توصلت دراسة حديثة منشورة في دورية التقارير العلمية (Scientific Reports) في يونيو/حزيران عام 2024، إلى أن تناول الكافيين يومياً خلال فترة يعاني فيها الشخص قلة النوم، يؤدي إلى تفاقم الآثار السلبية لقلة النوم المزمن؛ إذ اكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين يتناولون الكافيين بانتظام عندما يقل نومهم يُظهِرون انخفاضاً في حجم المادة الرمادية (تتألف من كميات كبيرة من الخلايا العصبية وتؤدي دوراً في الوظائف العقلية والذاكرة والعواطف والحركة) أكبر مما يُظهِره الأشخاص الذين لم يستهلكوا الكافيين.
فما العلاقة بين استهلاك الكافيين وآثار الحرمان من النوم؟ وكيف تُمكن الاستفادة هذه النتائج من أجل تعزيز الصحة العامة، خصوصاً أننا غالباً ما نزيد استهلاك الكافيين لنشعر بمزيد من اليقظة عندما لا ننام على نحو كافٍ؟
اقرأ أيضاً: متلازمة النوم القصير: ما الذي يجعل البعض يكتفي بعدد ساعات نوم أقل؟
كيف توصّل الباحثون إلى نتائجهم؟
شملت الدراسة 36 بالغاً قُسِّموا إلى مجموعتين: الأولى تتناول القهوة المحتوية على الكافيين، والأخرى تتناول القهوة المنزوعة الكافيين. وعلى مدار 9 أيام، في بيئة يراقب فيها الباحثون زمن النوم والاستيقاظ بدقة، خضع المشاركون إلى جدول نوم مُتحكَّم فيه؛ حيث بدأت التجربة بيومين نام فيهما المشاركون 8 ساعات، تبعت ذلك 5 أيام من النوم المحدود؛ أي 5 ساعات من نوم في الليلة الواحدة، واختُتِمت بيوم للتعافي مدة النوم فيه 8 ساعات.
وقد استُخدِمت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي لقياس التغيرات في حجم المادة الرمادية وتوفر مستقبلات الأدينوزين (A1) (يُعزى تأثير الكافيين إلى أنه يعمل مضاداً لمستقبلات الأدينوزين التي تسهم في تنظيم النعاس والنوم)، وإليك في الجزئية التالية ما توصلوا إليه.
اقرأ أيضاً: عيناك تريدان النوم لكن عقلك يرفض؟ إليك الحل
الكافيين بالتزامن مع قلة النوم مزيج خطِر على المادة الرمادية في الدماغ!
أظهر المشاركون الذين لم يستهلكوا الكافيين بالتزامن مع قلة النوم، زيادة في حجم المادة الرمادية في مناطق معينة من الدماغ؛ مثل قشرة الفص الجبهي والقشرة الصدغية القذالية والمهاد؛ وهي المناطق المشاركة في الوظائف الإدراكية والحسية؛ حيث تشير هذه التغيرات إلى أن الدماغ يلجأ إلى زيادة حجم المادة الرمادية بوصف ذلك استجابة تعويضية محتملة لتخفيف آثار قلة النوم؛ لكن حجم المادة الرمادية ينخفض لاحقاً (بعد 36 ساعة من تقييد النوم).
وعلى النقيض من ذلك، أظهر أولئك الذين استهلكوا الكافيين بالتزامن مع قلة النوم انخفاضاً في حجم المادة الرمادية في المناطق نفسها، ما يشير إلى أن الكافيين قد يثبّط آليات التعويض الطبيعية في الدماغ المُتّبعة لمواجهة الحرمان من النوم.
اقرأ أيضاً: تشعر بالإرهاق ولا تستطيع النوم؟ إليك الأسباب والحلول
وعلى الرغم من أن بعض الأبحاث السابقة قد أشار إلى أن قلة النوم تؤدي عادةً إلى انخفاض في المادة الرمادية، فإن هذه الدراسة بيّنت أن الدماغ يستجيب لقلة النوم في المراحل المبكرة (خلال الـ 20 ساعة الأولى من قلة النوم) من خلال محاولة التكيف وزيادة حجم المادة الرمادية. ومع ذلك، يبدو أن تناول الكافيين يتداخل مع هذه الاستجابة التكيفية؛ ما يؤدي إلى تفاقم التأثير السلبي للحرمان من النوم.
يُعزى تأثير الكافيين إلى أنه يرتبط مع ما يُسمى "مستقبلات الأدينوزين (A1)" ويثبِّط تأثيرها الطبيعي، فهي نوع من المستقبلات العصبية التي تؤدي دوراً حيوياً في تنظيم النشاط العصبي وتعزيز النوم، علاوة على أنها جزء من منظومة الأدينوزين التي تساعد على موازنة استهلاك الطاقة والحفاظ على التوازن الداخلي.
وقد سلطت الدراسة الضوء أيضاً على أن الأفراد الذين يمتلكون عدداً أقل من مستقبلات الأدينوزين (A1) (نتيجة اختلافات فردية) عانوا انخفاضاً أكبر في حجم المادة الرمادية عند استهلاك الكافيين في أثناء تقييد النوم. يشير هذا إلى أن نشاط مستقبلات الأدينوزين أمر بالغ الأهمية في تعديل آثار الحرمان من النوم والكافيين في بنية الدماغ.
اقرأ أيضاً: ما أسباب ظاهرة تسويف النوم؟ وكيف تتغلب عليها؟
6 نصائح تفيدك أكثر من تناول الكافيين عندما يقل نومك
يقول الطبيب النفسي، عاصم العقيل، إن قلة النوم يمكن أن تسبب بعضاً من أعراض الاكتئاب؛ مثل التعب الشديد وفقدان الطاقة وصعوبة التركيز واتخاذ القرارات.
وتزيد قلة النوم التي تحدث على نحو منتظم خطرَ الإصابة بالعديد من الأمراض؛ مثل داء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتة الدماغية، والبدانة، واضطراب التمثيل الغذائي وزيادة الوزن، بالإضافة إلى أنها تؤثّر في الذاكرة والوظائف الإدراكية.
إذاً، بالنسبة إلى أولئك الذين يستهلكون الكافيين بانتظام للتغلب على آثار قلة النوم، فإن هذه الدراسة تشير إلى أن الكافيين، وعلى الرغم من أنه يزيد اليقظة، فإنه قد يتداخل أيضاً مع آليات التعويض الطبيعية التي يلجأ إليها الدماغ للتكيف مع قلة النوم. بمرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى تأثيرات سلبية في صحة الدماغ والوظائف الإدراكية.
لذلك؛ ينبغي ألا تتغلب على تأثير قلة النوم باللجوء إلى الكافيين أو المنشطات؛ وإنما عليك أن تنال قسطاً كافياً من النوم لتعويض النقص، وأفضل طريقة لتعويض قلة النوم وتجنُّب آثاره السلبية هي أن تمتلك روتيناً يومياً منتظماً للنوم، ويمكنك أن تحقق ذلك عبر اتباع النصائح التالية:
- صحِّح طبيعة علاقتك بالنوم: فكِّر في النوم على أنه دواء وقائي وليس مجرد عمل روتيني، ولا تنسَ أن عدد ساعات النوم الموصى بها للبالغين الأصحاء 7-9 ساعات يومياً.
- حافِظ على جدول نوم منتظم: خصص وقتاً محدداً للنوم والاستيقاظ كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع؛ ما سيسمح لك بالحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة. أما في حال احتجت إلى تغيير جدول نومك، فافعل ذلك تدريجياً عن طريق تعديله وفق فترات قصيرة تتراوح بين 15 و30 دقيقة في كل مرة.
- طوِّر روتيناً قبل النوم: يساعد الروتين الليلي الجسم على الاسترخاء والاستعداد للنوم؛ لذا فكّر في اتباع بعض الخطوات المتسلسلة مثل الاستحمام ثم قراءة بضع صفحات من كتاب ما أو التأمل أو أي نشاط من شأنه أن يساعدك على الاسترخاء.
- حافظ على نظافة بيئة النوم: وهذا يعني أن تتخلَّص من مصادر الإلهاء والأجهزة التي تُصدر الأصوات والأضواء، وخصوصاً الأجهزة الإلكترونية، مع ضبط درجة حرارة الغرفة على درجة تساعد على النوم، وتعتيم الإضاءة.
- نم قيلولة قصيرة بعد الظهر: على الرغم من أن القيلولة ليست بديلاً من قلة النوم؛ لكن قيلولة قصيرة تتراوح مدتها ما بين 10 و20 دقيقة في منتصف الظهيرة قد تساعدك على الشعور بمزيد من الراحة في أثناء النهار.
- أعِد التفكير في الأنشطة التي تمارسها نهاراً: تأكّد من حصولك على ما يكفي من ضوء الشمس وممارسة الرياضة في أثناء النهار والاعتدال في شرب الكافيين؛ حيث وجدت دراسة منشورة في مراجعات طب النوم (Sleep Medicine Reviews) عام 2023، أن استهلاك الكافيين استجابة لقلة النوم يؤدي إلى تقليل إجمالي وقت النوم بمقدار 45 دقيقة ويخفِّض أيضا كفاءة النوم بنسبة 7%؛ أي أنك ستقع في حلقة مفرغة من قلة النوم وشرب الكافيين للمساعدة على التركيز.
اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟
علاوة على ذلك، عليك أن تراعي وقت تناول الكافيين؛ إذ يقول استشاري طب الأسرة، علاء الرحيلي، إن تأثير الكافيين يستمر في الجسم مدةً تصل إلى 7 ساعات،.لذا؛ لا يُنصح بشربه في وقت متأخر في المساء؛ إذ قد يسبب اضطراباً في النوم. ولتجنب انخفاض إجمالي وقت النوم، يجب تناول الكافيين قبل موعد النوم بـ 8.8 ساعة على الأقل.