ملخص: الأشخاص جميعهم يرتكبون الأخطاء، ولكن ماذا لو كنت ترتكب الخطأ نفسه مراراً وتكراراً؟ على سبيل المثال إذا كنت تتأخر دوماً في تسليم مهام العمل. الحقيقة أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى تكرار الأخطاء نفسها، منها على سبيل المثال، أن الأشخاص أسرى للعادات اليومية، وفي بعض الأوقات قد يصعب كسر هذه العادات، علاوة على الأنماط العاطفية غير المحلولة وهي المشاعر وردود الفعل التي تشكلت استجابة لتجارب الماضي؛ فالشخص الذي يسعى دوماً إلى إرضاء الآخرين قد يكون طوَّر هذا النمط من تجربة طفولته بسبب التعرض لمشاعر الإهمال في الماضي، وإلى جانب ذلك، قد يكرر بعض الأشخاص أخطاءهم خوفاً من التغيير أو بسبب الافتقار إلى الوعي الذاتي، ويمكن القول إن ارتكاب الأخطاء نفسها يؤثر تأثيراً بالغاً في حياة الأشخاص؛ حيث يؤدي إلى انخفاض احترام الذات وتفاقم مشاعر القلق والتوتر، والفشل في تحقيق الأهداف وتوتر العلاقات الاجتماعية. وحتى يصبح التوقف عن تكرار الأخطاء ممكناً يجب تحمل المسؤولية عن تلك الأخطاء في البداية، وتحديد السلوكيات التي يجب تغييرها، علاوة على تحديد المحفزات وكسر حلقة التفكير السلبية والتركيز على نقاط القوة، وتقبّل فكرة ارتكاب بعض الأخطاء.
محتويات المقال
هل وجدت نفسك تتساءل يوماً عن سبب تكرار بعض الأخطاء في حياتك، مثل تفويت المواعيد النهائية في العمل، أو التحدث إلى صديقك بطريقة مزعجة كل مرة؟ في الحقيقة أنت لست وحدك؛ فهناك بعض الأشخاص الذين يرتكبون الخطأ نفسه مراراً وتكراراً إلى أن يشعروا بأنهم عالقون في حلقة مفرغة لا نهاية لها، ومع مرور الوقت يمكن أن يؤدي تكرار الأخطاء إلى تآكل الثقة بالنفس وتدمير العلاقات الاجتماعية، ولكن لماذا يكرر بعض الأشخاص الأخطاء نفسها؟ وكيف يمكن التوقف عن ذلك؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
لماذا يكرر بعض الأشخاص الأخطاء نفسها؟
هناك العديد من الأسباب التي قد تدفعك إلى تكرار الأخطاء نفسها، ومن أهمها:
1. الإنسان هو مخلوق أسير للعادات
يؤكد عالم النفس الأميركي، غرانفل ستانلي هال (Granville Stanley Hall)، أن الإنسان مخلوق من العادات، والعديد من أنشطته عبارة عن ردود فعل تلقائية بجانب محفزات بيئته، وفي هذا السياق، توضح المختصة النفسية، باربرا لي (Barbara Leigh)، أن السلوكيات يمكن أن تتحول بسهولة إلى عادات، حتى السلبية منها، وقد يكون من الصعب التخلص من تلك العادات، لأنها تترسخ في الدماغ على هيئة مسارات عصبية، لذلك يستغرق الأمر الكثير من الوقت والتكرار حتى تتمكن من تغيير النمط.
ويمكن القول إن السلوكيات المعتادة تتحول إلى عادات لأنها سهلة ومألوفة، حيث يهدف دماغك إلى الحفاظ على الطاقة، ولذلك في كل مرة تختار فيها سلوكاً خاطئاً، مثل التسويف، يقوّي دماغك المسارات العصبية المرتبطة بهذا السلوك، ما يجعل كسر الدائرة أكثر صعوبة ومن ثم تكرر الخطأ مرة بعد مرة.
2. الأنماط العاطفية غير المحلولة
تشير الأنماط العاطفية غير المحلولة إلى المشاعر وردود الفعل التي تشكلت استجابة لتجارب الماضي؛ تلك التجارب التي لم يَجرِ علاجها بالكامل، وغالباً ما تنبع هذه الأنماط غير المحلولة من صدمات الطفولة أو الأحداث الحياتية المهمة التي تستمر في التأثير دون وعي على قراراتك وعلاقاتك في الحاضر، على سبيل المثال، إذا كنت تسعى باستمرار للحصول على رضا الآخرين فقد نشأ هذا النمط من مشاعر الإهمال في مرحلة الطفولة.
وتعد هذه الأنماط العاطفية قوية لأنها متجذرة في الاحتياجات البشرية الأساسية، مثل الحاجة إلى الأمان والقبول والحب، وعندما لا تجري تلبية هذه الاحتياجات بطريقة صحية، فقد تسعى إلى تطوير طرائق تكيفية من أجل تلقي ردود الفعل الإيجابية، وفي هذه الحالة تصبح موافقة الآخرين مساوية لقيمة الذات.
3. الخوف من التغيير
التغيير هو جزء لا مفر منه من الحياة، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن يكون أحد أكثر التجارب ترهيباً للكثير من الأشخاص، على سبيل المثال، لو كنت تشعر بالانزعاج في وظيفتك الحالية، فإن فكرة تغيير المهنة قد تكون أكثر رهبة من تحمل عدم الرضا اليومي، وينبع هذا الخوف من التغيير لأن دماغك مُصمم لتفضيل الاستقرار والأمان على الخوض في المجهول، حيث إن المغامرات الجديدة قد تثير استجابة التهديد داخلك.
4. الافتقار إلى الوعي الذاتي
الوعي الذاتي هو القدرة على رؤية الذات بوضوح وموضوعية من خلال التأمل والاستبطان، وهو يتضمن فهم شخصيتك ومشاعرك ودوافعك ورغباتك، وعندما يكون الوعي الذاتي مفقوداً، فقد لا تدرك كيف تسهم أفعالك في المشاكل التي تواجهها، مثل التأخر على مواعيد تسليم العمل باستمرار، أو الاستجابة على نحو دفاعي خلال التحدث في اجتماعات العمل.
اقرأ أيضاً: كيف تكتشف إن كنت تعامل نفسك بتعاطف أم بقسوة؟
كيف يؤثر تكرار الأخطاء في حياتك اليومية؟
عندما تستمر في ارتكاب الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً، يمكن أن يؤثر ذلك فيك وفي حياتك، وعادة ما تشمل التأثيرات:
1. انخفاض احترام الذات
من الصعب أن تشعر بالرضا عن نفسك عندما تستمر في ارتكاب الأخطاء بالطريقة نفسها، ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى توليد المشاعر السلبية، مثل الإحباط وخيبة الأمل والشك الذاتي وانخفاض احترام الذات.
2. زيادة مشاعر القلق والاكتئاب
عندما تكرر الأخطاء، سوف تحس بزيادة التوتر والقلق وحتى الاكتئاب، ويمكن أن تستنزف طاقتك العقلية استنزافاً سريعاً، وقد تشعر بالاستنزاف العاطفي.
3. توتر العلاقات
تخيل أنك تتأخر على أصدقائك باستمرار أو تتحدث إليهم بطرائق مزعجة، وفي كل مرة تحاول تفادي ذلك الخطأ، تقع فيه مجدداً، ماذا سيحدث برأيك؟ الحقيقة أن علاقتك بأصدقائك ستتوتر ومن الممكن أن يفقدوا ثقتهم فيك.
4. الفشل في تحقيق أهدافك
عندما تستمر في اتخاذ الخيارات الخاطئة نفسها، سوف يمنعك ذلك من التقدم نحو أهدافك والنجاح في مساعيك، علاوة على أن تكرار الأخطاء يحجب عنك الاستفادة من التجارب الجديدة؛ ما يؤثر في نجاحك المستقبلي بالحياة.
اقرأ أيضاً: رهاب النقص: عندما يعرقل الخوف من ارتكاب الأخطاء حياة الشخص
7 نصائح عملية لتتوقف عن تكرار الأخطاء نفسها
الجميع يرتكبون الأخطاء، وقد نقع في الخطأ نفسه مرتين أو 3 مرات، ولكن إذا لاحظت أنك تكرر أخطاءك على نحو مستمر، فهذا يعني ضرورة مراجعة نفسك ومحاولة اتباع النصائح التالية:
1. تحمل مسؤولية أخطائك
يعد تحمل المسؤولية عن أفعالك أمراً بالغ الأهمية من أجل منع الأخطاء المستقبلية، ولذلك اعترف عندما ترتكب خطأ، وفكر في سبب حدوثه، وتحمل المسؤولية عن دورك فيه. تجنب إلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف الخارجية، وركز على ما يمكنك فعله بطريقة مختلفة في المرة القادمة.
2. حدد الأخطاء التي تود تجنّبها
حاول إعداد قائمة بالسلوكيات التي تود تغييرها، وإذا كانت هناك أخطاء ارتكبتها ولا تريد فعلها مرة أخرى فاكتبها، ومن أجل المضي قدماً في خطتك يجب أن تعرف تمام المعرفة ما هي الأخطاء التي تود تجنبها. لا تبالغ في كتابة أخطائك، وتذكّر أن هذه القائمة مخصصة لك أنت فقط، ولهذا كن صادقاً مع نفسك.
3. حدد محفزاتك
انظر إلى الأسباب التي دفعتك إلى ارتكاب أخطائك، تعلّم من ماضيك، هل الشركة التي تعمل بها هي التي تدفعك إلى التأخر عن مواعيد تسليم الأعمال لأنها تثقل كاهلك بالكثير من المهام؟ هل ترى نمطاً في مشترياتك يؤدي إلى الإفراط في الإنفاق؟ هل هناك عادات يمكنك تغييرها لتجنب هذه المحفزات؟
4. اكسر حلقة التفكير السلبي
يمكن أن يؤدي التفكير السلبي إلى تكرار الأخطاء نفسها؛ فعندما تشكّ في نفسك باستمرار، أو تركز على الأخطاء التي ارتكبتها، أو تجلد ذاتك على الدوام؛ فمن الصعب جداً التحرر من هذه الأنماط غير المفيدة، لذلك حاول ممارسة الحديث الإيجابي مع النفس وفكّر في تنمية عقلية النمو؛ ركز على نقاط قوتك واحتفل بإنجازاتك الصغيرة، وتعلّم من إخفاقاتك دون التوقف عندها.
5. ركّز على تنمية الوعي الذاتي
يمكن أن يساعدك الوعي الذاتي على منع الأخطاء المستقبلية؛ لأنه يتضمن فهم نقاط قوتك وضعفك والمحفزات التي تؤدي إلى ارتكاب الأخطاء، ومن خلال الوعي الذاتي؛ يمكنك إنشاء خطة للتغلب على المحفزات، كما يساعدك على طلب المساعدة من الأشخاص الداعمين.
ودعني أخبرك أن ممارسة اليقظة الذهنية من أهم طرائق تنمية الوعي الذاتي؛ لأنها تجعلك أكثر وعياً بأفكارك وعواطفك وأفعالك، فحين تركز على اللحظة الحالية التي تعيشها الآن ستتعرف بسهولة إلى أنماط السلوك التي تؤدي إلى أخطاء متكررة، ومن ثم، تتمكن من اتخاذ خيارات أفضل لتغييرها.
6. تقبّل وجود بعض الأخطاء
حين تضع خطتك من أجل التوقف عن تكرار الأخطاء نفسها، اجعل خطتك التحسين وليس الكمال، فمن غير الواقعي أن تنتظر من نفسك عدم ارتكاب الأخطاء على الإطلاق، ففي النهاية ستظل ترتكب الأخطاء ولا بأس بذلك، المهم أن تصبح شخصاً أفضل.
وفي بعض الأوقات يكون ارتكاب الأخطاء علامة على النجاح وليس الفشل، وفي هذا السياق، يوضح المختص النفسي، منصور العسيري، أن عدد مرات ارتكابك الأخطاء قد يعبر عن مدى تحدّيك لنفسك وخروجك من منطقة راحتك، ولذلك إذا كنت لا ترتكب أي أخطاء على الإطلاق فهذا يعني أنك لا تخرج من منطقة راحتك ولا تتعلم أموراً جديدة.
7. ركّز على نقاط قوتك
في أثناء محاولتك تجنب تكرار الأخطاء، حاول التركيز على نقاط قوتك بدلاً من نقاط ضعفك، لأن تركيزك حين ينصبّ على نقاط الضعف والأخطاء التي ترتكبها سوف تقل احتمالية نجاحك، وتنجرف نحو الخوف من الفشل، أو تشكّ في قدرتك على تحقيق النجاح، ولذلك وجّه انتباهك صوب مواهبك ومهاراتك وصفاتك الإيجابية، واستخدمها من أجل إحداث التغييرات التي ترغب بها.