ماذا تفعل إذا كنت لا تستطيع البكاء على الرغم من رغبتك بذلك؟

3 دقيقة
لماذا نبكي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

"ولكنني لما وجدتك راحلاً بكيت دماً حتى بللت به الثرى... مسحت بأطراف البنان مدامعي فصار خضاباً في اليدين كما ترى".

بصفتي أحد عشاق الشعر العربي فالبيت السابق لمجنون ليلى الشاعر العربي قيس بن الملوح أحد أحب الأبيات إلى قلبي، وكثيراً ما تصورته في خيالي بل بحثت عن رسومات تعكس إبداعه، لكن لنعد خطوة إلى الوراء ونذهب وراء جانب إنساني أظن أنه كان ملهماً ومحطة فاصلة في الكثير من القصائد والروايات والمسلسلات والأفلام، ألا وهو البكاء! ذلك الذي يتربع على عرش الانفعالات العاطفية. فهل فكرت من قبل ذات ليلة: لماذا نبكي؟ أو: ما هي الفائدة التي نجينها من وراء بكائنا؟ أو: ماذا يفعل الأشخاص الذين يستعصي عليهم البكاء؟ حسناً هذا المقال ليقدم لك إجابات علمية دقيقة عن الأسئلة السابقة.

لماذا نبكي؟

تجيبنا عن هذا السؤال أستاذة الطب النفسي بجامعة بيتسبرغ (University of Pittsburgh) لورين بيلسما (Lauren Bylsma ) بقولها إننا نبكي نتيجة حدوث استجابة عاطفية شديدة بداخلنا، قد تكون سلبية أو مؤلمة أو حزينة وفي بعض الأحيان إيجابية أو مُلهمة، لكنها تشترك في أنها تعبر عن انفعال عاطفي قوي.

وحسب بيلسما، فالبشر متفاوتون في معدل بكائهم؛ فهناك أشخاص يبكون بمعدل قليل وأفراد عكس ذلك، مشيرة إلى أن النساء تبكي أكثر من الرجال بمعدل يتراوح من ثلاث إلى خمس مرات، ووفقاً لتفسيرها يعود ذلك إلى أسباب بيولوجية لم تُدرس علمياً بعد، إلى جانب العوامل الاجتماعية والثقافية، إذ غالباً ما ينظر الرجال إلى البكاء على أنه علامة ضعف.

أيضاً أحد الأسباب التي تدفعنا للبكاء هو أن الكثير منا يشعرون بالتحسن بعده في حال كان بكاؤهم ناتجاً عن التعرض لموقف آلمهم أو أزعجهم، لكن في هذه الحالة ربما يحتاج الشخص إلى فترة أطول للبكاء حتى يلمس تأثيره في تحسّن حالته.

إضافة إلى أن ثمة حقيقة علمية أثارت انتباهي عند عملي على إعداد المقال، هي أن الدموع العاطفية تختلف عن الدموع التي تُذرف عند تقطيع البصل على سبيل المثال، فالأولى تحتوي على نسبة أعلى من البروتين وذلك ما يجعلها أكثر لزوجة وتنساب على الوجه ببطء أكثر، ما يزيد احتمالية رؤيتها من جانب الآخرين. وعلى الرغم من أن البعض ينظر إلى الضعف باعتباره مظهراً سلبياً فإنه عمود أساسي من أعمدة التواصل الإنساني، وبعض العلاقات تزداد قوتها عندما يتشارك أطرافها الضعف والدعم فيما بينهم.

ما هي الفوائد النفسية التي يمدنا بها البكاء؟

يساعدك البكاء على مواجهة التوتر بتقليله هرمون الكورتيزول، ومن ناحية أخرى فهو يعزز حالتك المزاجية بإفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين والإندروفين، ما يجعلك تشعر بالراحة والهدوء، وفي حال سمحت للآخرين برؤية دموعك ستكون بذلك فتحت الباب لهم حتى يمدوا لك يد المساعدة بأفعال مختلفة، مثل المعانقة والتربيت على كتفك ما سيُشعرك بأنك لست وحيداً في مواجهة آلامك.

بالإضافة إلى أن البكاء يجعلك أكثر قدرة على النوم بسهولة، نتيجة دوره في تنشيط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي المسؤول عن إعادة التوازن للجسم بعد التعرض لموقف مُرهق، ما يجعلك تنتقل من حالة التوتر إلى الشعور بالهدوء والراحة، وحينها غالباً لن تعاني الأرق عندما ترغب في النوم، وبالطبع سيسهم نومك في تحسين حالتك النفسية عموماً.

اقرأ أيضاً: هل يخفف البكاء الضغط النفسي؟

ماذا تفعل في حال كنت لا تستطيع البكاء؟

"إن أشد مراحل الاكتئاب ليس البكاء السريع، بل عدم القدرة على البكاء".

يؤكد ذلك المعالج النفسي أسامة الجامع، إذ يرى أن البكاء تنفيس للمشاعر وتخفيف للضغوط وتهدئة للألم النفسي، وتعد عواقب منعه وخيمة وتؤدي إلى أذية الجسد، لذا في حال كنت تعاني عدم القدرة على البكاء على الرغم من حاجتك إليه، فهذه عدة خطوات ستساعدك:

  1.   جرب الاستماع إلى الموسيقى؛ فبعض الأغاني يمكن أن تثير بداخلك الشجن إلى حد انخراطك في البكاء، كما يمكنك تجربة دمج الاستماع إلى الموسيقى بنشاط آخر مثل قضاء الوقت في الطبيعة أو المشي، ما يتيح لك فرصة التعرف إلى مشاعرك واحتضانها.
  2.   اكتب عن مشاعرك أو المواقف التي أزعجتك مؤخراً أو العلاقات التي أرهقتك، فذلك سيساعدك على التعبير عن نفسك دون إصدار أحكام، ومن ثم عندما تنفتح على ما بداخلك قد تجد دموعك تنهمر تلقائياً.
  3.   تحدث عما يدور في رأسك من أوجاع سواء إلى صديق أم قريب، لكن احرص على أن يكون هذا الشخص محل ثقة حتى لا تندم لاحقاً.
  4. فكر في طلب مشورة المعالج النفسي، إذ يمكنه أن يمدك بآليات فعالة تجعلك أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرك وتجنبك كبت انفعالاتك العاطفية.

اقرأ أيضاً: البكاء في أثناء النوم: الأسباب والعلاج

المحتوى محمي