رهاب النقص: عندما يعرقل الخوف من ارتكاب الأخطاء حياة الشخص

رهاب النقص
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل خشيت من قبل أن ترتكب خطأ في موقف ما فتجنبته تماماً؟ إذا حدث معك ذلك مرة أو مرتين فلا بأس؛ لكن هذا الخوف قد يتطور أحياناً عند بعض الأشخاص إلى فوبيا النقص التي تجعلهم يهابون المواقف التي تتضمن أي احتمالية فشل بسيطة؛ ما يعني عرقلة حياة كل منهم وبقاءهم في أماكنهم، فما الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذا النوع من الرهاب؟ وكيف يمكن علاجه؟ هذا ما يجيب عنه المقال.

يعيش البعض حياته وكأنه يمشي على الحبل، فيخاف دائماً من السقوط؛ ما يجعله يتجنب المواقف التي لا يوقن بنجاحه في الظهور فيها بالصورة المثالية، وقد عرف علماء النفس هذه الحالة بـ “رهاب النقص” أو “الأتيلوفوبيا” (Fear of Imperfection).

لكن الحياة على الأرض تختلف عما يطمح إليه المصابون برهاب النقص، فهي منحنىً نعيش فيه بين حالات عدة، صاعدين وهابطين؛ فرحين وحزنين؛ ناجحين وفاشلين. لذا؛ من الضروري التعرف إلى الأسباب التي تقف وراء الإصابة بهذا الرهاب وكيفية علاجه.

ما الفرق بين فوبيا النقص والكمالية؟

قد يخلط البعض بين رهاب النقص والكمالية ويعتبرهما شيئاً واحداً؛ لكنهما في الحقيقة مختلفان، فالكمالية سمة شخصية تجعل الفرد يلتزم بمعايير عالية ويسعى جاهداً إلى الظهور في صورة خالية من العيوب؛ بينما يتجنب المصاب برهاب الأتيلوفوبيا المواقف التي يعتقد أنه سيرتكب فيها الأخطاء ويتعامل معها باعتبارها تهديدات؛ ومن ثمَّ يؤثر هذا الخوف في حياته ويعوق جوانبها كافةً من الدراسة إلى العمل إلى الحياة الأسرية والاجتماعية.

من الفروق أيضاً بين الكمالية ورهاب النقص أن الشخص الكمالي يكون مدفوعاً بالبحث عن التميز؛ بينما يكون المصاب برهاب النقص مدفوعاً بالخوف من الفشل. وكذلك؛ لا توجد للكمالية أعراض جسدية بينما يؤدي رهاب النقص إلى معاناة أعراض جسدية ونفسية مماثلة لحالتَيّ القلق والذعر.

اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المُثل العليا

4 أسباب لفوبيا النقص

تشير الطبيبة النفسية إيمي داراموس (Aimee Daramus) إلى أن ثمة عدة أسباب يمكن أن تقف وراء الإصابة برهاب النقص؛ وأهمها:

1. الصدمات النفسية

عندما يتعرض الشخص لتجارب صادمة في حياته نتيجة أخطاء ارتكبها، قد تنتج منها آثار نفسية من ضمنها خوفه من ارتكاب الأخطاء لتجنب معاناة صدمات جديدة.

2. التنشئة الخاطئة

إذا كان والدا الشخص يسعيان إلى تحقيق الكمالية، فقد يترك ذلك أثراً فيه ويجعله يخاف من ألا يحقق مستوى الكمالية المتوقع منه.

3. العوامل الوراثية

تسهم العوامل الوراثية في الإصابة بفوبيا النقص، فالأشخاص الذي يعاني أقرباؤهم الفوبيا يكونون أكثر عرضة للإصابة بها من غيرهم.

4. المواقف السامة

في حال كان الشخص لا يعاني رهاب النقص وفجأة أصبح يعانيه، فربما سيرجع ذلك إلى وجوده في مواقف سامة أو تواصله مع أشخاص سامين يدفعونه إلى الخوف من ارتكاب الأخطاء.

اقرأ أيضاً: لماذا نخاف من الفشل؟

ما أعراض فوبيا النقص؟

توضح المختصة النفسية رزان مغربي إن الخوف من الفشل تظهر على المصاب به عدة أعراض؛ ومن أبرزها وجود أخطاء في نمط التفكير بالميل إلى التهويل والمبالغة. فمثلاً إذا دخل اختباراً ولم يحقق درجة كاملة، يعتبر ما حدث أمراً كارثياً سيفسد حياته كلها. علاوة على ذلك، فإنه يميل إلى تعميم السلبيات، فلا يرى من الصور سوى ما ينقصها، بالإضافة إلى اعتبار نفسه المتسبب في أي خطأ يحدث.

وتترافق مع فوبيا النقص أعراض أخرى نفسية وجسدية؛ مثل الميل إلى الغضب والعصبية، ومعاناة الحزن أو الاكتئاب، إلى جانب الانفصال العاطفي عن الآخرين وعدم القدرة على تقبل نقدهم، والإرهاق الملحوظ، والتعب المستمر. وفي بعض الأحيان، يتطور رهاب النقص إلى نوبات هلع تسفر عن الإصابة بخفقان القلب والدوار والقشعريرة والغثيان وضيق التنفس واضطراب المعدة.

كيف تُشخَّص فوبيا النقص؟

في حال أدت فوبيا النقص إلى عرقلة حياة الشخص وظهور مشكلات في حياته الشخصية أو المهنية، تتوجب عليه زيارة الطبيب النفسي الذي سيُخضعه لعملية تشخيص تشمل استعراض تاريخه الطبي على نحو مفصّل، إلى جانب حصر الأعراض التي تظهر عليه والمواقف التي تظهر فيها وكيفية تأثيرها في حياته، وأخيراً قد يطلب منه بعض التحاليل والفحوصات الطبية من أجل استبعاد الحالات الصحية المتداخلة مع رهاب النقص.

ما طرائق علاج فوبيا النقص؟

توجد طرائق مختلفة لعلاج رهاب النقص؛ وتشمل:

1. العلاج بالتعرض

يساعد هذا النوع من العلاج المصاب على تقليل خوفه من المواقف التي تثير قلقه، فيعتاد بالتدريج مع معاونة المعالج النفسي على ارتكاب الأخطاء وتقبلها.

2. العلاج المعرفي السلوكي

يهدف العلاج المعرفي السلوكي إلى تصحيح أنماط التفكير الخاطئة التي تسهم في ظهور رهاب النقص؛ فمثلاً بدلاً من القول: “إذا ارتكبت خطأً في أثناء تأدية هذه المهمة فلن أكون محبوباً في محيط عملي”، يتعلم الشخص أن يقول: “أنا استحق أن أكون محبوباً كما أنا، وقيمتي الذاتية لا تعتمد على مستوى أداء مهامي”.

3. تمارين اليقظة الذهنية

تمكّن هذه التمارين الشخص من قطع حبال الأفكار المخيفة في رأسه وتجعله أكثر صلة بالواقع، وتُمكن ممارستها بأساليب متعددة منها تمارين التأمل واليوغا.

4. العلاج الدوائي

في حال كانت تظهر على المصاب بفوبيا النقص أعراض واضحة للقلق أو الاكتئاب، فقد يصف له الطبيب النفسي بعض الأدوية؛ ومنها مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق أو الأدوية المهدئة.

اقرأ أيضاً: كيف نتقبل الفشل ونتغلب عليه؟

أخيراً، اعلم أنه لا يوجد إنسان على وجه الكرة الأرضية لا يرتكب الأخطاء؛ لذا حاول تغيير نظرتك إلى أخطائك، فلا تجعلها عقبات في طريق حياتك؛ بل دروسٌ تضيف إلى مهاراتك وتجعلك أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات بصورة أفضل.

error: المحتوى محمي !!