كيف تتخلص من شعورك بانعدام الأمان؟

6 دقائق
انعدام الأمان
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: قد يكون انعدام الأمان شعوراً فظيعاً، فقد يثير الشك في نفسك وقدراتك وعلاقاتك؛ ما قد يمنعك من متابعة أهدافك ويجعلك تتصرف بطرائق لا تريدها بالضرورة. لذلك؛ من المهم أن تعمل على معالجة مخاوفك حتى تتمكن عيش الحياة  التي تريدها، وإليك ما قد يساعدك على ذلك.

يعاني بعضنا بين الحين والآخر، مشاعرَ سلبية تمس قيمه الذاتية؛ ومن أبرزها الشعور بانعدام الأمان (Insecurity) الذي قد يتطور من مجرد عاطفة عابرة إلى قوة متغلغلة في أفكارنا وسلوكياتنا، فيؤثر سلباً في صحتنا النفسية وعلاقاتنا مع الآخرين. لذلك؛ سنوضح في هذا المقال أسباب انعدام الأمان وعلاماته وعواقبه الطويلة الأمد، بالإضافة إلى بعض الاستراتيجيات المهمة للتخلص من هذا الشعور.

اقرأ أيضاً: هل أنا حساس بشكل مفرط؟

كيف يتجلى الشعور بانعدام الأمان النفسي؟

يوضح استشاري العلاج النفسي، أحمد هارون، إن الشخص الآمن نفسياً هو الشخص القادر على تحديد احتياجاته النفسية وتلبيتها، وتحديد مشاعره وفهمها، وتحديد السلوكيات المناسبة وتنفيذها. فالأمان النفسي، بأبسط تعريفاته، هو الشعور بالاستقرار النفسي على نحو يكفي للشعور بالهدوء الذاتي والثبات الانفعالي، وانعكاس ذلك على السلوك. أما في حال غياب الأمان الكافي، سيصبح السلوك مشوشاً، وتصبح المشاعر مضطربة والأفكار مغلوطة.

فانعدام الأمان وفقاً لجمعية علم النفس الأميركية (American Psychological Association) هو الشعور بالنقص وانعدام الثقة في النفس وعدم القدرة على التأقلم، المصحوب بعدم اليقين العام والقلق بشأن أهداف الفرد أو قدراته أو علاقاته مع الآخرين.

وبالطبع، ثمة عدة علامات شائعة تميز هذه الحالة على الرغم من أنها قد تختلف من شخص إلى آخر، وقد لا تكون موجودة جميعها عند كل شخص. وعموماً، فيما يلي بعض العلامات النموذجية:

  • الشك المستمر في القيمة الذاتية: غالباً ما يشك الأفراد غير الآمنين في أنفسهم وقدراتهم وكفاءاتهم.
  • تدني احترام الذات: قد يمتلك الأشخاص غير الآمنين صورة سلبية عن ذواتهم، فيقيّمون أنفسهم وقدراتهم تقييماً سلبياً.
  • الحديث السلبي عن النفس: يُعد الحوار الداخلي المليء بالنقد الذاتي والأفكار السلبية أمراً شائعاً في حالتنا هذه، فكثيراً ما يشعر الشخص فاقد الأمان بعدم الثقة في نفسه وفي قدرته على التعامل مع المواقف الصعبة، ناهيك بأنه لا يُبدي أي استعداد لخوض التحديات أو تحمل أي مخاطر جديدةـ شخصية كانت أو مهنية.
  • الحساسية العاطفية المفرطة: يمكن لانعدام الأمن أن يجعل الأفراد حساسين جداً تجاه النقد؛ ما قد يؤدي بهم إلى ردود أفعال سلبية أو عدائية أو مبالغ فيها وغير مناسبة للموقف.
  • الكمالية: قد يكون السعي نحو تحقيق الكمال وسيلة لإخفاء مشاعر عدم الكفاءة وعدم الرضا عن النفس.
  • العزلة والانسحاب الاجتماعي: قد يؤدي انعدام الأمان إلى القلق الاجتماعي والانسحاب من المواقف الاجتماعية؛ إذ يخشى الأفراد التعرض إلى الحكم أو الرفض أو الانتقاد.
  • المقارنة المفرطة بالآخرين: كثيراً ما يقارن الأشخاص غير الآمنين أنفسهم بالآخرين، وغالباً ما يشعرون بالنقص أو الحسد أو الغيرة من إنجازات الآخرين أو مظاهرهم الخارجية.
  • صعوبة في قبول المجاملات: وغالباً ما يرفضونها أو يشعرون بعدم الارتياح تجاهها لأنها قد تثير شكوكهم الذاتية الموجودة مسبقاً، بالإضافة إلى أنهم غالباً ما يأخذون النكات على محمل الجد أو على نحو سلبي وشخصي.
  • الإفراط في الاعتذار: قد يعتذر الأفراد غير الآمنين على نحو مفرط، حتى عما لم يخطئوا فيه، وتلك وسيلتهم للحصول على قبول الآخرين أو تجنب الرفض.

اقرأ أيضاً: 10 مفاتيح تساعدك على اكتساب الحضور القوي أمام الآخرين

لماذا قد نفقد إحساسنا بالأمان النفسي؟

لعدة أسباب؛ مثل:

  • العوامل الاجتماعية والثقافية: قد تدفعنا مقارنة أنفسنا مع معايير المجتمع، سواء معايير الجمال أو أنماط الحياة المغرية، وعدم القدرة على استيفائها، إلى الشك في ذواتنا. بالإضافة إلى ذلك، نتعلم معظمنا منذ الطفولة أن نعطي الأهمية الأكبر إلى المحفزات الخارجية مثل الجوائز وشهادات التقدير، بدلاً من إيلاء الأهمية للمحفزات الداخلية مثل العمل الجاد والتفاني؛ ومن ثَمّ نكبر معتمدين على موافقة الآخرين وإعجابهم لنشعر بالأمان، في حين يصعب علينا تطوير أحاسيس قوية بقيمنا الذاتية.
  • صدمات الطفولة: التعرض إلى التنمر أو سوء المعاملة أو الإهمال أو الإساءة النفسية أو الجسدية في أثناء الطفولة، قد يدفعنا إلى الشعور بأننا لسنا جيدين بما يكفي ولا نستحق حب الآخرين أو دعمهم.
  • العلاقات الاجتماعية غير الصحية: افتقار الدعم العاطفي والعائلي أو تورطنا في علاقات نُعامل فيها على نحو سيئ، سواء مع أحد الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة أو الزملاء أو حتى الشركاء الرومانسيين، يصعّب علينا الثقة في أنفسنا وفي الآخرين.
  • النكسات: قد يؤثر الطلاق او الانفصال أو فقدان الوظيفة تأثيراً سلبياً في احترامنا لذواتنا وثقتنا بأنفسنا.
  • حالات الصحة النفسية: مثلما ذُكر سابقاً؛ العلاقة بين فقدان الأمان وبعض الاضطرابات النفسية علاقه متبادلة، وقد يفضي كلٌ منهما إلى الآخر؛ مثل حالات القلق والاكتئاب واضطرابات الشخصية الحدية واضطراب الشخصية النرجسية.

اقرأ أيضاً: كيف تعرف أن خياراتك تدمر حياتك؟ وكيف تتجنب ذلك؟

كيف يؤثر انعدام الأمان في صحتك النفسية؟

من الطبيعي أن نمر بأيام عصيبة في مرحلة ما من الحياة، نشعر فيها بالشك الذاتي أو عدم التمتع بالجدارة أو الكفاية؛ لكن الشعور هكذا طوال الوقت قد يؤثر سلباً في كل جانب من جوانب الحياة؛ بدءاً من الصحة النفسية والرفاهية العاطفية، وحتى في الأداء الأكاديمي والمهني. وفي الواقع، وُجد أن الشعور بانعدام الأمان يرتبط بالعديد من مشكلات الصحة النفسية؛ مثل:

ولا يتوقف الأمر على الحالة النفسية فقط، فانعدام الأمان قد يؤثر سلباً في العلاقات مع الآخرين، فقد يفترض الشخص، أو يخشى فكرة أن الآخرين لا يريدونه أو يخونونه؛ ما قد يزيد شعوره بالتوتر والقلق أو الغيرة الشديدة أو التملك أو الشك في وفائهم على الدوام. 

وجدير بالذكر هنا إن هذه المخاوف قد تصبح نبوءات تحقق ذاتها لأنها قد تدفع الشخص إلى التصرف على نحو ينفر الآخرين ويُبعدهم عنه؛ ما قد يؤدي في النهاية إلى علاقات اجتماعية ورومانسية فاشلة. 

ومن المُلاحظ أيضاً أن هذا الشعور قد يؤثر سلباً في الحياة المهنية؛ لأنه يجعل الشخص أكثر تردداً وأقل عرضة إلى المخاطرة؛ ما يمنعه من متابعة الفرص التي يحلم بها. وعلاوة على ذلك، يصبّ الشخص تركيزه الأكبر على عيوبه الذاتية بدلاً من توجيه طاقته نحو تحسين الذات وتطويرها، وقد تصعِّب الحساسية المفرطة تجاه النقد قبول التعليقات البناءة.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص يقلل من قيمتك؟

12 استراتيجية فعّالة للتخلص من الشعور بانعدام الأمان

يمكن لعدة تغييرات في نمط الحياة ووجهات النظر أن تساعدك على التعامل مع فقدان الأمان كما يمكن أن يساعدك المعالج النفسي على تحقيق ذلك. لكن عليك أن تعلم أن تغيير نمط التفكير والشعور يحتاج إلى وقت وصبر كبيرَين، ولا بُدّ أن تكون مستعداً لمواصلة التحسينات على المدى الطويل لرؤية نتائج دائمة. وإليك كيف يمكنك تقليل شعور انعدام الأمان:

  • الوعي بالذات: اعترف أن المشكلة موجودة، وقيّم مدى تأثيرها في صحتك النفسية وحياتك الاجتماعية والمهنية، ثم حاوِل أن تفهم الأسباب الجذرية لانعدام الأمان لديك. فكِّر في التجارب السابقة والمواقف وأي أحداث مؤلمة، سواء في الماضي أو الحاضر، قد أسهمت في شعورك بالنقص، ولاحظ ردود أفعالك تجاهها. إن فهم مصدر انعدام الأمان هو الخطوة الأساسية نحو معالجته.
  • تحدَّ الحديث السلبي عن النفس: عندما يتسلل الشك إلى ذاتك، حاول أن تتحدى هذه الأفكار بالأدلة التي تثبت عكسها. فهل مخاوفك مبنية على حقائق أم تصورات مشوهة؟ يمكن للتحليل الذاتي النقدي أن يساعدك على التمييز بين الواقع والمعتقدات التي لا أساس لها. وسامِح نفسك إن حدث وأخطأت، فالأخطاء أحداث منفردة لا تحدد هويتك الشخصية؛ بل فكِّر أن تتعلم من التجربة وتركّز على الايجابيات. جدير بالذكر إن الأشخاص الذين يتحدثون إلى أنفسهم على نحو أكثر إيجابية يشعرون بأمان وراحة أكبر. حسناً، نعلم بالطبع أن هذه الأفكار قد تبدو مفاهيمَ غير واقعية أو كأنها من كوكب آخر؛ لكنها تؤتي ثمارها على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: تقنية إعادة الهيكلة المعرفية: كيف تستمد الإيجابية من المواقف السلبية؟

  • اطلب التعليقات: شجع التعليقات البناءة من الأفراد الموثوقين. يمكن أن يساعدك هذا على فهم نفسك أكثر وتحديد مجالات التحسين.
  • تعاطف مع ذاتك: عامل نفسك باللطف والتفهم والحب الذين قد تقدمهم إلى صديقك لو جاء واشتكى إليك مما تشكوه في نفسك. تذكر أن الشعور بالأمان التام في الأوقات جميعها أمر غير ممكن. لذلك؛ ليكن هدفك هو التقدم والتحسّن المستمر وليس بلوغ الكمال.
  • ركِّز على نقاط قوتك: ركّز انتباهك على المجالات التي تبدع فيها، وحدد تلك التي ترغب في تحسينها. ولا بأس أيضاً في أن تؤكد قيمتك الذاتية، فدوِّن أفعالك الصغيرة والإيجابية، وركِّز على إسهاماتك بدلاً من التركيز على عيوبك، واحتفل بإنجازاتك ودوِّنها حتى تقرأها عندما تشعر بانعدام الأمان. قد يبدو الأمر محرجاً في البداية؛ لكن تأثيره في احترامك لذاتك قوي فعلاً.
  • تقبّل النقص: ما من أحد مثالي. لذلك؛ تصالَح مع نفسك، وبدلاً من أن تتجنب ما يُشعِرك بالضيق، كُن مستعداً لمواجهته والتزم بفعل ما يحقق نموك الشخصي ويجعلك شخصاً أقوى. تذكَّر أن تضع أهدافاً قابلة للتحقيق تتوافق مع قدراتك واهتماماتك. وعندما تحقق هذه الأهداف، سوف تكتسب شعوراً بالإنجاز وتعزز احترامك لذاتك.
  • ابنِ نظام دعم: أحط نفسك بالأصدقاء والعائلة الداعمين الذين يرفعونك ويشجعونك، فإن مشاركة مشاعر عدم الأمان مع الأفراد الموثوقين يمكن أن توفر الدعم العاطفي.
  • طوّر مهاراتك الاجتماعية: إذا كانت التفاعلات الاجتماعية تسهم في انعدام الأمان لديك، فاعمل على تطوير مهاراتك الاجتماعية. تدرب على الاستماع النشط، وشارك في أحاديث صغيرة، واخرج تدريجياً من منطقة الراحة الخاصة بك لبناء الثقة في المواقف الاجتماعية.
  • طوِّر قدراتك المهنية: استثمر في نموك الشخصي والمهني، فتوسيع مهاراتك ومعرفتك يمكن أن يزيد ثقتك في مختلف مجالات الحياة.
  • اعتنِ بنفسك: إذا كنت تهمّ دائماً لتلبية احتياجات الآخرين على حساب احتياجاتك الخاصة، فأنت لا تقدِّر نفسك بما فيه الكفاية. في الواقع، عليك أن تراعي نفسك وتلبي احتياجاتها؛ ما سيساعدك على مواجهة الأفكار السلبية وتحسين قيمتك الذاتية. لذلك؛ مارس التمرينات الرياضية بانتظام، واتبع نظاماً غذائياً متوازن، واحصل على قسط كافٍ ووافٍ من النوم، وافعل ما يجلب لك السعادة من هوايات وأنشطة، فذلك من شأنه أن يعزز مزاجك واحترامك لذاتك. وعلاوة على ذلك، حاول أن تتجنب الأشخاص السامين الذين دائماً ما يشيرون إلى عيوبك، وابحث عن صحبة أفضل.

اقرأ أيضاً: تقنية تنفس تساعدك على التخلص من المشاعر السلبية

  • مارِس اليقظة الذهنية والتأمل: يمكن أن تساعدك ممارسات اليقظة الذهنية في التركيز على الحاضر وتقليل القلق بشأن المستقبل أو الماضي؛ كما يمكن للتأمل أيضاً أن يعزز الوعي الذاتي وتقبل الذات.
  • اطلب المساعدة: قد يساعدك العمل مع مختص الصحة النفسية على اكتشاف مخاوفك وأسباب انعدام الأمان لديك، وتقديم أدوات وتقنيات قيّمة لبناء المرونة والثقة بالنفس.