أَتمثل دور الضحية أم البطل أم المتسلط؟ إليك كيف تتجنب الوقوع في مثلث كاربمان الدرامي

6 دقائق
مثلث كاربمان الدرامي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: مثلث كاربمان الدرامي هو نموذج اجتماعي للتفاعل البشري اقترحه عالم النفس ستيفن كاربمان عام 1968، يوضح فيه 3 أدوار يلجأ الناس إلى تبنّيها في أثناء النقاشات والخلافات. قد يغير الشخص دوره ويتناوب على الأدوار الأخرى، أو قد يعلق في دور واحد مطولاً؛ ما قد يؤدي إلى صراعات مدمرة.

مثلث كاربمان الدرامي (Karpman Drama Triangle) أو المثلث الدرامي هو نموذج اجتماعي قدَّمه عالم النفس ستيفن كاربمان (Stephen Karpman) عام 1968، موضحاً فيه كيف يتبنّى الشخص أدواراً مختلفة للتعامل مع الصراعات والنقاشات، سواءً مع شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص، وهو أداة تُستخدَم اليوم في التحليل النفسي، وبخاصة في تحديد أنماط التعامل مع الآخرين.

يحتوي المثلث على 3 زوايا تمثل 3 أدوار هي: الضحية، والبطل، والمتسلِط. ويمثل كل دور في المثلث حالتنا الذهنية؛ أي كيف نفكر وما الطريقة التي نتصرف بها عند التعامل مع الاختلافات في الرأي أو الخلافات مع أنفسنا أو مع الآخرين، على الرغم من أن الحالات الثلاثة هي عبارة عن "أدوار" نؤديها أو "نمثلها"، وقد لا تكون أيٌّ منها صحيحةً بالنسبة إلينا.

بعبارة أخرى، يمثل المثلث التفاعلات المدمرة غير الصحية والخبيثة بين الأشخاص المتنازعين، لأن تأدية أي دور من هذه الأدوار على نحو درامي يؤدي إلى استنزاف الطاقة، ويمنع الشخص من تحمُّل المسؤولية الكاملة عن مشاعره الطبيعية أو اللاواعية.

ويمكن أن يحدث المثلث الدرامي في جوانب الحياة جميعها؛ سواءً في المنزل أو العمل أو المدرسة أو المناسبات الاجتماعية. إليك ما تود معرفته عن هذا المثلث، وكيفية الخروج منه في حال وجدت نفسك عالقاً فيه.

اقرأ أيضاً: لمَ يتسم البعض بالتحفظ الشديد؟ إليك إجابة المختصين

الصفات النفسية للأدوار الموجودة في المثلث الدرامي

لدى البشر احتياجات نفسية مختلفة؛ سواء الحاجة إلى الشعور بالتقدير، أو الرغبة في النمو، أو الحاجة إلى الشعور بالانتماء، أو الحاجة إلى الاهتمام، أو المرونة في الخيارات، وما إلى ذلك. وعندما لا تلبَّى أيٌّ من احتياجاتنا الأساسية، فإننا قد نأخذ، دون وعي منا، دوراً في المثلث الدرامي نتيجة الرغبة الداخلية في أن نكون على صواب وندير الخلافات والنقاشات لصالحنا.

لكن قد يؤدي الاعتقاد القوي بصحة مواقفنا إلى تفاعلات مدمرة تستنزف طاقتنا، وتحرمنا من تحمل المسؤولية، وتقوّض إمكانية عيش حياة أفضل مع أنفسنا ومع الآخرين؛ حيث يوفر المثلث الدرامي طريقة للهروب عبر إخفاء مشاعرنا الكامنة، ويمنعنا من معالجة مشكلاتنا الحقيقية. فما الذي يميز كل دور في المثلث الدرامي؟

الضحية

يعتقد الشخص الذي يؤدي دور الضحية أنه مظلوم ومسكين وعاجز عن تغيير ظروفه، ويعتقد أن شخصاً أو شيئاً ما خارج عن إرادته هو المسؤول عن وضعه؛ أي أنه يلقي اللوم على المتسلط الذي يمكن أن يكون شخصاً أو موقفاً.

قد تظن الضحية أنها لا تستطيع أن تفعل أي شيء للتأثير في حالتها أو تغييرها، ولذلك تسعى ظاهرياً إلى المنقذ أو البطل لحل المشكلة من أجلها؛ لكن الضحايا لديهم مصلحة خفية في تقييم مشكلاتهم على أنها غير قابلة للحل!

يميل الأشخاص المصابون بالنرجسية أو اضطرابات الشخصية الأخرى إلى التصرف كضحايا؛ إذ وبدلاً من تحمُّل المسؤولية، يفضلون أن يكونوا بائسين. وثمة مجموعة من العبارات الشائعة التي يرددها هذا الدور مثل: "لماذا يحدث هذا لي؟"، و"لا أستطيع أن أفعل شيئاً حيال الأمر"، و"هذا الأمر يفوق استطاعتي"، و"أنا لست مسؤولاً عن الطريقة التي سارت بها الأمور"، و"أنا بحاجة ماسّة إلى شخص ما لإخراجي من هذه المشكلة"، و"يا ليت الآخرين يهتمون بي فقط"!

اقرأ أيضاً: 3 تعبيرات جسدية تكشف النرجسيين

المتسلِط أو المضطِهد

لدى المتسلط أو المضطهد أو الظالم ميل إلى السيطرة وإلقاء اللوم على الآخرين وتهديدهم وانتقادهم والتلاعب بهم من أجل تحميلهم المسؤولية عن أي مشكلة تحدث، ولديه إحساس زائف بالتفوق؛ كما أنه يعظِّم أفعاله كمحاولة لإخفاء خوفه من الفشل، ويتخذ موقفاً دفاعياً مبالغاً فيه عندما لا تسير الأمور بالطريقة التي يتوقعها.

إن ميل المتسلِط إلى إلقاء اللوم على الآخرين يدفع هؤلاء إلى تمثيل دور الضحية التي تشعر بالعجز وأنها تحت رحمة الظالم. يستخدم المتسلِط العديد من العبارات الشائعة لتبرير أفعاله؛ مثل: "يا ليتك فعلت ما أخبرتك به فقط"، و"هذا خطؤك"، و"ينبغي أن تفعل أفضل من ذلك"، و"ما كان يجب أن أثق بك أبداً"، و"لم تقم بالعمل كما يجب والآن عليّ أن أعاني بسببك".

اقرأ أيضاً: 10 نصائح للنجاة من الشخص السيكوباتي

البطل أو المُنقِذ

من المهم الانتباه هنا إلى أن المنقذ في هذه الحالة لا يعني شخصاً مثل رجل إطفاء يتعامل مع حالة طوارئ حقيقية بطريقة صادقة، فالعقلية التي تحرك البطل في المثلث الدرامي ليست الاهتمام الحقيقي بالآخرين؛ بل الرغبة في الشعور بالرضا عن النفس والرفاهية من خلال تمثيل هذا الدور.

إذ وبينما تعتقد الضحية أن البطل سيخرجها من هذه الحالة، فإن البطل في الواقع يعرقل عملية تحسين الضحية لنفسها نتيجة تقديم المساعدة لها باستمرار، فالبطل لا يعالج السبب الجذريّ والأساسيّ للمشكلة ولا يحلها إلا سطحياً؛ كما أنه ينتظر حدوث المشكلة مرة أخرى ليحصل على فرصة للإنقاذ مجدداً ويعزز شعوره بالرضا عن نفسه!

يمكن القول إن البطل يتغذى عاطفياً على ضعف الضحية. ومن العبارات التي يكررها البطل عادة: "أنا أتفق معك"، و"أظن ذلك أيضاً"، و"نعم كلامك صحيح"، و"دعني أساعدك".

ثمة أمثلة لا حصر لها عن المثلث الدرامي. على سبيل المثال؛ يهاجم الأب ابنه وينتقده نتيجة رسوبه المتكرر في مادة الرياضيات ويدعوه بالفاشل، في حين يرد الابن قائلاً: "أعتقد أنني عديم الفائدة وغبي"، في حين تسارع الأم إلى إنقاذ ابنها وتؤدي الواجب بدلاً منه. أليست الأدوار التي يؤديها هؤلاء الثلاثة واضحة؟

الجدير بالذكر إنه ليس من الضروري أن يؤدي الشخص دوراً واحداً فقط، فقد يغير الشخص الواحد الدور الذي يؤديه وفق مجموعة من الألعاب النفسية، فإذا فشل في تحقيق هدفه من خلال تأدية دور الضحية فإنه يغير دوره من ضحية إلى متسلط كوسيلة أكثر وضوحاً لتحقيق ما يصبو إليه، وقد يصبح البطل الذي سئم من الدفاع عن الضحية مضطهداً لها في مرحلة ما، وقد يصبح المتسلط بطلاً بعد توبة الضحية!

أولئك المحاصرون في المثلث الدرامي يشعرون بأنهم ليسوا على ما يرام، لذلك يحاولون تغيير أوضاعهم، ومع ذلك فهم يتبادلون الأدوار فقط ويؤدونها في تفاعل درامي مبالغ فيه، في حين يبقى نظام العلاقة الأساسي كما هو.

اقرأ أيضاً: هل تتعرض للخداع في محيط العمل؟ ماذا تفعل للمواجهة؟

كيف تتجنب الوقوع في المثلث الدرامي؟

تلعب بيئتنا وتربيتنا دوراً كبيراً في تحديد كيفية إدارة النزاعات، وما إذا كنا سنختار المشاركة في الدراما كوسيلة لحل الخلافات أو لا. ومن العلامات التي تشير إلى أنك غارق في المثلث الدرامي: شعورك بالعجز أو الضعف، أو لجوؤك إلى الهجوم على الآخرين وتحميلهم المسؤولية، أو شعورك بالحاجة إلى شخص ما لإنقاذك، أو الشعور بتعرضك للهجوم والانتقاد من قبل الآخرين. وفي حال كنت تكافح للخروج من هذا المثلث أو تحاول تجنُّب الوقوع فيه، فإليك بعض النصائح التي قد تساعدك على ذلك:

حدد الدور الذي تؤديه عادةً

الخطوة الأولى لحل أي مشكلة هي الاعتراف بالمشكلة. لذلك؛ انتبه إلى الدور الذي تؤديه عادةً في العلاقات مع الآخرين، فهل تهبّ مباشرة لتحمل المسؤولية عن الآخرين؟ أم تميل دائماً إلى الاضطهاد والتسلط؟ أم تشعر وكأنك مظلوم دائماً؟

على الأرجح، قد تم تحريضك أو التلاعب بك من قبل شخص قريب منك لجعلك تؤدي هذا الدور، ولتغيير النمط الخاص بك عليك أولاً تحديده. لذلك؛ راجع نفسك وفكر جيداً وحدد النمط الخاص بك، ثم وبمجرد أن تعي دورك الذي تؤديه في هذا المثلث، تراجع عنه واتبع أسلوباً صحياً آخر.

اقرأ أيضاً: ما الذي يكشفه دخولنا المتكرر في العلاقات السامة؟

التزم بالحياد

احرص على ألا تصبح دفاعياً أكثر من اللازم، وحافظ على موقفك المحايد، فإذا كنت تشعر بأنك دفاعي بشكل مبالغ فيه، فعليك ألا تتصرف بناء على هذه الحالة الذهنية. استخدم نبرة هادئة وغير تفاعلية وغير عاطفية، واستخدم بعض العبارات التي من شأنها أن توقف النقاش المحتدم. على سبيل المثال: "ربما أنت على حق"، أو "ربما لديك وجهة نظر"، أو "هذه الفكرة أو الرأي مثير للاهتمام"، أو "لم أفكر في الأمر من هذه الناحية من قبل". ومع ذلك، ذكّر نفسك بألا تنغمس في هذه الدراما.

تعلم تحمّل المسؤولية

إذا شعرت بأنك تؤدي دور الضحية دائماً، فتعلم أن تتحمل المسؤولية عن نفسك بدلاً من لوم الآخرين على ما يحدث لك. فحتى ولو كنت الضحية فعلاً، لا تفترض أنك عاجز على الاعتناء بنفسك في ظل هذه الظروف.

حوِّل شعورك القوي بالعجز إلى إصرار، ومن الخطوات التي قد تساعدك على ذلك هي أن تكتب أهدافك وتذكر بوضوح النتائج التي تريد تحقيقها، وأن تفكر ملياً في كيفية تحقيقها بنفسك دون طلب المساعدة من الآخرين، وأن تبحث عن نقاط قوتك وتحدد ما قد يمنعك من تحقيق هذه الأهداف، وأن تزيل هذه الحواجز، وتتخذ خطوات صغيرة ولكن مستمرة صوب تحقيق الأهداف.

اسمح للآخرين بتحمل المسؤولية عن أفعالهم

إذا شعرت بأنك تؤدي دور البطل والمنقذ وتتحمل دائماً قدراً كبيراً من المسؤولية، فتراجع قليلاً واسمح للآخرين بتحمل مسؤولياتهم الخاصة؛ إذ تنبغي للآخرين مواجهة عواقب قراراتهم. ذكِّر نفسك بأنك لست مسؤولاً عن خيارات أحد، حتى ولو كان هذا الشخص هو طفلك الصغير!

من الأفضل أن يدع الآباء أطفالهم يتعلمون بالطريقة الصعبة بدلاً من الإسراع لإصلاح كل شيء لهم، وهذا ينطبق أيضاً على العلاقات البشرية الأخرى جميعها. تذكّر أنك عندما تنقذ الآخرين دائماً ولا تترك لهم مجالاً لتحمل المسؤولية، فأنت ترسم لهم رسالة ضمنية بأنهم غير مؤهلين بما يكفي للتعامل مع الأمر بأنفسهم. لذلك؛ استمع بشكل فعال إلى الآخرين، وحثهم على التحلي بالقوة وعدم الاستسلام، وساعدهم على التعلم من الأخطاء.

اقرأ أيضاً: كيف تنجو بنفسك من علاقة سامة؟

تجنب التسلط

إياك واللوم المبالغ فيه أو الانتقاد أو كيل الاتهامات أو إلقاء المحاضرات أو التوبيخ أو التهديد أو الوعظ أو المبالغة في رد الفعل أو عدم الرد. بدلاً من ذلك، ركِّز على أن تكون محايداً، وضع حدوداً لنفسك وراقب سلوكك بوعي، وفكر في الأدوار التي تقوم بها وكيف يشارك الآخرون فيها وكيف تشعر بعد ذلك، وما الذي يمكنك تغييره في وضعك وكيف يمكن للآخرين المساعدة. وبالطبع، يمكنك أن تقول "لا" للأفعال التي لا تتماشى مع أهدافك، وأن تعطي ملاحظات بنّاءة للآخرين؛ لكن عليك أيضاً أن تكون منفتحاً للحصول على التعليقات نفسها لتعرف كيف ينظر الآخرون إليك.

اخرج من دوامة الشعور بالخوف أو الذنب أو الإلزام

إذا شعرت بالخوف أو الفَرض والالتزام أو الذنب في علاقة مهمة، فأنت على الأرجح تتعامل مع شخص يحاول التلاعب بك عاطفياً. عليك أن تخرج من دوامة المشاعر هذه، ولا تسمح بأن يتم التلاعب بك.

من ناحية أخرى، إذا كنت تحاول أن تجعل شخصاً آخر يشعر باستمرار بالخوف أو الإلزام أو الذنب، فأنت هو المتلاعب هنا، وأنت لا تتعامل بطريقة صحيحة عاطفياً. لذلك؛ كن مباشراً وصادقاً وعش بنزاهة.

المحتوى محمي