لماذا نخاف من الفشل؟

الخوف من الفشل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد يشعر البعض برهاب مستمر غير منطقي يُضخِّم من احتمالية الفشل، ويظهر على صورة مخاوف من شأنها التأثير في المهام الحياتية العادية؛ كالدراسة لاختبار ما، أو التمرُّن على إلقاء خطابٍ قصير أمام زملاء العمل.
يجعلنا “الخوف من الفشل” (Atychiphobia) نعيش حالة نفسية ليست بالجيدة؛ ما يزيد العبء الذهني السلبي الذي قد يؤثر فينا بشكل ملحوظ، ويهدد مستوى الثقة والكفاءة الذاتية (Self-efficacy) لدينا؛ ما يجعلنا أكثر عرضة لتَحقُق الفشل الذي نخاف حدوثه!

ومن الطبيعي أن لا يحب أحد الفشل؛ لكن بالنسبة لبعض من يعاني من الخوف من الفشل، فيكون ذلك الرهاب حاداً لدرجة ارتفاع احتمالية تأثيره على نمط حياتهم اليومية، وقدرتهم على إكمال المهام المهمة، وحتى الاعتيادية.

دعونا نتعرف أكثر إلى هذا الرهاب وعلاماته المرضية وبعض من أسباب الإصابة به، ثم الأهم من كل ذلك؛ كيفية التعامل الأنسب مع تلك المشاعر والعواطف السلبية التي قد تهدد سلامتنا النفسية والعقلية.

ما هو الخوف من الفشل؟

يُعرَف الخوف من الفشل بحالة من المشاعر والعواطف السلبية المستمرة وغير المنطقية تجاه الفشل، ويؤثر هذا الرهاب بشكل ملحوظ في الخبرات المعرفية والسلوكية والعاطفية.

وعادةً ما تتعلق هذه المخاوف بأشياء أو مواقف محددة قد لا تحدث في نهاية الأمر؛ ولكنها تجعل الإنسان أكثر عرضة لتجنب القيام بما يجب عليه فعله!

اقرأ أيضا:

من يتأثر أكثر بالخوف من الفشل، الإناث أم الذكور؟

وفي دراسة حديثة نُشِرَت بداية 2021 بالتعاون بين فريق بحثي من جامعة كوليج لندن البريطانية وجامعة بوفالو الأميركية لصالح “مجلة المراهقة” (Journal of Adolescence)، حلَّل العلماء حالة الخوف من الفشل بين نحو ما يزيد عن 517 ألف طالب وطالبة في سن 15 عاماً من نحو 59 دولة.

وبالنظر لما وجده الباحثون؛ أظهرت الطالبات خوفاً أكبر من الفشل مقارنةً مع نظرائهن الطلاب. فعلى سبيل المثال؛ كانت الفجوة بين الجنسين أعلى في كُلٍّ من الحالات التالية: بين المشاركين المتفوقين وفي المدارس ذات الإنجازات المرتفعة والمجتمعات المزدهرة والأكثر مساواة بين الجنسين.

وتتفق دراسة أخرى قام بها فريق بحثي من الجامعة الهاشمية الأردنية في عام 2016 مع نتائج الدراسة السابقة، فقد لاحظ الباحثون أن التعرض لمشاعر الخزي يسبق حدوث الخوف من الفشل لدى الإناث، وأن هناك مستويات أعلى من الشعور بالذنب عند الإنجاز مقارنة بالذكور.

بالتالي؛ وجد العلماء أن هناك مستوىً مرتفعاً من الخوف من الشعور بالخزي والإحراج بين الطالبات مقارنة بنظرائهنّ من الذكور.

وفي الدراسة ذاتها؛ كانت الطالبات اللاتي تعرضنّ للفشل في وقت مبكر من الحياة أكثر عرضة للاستسلام بسهولة أكبر مقارنة مع أقرانهنّ من الذكور. وحينما نُدرِك أن الإناث لديهن ميل فطري إلى التعاون بدلاً عن التنافس، فمن السهل فهم قرار عدم المحاولة مرة أخرى نتيجة ارتفاع التكلفة المترتبة على ذلك.

والجدير بالذكر أن ما سبق يدعم النتائج الأخرى التي توصلت إليها الدراسات السابقة – حسب تعبير الفريق البحثي الأردني.

اقرأ أيضا:

العلامات المرضية للخوف من الفشل

تظهر العلامات المرضية لهذا الرهاب بشكل ملحوظ بين الأشخاص المصابين، وتؤثر سلباً في صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية.

بحسب أطباء وخبراء الصحة في مقالة تمّت كتابتها لصالح منصة “ڤيري ويل هيلث”، فإن درجات التأثر بالخوف من الفشل قد تختلف من شخص لآخر. لنتعرف معاً على بعض الأعراض الجسدية التي قد تشمل:

  • الشعور بالدوار.
  • الصعوبة في التنفس.
  • تسارع نبضات القلب.
  • الضيق أو الألم في الصدر.
  • الألم في الجهاز الهضمي.
  • الرجفة والأحاسيس المهزوزة.
  • التعرق والإعياء والصداع.
  • الصعوبة في النوم نتيجة التفكير المفرط.

أما الأعراض النفسية فتشمل:

  • الشعور الشديد بالقلق.
  • الشعور بالانفصال عن النفس.
  • الشعور بالعجز بسبب الخوف.
  • الشعور بفقد السيطرة على الموقف.
  • التفكير في احتمالية الإغماء أو الموت.
  • الشعور المفرط بعدم الأمان والقلق المفرط.
  • التسويف وتجنّب المهام التي يصاحبها الخوف.
  • الحاجة الماسّة للهروب من كل موقف تنتج عنه مشاعر الخوف.

وبالمجمل، فظهور هذه العلامات المرضية الجسدية والنفسية يختلف باختلاف التجربة التي يمر بها الإنسان، وحجم مخاوفه التي تحفزها.

بعض من أسباب الإصابة بالخوف من الفشل

ويحدث هذا الرهاب لأسباب مختلفة حسب وصف أطباء وخبراء الصحة في منصة “ڤيري ويل هيلث”؛ إلا أنه من الممكن تحديد بعض هذه الأسباب وفق ما يلي:

  • تجارب التعلم المباشر: فقد تسبب التجارب المؤلمة التي يرافقها الخوف ذلك الرهاب، خصوصاً في المواقف التي يكون للفشل فيها عواقب وخيمة أو شعور بالإذلال.
  • خبرات التعلم القائمة على الملاحظة: كرؤية الآخرين يعانون من هذا الاضطراب؛ ومن ذلك النشأة في منزل يشعر فيه شخص بالغ مثل أحد الوالِدين بالخوف من الفشل.
  • المعلومات المنتشرة: حيث أن التعرف على بعض أنواع الرهاب من خلال الأخبار أو الكتب أو التلفزيون قد يحفز الإصابة.

وتتضمن بعض العوامل الأخرى التي قد تكون مرتبطة بالخوف من الفشل على وجه التحديد ما يلي:

  • الكمال: حيث يتسم برؤية أي شيء أقل من مستوى التوقعات أنه غير مقبول.
  • تصور الذات: حيث يعتمد تصور المصاب عن ذاته على ما يراه الآخرون فيه، وبالتالي يصاحبه دائماً شعور الخوف من تلك النظرة التي تصنف الإنسان على أنه فاشل.
  • النشأة في بيئة مليئة بالانتقاد: البيئة التي لا تتسامح مع الأخطاء أو الفشل.

كيفية التعامل الأنسب مع الخوف من الفشل

قد يحتاج الإنسان الذي يعاني من هذا الرهاب إلى خطة علاجية بإشراف مختص نفسي؛ إما من خلال العلاج المعرفي السلوكي أو الأدوية التي تخفف من مشاعر وعواطف القلق والتوتر.

وبالنظر إلى شدة الرهاب وسهولة الوصول إلى العلاج التخصصي ومقدار الدعم اللازم، فقد يكون من الأفضل أن يُخطِّط المصاب بالتغلب ذاتياً على مخاوفه كخط علاج أول، ومن الممارسات التي يُنصح بها:

  • إعادة تعريف الفشل: حيث ينظر لهذه المواقف على أنها فرص للتعلم وتحديات يجب خوضها بدلاً عن تجنبها وجزء طبيعي من الحياة يخوضه الجميع.
  • كُن براغماتياً: حيث أن تحليل النتائج النهائية وما يمكن أن تؤول إليه من شأنه المساعدة في مواجهة تلك المواقف المخيفة.
  • كُن لطيفاً مع نفسك: حيث أن الفشل أمر لا مفر منه في بعض الأحيان، لذا يجب التدرب على مسامحة النفس عند الفشل، وتحدي حديث النفس السلبي، وتقييم الأمور بشكل عقلاني أكثر نفعاً، إلى جانب فهم أن المهمة الفاشلة لا تعطي مؤشراً على القيمة الذاتية للإنسان.
  • ممارسة اليقظة الذهنية: فقد تساعد في الاسترخاء والشعور بالهدوء وإدارة القلق.

في النهاية؛ قد يكون الخوف من الفشل مؤشراً على وجود أنواع رهاب أخرى لدى الإنسان؛ ما يعني ضرورة العمل على عرض تلك المخاوف على مختص نفسي.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!