ما العبء العاطفي؟ وكيف تتنجح في تخفيفه؟

5 دقيقة
العبء العاطفي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الحياة رحلة مليئة بالتجارب؛ بعضها مبهج والآخر مؤلم، ومن الطبيعي أن تُخلّف تلك التجارب آثارها في نفوسنا، فعلى الرغم من أن بعضها يمر سريعاً، يصبح بعضها الآخر عبئاً ثقيلاً نحمله على ظهورنا، يُؤثّر في حاضرنا ويعوق استشراف المستقبل. يُطلق على هذا الحمل الثقيل اسم "العبء العاطفي" أو "الأمتعة العاطفية"، وفي هذا المقال، نتعرف إلى أسبابه وأعراضه وطرائق تخفيف هذا العبء.

تخيل وجود حقيبة ثقيلة، نحملها حيثما ذهبنا، دون أن ندري أننا نحملها. هذه الحقيبة المقصودة تحوي المشاعر السلبية والأفكار المؤذية والتجارب المؤلمة والصدمات غير المُعالجة والمتراكمة؛ ما يؤدي إلى الشعور بـ "العبء العاطفي"، وهو شعور مرهق يؤثر في مشاعرنا، فقد نعجز عن التحكم في عواطفنا والتعبير عنها بطريقة صحية، ناهيك بأنه يزعزع علاقاتنا الشخصية والمهنية وحتى علاقاتنا مع أنفسنا، فما أسباب هذا العبء وأعراضه؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ الإجابة بالتفصيل في السطور التالية.

6 أمثلة للعبء العاطفي

يطلَق على هذا المصطلح أيضاً "الأمتعة العاطفية" (Emotional Baggage)، ويمكن أن يؤثر في سلوك الشخص وعواطفه وعلاقاته الحالية والمستقبلية ويعوق قدرته على العيش بسلام وهدوء داخليَين؛ كما يُمكن أن يؤثر في صحته النفسية والجسدية؛ ما يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم والصداع وغيرها. ومن أمثلة هذا العبء:

  1. العار والخجل: يظهر في الشعور أنّك غير كافٍ أو غير جدير بالتقدير؛ ما يُؤدي إلى تجنب التواصل والتفاعل مع الآخرين.
  2. الاستياء وعدم التسامح: ومن ذلك التعلق بمشاعر سلبية ومؤلمة من الماضي دون محاولة التغلب عليها.
  3. الحوار السلبي: يأخذ أشكالاً عدة أهمها التحدث إلى النفس بعبارات سلبية ومُدمّرة؛ ما يُقلل الثقة بالنفس ويؤثر في الصورة الذاتية.
  4. التوقعات غير الواقعية: منها الشعور بالضغط لتحقيق توقعات غير واقعية من النفس ومن الآخرين.
  5. المقارنة: مثل الشعور بالحاجة إلى أن تكون أفضل من الآخرين؛ ما يؤدي إلى الشعور بالقلق والحسد وعدم الرضا.
  6. الشعور بالذنب: إذ قد يعاني الشخص الذي يشعر بالعبء العاطفي الشعورَ بالتقصير والتأنيب على الأخطاء المرتكَبة في الماضي، أو عندما لا يحقق توقعات الآخرين.

اقرأ أيضاً: ما هو العبء الذهني المهني ولمَ يعاني المدراء التنفيذيون منه؟

5 أسباب للمعاناة من العبء العاطفي

يتعرض أغلب الأشخاص إلى بعض الأحداث الصعبة التي تُخلّف آثارها في نفسياتهم، فما تلك الأحداث التي قد تصبح عبئاً عاطفياً؟

  1. التجارب المؤلمة في مرحلة الطفولة: الطفولة مرحلة حاسمة في تكوين شخصية الإنسان؛ فالتعرض إلى الإهمال أو العنف أو الفقدان في هذه المرحلة قد يترك ندوباً عميقة في النفس، تصبح عبئاً عاطفياً نحمله معنا إلى سن الرشد.
  2. الخسائر المؤلمة: فقدان شخص عزيز، سواء كان أحد أفراد العائلة أو صديقاً مقرباً، قد يترك جرحاً غائراً في القلب يُؤثّر في قدراتنا على الترابط مع الآخرين، ويعوق شعورنا بالسكينة والاطمئنان.

وتضيف المعالجة النفسية، إليانا قشامي، إن العبء العاطفي نتيجة فقدان شخص لا يتعلق فقط بكون الموت سبب هذه الخسارة، فمثلاً يعد سفر شخص أو وقوع شجار أدى إلى انقطاع العلاقة، من التجارب المؤلمة؛ ويؤدي عدم التعامل مع تلك الخسارة بطريقة ملائمة إلى استمرار هذا العبء.

  1. العلاقات المُسيئة: التعرض إلى الإساءة اللفظية أو الجسدية أو العاطفية في العلاقات الشخصية، قد يُصبح مصدراً للعبء العاطفي، يُؤثّر في نظراتنا إلى أنفسنا وإلى العلاقات بصفة عامة.
  2. الخبرات السلبية في العمل: الضغط المُستمر في العمل، والإحباط من عدم التقدير، والصراعات مع زملاء العمل؛ كلها عوامل قد تؤثر في صحتنا النفسية وتصبح عبئاً عاطفياً ثقيلاً.
  3. الأحداث العالمية الصادمة: التعرض إلى أحداث جسيمة مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية أو انتشار الأمراض المعدية، قد يؤثر في نفوسنا ويترك فيها ندوباً عميقة.

اقرأ أيضاً: ما تأثير الصدمات المالية في صحتك النفسية؟ وكيف تتعامل معها؟

ما أعراض العبء العاطفي؟

يُظهر العبء العاطفي أعراضاً متنوعة تُؤثّر في حيواتنا الشخصية والاجتماعية والمهنية؛ تشمل:

  • مشاعر سلبية متكررة: مثل القلق والتوتر والحزن والغضب والإحباط والخوف وانعدام القدرة على التركيز والإجهاد المستمر بسبب استمرار ضغط المطالب الخارجية والداخلية؛ ما يعوق استمتاعنا بالحياة، ويؤثر في صحتنا النفسية والجسدية.
  • صعوبات في العلاقات: مثل التوجس من العلاقات الجديدة، والخوف من تكرار الألم الذي مررنا به في الماضي، وصعوبة الثقة في من حولنا.
  • السلوكيات التجنّبية: إذ نتجنّب مواجهة الألم عن طريق تجنّب الأشياء التي تُذكّرنا به، فننعزل عن العالم.
  • السلوكيات التدميرية: من ذلك الاستخدام المفرط للأدوية والكحول أو السلوكيات العدوانية، وهي محاولات لا واعية للتهرب من ألم العبء العاطفي.
  • مشكلات النوم والشهية: مثلاً؛ قد يسبب القلق نوبات هلع ليلية، أو يلجأ البعض إلى الأكل العاطفي كطريقة لقمع المشاعر السلبية.

9 نصائح لتخفيف العبء العاطفي

لا يُمكن التخلص من العبء العاطفي بين ليلة وضحاها؛ لكن باستطاعتنا تخفيف أثره وتعزيز القدرة على التعامل مع التجارب الصعبة في المستقبل:

  1. تعرف إلى العبء العاطفي: أول خطوة هي التعرف إلى طبيعة العبء العاطفي وأعراضه، وفهم أسبابه، وتحديد المواقف أو العلاقات التي تثير المشاعر السلبية؛ لنتمكن من تغيير طريقة التعامل.
  2. تقبّل وتسامح: لا يُمكن العودة إلى الماضي وتغييره؛ لكن من المُمكن تقبُّل ما وقع فيه، وهذا لا يعني الموافقة على ما حدث؛ لكن الاعتراف به يساعدنا على تحرير نفوسنا من العداء والغضب.
  3. أعد تقييم تجاربك السلبية: يمكن أن نُعيد تقييم التجارب السلبية، ونستخلص الدروس المهمة منها، ونستبدل بشعور الضعف بسبب ما حدث لنا في الماضي مشاعرَ القوة والتحدّي.
  4. عبّر عن مشاعرك: يمكن التعبير عن المشاعر بطرائق صحية؛ مثل الكتابة والرسم والتمارين الرياضية أو التحدث إلى أحد الأصدقاء المقربين أو إلى مختص نفسي؛ إذ يساعد ما سبق على تفريغ المشاعر السلبية وتخفيف تراكمها.
  5. مارس تمارين الاسترخاء: من التمارين التي تُمكن ممارستها التأمل واليوغا والتنفس العميق؛ إذ تساعد على تهدئة العقل وتخفيف التوتر والقلق.
  6. اعتنِ بجسدك: يساعد النوم الكافي من 7 إلى 9 ساعات في الليلة الواحدة على تحسين المزاج وتقليل التوتر وتحسين الوظائف الإدراكية والتركيز. علاوة على أن تناول الطعام الصحي الذي يحتوي الفواكه والخضار والبروتين يساعد على تحسين مزاجك ويسهم في توازن كيمياء الدماغ، وتقوية الجهاز المناعي ومكافحة التوتر، وتقليل الشعور بالتعب والإرهاق.

يجب أيضاً تجنب السكريات المُضافة والأطعمة المُعالجة، فهي تُؤثّر سلباً في المزاج وتزيد التوتر والقلق، والحرص على شرب الماء بكميات كافية، فهو يساعد على ترطيب الجسم وتحسين وظائف الأعضاء؛ ما يُسهم في تحسين مزاجك.

ويُنصح بممارسة الرياضة بانتظام نحو 150 دقيقة أسبوعياً من التمارين المعتدلة؛ يشمل ذلك المشي السريع والسباحة وركوب الدراجات والرقص، أو التمارين الرياضية الأخرى التي تُسهم في زيادة نبضات القلب. إذ تُفرز الرياضة هرمونات مسؤولة عن السعادة والتفاؤل؛ مثل الإندورفين والدوبامين، إلى جانب أنها تحسن جودة النوم وتزيد الثقة بالنفس وتعزز قدرة الجسم على التعامل مع الضغوط.

  1. ابن علاقات صحية: بناء علاقات صحية مع الأصدقاء والمحيطين، يوفر لنا الدعم والتشجيع، ويساعدنا على الشعور بالانتماء والترابط؛ فعندما نستطيع التحدث عن مشاعرنا إلى أشخاص نثق بهم، يقل الضغط النفسي ونفهم مشاعرنا ونتعامل معها بطريقة أفضل.

لذلك؛ اختر أشخاصاً يُقدرونك ويدعمونك، وحسّن مهارات التواصل والتعبير عن المشاعر بطريقة صحية، وخصص وقتاً للأشخاص المُهمين في حياتك.

  1. ضع حدوداً واضحة: عبّر عن احتياجاتك بحزم، وأعطِ أولوية للرعاية الذاتية وصحتك النفسية، ولا تقبل تحمُّل مسؤوليات تفوق قدراتك، وابتعد عن الضغوط التي لا تستطيع تحملها، وتعلم قول "لا" عند الضرورة.
  2. اطلب المساعدة عند الحاجة: قد يحتاج المرء إلى طلب العون من مختص الصحة النفسية، للمساعدة على إيجاد طرائق فعالة للشفاء. لذلك؛ لا تخشَ طلب المساعدة عندما تحتاج إليها.

اقرأ أيضاً: هل يجب أن تسامح من آذاك؟

تذكر أن العبء العاطفي جزء من الحياة لا يمكن تجاهله؛ لكن باستطاعتنا التعامل معه بطريقة صحية، حتى نستطيع عيش حياة سعيدة وإيجابية. فاستمرار التعلم والتطوير وتعزيز مهارات التعامل مع التجارب الصعبة، يساعدنا على تحرير نفوسنا من العبء العاطفي ويُمكّننا من عيش حياة أكثر إرضاءً وهدوءاً.