقعات غير معقولة للامتيازات، مع الاستفادة من امتيازات الآخرين في كثير من الأحيان.
- الاعتقاد بأن الآخرين يحسدونك.
3. اضطرابات الشخصية من المجموعة (ج)
تتميز اضطرابات الشخصية من هذه المجموعة بالخوف والتفكير أو السلوك القلق، وهي تشمل اضطراب الشخصية الاجتنابية (Avoidant Personality Disorder) واظطراب الشخصية الاعتمادية (Dependent Personality Disorder) واضطراب الشخصية الوسواسية (Obsessive Compulsive Personality Disorder) كما يلي:
اضطراب الشخصية الاجتنابية
- حساسية شديدة للنقد أو الرفض.
- الشعور بعدم الكفاءة أو الدونية أو عدم الجاذبية.
- تجنب أنشطة العمل التي تتطلب التواصل بين الأفراد.
- العزلة الاجتماعية وتجنب الأنشطة الجديدة أو مقابلة الغرباء.
- الخجل الشديد في المواقف الاجتماعية والعلاقات الشخصية.
- الخوف من الرفض أو الإحراج أو السخرية.
اضطراب الشخصية الاعتمادية
- الاعتماد المفرط على الآخرين والشعور بالحاجة إلى الحصول على الرعاية.
- الخضوع للآخرين أو التشبث بهم.
- الخوف من الاضطرار إلى توفير الرعاية الذاتية أو إعالة النفس في حالة الترك وحيداً.
- قلة الثقة بالنفس وطلب المشورة وطمأنة من الآخرين بشكل دائم لاتخاذ قرارات صغيرة.
- صعوبة بدء أو تنفيذ المشروعات دون مساعدة الآخرين بسبب عدم الثقة بالنفس.
- صعوبة الاختلاف مع الآخرين خوفاً من الرفض.
- التسامح مع سوء المعاملة، حتى عندما تتوفر خيارات أخرى.
- الحاجة الملحة لبدء علاقة جديدة عندما تنتهي علاقة مقربة أخرى.
اضطراب الشخصية الوسواسية
- الانشغال بالتفاصيل والنظام والقواعد.
- الكمال المفرط؛ ما يؤدي إلى تعطيل المهام والشعور بالضيق عندما لا يتحقق الكمال.
- الرغبة في السيطرة على الأشخاص والمواقف وعدم القدرة على تفويض المهام.
- إهمال الأصدقاء والأنشطة الممتعة بسبب الالتزام المفرط بالعمل.
- عدم القدرة على التخلص من الأشياء التي لا قيمة لها.
- العناد وعدم المرونة بشأن الأخلاق أو القيم.
- السيطرة الشديدة على الميزانية وإنفاق الأموال.
علاج اضطراب الشخصية
يعتمد العلاج الأفضل على نوع الاضطراب وشدته، ونظراً لأن اضطرابات الشخصية طويلة الأمد، فقد يتطلب العلاج شهوراً أو سنوات. ويشمل علاج اضطربات الشخصية العلاج النفسي والدوائي كما يلي:
- العلاج النفسي
يُعد العلاج النفسي، الذي يُطلق عليه أيضاً العلاج بالكلام، الطريقة الرئيسية لعلاج اضطرابات الشخصية. ويمكن للفرد خلال العلاج النفسي التحدث مع اختصاصي الصحة النفسية عن حالته المزاجية ومشاعره وأفكاره وسلوكياته، ليزوده المختص بالطرق الأنسب حول كيفية التعامل مع التوتر وإدارة أعراض الاضطراب.
يمكن تقديم العلاج النفسي في جلسات فردية أو علاج جماعي أو جلسات تشمل العائلة أو حتى الأصدقاء.
- الأدوية
لا توجد أدوية معتمدة على وجه التحديد من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA) لعلاج اضطرابات الشخصية. ومع ذلك فقد تساعد عدة أنواع من الأدوية النفسية على علاج أعراض اضطراب الشخصية المختلفة؛ مثل مضادات الاكتئاب، ومثبتات المزاج، والأدوية المضادة للذهان، بالإضافة إلى الأدوية المضادة للقلق.
وأخيراً؛ من المهم فهم الفرق بين أنواع الشخصية واضطراباتها، فالشخص الذي يفضل العزلة ليس دائماً ذلك الشخص الذي يعاني من اضطراب الشخصية الانعزالية، والمندفع ليس دائماً مصاباً باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.